كيف يطور الخبراء البدائل النباتية للّحوم؟

4 دقيقة
يقدم العديد من المطاعم وشركات تصنيع الأطعمة البدائل النباتية للحوم.

عندما تتناول شطيرة همبرغر شهية أو شريحة لحم متوسطة النضج أو تلتهم طبقاً من قطع الدجاج المقلي، فمن المرجح أن حواسك تستجيب لرائحة الطعام وطعمه وقوامه ولونه. ميّزت هذه الخصائص الأربع اللحم عن الأطعمة الأخرى على مدى زمن طويل، ولكن في السنوات الأخيرة، بدأت شركات الأطعمة التركيز على تطوير بدائل للحم. يعتقد الكثيرون أن الاستغناء عن الأنظمة الغذائية الغنية باللحوم قد يعزز الاستدامة البيئية ويحسّن الصحة.

تركّز الأبحاث على مجالين، وهما البدائل النباتية للحوم واللحوم المزروعة في المختبر، ويواجه العلماء في المجالين تحديات مثيرة للاهتمام. تتطلب زراعة اللحوم في المختبر إنماء الخلايا الحيوانية وتطوير منتج لحمي، بينما تعتمد البدائل النباتية على المواد النباتية لمحاكاة بنى ونكهات شبيهة ببنى الحيوانات ونكهاتها.

تشمل شركات الأغذية الكبرى التي أنتجت بدائل اللحوم النباتية التي يبدو أن المستهلكين يستسيغونها شركة إمبوسيبل (Impossible) وبيوند ميت (Beyond Meat) وموسا ميت (Mosa Meat) وكورن (Quorn).

تطوير بدائل نباتية للحوم مثير للاهتمام بصورة خاصة من وجهة نظر علمية، لأن الباحثين وشركات تصنيع الأغذية يحاولون تطوير منتجات تتمتع بخصائص مشابهة لمنتجات اللحوم، مثل النكهات والقوام والمظهر والتركيبة الغذائية.

اقرأ أيضاً: قريباً: اللحوم المستزرَعة مستقبل الصناعات الغذائية المستدامة

بصفتي متخصصة في الكيمياء الحيوية وأعلّم الطلاب كيف يغذّي الطعام جسم الإنسان، فإنني أركز في أبحاثي على التركيب الكيميائي لهذه المنتجات وعملية إنتاجها وكيف يمكن أن تحاكي لحوم الحيوانات، وهو أمر مثير للاهتمام بالنسبة لي.

تتألف اللحوم الحيوانية على نحو أساسي من البروتين والدهون والماء، وتحتوي على كميات صغيرة من الكربوهيدرات والفيتامينات والمعادن. الأنسجة الحيوانية التي يستهلكها البشر عادة هي العضلات، التي لها شكل مميز ناتج عن ألياف البروتين التي تتجمع في حزم مع النسيج الضام.

تحتوي العضلات، وهي شكل اللحم الحيواني الذي يستهلكه البشر، على ألياف عضلية مرتبطة ببعضها بواسطة النسيج الضام. المصدر: أوبن ستاكس/ويكيميديا كومنز، حقوق الملكية الفكرية المشتركة

يؤثر حجم الألياف البروتينية وشكلها في قوام اللحوم، ويمكن أن يؤثر نوع المواد الدهنية الطبيعية وكميتها (وهي الدهون والزيوت) داخل أنسجة العضلات المحددة في بنية البروتين، ما يؤثر في نكهة اللحوم ونعومتها ومستوى عصارتها. منتجات اللحوم غنية أيضاً بالماء.

البدائل النباتية للحوم مصنوعة عادة من البروتينات غير الحيوانية، بالإضافة إلى المركبات الكيميائية المعززة للنكهة والدهون والملونات والمواد الرابطة. تتألف هذه المنتجات أيضاً من الماء بنسبة تتجاوز 50%. لإنتاج بدائل نباتية للحوم، يمزج الخبراء المكونات لمحاكاة أنسجة العضلات الحيوانية، ثم يضيفون المواد المضافة مثل معززات النكهة.

اقرأ أيضاً: 6 طرق لصناعة اللحوم النباتية في المنزل

إنشاء قوام شبيه باللحوم

أغلبية بدائل اللحوم مشتقة من بروتين الصويا لأنه منخفض التكلفة نسبياً ويمتص الماء والدهون بسهولة، ويربط هذه المواد ويمنع انفصالها. تستخدم بعض الشركات بروتينات أخرى مثل غلوتين القمح وبروتينات البقوليات مثل العدس والحمّص والبازلاء والفاصولياء والبروتينات من زيوت البذور.

بالنظر إلى أن أغلبية اللحوم الحيوانية تحتوي على كمية معينة من الدهون، التي تمنح هذه اللحوم النكهة والقوام، تضيف الشركات المصنعة لبدائل اللحوم غالباً الدهون مثل زيت الكانولا أو زيت جوز الهند أو زيت عباد الشمس لزيادة طراوة المنتج وتحسين نكهته.

لا تمتزج البروتينات والدهون بسهولة مع الماء، ولهذا تنفصل مكونات تتبيلات السلطة أحياناً مشكّلة طبقات. عند استخدام هذه المكونات، يضطر مصنعو الأغذية إلى استحلابها أو خلطها. الاستحلاب ضروري للتحقق من أن البروتينات والدهون والماء تشكل شبكة مترابطة ذات قوام جذاب، وقد يصبح المنتج الغذائي دونه مفرط الدهون أو إسفنجي القوام أو حتى مثيراً للاشمئزاز.

يحتوي العديد من البدائل النباتية للحوم أيضاً على عوامل التهلّم التي تربط الماء والدهون. تساعد هذه العوامل على الاستحلاب لأنها تحتوي على النشاء الذي يتفاعل بشدة مع الماء والدهون. يسمح ذلك بتشكيل شبكة مترابطة من البروتينات والدهون والماء، ما يجعل هذه المواد أشبه باللحم وأكثر جاذبية للمستهلكين.

تطوير منتج يتمتع بقوام يشبه قوام اللحم ليس مجرد عملية تفريغ وتحريك. بما أن اللحوم الحيوانية تتألف في الأساس من أنسجة عضلية، تتمتع كل من البروتينات والدهون والماء فيه بترتيب مكاني فريد.

لمحاكاة هذه البنية، يطبّق المصنعون عمليات مثل التمديد والعجن والطي وتشكيل الطبقات، ويستخدمون التكنولوجيا مثل الطباعة الثلاثية الأبعاد والبثق. حالياً، البثق هو الطريقة الأكثر شيوعاً للمعالجة،

وتنطوي على إدخال المكونات الجافة، وهي البروتينات النباتية والدهون، في آلة مع تدفق ثابت من الماء. يدور الجزء الداخلي من الآلة مثل البرغي ويجمع الجزيئات ويحوّل بنية المادة النباتية من الأشكال الكروية إلى الأشكال الليفية.

يستجيب كل بروتين نباتي بطريقة مختلفة لعملية التصنيع، ما يعني أن بعض البدائل النباتية للحوم قد تحتوي على مكونات مختلفة، ويعتمد ذلك على بنية هذه البدائل.

إضافة النكهة اللذيذة

على الرغم من أن القوام ضروري، فإن اللحوم تتمتع أيضاً بنكهة لذيذة تحمل اسم "الأومامي".

تسهم مجموعة من التفاعلات الكيميائية تحمل اسم "تفاعلات اسمرار ميلارد" في منح اللحوم الحيوانية نكهاتها المعقدة والغنية في أثناء طهوها. لذلك تعزز الإضافات، مثل مستخلصات الخميرة ومعجون الميسو والفطر والتوابل، نكهة البدائل النباتية لأنها تسمح بحدوث تفاعلات ميلارد.

رائحة اللحوم المطبوخة ناتجة عادة عن التفاعلات الكيميائية بين السكريات والأحماض الأمينية، وهذه الأخيرة هي المكونات الرئيسية للبروتينات. ركّز الكثير من الأبحاث على محاولة تحفيز بعض هذه التفاعلات، ولفعل ذلك، يضيف مطورو اللحوم البديلة عوامل التسمير، مثل بعض الأحماض الأمينية ومنها السيستين والميثيونين والليسين والسكريات وفيتامين الثيامين. قد تمنح إضافة نكهات الدخان الطبيعية، المشتقة من أشجار الجوزية أو المسكيت، اللحوم البديلة رائحة شبيهة برائحة اللحوم الطبيعية.

اقرأ أيضاً: إدارة الغذاء والدواء الأميركية تقر أمان استهلاك اللحوم المصنّعة مخبرياً

الأكل بالعينين

كما قال عاشق الطعام الروماني في القرن الأول، أبيشيوس، "نحن نأكل بأعيننا أولاً".

يعني ذلك أنه حتى لو كان القوام مثالياً وكانت النكهات ممتازة، فالمستهلك سيقرر إن كان يريد شراء اللحوم النباتية وتناولها بناءً على مظهرها.

لذلك، يطور مصنعو الأغذية عادة البدائل النباتية التي تتمتع بمظهر شبيه بمظهر أطباق اللحوم الكلاسيكية، مثل الهمبرغر وكرات اللحم والنقانق وقطع الدجاج المقلي. كما يضيفون عوامل التلوين الطبيعية مثل البنجر والأناتو (نوع من التوابل) والكراميل وعصير الخضروات، وهي مواد تجعل البدائل النباتية تبدو أكثر شبهاً بألوان اللحوم التقليدية.

لا تسمرّ البروتينات النباتية، مثل فول الصويا وغلوتين القمح، مثل اللحوم الحيوانية، ما يدفع بعض مصنعي الأغذية إلى زيادة نسبة بروتينات البازلاء والعدس التي يستخدمونها لجعل البدائل تبدو بنيّة أكثر في أثناء طهوها.

مع إجراء الأبحاث، لن تكون محاكاة بنّية اللحوم الحيوانية وقوامها ونكهتها ومظهرها صعبة، ولكن السؤال هو: هل سيشتري الناس هذه المنتجات ويستهلكونها؟

يبدو أن الناس يرغبون في البدائل النباتية للحوم؛ إذ ازداد الطلب على هذه المنتجات في العديد من الدول على مستوى العالم، وتجاوز حجم السوق العالمية لها 7 مليارات دولار أميركي عام 2023، كما من المتوقع أن ينمو بنحو 20% بحلول عام 2030.

المحتوى محمي