من الحليب إلى الجبن: ما هي منتجات الألبان التي تسهم في تنظيم نسبة السكر في الدم؟

6 دقيقة
من الحليب إلى الجبن: ما هي منتجات الألبان التي تسهم في تنظيم نسبة السكر في الدم؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Viktoria Hodos

ملخص: لا يزال تأثير منتجات الألبان في نسبة السكر في الدم وخطر الإصابة بمرض السكري من النوع 2 غير مؤكد. عموماً، تبين أن منتجات الألبان المتخمرة عالية الدهون مثل الزبادي، ترتبط بإدارة أفضل للغلوكوز وانخفاض خطر الإصابة بمرض السكري من النوع 2. وعلى العكس من ذلك، غالباً ما تحتوي منتجات الألبان قليلة الدسم أو المنكهة على سكريات مضافة، التي يمكن أن ترفع مستويات الغلوكوز في الدم وقد تزيد خطر الإصابة بمرض السكري. أمّا تناول الحليب كامل الدسم باعتدال، فله تأثيرات محايدة إلى إيجابية قليلاً، في حين ينطوي الجبن على نتائج مختلطة؛ فبعض الأبحاث تشير إلى دوره الوقائي ضد مرض السكري، في حين تشير دراسات أخرى إلى أنه قد يفاقم خطر الإصابة. بصورة عامة، تختلف تأثيرات منتجات الألبان على نسبة السكر في الدم حسب نوع المنتج ومكوناته وطريقة تحضيره. لذلك، قد يكون اختيار منتجات الألبان المتخمرة عالية الدهون وتجنب الخيارات قليلة الدسم أو المنكهة مفيداً في محاولة إدارة مستويات السكر في الدم، خصوصاً عند الأشخاص المصابين بمقدمات السكري.

لطالما كانت منتجات الألبان جزءاً أساسياً من النظام الغذائي البشري؛ حيث توفّر العناصر الغذائية الأساسية مثل الكالسيوم والبروتين. ومع ذلك، فإن تأثيرها في مستويات السكر في الدم وخطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني كان ولا يزال محل نقاش الباحثين. فمن ناحية، أظهر بعض الدراسات أن بعض منتجات الألبان قد تساعد على خفض مستويات الغلوكوز وتحسين حساسية الإنسولين، ما قد يوفّر تأثيراً وقائياً ضد مرض السكري. ومن ناحية ثانية، أشارت أبحاث أخرى إلى أن بعض منتجات الألبان قد ترفع مستويات الغلوكوز في الدم وتفاقم خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. إذاً، ماذا نفعل في خضم هذه الأدلة المتضاربة: هل يجب أن نتناول منتجات الألبان لإدارة مخاطر الإصابة بمرض السكري أم يجب أن نتجنبها؟

في الواقع، الإجابة ليست بكل تلك البساطة؛ إذ إن منتجات الألبان تؤثّر في نسبة غلوكوز الدم بطرق مختلفة تعتمد على نوع المنتَج وطريقة تصنيعه ومكوناته المحددة. لذلك، سنعمل في هذا المقال على تصنيف منتجات الألبان من حيث تأثيرها في نسبة السكر في الدم من أفضل الخيارات إلى أسوأها بناءً على الأدلة والدراسات البحثية.

اقرأ أيضاً: متى يمكن أن يسبب السكر مرض السكري؟

تصنيف منتجات الألبان من ناحية التحكم في نسبة السكر في الدم من الأفضل إلى الأسوأ

قدمت الدراسات الحديثة نتائج متباينة حول كيفية تأثير أنواع مختلفة من منتجات الألبان في مستويات الغلوكوز في الدم ودورها في الوقاية من السكري أو مفاقمة الإصابة به، وإليك ترتيب بعض هذه المنتجات من الأفضل إلى الأسوأ.

المنتجات ذات التأثير الأفضل: منتجات الألبان المتخمرة عالية المحتوى من الدهون

يتصدر الزبادي عالي المحتوى بالدهون قائمة أفضل خيارات الألبان لإدارة مستويات السكر في الدم. ففي دراسة منشورة في دورية التغذية ومرض السكري (Nutrition and Diabetes) عام 2024، تقصّت تأثير تناول الألبان في مرحلة ما قبل السكري (مقدمات السكري)، وإن كانت ستسهم في الشفاء أو في تطور الحالة إلى داء السكري من النوع 2، وذلك عبر متابعة نحو 334 من البالغين في منتصف العمر ممن يعانون مرحلة ما قبل السكري على مدى 9 سنوات، تبين أن زيادة استهلاك منتجات الألبان المتخمرة عالية المحتوى بالدهون ترفع احتمالية عودة سكر الدم إلى مستواه الطبيعي قبل الإصابة بمقدمات السكري.

وعلى وجه التحديد، ارتبطت كل زيادة مقدارها 200 غرام يومياً من منتجات الألبان عالية الدهون بزيادة احتمالية عودة سكر الدم إلى مستواه الطبيعي بنسبة 69%. ولمزيد من الدقة، يمكن القول إن الأشخاص الذين تناولوا كمية أكبر من الزبادي يومياً امتلكوا فرصة أعلى بنسبة 82% لإعادة مستويات سكر الدم إلى الحدود الطبيعية، مقارنة بأولئك الذين تناولوا كمية أقل، ما يشير إلى أن منتجات الألبان المتخمرة عالية الدهون قد تتمتّع بتأثير وقائي ضد تطور مرحلة مقدمات السكري إلى داء السكري من النوع 2.

يذكر أن دراسة أخرى منشورة في المجلة الأميركية للتغذية السريرية (The American Journal of Clinical Nutrition) عام 2023، وجدت أيضاً أن الزبادي عالي الدسم قد يمنح تأثيراً وقائياً محتملاً ضد الإصابة بداء السكري. قد تعزا التأثيرات الوقائية للألبان عالية الدهون، بما في ذلك الزبادي، إلى تركيبتها التي تشمل الأحماض الدهنية متوسطة السلسلة، والأحماض الدهنية المشبعة شديدة طول السلسلة، وحمض ترانس- بالميتوليك، ومكونات حيوية أخرى مثل البروبيوتيك والمينوكوينونات. حيث تعمل هذه العناصر على تحسين كلٍ من حساسية الإنسولين واستقلاب الغلوكوز، بالإضافة إلى تعزيز صحة الأمعاء وتقليل الالتهابات، ما يخفِّض في المحصلة خطر الإصابة بداء السكري من النوع 2.

اقرأ أيضاً: هل يسبب الخمول البدني الإصابة بالسكري؟

منتجات ذات تأثير جيد إلى حد ما: الحليب كامل الدسم

يبدو أن للحليب الكامل الدسم، وخاصة عند تناوله باعتدال، تأثيراً محايداً إلى مفيد قليلاً بالنسبة لمستويات السكر في الدم؛ إذ أظهر الأشخاص ممن يعانون مقدمات السكري الذين تناولوا نحو 0.5-1.9 حصة من الحليب يومياً (نصف كوب إلى أقل من كوبين يومياً) مستويات أكثر استقرارا في مستويات سكر الدم بعد الوجبة، مقارنة بمَن تناولوا أقل من 0.2 حصة يومياً (أقل من ربع كوب). ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الحليب كامل الدسم المتناوَل باعتدال قد يساعد على إدارة مستويات الغلوكوز بعد الوجبات، فهو لم يرتبط على نحو مباشر بعكس مرحلة ما قبل السكري أو في الوقاية من السكري من النوع الثاني.

منتجات ذات تأثير متأرجح ما بين الجيد والسيئ: الجبن

يقع الجبن في منطقة رمادية فيما يتعلق بتأثيراته في سكر الدم، فقد وجدت الدراسة الآنفة الذكر المنشورة عام 2024، أن زيادة استهلاك الجبن يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بمرض السكري من النوع 2 عند الأشخاص الذين يعانون مقدمات السكري، على الرغم من أن هذا الارتباط فقد أهميته بعد تعديل العوامل الغذائية الأخرى.

في المقابل، وجدت دراسة منشورة في مجلة التغذية (The Journal of Nutrition) عام 2017، أن استهلاك الجبن قد أظهر تأثيراً وقائياً ضد الإصابة بداء السكري من النوع الثاني عند الأشخاص الذين يعانون مرحلة ما قبل السكري. وعلى وجه التحديد، كان خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني أقل بنسبة 63% عند الأفراد الذين تناولوا 4 حصص من الجبن أو أكثر أسبوعياً، مقارنة بأولئك الذين تناولوا أقل من حصة واحدة في الأسبوع.

قد تُعزا النتائج غير المتسقة فيما يتعلق بالجبن وتأثيره في مستويات السكر في الدم وخطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني إلى الأنواع المختلفة من الجبن التي لم تحددها الدراسات بدقة، فثمة مثلاً الجبن الصلب والجبن الطري والمخمر وغير المخمر وعالي الدسم وقليل الدسم. ولكل نوع خصائص غذائية مختلفة تجعله يؤثّر في عملية التمثيل الغذائي على نحو مختلف. على سبيل المثال، قد يحتوي الجبن المتخمر على بكتيريا مفيدة، بينما قد لا تحتوي أنواع أخرى عليها.

علاوة على ذلك، تختلف طريقة استهلاك الجبن بين المجتمعات اختلافاً كبيراً. ففي بعض الثقافات، يتم تناول الجبن مع مقبلات صحية مثل الفاكهة والمكسرات، ما قد يخفف أيّ آثار سلبية. وفي أماكن أخرى، يتم استخدام الجبن بطرق أقل صحية مثل البيتزا أو في السندويشات مع اللحوم المصنّعة، ما قد يسهم في نتائج صحية أسوأ.

فضلاً عن أن الجبن يحتوي عادة على نسبة عالية من الصوديوم، كما قد يتلوث في أثناء المعالجة أو التخزين بالبكتيريا المنتجة للهيستامين، وهي عوامل من شأنها أن تزيد خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني. لذلك، حاوِل أن تعتمد على الأجبان المتخمرة والأجبان الصلبة ذات المحتوى المنخفض من الصوديوم، وأن تقلل ما استطعت الأجبان الطرية والمصنّعة المحتوية على نسبة عالية من الصوديوم.

اقرأ أيضاً: هل ارتفاع السكر في الدم يعني بالضرورة الإصابة بمرض السكري؟

المنتجات ذات التأثير السيئ: الحليب الخالي من الدسم

وجدت الدراسة المنشورة في  المجلة الأميركية للتغذية السريرية التي تابعت نحو 2700 شخص على مدار 4 أعوام تقريباً، أن الأشخاص الذين يتناولون كميات كبيرة من الحليب الخالي من الدسم يومياً (نحو 90 مليلتراً يومياً) أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري بنسبة 18% مقارنة بأولئك الذين يتناولون أقل كمية من الحليب قليل الدسم.

في حين وجدت دراسة منشورة في المجلة البريطانية للتغذية (British Journal of Nutrition) عام 2023، أن زيادة استهلاك منتجات الألبان قليلة الدسم والجبن ارتبطت بارتفاع معدل انتشار ما قبل السكري ومرض السكري من النوع الثاني؛ إذ كان الأشخاص الذين تناولوا كميات أكبر من منتجات الألبان قليلة الدسم أكثر عرضة بنسبة 46% للإصابة بمقدمات السكري والسكري، مقارنة بالأشخاص الذين تناولوا كميات أقل.

وقد نوّه الباحثون بأن النتائج قد تُعزا إلى الأنماط الغذائية العامة وعوامل نمط الحياة لأولئك الذين يستهلكون كميات كبيرة من الحليب الخالي من الدسم. على سبيل المثال، قد يميلُ الأشخاص الذين يكثرون تناول الحليب قليل الدسم إلى تناول أطعمة أخرى عالية السعرات الحرارية، مثل الخبز واللحوم، ما قد يسهم في زيادة خطر الإصابة بمرض السكري.

المنتجات ذات التأثير الأسوأ: منتجات الألبان قليلة الدسم المحتوية على مواد مضافة أو منكهة

غالباً ما يُنظر إلى منتجات الألبان قليلة الدسم المنكهة على أنها خيارات أكثر صحة، ولكنها قد تؤثّر سلباً في مستويات السكر في الدم، خصوصاً عند الأشخاص المصابين بالسكري أو بمقدمات السكري؛ إذ غالباً ما تحتوي هذه المنتجات على نسبة عالية من السكريات المضافة، التي ترفع مستويات الغلوكوز في الدم بسرعة، علاوة على أن إزالة الدهون منها يجرِّدها من التأثيرات المغذية التي توجد في نظيراتها كاملة الدسم. لذا، يجب على الأفراد الذين يهدفون إلى التحكم في نسبة السكر في الدم توخي الحذر من الزبادي قليل الدسم والحليب المنكَّه ومنتجات الألبان الأخرى التي قد تحتوي على سكريات مخفية.

اقرأ أيضاً: لماذا يتأخر التئام جروح مرضى السكري؟

إذاً، يمكن القول إن تأثير منتجات الألبان في مستويات السكر في الدم يختلف على نحو كبير تبعاً لنوع الألبان المستهلكة، فقد أظهرت منتجات الألبان المتخمرة عالية المحتوى بالدهون، مثل الزبادي وبعض أنواع الحليب عالي الدسم، نتائج واعدة في إدارة مستويات السكر في الدم وتقليل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع 2. في حين قد لا توفّر بعض أنواع الجبن ومنتجات الألبان قليلة الدسم أو المنكهة الفوائد نفسها، كما أنها قد ترفع مستويات السكر في الدم بسبب ارتفاع نسبة الصوديوم أو قلة البروبيوتيك أو السكريات المضافة.