ما الفوائد العلمية لجلب عيّنات من المريخ؟ وما التحديات التي تواجه العملية؟

5 دقيقة
ما الفوائد العلمية لجلب عيّنات من المريخ؟ وما التحديات التي تواجه العملية؟
لقطة من رسم متحرك توضح خطة مهمة إعادة العينات المرّيخيّة، كما صممها مختبر الدفع النفاث. وكالة ناسا/مختبر الدفع النفاث/يوتيوب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تواجه مهمة إعادة العيّنات المرّيخية (Mars Sample Return) البالغة الأهمية التي تجريها وكالة ناسا وتهدف إلى البحث عن الحياة خارج الأرض أزمة كبيرة. تضخّمت ميزانية هذه المهمة من 5 مليارات دولار إلى أكثر من 11 مليار دولار، وقد يتأخر موعد إعادة العينات من نهاية العقد الجاري إلى عام 2040. ستكون هذه المهمة الأولى التي يحاول فيها الخبراء إعادة عينات صخرية من المريخ إلى الأرض حتى يتمكن العلماء من تحليلها بحثاً عن علامات تدل على وجود الحياة سابقاً على الكوكب الأحمر.

قال مدير وكالة ناسا، بيل نيلسون، في مؤتمر صحفي عُقد بتاريخ 15 أبريل/نيسان 2024 إن المهمة في وضعها الحالي مكلفة للغاية والتقدم فيها بطيء للغاية. أمهلت الوكالة الشركات الخاصة شهراً لتقديم مقترحات لإجراء عملية إعادة العينات بطريقة أسرع وبأسعار معقولة. بصفتي عالم فلك أدرس علم الكونيات وألفت كتاباً عن المهام المبكرة إلى المريخ، فأنا أراقب التطورات في مهمة إعادة العينات على نحو دائم. المريخ هو أقرب وأنسب كوكب يمكننا البحث فيه عن الحياة خارج الأرض، وإذا فشلت مهمة ناسا الطموحة هذه، فإن العلماء سيخسرون فرصة تعلّم المزيد عن الكوكب الأحمر.

اقرأ أيضاً: تقنية زراعية قديمة قد تساعد على توفير الطعام للبشر على المريخ

قابلية إيواء الحياة في المريخ

كشفت أولى مهام وكالة ناسا التي وصلت إلى سطح المريخ في عام 1976 عن أن الكوكب عبارة عن صحراء شديدة البرودة وغير صالحة لإيواء الحياة دون غلاف جوي كثيف يحمي الكائنات الحية من أشعة الشمس فوق البنفسجية. لكن الدراسات التي أجريت على مدى العقد الماضي تشير إلى أن الكوكب ربما كان أكثر دفئاً ورطوبة بكثير قبل عدة مليارات من السنين. بيّنت مركبتا كيوريوسيتي وبيرسيفيرنس أن بيئة الكوكب كانت مناسبة للحياة الميكروبية في وقت مبكّر من عمره. عثرت المركبتان على اللبنات الكيميائية الأساسية للحياة وعلامات تشير إلى أن الكوكب الأحمر احتوى على المياه السطحية في ماضيه البعيد. ما تزال مركبة كيوريوسيتي التي هبطت على المريخ في عام 2012 نشطة، أما مركبة بيرسيفيرنس التي هبطت على الكوكب في عام 2021 فستؤدي دوراً حاسماً في مهمة إعادة العينات.

فوهة جيزيرو المريخية التي يبحث العلماء فيها عن علامات تشير إلى أن المريخ احتوى على البكتيريا في ماضيه. حقوق الصورة: وكالة الفضاء الأوروبية/المركز الوطني لأبحاث الطيران والفضاء في جمهورية ألمانيا الاتحادية/جامعة فرايا برلين، حقوق الملكية الفكرية المشتركة المتماثلة الرخصة (CC BY-SA)

لماذا يريد العلماء دراسة العينات المريخية؟

بحث علماء وكالة ناسا عن الحياة في صخور المريخ أول مرة في عام 1996. زعم العلماء أنهم اكتشفوا حفريات مجهرية بكتيرية في النيزك المريخي الذي يحمل اسم "أيه إل آتش 84001" (ALH84001). هذا النيزك هو قطعة من المريخ هبطت في القارة القطبية الجنوبية قبل 13 ألف سنة واكتُشفت في عام 1984. اختلف العلماء حول احتواء هذه الصخرة النيزكية على كائنات حية في ماضيها من عدمه، ويتفق معظمهم اليوم على عدم وجود أدلة كافية تبين أنها تحتوي على أحافير.

اكتُشفت عدة مئات من النيازك المريخية على الأرض في العقود الأربعة الماضية. هذه النيازك هي بمثابة عينات مجانية سقطت على الأرض، وعلى الرغم من أن الشروع في دراستها يبدو بديهياً، فإن العلماء لا يستطيعون تحديد المواقع على المريخ التي نشأت فيها. بالإضافة إلى ذلك، انفصلت هذه النيازك عن سطح المريخ بفعل التصادمات، ومن المحتمل أن هذه الأحداث العنيفة دمّرت الأدلة الدقيقة التي تشير إلى وجود الحياة في الصخور أو عدّلتها. لا يوجد بديل عن إعادة العينات من منطقة معروفة بأنها كانت ملائمة لإيواء الحياة في الماضي. بالنتيجة، ستكلّف مهمة إعادة العينات المريخية وكالة ناسا 700 مليون دولار لكل نحو 28 غراماً من العينات، ما يجعل هذه العينات أغلى المواد التي جُمعت على الإطلاق.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تبين أن كوكب المريخ ربما شهد نشاطاً جيولوجياً

مهمة ملحّة ومعقّدة

إعادة الصخور المريخية إلى الأرض هي المهمة الأصعب التي حاولت ناسا إجراءها في تاريخها، وبدأت المرحلة الأولى منها بالفعل. جمعت مركبة بيرسيفيرنس أكثر من 20 عينة من الصخور والتربة ووضعتها على أرضية فوهة جيزيرو، وهي منطقة ربما كانت مغمورة بالمياه وأوت الحياة في الماضي. تُدخل المركبة العينات في حاويات بحجم أنابيب الاختبار، ثم ستجمعها بمجرد تعبئتها ونقلها إلى الموقع الذي ستهبط فيه مركبة إعادة العينات الهابطة التابعة لوكالة ناسا (Sample Retrieval Lander). تحتوي هذه المركبة على صاروخ لنقل العينات إلى مدار حول المريخ.

https://youtube.com/watch?v=t9G36CDLzIg%3Ffeature%3Doembed

صممت وكالة الفضاء الأوروبية المركبة المدارية للعودة إلى الأرض (Earth Return Orbiter)، التي ستلتقي بالصاروخ في مدار المريخ وتلتقط حاوية العينات التي يبلغ حجمها حجم كرة السلة. ستُختم العينات عندها تلقائياً في نظام احتواء حيوي وستُنقل إلى كبسولة الدخول إلى الأرض، وهي جزء من مركبة العودة إلى الأرض المدارية. بعد الرحلة الطويلة إلى كوكبنا، ستهبط الكبسولة بالإسقاط المظلي على سطح الأرض. التحريك المعقّد للمعدات المنخرطة في هذه المهمة، التي تتضمن مركبة جوالة ومركبة هابطة وأخرى مدارية وصاروخاً، بالإضافة إلى التنسيق بين وكالتين فضائيتين، هو جهد لم يسبق له مثيل. هذان العاملان هما سبب تضخّم ميزانية المهمة وتمديد جدولها الزمني.

نفاد الميزانية الناجم عن عملية إعادة العينات

كلّفت مهمة إعادة العينات المرّيخية وكالة ناسا الكثير من المال، ما يهدد المهام الأخرى التي تحتاج إلى تمويل. سرّح مختبر الدفع النفاث، وهو المركز القائم على هذه المهمة في الوكالة، أكثر من 500 موظف مؤخراً. من المرجح أن ميزانية مهمة إعادة العينات المرّيخية هي سبب جزئي في تسريح الموظفين، ولكن هذا التسريح يعود أيضاً إلى أن مختبر الدفع النفاث يخطط لإجراء عدد كبير من المهام الكوكبية ويعاني تخفيضات في الميزانية.

أثار تقرير أصدره مجلس مراجعة مستقل وتقرير أصدره مكتب المفتش العام لوكالة ناسا خلال العام المنصرم مخاوف عميقة بشأن جدوى مهمة إعادة العينات. وصف التقريران تصميم المهمة بأنه معقد للغاية وأشارا إلى مشكلات مثل التضخم وأخرى تتعلق بسلسلة التوريد والتكاليف غير الواقعية وتقديرات الجدول الزمني. تتعرض وكالة ناسا أيضاً إلى الضغط من الكونغرس الأميركي. خفضت لجنة المخصصات المالية في مجلس الشيوخ ميزانية وكالة ناسا لعلوم الكواكب بمقدار يتجاوز نصف مليار دولار في سنة 2024 المالية. قد تضطر وكالة ناسا إلى إلغاء المهمة إذا لم تتمكن من الحد من التكاليف.

اقرأ أيضاً: من الخيال العلمي إلى التنفيذ: 14 مشروعاً مذهلاً لوكالة ناسا

التفكير بإبداعية

في مواجهة هذه التحديات، وجهت ناسا دعوة إلى القطاع الخاص لتقديم تصاميم مبتكرة بهدف خفض تكلفة المهمة وتعقيدها. كان من المقرر تقديم المقترحات بحلول 17 مايو/أيار 2024، وهو جدول زمني ضيق للغاية بالنظر إلى صعوبة تصميم هذه الحلول. بالإضافة إلى ذلك، سيكون تحسين الخطة التي احتاج الخبراء في مختبر الدفع النفاث إلى أكثر من عقد من الزمن لوضعها صعباً بالنسبة للشركات الخاصة.

شركة الفضاء التجارية سبيس إكس هي إحدى الشركات التي قد تؤدي دوراً حاسماً في هذه الحالة. تتعاون ناسا بالفعل مع سبيس إكس في مهام العودة إلى القمر. ستحاول سبيس إكس إنزال البشر على سطح القمر أول مرة منذ أكثر من 50 عاماً من خلال مهمة أرتميس 3. مع ذلك، فإن صاروخ ستارشيب (Starship) الضخم الذي ستستخدمه سبيس إكس في مهمة أرتميس خضع لثلاث رحلات تجريبية فقط، ويجب تطويره أكثر قبل أن ينال ثقة ناسا في نقل أطقم بشرية. من حيث المبدأ، يستطيع هذا الصاروخ إعادة حمولة كبيرة من صخور المريخ إلى الأرض في مهمة واحدة مدتها عامان وتكلفتها أخفض بكثير. لكن استخدام هذا الصاروخ يترافق بمخاطر وشكوك كبيرة.

ليس من الواضح إن كان بالإمكان استخدام هذا الصاروخ لإعادة العينات التي جمعتها مركبة بيرسيفيرنس بالفعل. يتطلب إطلاق صاروخ ستارشيب استخدام منصة إطلاق، ويجب تزويد هذه المنصة بالوقود حتى تتمكن من إجراء رحلة العودة إلى الأرض. ولكن لا توجد منصة إطلاق أو محطة تزويد بالوقود في فوهة جيزيرو. صُمم صاروخ ستارشيب لنقل البشر، ولكن إذا سافر رواد الفضاء إلى المريخ لجمع العينات، يجب استخدام صاروخ ستارشيب أكبر من الصاروخ الذي اختبرته سبيس إكس. كما أن إرسال رواد الفضاء ينطوي على مخاطر وتكلفة إضافية، فضلاً عن أن خطط استخدام البشر في المهمة قد تكون أعقد من خطط ناسا الحالية.

في ضوء هذه الضغوط والقيود، اختارت وكالة ناسا الاستعانة بالقطاع الخاص على أمل أن يتوصل إلى حل ناجح. سنعرف نتيجة هذه الجهود خلال شهر يونيو/حزيران 2024.