نستذكر المثل القديم المنسوب إلى أرسطو "الكل أكبر من مجموع الأجزاء"، والذي يمكن إسقاطه على جوهر التآزر الغذائي، فعندما نسمع بمصطلح "التآزر الغذائي" يبدو لنا أننا نعرف كل شيء عنه، تماماً كما تنسجم الفراولة مع الشوكولاتة والبيض مع الخبز، فصحيحٌ أن هذه الأطعمة رائعة المذاق معاً، إلا أن المذاق ليس مضمون التآزر الغذائي.
لا تقتصر أفضل العلاقات بين الأغذية على المذاق، وإنما تُبنى على تعزيز الفائدة الغذائية لكل منها عند تناولها معاً، حيث تكون فوائد نوعين من الأغذية عند تناولها معاً أعظم من تناول كل منها بشكل فردي.
من جهة أخرى، من الممتع أن نكون أذكياء ونحتال على جسمنا عندما يتعلق الأمر بالغذاء جاعلين العناصر الغذائية متاحة ومتوفرة لأجسامنا بأفضل ما يمكن، فما أفضل ثنائيات الأطعمة التي تحقق ذلك؟
اقرأ أيضاً: ما الأطعمة التي تحفّز الشعور بالشبع أكثر من غيرها؟
ما أفضل ثنائيات الأطعمة التي تتعزز فائدتها عند تناولها معاً؟
يحقق تناول الثنائيات الغذائية التالية فوائد أكثر من تناول كل منها على حدة، حيث تعزز كل منها امتصاص العناصر الغذائية الموجودة في الأخرى، ومن أبرزها نذكر:
1. الكرنب والأفوكادو
الكرنب والخضروات الورقية الداكنة والجزر والفلفل الأحمر والطماطم غنية بالبيتا كاروتين، ولكن إن كنت تريد حقاً جني ثمارها وكامل القيمة الغذائية الكامنة فيها، فتأكد من إرفاق تناولها بمصدر غذائي للدهون غني بالأحماض الدهنية مثل الأفوكادو أو زيت الزيتون أو المكسرات أو البذور؛ حيث يعزز ذلك امتصاص البيتا كاروتين والذي بدوره يتحول إلى فيتامين أ، الضروري لعمل الجهاز المناعي ولصحة العين.
وإلى جانب ذلك، يُحفّز إرفاق الأغذية الغنية بالكاروتين مع الأغذية الدهنية الصحية امتصاص مضادات الأكسدة، بما في ذلك ألفا كاروتين واللوتين والليكوبين، والتي بدورها تساعد على مكافحة الجذور الحرة المدمرة للخلايا والمُسرّعة لحدوث الشيخوخة المبكرة، ما يجعل إرفاقها معاً ضرورة تستحق المحاولة.
2. الحمص والأرز
إذا استطاعت البقوليات مثل الحمص أن تتحدث فإنها ستقول للأرز "أكملني"، فاستهلاك الحمص مع الأرز يعود بفائدة أكبر بدلاً من استهلاك هذا البروتين النباتي لوحده، والسبب؟ لقد أصبت، أنه التآزر الغذائي.
تحتوي البقوليات بشكلٍ طبيعي على مستويات منخفضة من الميثيونين وهو أحد الأحماض الأمينية الأساسية للجسم، الأمر الذي يهم مَن يرغب في الحصول على كمية البروتين المرجوة من وجبة البقوليات، حيث يؤثر ذلك في التوافر الحيوي للميثيونين في الجسم.
وفي المقابل، يحتوي الأرز على كميات أعلى من الميثيونين المتوفر حيوياً، لذلك عندما يتعاون الاثنان معاً تكون النتيجة وجبة ذات جودة بروتين أعلى، الأمر سيان عندما نتحدث عن ثنائيات غذائية أخرى كالفاصولياء والكينوا أو العدس والدخن.
اقرأ أيضاً: كل ما يهمك معرفته حول عملية امتصاص الأغذية وكيفية تحسينها
3. السلمون والبطاطس
قد يكون الإفطار أهم وجبة في اليوم لدى الكثيرين، إلا أن الوجبة التي تلي التمرين هي التي تستحق أخبار الصفحة الأولى عند الرياضيين، فإذا كنت تمارس الرياضة بانتظام عندئذ ننصحك بتناول 60-90 غراماً من الكربوهيدرات و30 غراماً من البروتين بعد فترة وجيزة من التمرين، حيث يسرّع ذلك من التعافي ويقلل من الألم، كما يمنع الضعف المناعي، يمكنك تجربة السلمون والبطاطس أو المعكرونة واللحم الأحمر أو الأرز والدجاج.
ويتلخص سبب هذه الآثار الإيجابية بأن مستويات الإنسولين ترتفع بعد التمرين، ونتيجة لهذا الارتفاع تكون الخلايا العضلية متأهبة كل التأهب لجذب الغلوكوز والعناصر الغذائية إليها. ولا أفضل من أن نقدّم كمية متوازنة من البروتينات الدهنية الصحية والكربوهيدرات المعقّدة للسماح للخلايا العضلية بالتعافي والاستفادة من كامل العناصر الغذائية.
4. الكركم والفلفل الأسود
تتم الإشادة بالتوابل بشكلٍ متزايد في الآونة الأخيرة، فهي تثبت مدى قوتها المعززة للصحة من القرفة إلى الكمون إلى القرنفل. ولكن حتّى في عالم التوابل تُطبق مقولة "رأسين أفضل من رأس"، وإليك السبب.
الكركم غني بمضادات الأكسدة التي تعزز قدرته المضادة للالتهاب، حيث يحتوي على مركب حيوي نشط يُدعى "كركمين"، إلا أن هذا المركب الحيوي لا يُمتص بشكلٍ كامل عادةً. الخبر السار أن مادة كيميائية موجودة في الفلفل الأسود تسمى "بيبيرين" تعزز بدورها قدرتنا على امتصاص الكركمين بشكلٍ كبير، الأمر الذي يخلق تآزراً غذائياً ديناميكياً.
اقرأ أيضاً: لماذا تعد البروتينات النباتية أفضل من البروتينات الحيوانية؟
مثال آخر، يُعزز تناول الفلفل الأحمر الحاد وما يحتويه من "الكابسيسين" امتصاص الجينجيرول الموجود في الزنجبيل، ولهذين المركبين خصائص مقاومة للسرطان، وبالطبع نرغب جميعاً في أن نزيد قوة التأثيرات الإيجابية لخصائص مثل هذه قوةً عن طريق تناولها معاً.
5. الزبادي وبذور اليقطين
مشتقات الألبان من أغنى مصادر فيتامين د ذي الفوائد المتعددة التي تشمل تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب وتعزيز وظائف الدماغ وتنظيم الوظائف الحيوية، باختصار يُحسّن فيتامين د من نوعية الحياة ويكبح الإصابة بالأمراض، ولكن لا يمكن الحصول على أقصى استفادة من فيتامين د الموجود في الأغذية في ظل وجود نقص في المغنيزيوم، إذ إن إحدى أهم وظائف المغنيزيوم تنظيم امتصاص فيتامين د وتنظيم استقلابه، وتعتبر كل من بذور اليقطين والحبوب الكاملة والمكسرات والكاكاو والبقوليات مصادر غنية بالمغنيزيوم.
لهذا السبب، إذا كنت تحرص على الحصول على الجرعة اليومية من فيتامين د سواء من الزبادي أو الأسماك الدهنية أو البيض أو الفطر أو حتى عن طريق المكملات الغذائية أو التعرض لأشعة الشمس، فاحرص على تكليل جهودك بالنجاح عن طريق إرفاق ذلك بجرعة تآزرية من المغنيزيوم.
اقرأ أيضاً: ما مصادر الحصول على حاجتنا اليومية من فيتامين د؟
6. الشاي الأخضر وعصير الليمون
الشاي الأخضر غني بمضادات الأكسدة المعززة للصحة والمحاربة للجذور الحرة التي تؤثر في نوعية عمل الخلايا وتُسرّع من حدوث الشيخوخة، ببساطة هو أحد أكثر المشروبات الصحية التي يمكنك تناولها.
يُكمل فيتامين سي مضادات الأكسدة الموجودة في الشاي الأخضر، إذ توفّر إضافة عصير الليمون الغني بفيتامين سي إلى الشاي الأخضر امتصاصاً أفضل لمضادات الأكسدة يصل إلى 5 أضعاف.
7. الفاصولياء والفلفل الحلو
الحديد أحد أهم المعادن التي يمكن تضمينها في وجباتنا الغذائية، إذ إن المستويات الجيدة من الحديد تعني نقل الأوكسجين والمغذيات بشكلٍ أكثر فاعلية وتحسين قدرة الدم على إزالة المواد المستقبلة من الخلايا.
تعد اللحوم الحمراء مصدراً ممتازاً للحديد الدموي أو الحديد الحيواني، بينما تعتبر البقوليات كالفاصولياء والعدس والخضار الورقية الخضراء أغنى مصادر الحديد غير الدموي أو النباتي، وبينما يُمتص الحديد الدموي بشكلٍ جيد، قد تتم إعاقة امتصاص الحديد غير الدموي، وبذلك يكون توافره الحيوي أضعف، ولكن الطبيعة الأم قدّمت مساعدة لحل ذلك في شكل تآزر غذائي.
اقرأ أيضاً: تعرّف على الأعراض الغريبة لنقص الفيتامينات
يساعد إرفاق كميات الحديد بفيتامين سي على تحويل الحديد غير الدموي إلى شكل يسهل امتصاصه، وبالتالي ترتفع مستويات الحديد في الدم بشكلٍ أفضل عند تناول الحبوب المدعمة بالحديد مع فاكهة الكيوي على سبيل المثال مقارنة بتناولها لوحدها. وكذلك الأمر بخصوص الأطعمة الأخرى الغنية بفيتامين سي مثل الفلفل والطماطم والبروكلي والبرتقال والليمون والتوت.