بالنسبة للإنسان المعاصر، من الطبيعي أن نجد في السوبر ماركت كل ما نحتاجه من غذاء، لكن الحال يختلف بالنسبة للإنسان القديم الذي كان يقتات من الصيد فتمرّ عليه أيام دون أكل. قد يبدو هذا النمط الغذائي قاسياً ومتطرفاً، إلا أن السلف القديم لم يعانِ من الأمراض الحديثة التي نعاني منها في عصرنا الحالي. يماثل هذا النظام الغذائي ما يُعرف حالياً بالصيام المتقطع. فما هو الصيام المتقطع وكيف يمكن اتباعه وما أهم فوائده؟
الصيام المتقطع
هو نمط غذائي يعتمد على تناوب فترات ما بين الأكل والصيام بغض النظر عما تتناوله، بل ما يهم أكثر في الصيام المتقطع هو متى تتناول الطعام. بعبارة أخرى هو تجويع الجسم لفترة من الزمن تتراوح ما بين 12-40 ساعة، يُسمح خلالها بتناول المشروبات الخالية من السعرات الحرارية فقط، ويُمنع تناول الأطعمة الصلبة أو المشروبات ذات السعرات الحرارية، ما يدفع الجسم في نهاية المطاف إلى حرق الدهون، وما يترتب عليه من العديد من الفوائد الصحية.
جداول الصيام المتقطع: كيف يتم الصيام المتقطع؟
هناك عدة طرق للصيام المتقطع، وتختلف عن بعضها بطريقة تقسيم اليوم أو الأسبوع ما بين تناول الطعام والصيام. ومن أكثر جداول الصيام المتقطع شيوعاً ما يلي:
1. الصيام المتقطع للمبتدئين
عادة ما يكون بتخطي وجبة، أو كما في الصيام المقيد الذي يتم كل يوم لمدة 12 ساعة متواصلة متضمنة وقت النوم. على سبيل المثال، يمكن للفرد أن يصوم بعد وجبة العشاء من الساعة الـ7 مساءً وحتى السابعة صباحاً عند موعد الفطور، حيث سيكون في معظم ساعات الصيام نائماً.
2. طريقة الصيام المتقطع (16/8): الصيام المتقطع لإنقاص الوزن
وتُعرف بطريقة الصيام بقصد خسارة الوزن، وتتضمن الصيام لمدة 16 ساعة بالنسبة للرجال، ثم فترة سماح بتناول الطعام تمتد حتى 8 ساعات، بينما قد تصوم النساء لمدة 14 ساعة. يمكن الصيام بهذه الطريقة من وجبة العشاء وحتى وجبة الغداء في اليوم التالي؛ أي بتخطي وجبة الفطور.
3. طريقة (أكل- توقف- أكل): الصيام المتقطع لمدة 24 ساعة
وهي الصيام لمدة 24 ساعة متواصلة، ويمكن تطبيق هذا النمط بتفويت الوجبات؛ كأن تتناول وجبة الفطور وتفوت باقي الوجبات حتى وجبة الفطور في اليوم التالي. ويمكن تكرار هذا النوع عدة مرات في الأسبوع.
4. طريقة (2:5) أو صيام الحمية السريعة
تعتمد على تقييد السعرات الحرارية ليومين غير متتاليين، بحيث يستهلك الرجال 600 سعرة حرارية في يومي الصيام، بينما تستهلك النساء 500 سعرة حرارية، ثم تناول الطعام بشكل طبيعي خلال الأيام الخمسة المتبقية.
5. الصيام المتقطع بالتناوب: صيام اليوم البديل
وهي طريقة تناوب يوم صيام بحيث لا يتم تناول أكثر من 600 سعرة حرارية، ثم يوم طعام طبيعي.
6. حمية المحارب
وهي نظام 20:4، أي يتم تناول الطعام في وجبة واحدة في الليل غالباً، مع فترة سماح لمدة 4 ساعات، ثم الصيام لمدة 20 ساعة يُسمح خلالها بتناول الخضار والفواكه النيئة فقط.
اقرأ أيضاً: 3 طرق لاتباع حمية الصيام المتقطع بأمان
تأثير الصيام المتقطع في الجسم
يستخدم الجسم جزيئات الجلوكوز التي نحصل عليها من الكربوهيدرات في الغذاء للحصول على الطاقة خلال فترات الصيام المتقطع، وحالما تنفد مخازن الجلوكوز في الجسم يتحول الجسم نحو الدهون فيتم حرقها للحصول على الطاقة من مصدر آخر هي الكيتونات. تدعى هذه العملية بالتبادل الأيضي، وهو ما يترتب عليه مجموعة من التغييرات الخلوية والجزيئية في الجسم، وتتضمن ما يلي:
- ارتفاع مستويات هرمون النمو البشري (HGH) بمقدار 5 مرات، ما يساعد على سبيل المثال في ترميم العضلات وبناء الكتلة العضلية.
- زيادة الحساسية للإنسولين: فتنخفض مستوياته في الجسم ما يسهل الوصول للدهون المخزنة.
- الإصلاح الخلوي: بحيث يتم هضم البروتينات القديمة التالفة والمتراكمة في الخلايا.
- التعبير الجيني: تغييرات في التعبير الجيني ووظائف الجينات المتعلقة بطول العمر ومقاومة الأمراض.
فوائد الصيام المتقطع
ينتج عن التغيرات الجزيئية والخلوية للصيام المتقطع في الجسم العديد من الفوائد الصحية، ومنها:
الصيام المتقطع وفقدان الوزن
أحد أكثر الأسباب شيوعاً لاعتماد نظام الصيام المتقطع هو إنقاص الوزن، حيث يساعد في انخفاض كمية السعرات الحرارية المتناولة ما يوقف زيادة الوزن. علاوة على ذلك يؤدي الصيام المتقطع لانخفاض الوزن الناتج عن التغيرات الهرمونية، كما في انخفاض مستويات الإنسولين وزيادة مستوى هرمون النمو، وهو ما يؤدي إلى زيادة إفراز هرمون حرق الدهون "النورأدرينالين"، وزيادة معدل التمثيل الغذائي في الجسم بنسبة 14% كما بينت الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة فيينا النمساوية، ونُشرت في "المجلة الأميركية للتغذية السريرية" (The American Journal of Clinical Nutrition).
ووضحت الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة إلينوي الأميركية، ونُشرت في دورية "الأبحاث التطبيقية" (Translational Research)، أن تقييد الطعام لمدة 1-3 أيام في الأسبوع تسبب في انخفاض الوزن بنسبة 3-8% خلال 3-24 أسبوعاً.
اقرأ أيضاً: الصوم المتقطع: حيلة خسارة الوزن التي ستغير حياتك!
الصيام المتقطع يحمي من مرض السكري
في الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة إلينوي في الولايات المتحدة الأميركية والتي نُشرت في دورية "الأبحاث التطبيقية" (Translational Research)، تبين أنه يمكن للصيام المتقطع أن يقلل من مقاومة الإنسولين؛ حيث تزداد الحساسية لهرمون الإنسولين، فينخفض بنسبة 20-31% وبالتالي تنخفض نسبة السكر في الدم بنسبة 3-6%، ما يحمي من الإصابة بمرض السكري.
يقلل الصيام المتقطع من الالتهابات
في الدراسة التي نُشرت في دورية "التغذية" (Nutrition) تبين أن للصيام المتقطع دوراً مهماً في تقليل الالتهابات التي تكون سبباً بالعديد من الأمراض المزمنة كالسرطان.
الصيام المتقطع يعزز من صحة القلب
أشارت الدراسة التي نُشرت في دورية "آفاق في التغذية" (Frontiers in Nutrition)، أنه يمكن للصيام المتقطع أن يخفّض من نسبة الكوليسترول الضار منخفض الكثافة (LDL) والدهون الثلاثية في الدم، بالإضافة إلى جميع العوامل المسببة لأمراض القلب والأوعية الدموية.
الصيام المتقطع يحمي صحة الدماغ
أكد باحثون في المعهد الوطني لبرنامج أبحاث الشيخوخة داخل الأعصاب في الولايات المتحدة، في دراستهم التي نُشرت في دورية "مراجعات نيتشر في علوم الأعصاب" (Nature Reviews Neuroscience) أنه يمكن للصيام المتقطع أن يزيد من نسبة هرمون "عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ" (BDNF)، والذي يساعد في نمو خلايا عصبية جديدة ما يحمي الدماغ من الأمراض العصبية التنكسية.
الصيام المتقطع لمكافحة الشيخوخة
في الدراسة التي أجريت على الفئران والتي نُشرت في دورية "علم الشيخوخة" (Gerontology) تبين أنه يمكن للصيام المتقطع أن يطيل في عمر الفئران التي خضعت للصيام المتقطع بنسبة 36-83%.
اقرأ أيضاً:
من هي الفئات الممنوعة من نظام الصيام المتقطع؟
عادة ما يحتاج الجسم لعدة أيام حتى يعتاد على النمط الغذائي الجديد، إلا أنه بالنسبة لبعض الفئات لا بد من استشارة طبيب قبل البدء بالصيام المتقطع، وتتضمن هذه الفئات من يعاني من المشكلات الصحية التالية:
- مرضى السكري.
- من يعاني من ضغط الدم المنخفض.
- من لديه مشكلات في تنظيم نسبة السكر في الدم.
- الذين يتناولون الأدوية بانتظام.
- من يعاني من نقص الوزن.
- من يعاني من اضطرابات الأكل.
- المرأة الحامل أو من تحاول أن تحمل والمرضع.
- المرأة التي لديها سوابق بانقطاع الطمث.
أضرار الصيام المتقطع
تظهر بعض الأضرار للصيام المتقطع في حال التطبيق الخاطئ له، أو لمن يعاني من بعض المشكلات الصحية. ومن هذه الأضرار ما يلي:
- الزيادة في الوزن: الجوع هو أشد ما يصيب الصائم، لذا تزداد شهيته لتناول الطعام في الفترات خارج الصيام المتقطع، ما يدفعه لتناول الطعام بشكل مفرط خلال الوجبات، وبما يفوق قدرة الجسم على الحرق، لذا تُخزن الطاقة على شكل دهون، ما ينتج عنه زيادة في الوزن.
- الصداع والدوار والغثيان بسبب تخطي الوجبات، وأكثر من يعاني من هذه الأعراض هم الأفراد المصابون بمرض السكري. لكن بشكل عام يحتاج الجسم لبعض الوقت حتى يتكيف مع النمط الغذائي الجديد.
- قد يسبب اتباع نظام الطعام المقيد في الصيام المتقطع إلى الإصابة باضطرابات الأكل، وتطوير أنماط أكل مضطربة وغير صحية.
- نقص المغذيات وانخفاض المناعة الذاتية بسبب نقص الإمداد بالمواد الغذائية الكافية.
ما هي الأغذية المسموح بتناولها خارج أوقات الصيام المتقطع؟
إن اعتماد نمط التجويع في الصيام المتقطع لا يعني بالضرورة السماح بتناول كل شيء خلال الفترات التي لا نكون فيها صائمين، إذ يعتمد النجاح في تحقيق أهداف الصيام المتقطع على ما نتناوله خارج أوقات الصيام المتقطع. على سبيل المثال يمكن تناول:
- الزيوت النباتية كزيت الزيتون أو عباد الشمس.
- الحبوب الكاملة كما في خبز القمح الكامل والأرز البني.
- الفواكه والخضروات.
- البروتين النباتي كالفول والبقوليات.
- الأسماك والمكسرات والبذور الغنية بأحماض أوميغا 3.
- الأغذية ذات المواد المضادة للالتهابات كالبولي فينولات في الفواكه والخضراوات الملونة.
- الأغذية ذات البروتينات الخالية من الدهون كما في لحوم الدواجن والأسماك.
الفواكه المسموح بها في الصيام المتقطع
تشكل الفواكه عنصراً مهماً في نمط الصيام المتقطع، لأنها تزود الجسم بالفيتامينات والمعادن والعناصر الغذائية النباتية والألياف. تساعد هذه المواد في العديد من الفوائد الصحية للصيام المتقطع كالحماية من أمراض القلب والتحكم في مستويات السكر في الدم، بالإضافة لكونها منخفضة المحتوى بالسعرات الحرارية. ومن الفواكه المسموح بتناولها في الصيام المتقطع ما يلي:
- التفاح.
- المشمش.
- العنب البري .
- العليق أو التوت الأسود.
- الكرز.
- الخوخ.
- الإجاص.
- البرقوق.
- البرتقال .
- البطيخ .
متى تظهر نتائج الصيام المتقطع؟
تبدأ نتائج الصيام المتقطع من فقدان للوزن وغيره بالظهور بعد فترة تتراوح ما بين 2-10 أسبوعاً، حيث تتم خسارة ما يعادل نصف كيلوغرام في الأسبوع. وتعد منطقة الجزء الأوسط من الجسم أولى المناطق التي تتأثر بالنتائج، حيث تأخذ شكلاً أكثر تشذيباً خلال الأسبوع الأول من الصيام المتقطع. وبدءاً من الأسبوع الثاني من الصيام المتقطع يلاحظ معظم الناس انخفاضاً في الوزن، ولكن قد يحتاج بعض الناس للثبات لفترة أطول تصل إلى 3-4 أسابيع من الصيام المتقطع حتى يلاحظوا ظهور النتائج عليهم.
هل يمكنك شرب الماء أثناء الصيام المتقطع؟
يتساءل البعض عما إذا كان بالإمكان شرب الماء خلال فترات الصيام المتقطع. في الواقع يمكن شرب الماء أثناء الصيام المتقطع بل يُنصح به للبقاء رطباً. فخلال الصيام المتقطع تنخفض نسبة السكر في الدم نتيجة التجويع، فتنخفض نسبة هرمون الإنسولين الذي ينقل السكر من مجرى الدم إلى الخلايا، وتعود المستويات للارتفاع بعد تناول الأطعمة الصلبة، أما الماء فلا يسبب شربه أي ارتفاع في نسبة السكر في الدم أو هرمون الإنسولين لذلك يمكن شربه دون أن يؤثر على الصيام المتقطع.
هل ينفع الصيام المتقطع للحامل؟
على الرغم من الفوائد الصحية التي يتمتع بها نظام الصيام المتقطع، إلا أنه لا ينصح به للمرأة الحامل للأسباب التالية:
- يتسبب بنقص في الحصول على كامل المواد الغذائية من فيتامينات ومعادن لازمة للحامل وجنينها، لأن الحاجة تصبح لجسمين وليس لجسم واحد ما قد يؤثر على نمو الجنين أو قد يؤدي لمضاعفات الحمل.
- يزيد الصيام المتقطع من مخاطر الولادة المبكرة، كما أشارت الدراسة التي أجريت علم 2019 ونُشرت في "مجلة التغذية" (The Journal of Nutrition)، حيث تبين أن 35 % من النساء اللاتي خضعن للصيام المتقطع في الثلث الثاني من الحمل كنّ أكثر عرضة للإصابة بالولادة المبكرة.
- يزيد من فرص الإصابة بانخفاض نسبة السكر في الدم في المرأة الحامل، والإصابة بالدوار أو الإغماء وانخفاض حركة الجنين.
- يؤثر على إنتاج الحليب وإدراره في الثلث الأخير في الثلث الرابع من الحمل وبعد الولادة، حيث تزداد الاحتياجات الغذائية خلال تلك الفترة.
اقرأ أيضاً:
- ما أسباب ثبات الوزن على الرغم من اتباع الصيام المتقطع؟
- هل يمكن تناول الفيتامينات أثناء الصيام المتقطع؟
كيفية تطبيق الصيام المتقطع في رمضان
يتشابه الصيام المتقطع بصيام شهر رمضان من حيث التجويع والامتناع عن الطعام والشراب، إلا أنهما يختلفان بالدوافع، فبينما تكون أسباب صيام رمضان دينية، تكون أسباب الصيام المتقطع للتنحيف وصحية. ويمكن اعتبار الصيام المتقطع مشتقاً من صيام رمضان وفقاً لأخصائية التغذية "تانيا فان أسويجن" في فاليانت كلينك، لأن الصوم المتقطع من نظم التغذية الحديثة بينما تعود أصول صيام رمضان لقرون مضت.
بالإضافة إلى ذلك، يعد الصيام المتقطع أكثر مرونة من صيام رمضان لأنه يتم بناءً على قدرات الصائم، مع السماح بالمحافظة على الترطيب خلاله بشرب المياه، بينما يتقيد صيام رمضان بمواعيد محددة ثابتة؛ من الفجر وحتى غروب الشمس وبشكل يومي، مع الانقطاع التام عن أي غذاء أو مشروب حتى الخالي من السعرات الحرارية.
للحصول على الفوائد الصحية لكليهما يجب اتباع نظام غذائي صحي خارج فترات الصيام، وتناول الغذاء باعتدال. كما يمكن لأي فرد تطبيق صيام رمضان باستثناء من يعاني من اضطرابات التغذية والحوامل والمرضعات ومرضى السكري.
ختاماً، على الرغم من الرواج الذي يلقاه الصيام المتقطعٍ حالياً، إلا أنه لا بد من استشارة طبيب مختص على اطلاع بالسجل الطبي الخاص للشخص، بحيث يقدم التوجيهات حول ما إذا كان الصيام المتقطع ممكناً ومفيداً له أم لا.
اقرأ أيضا: