بدأ التفكير بالعوامل التي تؤثّر في فاعلية اللقاحات انطلاقاً من أن أعراض الأمراض ومفاعيل الأدوية كلها تختلف بتأثيرها حسب الوقت من اليوم، فلمَ لا يكون لوقت أخذ اللقاح دورٌ تتحدد من خلاله فاعليته؟
فانطلاقاً من أن ساعتنا البيولوجية الداخلية، التي تعمل على مدار 24 ساعة تنظّم العديد من جوانب وظائف الأعضاء، بما في ذلك الاستجابة للأمراض الإنتانية والتطعيم، أظهرت دراسة نُشرت في دورية الإيقاعات البيولوجية (The Journal Of Biological Rhythms) أن مستويات الأجسام المضادة، والتي تفصح عن فاعلية وقائية أعلى ونتائج أفضل، تكون أعلى عندما يتلقى الفرد لقاح سارس-كوف-2 في فترة ما بعد الظهر مقارنة بالصباح.
اقرأ أيضاً: ما هي اللقاحات العكسية؟ وكيف يمكن أن تحارب أمراض المناعة الذاتية؟
الوقت من اليوم مهم عند الحصول على اللقاح
تختلف أعراض بعض الأمراض وعمل العديد من الأدوية حسب الوقت من النهار. على سبيل المثال، يعاني الأشخاص المصابون بالأمراض الصدرية والرئوية كالربو من اشتداد الأعراض وتغير في وظيفة الجهاز التنفسي في ساعات الصباح الباكر، حين تكون مستويات هرمون الأدرينالين في أدنى مستوياتها بحلول الساعة الرابعة فجراً. والأدرينالين هو أحد الهرمونات التي لها تأثيرات مهمة في القصبات الهوائية، حيث يساعد هذا الهرمون على إبقاء العضلات الموجودة في جدران القصبات الهوائية مسترخية، ويمنع إطلاق مواد أخرى، مثل الهيستامين الذي يسبب إفراز المخاط ويحفّز التشنج القصبي.
وبالشكل نفسه، ترتفع مستويات سكر الدم عند مرضى السكري خلال ساعات الفجر وذلك نتيجة ارتفاع مستوى هرموني الكورتيزول والغلوكاغون اللذين يعاكسان تأثير الإنسولين، ما يؤدي إلى ارتفاع سكر الدم.
وبالشكل نفسه، أظهرت دراسة أجريت على 2190 من الذكور البالغين الذين تلقوا لقاحاً ضد فيروس سارس-كوف-2 أن مستويات الأجسام المضادة عند من تلقوا اللقاح في فترة الظهيرة كانت أعلى مقارنة بمن تلقوه في فترة الصباح، ومستوى الأجسام المضادة يُعبّر عن شدة فاعلية الاستجابة للقاح. وذلك بعد جمع عينات الدم من المشاركين بعد عدة أيام من التطعيم وإنشاء نموذج لتأكيد وقت أخذ اللقاح، حيث أعطي اللقاح لمجموعة في فترة بعد الظهر وأخرى في فترة الصباح، لمقارنة نتائج التأثير على مستويات الأجسام المضادة.
اقرأ أيضاً: 6 خرافات عن اللقاحات وحقيقتها
تقول إليزابيث كليرمان (Elizabeth Klerman) وهي أحد المؤلفين المشاركين في الدراسة وباحثة في قسم الفيزيولوجيا العصبية في مستشفى ماساتشوستس العام وأستاذة في علم الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد: "توفّر دراستنا دليلاً يُثبت أهمية عامل ومفهوم الوقت في الاستجابة المناعية للقاح سارس-كوف-2، وهي نتائج قد تكون ذات صلة لتحسين فاعلية اللقاح".
هل تنطبق هذه النتائج على أنواع اللقاحات جميعها؟
لا يمكن تطبيق النتائج على أنواع اللقاحات جميعها؛ حيث يتعلق الأمر بنوع اللقاح أيضاً، إذ ازدادت فاعلية لقاح فيروس SARS-CoV-2 سارس-كوف-2 عند أخذه في فترة بعد الظهيرة نتيجة تناغم الطريقة التي يعمل بها اللقاح مع مكونات الجسم خلال ذلك الوقت.
أمّا بما يخص اللقاحات الأخرى، كلقاح الإنفلونزا على سبيل المثال، فقد لا يكون الخيار الأمثل أخذه بعد الظهر كما الحال مع لقاح سارس، والتفسير يعود لأن لكل لقاح آليات عمل مختلفة عن بعضها بعضاً، وتختلف استجابة الأجسام المضادة بشكلٍ كبير أيضاً اعتماداً على ما إذا كان الجهاز المناعي يتعرف على العامل الممرض من حالات العدوى السابقة، مثل الإنفلونزا، أو ما إذا كان يواجه فيروساً جديداً كما في حال أخذ لقاح ضد أحد الفيروسات أول مرة.
من جهة أخرى، كانت لهذه الدراسة مجموعة من القيود التي منعت الباحثين من تعميم النتائج، مثل نقص البيانات حول التاريخ الطبي والدوائي للمشاركين إلى جانب أنماط نومهم وطبيعة عملهم وصحة أجهزتهم المناعية، والتي يمكن أن تؤثّر أيضاً في استجابات اللقاح.
اقرأ أيضاً: بحث جديد: لقاحات الإنفلونزا تقلل خطر الإصابة بألزهايمر
وأضافت كليرمان قائلة: "نحن بحاجة إلى تكرار الاختبارات والمراقبات لتعزيز دقة النتائج التي توصلنا إليها وصحتها، وذلك لتطوير فهم أفضل لعلم وظائف الأعضاء واستجابة الجسم للتطعيم قبل أن نتمكن من التوصية بأخذ دفعة إضافية من اللقاح، وخاصةً عند الأفراد الأكبر سناً والمضعفين مناعياً".