قيل فيما مضى: "أنت ما تأكله" وهو مَثَل ينطبق بشكل خاص على الرياضيين، فلأداء رياضي متميز، وفائدة مُثلى من التمارين الرياضية، لا بد للرياضيين من اتباع نظام غذائي صحي متوازن ومتكامل، إذ تعد تغطية الاحتياجات من المغذيات أحد المطالب الأساسية للنجاح في الرياضة أياً كان نوعها. فما هي هذه الاحتياجات؟
احتياجات الرياضيين من الطاقة
يحتاج الرياضيون إلى مستويات من الطاقة تفوق تلك التي يحتاجها الجسم العادي غير الرياضي، وبشكل خاص لمن هم دون الـ18 من العمر، وما زالوا في طور النمو. تتراوح الاحتياجات اليومية من الطاقة للذكور ما بين 2400-3000 سعرة حرارية، وللإناث ما بين 2200-2700 سعرة حرارية، وهو ما يمكن الحصول عليه من الطعام الغني بالمغذيات الأساسية: الكربوهيدرات والدهون والبروتينات، إذ ينتج عن حرق 1 غرام من كل منها ما يلي:
- الكربوهيدرات: 4 سعرات حرارية.
- البروتينات: 4 سعرات حرارية.
- الدهون: 9 سعرات حرارية.
ولكل منها دور خاص يؤديه في الجسم.
البروتينات: اللبنة الأساسية لبناء عضلات الرياضيين
تعمل البروتينات على بناء العضلات وإصلاحها وترميمها، وتخفف من آلام العضلات، وتقوي العظام. يجب أن تؤمّن البروتينات 10- 15% من الحاجة اليومية للجسم من السعرات الحرارية. أما كمية البروتين الواجب تناولها بالنسبة للرياضيين في اليوم الواحد، فيجب تناول 1.2-2 غرام من البروتين لكل كيلوغرام من وزن الجسم. على سبيل المثال، إذا كان وزن الرياضي 90 كيلوغراماً عليه أن يتناول بروتيناً بحدود 108- 180 غراماً في اليوم.
متى يجب تناول البروتين بالنسبة للرياضيين؟
لم تتفق هيئات التغذية المختصة حول العالم على موعد مناسب لتناول البروتين، فقد يوصي البعض بتناوله بعد التمارين الرياضية مباشرة لترميم العضلات مباشرة، إلا أن ما تم الاتفاق عليه هو ضرورة توزيع كمية البروتين اليومية على عدة وجبات رئيسية، أي نحو 20-30 غراماً من البروتين لكل وجبة. كما لا يجب أن يزيد استهلاك البروتين عن الاحتياجات اليومية لأنه قد يكون ضاراً بالصحة ويتسبب بإجهاد للكبد والكليتين.
من أهم مصادر البروتينات في النظام الغذائي الصحي للرياضيين:
- كوب من اللوز مع الجرانولا مناصفة، وهو ما يعادل 26 غراماً من البروتين.
- 7 أوقيات من الزبادي (20 غراماً من البروتين).
- شطيرة زبدة الفول السوداني، وتتضمن 20 غراماً من البروتين.
- بيضتان مخفوقتان مع كوب من الحليب، وهو ما يعادل 20 غراماً من البروتين.
- نصف علبة تونة معلبة مع نصف كوب من البسكويت، وتعادل 22 غراماً من البروتين.
- شطيرة لحم ديك رومي مع الجبن، وتعادل 32 غراماً من البروتين.
الكربوهيدرات: المصدر الأساسي للطاقة في النظام الغذائي للرياضيين
تعد الكربوهيدرات مصدراً مباشراً وكبيراً للطاقة اللازمة لأداء التمارين والأنشطة الرياضية ذات الكثافة العالية، مثل تمارين رفع الأثقال، حيث توفر الكربوهيدرات 50-60% من الاحتياجات اليومية للسعرات الحرارية، وتختلف الكمية الواجب تناولها منها باختلاف نوع التمرين الرياضي، وتتراوح بشكل عام ما بين 5- 12 غراما من الكربوهيدرات لكل كيلوغرام من وزن جسم الرياضي.
تتميز الكربوهيدرات بسهولة تكسيرها للحصول على الطاقة منها، إلا أن مدة تحللها تختلف وفقاً لنوعها. تتوفر الكربوهيدرات بعدة أنواع فمنها الكربوهيدرات البسيطة كما في الفواكه والحليب، وهي التي تُهضم ويتم تحرير الطاقة منها بسرعة، والكربوهيدرات المعقدة وتُعرف بالنشويات والألياف، مثل نشاء البطاطا والذرة، وألياف الحبوب الكاملة والخضروات، وتمتاز بطول المدة اللازمة لتحللها في المعدة.
أفضل موعد لتناول الكربوهيدرات بالنسبة للرياضيين
على عكس البروتينات، يلعب موعد تناول الكربوهيدرات في النظام الغذائي للرياضيين دوراً مهماً للحصول على فائدتها. حددت الدراسة التي نُشرت في "المجلة البريطانية للطب الرياضي" (British Journal of Sports Medicine)، أفضل مواعيد تناول الكربوهيدرات بالنسبة للرياضيين:
- قبل التمرين الرياضي: يجب تناول كمية كربوهيدرات ما بين 200-300 غرام قبل التمرين الرياضي بنحو 3-4 ساعات، ما يمنح الجسم الوقت الكافي لهضم الكربوهيدرات والحصول على الطاقة.
- أثناء التمرين الرياضي: يساعد تناول 30- 60 غراماً من الكربوهيدرات أثناء التمارين الرياضية على تعويض انخفاض نسبة السكر في الدم.
- بعد التمرين الرياضي: لتعويض مخزون الجسم من الجليكوجين يمكن تناول 1- 1.5 غرام لكل كيلوغرام من وزن جسم الرياضي.
وأهم الأغذية التي تعد مصدراً للكربوهيدرات التي يمكن للرياضيين تضمينها في نظامهم الغذائي:
- الشعير.
- الأرز البني.
- البرغل.
- الدخن.
- الفشار.
- خبز القمح الكامل أو المعكرونة أو البسكويت
الدهون: السلاح ذو حدين
تساعد الدهون على توفير الطاقة، وتقوية البشرة والشعر، وتنظيم مستويات الهرمونات الصحية، حيث أن العديد من الفيتامينات والهرمونات تحتاج للدهون لتعمل في الجسم، مثل التستوستيرون. وجدت الدراسة التي نُشرت في "المجلة الدولية للطب الرياضي" (International Journal of Sports Medicine) انخفاض نسبة هرمون التستوستيرون لدى الرياضيين الذين يعتمدون نظاماً غذائياً فقير المحتوى بالدهون، ما تسبب بانخفاض كتلة العضلات وهشاشة العظام.
إلا أنه يجب ألا تزيد نسبة الدهون من السعرات الحرارية اليومية على 30%، لأنها تحتاج إلى عمل أكبر لتحطيمها من الكربوهيدرات، ما قد يُرهق الجسم الذي يحتاج طاقته لأداء التمارين الرياضية، كما أن استهلاك كميات كبيرة من الدهون غير الصحية أو المتحولة قد يرفع من نسبة الكوليسترول الضار في الجسم ويزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
من أهم مصادر الدهون الصحية الممكن تضمينها في النظام الغذائي للرياضيين:
- الأفوكادو.
- زيت الكانولا.
- زيت السمسم.
- زيت عباد الشمس.
- سمك السالمون.
- السردين.
- المكسرات، مثل اللوز والبندق والفستق وبذور اليقطين وزهرة عباد الشمس.
اقرأ أيضاً: هل تناول المزيد من الدهون يضر صحتنا؟
المغذيات الصغرى: ماذا عن دور الفيتامينات والمعادن في النظام الغذائي للرياضيين؟
لا توفر المعادن والفيتامينات والتي تُعرف بالمغذيات الصغرى الطاقة، ولا تحتوي على سعرات حرارية، إلا أن لها دوراً حيوياً لا يقل أهمية عن المغذيات الأساسية؛ فهي تتوسط مختلف العمليات الحيوية التي تحدث على مستوى الخلية والتي يحتاجها الجسم لأداء وظائفه، على سبيل المثال تساعد المغذيات الدقيقة في الحصول على الطاقة من مسارات التمثيل الغذائي، وإنتاج البروتينات الحاملة للأوكسجين، والحفاظ على صحة العظام، ووظيفة الجهاز المناعي، وتساعد في تركيب وإصلاح الأنسجة العضلية. ونظراً لزيادة نشاط الرياضيين فإنهم يحتاجون لكميات أكبر من المغذيات ضمن نظامهم الغذائي، إلا أنه لم يتم تحديد توصيات خاصة بالمغذيات الصغيرة بالنسبة لهم.
يلجأ البعض لاستخدام المكملات الغذائية لتعويض الاحتياجات من الفيتامينات والمعادن والثغرات في النظام الغذائي، إلا أنه من الواجب قبل اختيارها اتباع نظام غذائي غني بالعناصر الغذائية الصغيرة، وهي الأغذية الملونة كالفواكه والخضروات، ويجدر لفت الانتباه إلى أن طبخ الخضروات أو تعريضها للحرارة قد يتسبب في فقدان محتواها من المغذيات الصغيرة، بالإضافة إلى الحبوب الكاملة، والمكسرات والبذور، ويمكن استخدام عصير اللفت والشوفان والتوت، أو خلط مجموعة من المكسرات كالفول السوداني واللوز والجوز مع الزبيب والفواكه المجففة.
اقرأ أيضاً: تعرف على الأعراض الغريبة لنقص الفيتامينات
الماء في النظام الغذائي للرياضيين
يفقد جسم الرياضيين الكثير من رطوبته بالتعرق والتبخر، ما يُعرض الفرد لخطر الإصابة بالجفاف، وتراجع أدائه الرياضي، حيث ينخفض حجم الدم ومستوى المغذيات والأوكسجين في الجسم، ما لم يتم تعويض الفاقد من الماء، بالإضافة إلى أن انخفاض حجم الدم يتسبب في قلة وروده إلى الجلد وبالتالي ينخفض مقدار التعرق، وتزداد درجة حرارة الجسم، ويصبح الفرد مهدداً بالإصابة بالإرهاق الحراري أو ضربة الشمس. لذا فإن شرب الماء ضروري خلال التمرين وقبله وبعده لتبريد الجسم ونقل الأوكسجين والمواد المغذية، وإزالة الفضلات من العضلات. كما يجب ألا يتم شرب الماء حتى الشبع، بل يكفي فقط جرعات من الماء لتعويض الفاقد. في دراسة نُشرت في دورية "مراجعات التغذية" (Nutrition Reviews) تبين أن الترطيب الجيد خلال التمارين الرياضية، عبر شرب كميات صغيرة من الماء، يمكنه التخفيف من ضعف الأداء الرياضي.
وفقاً للمجلس الأميركي للتمارين الرياضية (American Council on Exercise)، يجب شرب ما يعادل نصف ليتر من الماء قبل 2-3 ساعات من التمرين، ونحو ربع ليتر قبل التمرين بـ20-30 دقيقة، أما خلال التمرين فيوصي بشرب ربع ليتر من الماء كل 10-20 دقيقة.
اقرأ أيضاً: 9 فوائد صحية توضح لماذا يجب أن نشرب الماء بشكل دائم
دور الكهارل في أداء الرياضيين
إن شرب الماء لا يعوض ما يفقده الجسم من معادن في التعرق كالبوتاسيوم والكالسيوم والمغنزيوم والصوديوم، وبشكل خاص بعد تمارين التحمل الطويلة مثل الماراثون والترياثلون، حيث يفقد الجسم كمية كبيرة من الصوديوم، كما تنخفض نسبته بشكل أكبر لدى شرب الماء، وينتقل الماء إلى داخل الخلايا بالتناضح، ما يسبب التورم. تُعرف هذه الحالة بنقص صوديوم الدم، ولتجنب الإصابة بها على الرياضيين زيادة استهلاك الصوديوم قبل الحدث الرياضي بعدة أيام، والاعتماد على المشروبات الغذائية المخصصة للرياضيين والغنية بالصوديوم، ومن أفضل المشروبات الرياضية هي الأنواع التي تحتوي على السكر (الجلوكوز) والماء والصوديوم.
اقرأ أيضاً: كيف تكتسب العضلات مع اتباع نظام غذائي نباتي؟
النظام الغذائي للرياضيين: توقيت الوجبات الغذائية اليومية؟
أفضل أسلوب لاتباع نظام غذائي صحي ومتكامل هو تقسيمه إلى وجبات غذائية صغيرة ومتكررة على مدار اليوم، بحيث تضمن التزود الدائم بالطاقة، ودعم مخازن الجليكوجين، وبناء العضلات وترميمها، دون الوصول إلى حد الشبع، إذ تؤمّن الوجبات الصغيرة والمتكررة توصيلاً أفضل للبروتينات والكربوهيدرات، وبما يوفر إمداداً ثابتاً من الوقود ويمنع هدم العضلات، ويحافظ على وزن الجسم.
بالنسبة لأولئك الذين يمارسون التمارين الرياضية المكثفة ويرغبون بزيادة كتلتهم العضلية، يجب تناول الطعام كل 2-3 ساعات، أما لدى الوصول إلى وزن ثابت والرغبة في المحافظة عليه بأداء تمارين رياضية خفيفة، فيجب تناول الطعام كل 3-4 ساعات. بكافة الأحوال يجب ألا يبقى الرياضي دون طعام لأكثر من 5 ساعات، لأن ذلك يؤدي إلى استنزاف المخازن، والإصابة بالإرهاق، والإفراط في تناول الطعام.
اقرأ أيضاً: النظام الغذائي الخاص بكريستيانو رونالدو وأسرار نجوميته
نصائح لنظام غذائي صحي ومتكامل للرياضيين
لم تتفق هيئات التغذية حول العالم على نظام غذائي صحي موحد للرياضيين، لأن لكل رياضة احتياجاتها ومتطلباتها التي تختلف باختلاف كثافتها وشدتها، بالإضافة إلى خصائص كل شخص من حيث تمثيله الغذائي ووزنه وحالته الصحية. كما أنه ليس هناك من تناول طعام كثير أو قليل بالنسبة للرياضيين، بل هو ما يحتاجه من طاقة لأداء تمارينه الرياضية، على سبيل المثال يمكن للعداء المشارك بالماراثون أن يستهلك غذاءً أكثر من شخص مصاب بالسمنة، لأنه يحتاج إلى طاقة أكثر. ومن أهم النصائح لاتباع نظام غذائي صحي ما يلي:
- تخطيط النظام الغذائي بما يتناسب مع الأهداف الرياضية سواء كانت لزيادة الوزن أو إنقاصه أو للمحافظة عليه ثابتاً، أي التركيز على الكتلة العضلية.
- على الرياضي أن يتناول ما يكفيه من السعرات الحرارية لأداء تمارينه الرياضية دون هدم للعضلات واستنزاف لمخازن الجليكوجين.
- تضمين وموازنة كافة العناصر الغذائية الأساسية من كربوهيدرات وبروتينات ودهون صحية في النظام الغذائي.
- تلبية احتياجات الجسم من المعادن والفيتامينات لأداء رياضي عالٍ.
- تعويض ما يفقده الجسم من ماء لضمان أداء الجسم لوظائفه الحيوية، وتجنب التعرض لخطر الجفاف.
اقرأ أيضاً: ما هي التمارين الرياضية والأغذية النوعية التي تساعدك في التخلص من دهون الفخذ الزائدة؟
إذاً، تبدأ الرياضة وتنتهي خلف باب الثلاجة، وربما لا توصلك التغذية الصحية إلى العالمية، إلا أنها حتماً تسهّل وتختصر الطريق عليك، حيث يتلازم الأداء الرياضي العالي بالنظام الغذائي الصحي والمتكامل للرياضيين.