دراسة جديدة: القارة القطبية الجنوبية ستتأثر أكثر بالتغيّر المناخي في المستقبل

القارة القطبية الجنوبية والتغير المناخي
"يجب أن تدرك هذه الدول أن بيئة هذه القارة ستتأثر أكثر من أي وقت مضى ما دامت تستمر بالبحث عن الوقود الأحفوري في مختلف أنحاء العالم وتستخرجه وتحرقه". الأستاذة آنا هوغ، جامعة ليدز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في فصل صيفٍ شهدنا فيه درجات حرارة قياسية وظواهر جوية متطرفة، ليس من الغريب أن نتساءل عما إذا كان هناك مكان في العالم لن يتأثر بالتغيّر المناخي الناجم عن النشاطات البشرية. على الأرجح أن الجواب هو لا، وينطبق ذلك حتى على المناطق النائية. وجدت دراسة نُشرت بتاريخ 8 أغسطس/ آب 2023 في مجلة فرونتيرز إن إنفايرومنتال ساينس (Frontiers in Environmental Science)، أن الأحداث المتطرفة، مثل موجات الحر في المحيط وذوبان الجليد، ستصبح أكثر شيوعاً وأكثر شدّة في القارة القطبية الجنوبية.

انعكاس تأثيرات ذوبان جليد القارة القطبية الجنوبية على العالم

يجب اتخاذ إجراءات صارمة للحد من آثار ظاهرة الاحتباس الحراري وتحقيق الهدف المنصوص عليه في اتفاقية باريس لعام 2015 المتمثّل في الحفاظ على الارتفاع في درجات الحرارة ما دون 1.5 درجة مئوية مقارنة بدرجات الحرارة السائدة قبل الثورة الصناعية، ويحذّر مؤلفو الدراسة الجديدة من أن درجات الحرارة المتطرفة التي شهدتها القارة القطبية الجنوبية مؤخراً ليست سوى البداية.

قال عالم الأرض والمتخصص في علم الجليد في جامعة إكسيتر والمؤلف المشارك للدراسة، مارتن سيغيرت، في بيان صحفي: “التغيرات في القارة القطبية الجنوبية لها تأثيرات عالمية. خفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى الصافي الصفري هو الخيار الأفضل أمامنا لحماية هذه القارة، ويجب أن يكون هذا الهدف من أولويات البلدان جميعها والأفراد جميعهم حول العالم”.

اقرأ أيضاً: متفجرات تحت سطح القارة القطبية الجنوبية

لوحِظ مؤخراً ارتفاع شديد وسريع في معدّل ذوبان الجليد في الصفائح الجليدية على الطرف الغربي للقارة القطبية الجنوبية، وخصوصاً شبه الجزيرة في القارة، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي خلال القرون القليلة القادمة. يذوب نهر ثويتس الجليدي، الذي يحمل أيضاً اسم نهر يوم القيامة الجليدي، الواقع في الجانب الغربي من القارة بوتيرة سريعة بصورة خاصة.

ضرورة الالتزام بمعاهدة القارة القطبية الجنوبية

وثّق الفريق في الدراسة الأحداث المتطرفة التي وقعت في المحيط الجنوبي والقارة القطبية الجنوبية، مثل الأحداث الجوية وتلك المتعلقة بدرجات حرارة المحيط والجليد البحري وأنظمة الأنهار الجليدية والأجراف الجليدية، وقيّموا التنوّع الحيوي على البر وفي البحر. وجد الباحثون أن البيئات الضعيفة في القارة “قد تتعرض لضغوط وأضرار كبيرة في السنوات والعقود المقبلة”. دعا المؤلفون إلى اتخاذ إجراءات سياسية عاجلة لحماية القارة القطبية الجنوبية، وقالوا إن امتناع العديد من الدول عن حماية هذه القارة يعد انتهاكاً لإحدى المعاهدات الدولية.

اقرأ أيضاً: اكتشاف المياه العميقة في القارة القطبية الجنوبية يأخذنا برحلة في الزمن

قال سيغيرت: “تعهّد الموقعون على معاهدة القارة القطبية الجنوبية (مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة والهند والصين) بالحفاظ على بيئة هذه القارة النائية والضعيفة. يجب أن تدرك هذه الدول أن بيئة هذه القارة ستتأثر أكثر من أي وقت مضى بطرق لا تتوافق مع ما تعهّدت به ما دامت تستمر بالبحث عن الوقود الأحفوري في مختلف أنحاء العالم وتستخرجه وتحرقه”.

نظرت الدراسة أيضاً في مقدار تأثّر القارة القطبية الجنوبية بمجموعة متنوعة من الأحداث المتطرفة لتحديد أسباب ذلك والتغيرات التي من المرجّح أن تطرأ عليها في المستقبل. تشمل هذه المجموعة أشد موجات الحر الموثّقة في العالم، التي شهدها شرق القارة القطبية الجنوبية في عام 2022. تجاوزت درجات الحرارة المتوسط بمقدار 21 درجة مئوية، كما انخفض حالياً معدّل تشكّل الجليد البحري خلال الشتاء إلى أدنى قيمة مسجّلة له.

التنوع الحيوي في خطر

يرتبط الارتفاع في درجات الحرارة أيضاً بانخفاض أعداد قشريات الكريل في سنوات محددة. بالنتيجة، انخفضت معدلات التكاثر لدى الأنواع التي تتغذّى على الكريل، مثل فقمة الفراء.

قالت أستاذة رصد الأرض في جامعة ليدز والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، آنا هوغ، في بيان صحفي: “تبيّن النتائج التي توصلنا إليها أنه على الرغم من أن تأثيرات الأحداث المتطرفة تتجلى في ازدياد معدل هطل الأمطار وحدوث الفيضانات وموجات الحر وحرائق الغابات، مثل تلك التي شوهدت في القارة الأوروبية في صيف عام 2023، فإنها تؤثر أيضاً في المناطق القطبية النائية. يتأثر كل من الجليد البحري والأنهار الجليدية والنظم البيئية الطبيعية بالأحداث المتطرفة في القارة القطبية الجنوبية. لذلك، تنفيذ المعاهدات وتطبيق السياسات الدولية ضروري لحماية هذه المناطق الجميلة والحساسة”.

تدعو الدراسة أيضاً إلى إدارة القارة القطبية الجنوبية بعناية لحماية المواقع المعرضة للخطر؛ إذ سيسمح تراجع الغطاء الجليدي البحري في القارة بوصول السفن إلى بعض المناطق الجديدة. يمكن استخدام أقمار كوبرنيكوس سنتينل (Copernicus Sentinel) الاصطناعية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية والمفوضية الأوروبية لمراقبة القارة القطبية الجنوبية والمحيط الجنوبي على نحو منتظم، كما تستطيع هذه الأقمار رصد الجليد في هذه المناطق.

اقرأ أيضاً: حدث لم يكن متوقعاً: انهيار جرف جليدي شرق القارة القطبية الجنوبية

قالت خبيرة الجليد البحري في معهد مسح القارة القطبية الجنوبية البريطاني والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، كارولين هولمز، في بيان صحفي: “احتل جليد القارة القطبية الجنوبية البحري عناوين الصحف في الأسابيع الأخيرة، وتوضّح هذه الورقة كيف انخفضت كمية الجليد البحري الموثّقة في القارة القطبية الجنوبية لعدة سنوات، بعد أن وصلت إلى أعلى مستوياتها وبدأت الانخفاض إلى أخفض مستوياتها منذ عام 2017. بالإضافة إلى ذلك، هناك روابط تبادلية عميقة بين الأحداث المتطرفة في جوانب مختلفة من النظامين الفيزيائي والحيوي في القارة القطبية الجنوبية، التي تعد أغلبيتها الساحقة عرضة لتأثيرات النشاطات البشرية بطريقة ما”.