كلبتي بالتبني، دارلا، وهي كلبة بيتبول تعاني مشكلات في الجهاز الهضمي، ترتعش في أثناء نومها. أنا أفترض أنها تحلم بالسناجب، التي تطاردها بلا رحمة عندما تكون مستيقظة. قد أكون محقة. تُبيّن الأبحاث أنه لا شك تقريباً في أن الكلاب تحلم. وأقول تقريباً لأن هذه الحيوانات لا تستطيع استخدام اللغة لنقل تجاربها وتأكيد أن الكوابيس تراودها عن المكانس الكهربائية التي تخاف منها.
قال أستاذ فلسفة العلوم في جامعة سان فرانسيسكو الحكومية ومؤلف كتاب "عندما تحلم الحيوانات: العالم الخفي لوعي الحيوانات" (When Animals Dream: The Hidden World of Animal Consciousness)، ديفيد بينيا غوزمان: "لن نتمكن أبداً من [إثبات أن الكلاب، أو أي نوع آخر من الحيوانات، تحلم]. لا يتعلق الأمر باكتشاف دليل واحد يُثبت الادعاء الذي ينصُّ على أن الحيوانات تحلم أو يدحضه، بل يتعلق بتحليل مجموعة معقدة ومترابطة من الأدلة التي قد تدعم هذا الادعاء". إذا بحثت سريعاً في موقع يوتيوب، ستلاحظ أن هناك الكثير من مقاطع الفيديو التي تُبيّن أن الكلاب ترتعش وتركل وتتبع الكثير من السلوكيات المحببة في أثناء النوم. لا تُثبت هذه المقاطع أن الكلاب تحلم، لكن النشاط الدماغي لهذه الحيوانات يشير بوضوح إلى أن ذلك يحدث فعلاً.
تدخل الكلاب في مرحلة نوم حركة العين السريعة مثل البشر، وهي المرحلة التي يبدو النشاط الدماغي لديها مشابهاً للغاية لنظيره في أثناء اليقظة. هذه المرحلة هي التي يحلم خلالها البشر. ومن المرجّح أن الأمر نفسه ينطبق على الكلاب. في الواقع، البشر والكلاب نوعان متشابهان للغاية عندما يتعلق الأمر بالنوم لدرجة أن الباحثين اكتشفوا في دراسة نُشِرت في مجلة ساينتفيك ريبورتس (Scientific Reports) أن العلماء يستطيعون التعلّم عن النوم لدى البشر من خلال دراسة النشاط الدماغي للكلاب وهي نائمة.
اقرأ أيضاً: هل تستطيع الكلاب تخيل الأشياء مثل البشر؟
ما الذي تحلم به الكلاب؟
على الأرجح أن الكلاب تحلم بالمواقف التي تمر بها وهي مستيقظة. استشهد بينيا-غوزمان في كتابه بأبحاث عالمة الرئيسيات، كيمبرلي موكابي، التي لاحظت أن قردة الشمبانزي النائمة تستخدم لغة الإشارة الأميركية لرسم إشارات كلمة "القهوة"، وهو مشروب تذوقته هذه القردة وهي مستيقظة. في ستينيات القرن الماضي، درس عالم الأعصاب، ميشيل جوفيه، القطط التي تعاني تلفاً في جسر فارول، وهو الجزء من جذع الدماغ المسؤول عن ونى العضلات، وهي حالة تمنع الحيوانات عن الحركة في أثناء مرحلة نوم حركة العين السريعة. عندما كانت القطط نائمة من الناحية الفنية، فهي كانت تقفز وتستخدم مخالبها، ما يُعدُّ علامة قوية على أنها كانت تحلم بما قد نتوقعه، مطاردة الفرائس.
وفقاً للكتاب الذي ألّفه أستاذ علم النفس الذي يدرس سلوك الكلاب، ستانلي كورِن، بعنوان "هل تحلم الكلاب؟ تقريباً كل ما يريد كلبك أن تعرفه" (Do Dogs Dream? Nearly Everything Your Dog Wants You to Know)، اتبعت الكلاب سلوكاً مشابهاً. بيّنت الأبحاث أن الجرذان تُبدي في مرحلة نوم حركة العين السريعة النشاط الدماغي نفسه الذي تُبديه في أثناء عبور المتاهات. على الرغم من أننا قد نتمكن من استنتاج ما تحلم به الكلاب بناءً على هواجسها وهي مستيقظة (قطع اللحم أو اللعب في الحديقة أو مداعبتها من قِبل البشر وما إلى ذلك)، فقد لا نتمكن أبداً من تحديد انطباعاتها عن هذه الأحلام. يعرف أي شخص انتظر بصبر أن يفحص كلبه كل شجرة وعمود إنارة في الحيّ أن الكلاب تختبر العالم إلى حد كبير من خلال حاسة الشم.
تحتوي أنوف الكلاب على مئات الملايين من المستقبلات، بينما تحتوي أنوف البشر على نحو 6 ملايين. مثل الثعابين والقطط، تمتلك الكلاب عضواً يحمل اسم "العضو الأنفي الميكعي"، الذي يتحسس المواد الكيميائية التي لا يستطيع البشر تحسسها مثل الفيرومونات والتي تشير إلى أن الكلاب الأخرى جاهزة للتزاوج. قال بينيا-غوزمان إنه من المعقول أن نفترض أن الروائح تؤثّر في انطباع الكلاب عن الأحلام لأن هذه الحيوانات تختبر العالم من خلال حاسة الشم. الروائح تدوم وتنتشر، على عكس الضوء. عندما يغادر أصحاب الكلاب منازلهم، تشعر الكلاب بأنهم ما زالوا موجودين لأن روائحهم المميزة تظل موجودة. تتصور الكلاب الحيز المادي من خلال الروائح أيضاً. قد تؤدي هذه العلاقة المختلفة للغاية بين الزمان والمكان إلى تشكل الأحلام التي بالكاد يمكننا تخيّلها. قال بينيا-غوزمان إننا قد لا نكتشف أبداً ما تحلم به الكلاب بالضبط أو انطباع الكلاب عن هذه الأحلام. لكن إذا أخذنا في الاعتبار ما نعرفه عن عواطف هذه الحيوانات وحياتها الاجتماعية وذاكرتها، يمكننا تحديد "مجموعة من الأحداث المحتملة" في أحلامها.
ما الذي يجعل فهم أحلام الكلاب مهماً؟
يقول بينيا-غوزمان إنه "بمجرد أن نتمكن على نحو معقول من استنتاج أن كائناً ما يحلم، علينا أن نفترض مباشرة أنه يمتلك وعياً" أيضاً. يُضيف بينيا-غوزمان قائلاً: "رؤية الأحلام هي واقع يعيشه الكائن، وهذا ما نشير إليه بالوعي عادة؛ إذ إنه ظاهرة يمر بها الكائن الحي تكشف له عالماً من نوع ما". لم يتوصل العلماء والفلاسفة إلى تعريف متفق عليه للوعي البشري، فضلاً عن التوصل إلى تعريف لوعي الحيوانات، ما يعني أن التعريف الذي قدّمه بينيا-غوزمان ليس متفقاً عليه. مع ذلك، إذا اعتبرنا أن الكلاب كائنات واعية وليست آلات ذات فراء تأكل وتتكاثر فقط، فقد يؤثّر ذلك في مكانتها الأخلاقية والقانونية في المجتمع. نتعامل وفقاً القوانين والأعراف الاجتماعية مع الدلافين وقردة الغوريلا بطريقة مختلفة عن تعاملنا مع الدجاج، ويعود ذلك جزئياً إلى أننا نعتبر أن هذه الحيوانات تعيش حيوات داخلية أكثر ثراءً.
اقرأ أيضاً: مرض تنفسي جديد يُصيب الكلاب: ما الأعراض التي يجب الانتباه إليها؟
قد يسهم النظر إلى الكلاب على أنها حيوانات واعية في وضع قوانين أكفأ لحمايتها، ويشمل ذلك القوانين التي تأخذ رفاهتها النفسية في الاعتبار. بغض النظر عن قضايا حقوق الحيوان، فإن النظر إلى الكلاب على أنها حيوانات واعية وحالمة قد يغير علاقتنا الشخصية بها. تلقّى بينيا-غوزمان رسائل من القراء يقولون له فيها إن الكتاب "زاد تعقيد" الحيوانات الأليفة التي يحبونها في نظرهم أو "كشف جانباً جديداً عميقاً" فيها. وتابع بينيا-غوزمان: "قال البعض في هذه الرسائل إنه 'يقضي وقته الآن في التساؤل عمّا تحلم به الكلاب أو القطط'"، وأضاف قائلاً إن هذه اللحظات التي يفكّر فيها الأشخاص بالعالم الداخلي للكلاب قد تكون مؤثرة للغاية وتدفع للتواضع.
أعتقد أن هذا التساؤل يمكن أن يمثّل مبادرة أخلاقية من جانبنا، لأنه يوفّر لحظة للتأمل أو إعادة النظر في علاقتنا مع الحيوانات تذكّرنا بأنها مستقلة ولها حياتها الخاصة التي ربما نكون جزءاً مهماً منها، على الرغم من أن هذه الحيوانات في النهاية ليست موجودة لتساعدنا أو تخدمنا، بل إنها موجودة في هذا العالم لتعيش حياتها الخاصة".