أيهما أفضل للصحة الاستحمام بالماء البارد أم الساخن؟

عُرف الاستحمام بالماء البارد في العصر الفيكتوري كأحد أساليب التعذيب للسجناء، والتي لجأ إليها الأطباء "لتهدئة العقول المشتعلة، وبث الخوف لترويض الإرادات المتهورة"، إلا أنه وفي وقتٍ ما من القرن الـ 19 بدأ الفيكتوريون بإدراك فوائد الاستحمام الأخرى كالنظافة واسترخاء الأعصاب، وبشكلٍ خاص لدى الاستحمام بالماء الساخن. وبذلك تحوّل الاستحمام من وسيلة تعذيب وترهيب إلى رفاهية ومتعة للجسم، إلا أن التفاوت في درجات حرارة ماء الاستحمام بين البارد والساخن بقي موضوع نقاش بين الباحثين لزمن طويل، فأيهما أفضل للصحة من الآخر، الاستحمام بالماء البارد أم الساخن؟

فوائد الاستحمام بالماء الساخن

إذا سبق وعانيت من صعوبة في النوم فربما قد تكون سمعت نصيحة جدتك بقدرة الاستحمام بالماء الساخن قبل النوم على استرخاء الأعصاب، وذلك لقدرته على تحفيز الجهاز العصبي السمبتاوي، والذي يتسبب في الإحساس بالتعب، بالإضافة إلى ذلك يتمتع الاستحمام بالماء الساخن بالمزايا التالية:

• علاج نزلات البرد ومشكلات الجهاز التنفسي

يمكن للاستحمام بالماء الساخن أن يكون علاجاً فعالاً لانسداد المجاري الأنفية والهوائية وتنظيفها، وتقليل أعراض البرد والزكام، وتخفيف الصداع عن طريق تمدد الأوعية الدموية، وحل البلغم وتليينه، إلا أنه قد يكون ضاراً لمن يعانون من أمراض الرئة المزمنة، كالتهاب الشعب الهوائية والتليف الكيسي أو الربو الحاد.

• حرق السعرات الحرارية

بيّنت دراسة أجرتها جامعة لوبورو في المملكة المتحدة، ونُشرت في دورية "تيمبريتشر" (Temperature)، قدرة الاستحمام بالماء الساخن على حرق سعرات حرارية تعادل نصف ساعة من المشي (140 سعرة حرارية)، وبالتالي تنظيم نسبة السكر في الدم.

• الحماية من أمراض القلب

يمكن لحمامات الساونا المتكررة أن تقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتات الدماغية لدى الرجال. كما أظهرت الدراسة التي نُشرت في دورية "جاما للطب الباطني" (JAMA Internal Medicine)، بالإضافة إلى قدرتها على خفض الدم وفقاً للدراسة التي نشرتها جامعة أوريغون الأميركية في "مجلة علم وظائف الأعضاء" (The Journal of Physiology). ولتوضيح السبب، بيّنت دراسة أخرى نُشرت في "مجلة علم وظائف الأعضاء التطبيقي" (Journal of Applied Physiology) أنه يمكن للساونا أن ترفع مستويات أوكسيد النتريك في الدم، وهو جزيء قادر على توسيع الأوعية الدموية، ما يخفّض من ضغط الدم وينظّم الدورة الدموية.

• تحسين النوم

وجدت دراسة نُشرت في "مجلة الأنثروبولوجيا الفسيولوجية والعلوم الإنسانية التطبيقية" (Journal of PHYSIOLOGICAL ANTHROPOLOGY and Applied Human Science)، أن الاستحمام بماء ساخن لمدة 20 دقيقة يساعد على تحسين ساعات النوم الأولى، وينظم الساعة البيولوجية للجسم.

• استرخاء العضلات

تحتاج العضلات بعد التمارين الرياضية أن تهدأ وتتعافى لترميم نفسها، وهذا ما يوفّره حمام الماء الساخن، إذ بيّنت دراسة نشرت في "مجلة أميركا الشمالية للعلوم الطبية" (North Am J Med Sci)، أنه يمكن لنقع الساقين بالماء الساخن لمدة 45 دقيقة قبل التمرين أن يقلل من تلف العضلات وآلامها بعد التمرين.

سلبيات الاستحمام الساخن

على الرغم من فوائد الاستحمام بالماء الساخن، فإن له بعض السلبيات وفقاً لموقع هيلث لاين:

• قد يسبب الاستحمام بالماء الساخن تلفاً في كيراتين خلايا الطبقة السطحية من الجلد، ما يعيق عمل هذه الخلايا ويمنعها من حبس الرطوبة، وبالتالي جفاف البشرة.
•  كلما ارتفعت درجة حرارة ماء الاستحمام الساخن كلما زاد جفاف الجلد، وهو ما يسبب تهيج الجلد لمن يعاني من الإكزيما.
• يمكن للاستحمام بالماء الساخن أن يثير الحكة، بسبب حرارة الماء التي تُحفز الخلايا البدنية على إطلاق الهيستامين.
• زيادة درجة حرارة الماء الساخن تشكل خطراً لمن يعاني من ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب والأوعية الدموية.

الاستحمام بالماء البارد

على الجانب الآخر، ولمن يفضّلون الاستحمام بالماء البارد، فإن له بعض الفوائد المشجّعة، بما في ذلك:

• تقوية الجهاز المناعي والوقاية من الأمراض

بيّنت الدراسة التي نُشرت في "المجلة الأوروبية لعلم وظائف الأعضاء التطبيقي وعلم وظائف الأعضاء المهنية" (European Journal of Applied Physiology and Occupational Physiology)، أن غمر الرياضيين بالماء البارد لثلاث مرات في الأسبوع وعلى مدى 6 أسابيع، نتج عنه تحسن طفيف في الجهاز المناعي، وقد يكون سبب هذا التحسن هو استهداف الماء البارد للجهاز العصبي الودي، والمسؤول عن استجابة الجسم للخطر أو الخوف، وبالتالي زيادة إفراز النورادرينالين، وزيادة معدل ضربات القلب معه.

• تحسين تدفق الدم

أثبتت دراسة نُشرت في "المجلة الدولية للطب الرياضي" (International Journal of Sports Medicine)، أن الاستحمام بالماء البارد بعد التمرين ولمدة 4 أسابيع حسّن من تدفق الدم للجلد والعضلات، فعندما تبرد الأطراف تتقيد حركة الدورة الدموية على سطح الجلد، وبالتالي يزداد دوران الدم وتدفقه من الأنسجة العميقة إلى الخارجية لرفع درجة حرارتها، وتقليل الالتهاب. تشير هذه النتائج إلى أن للاستحمام بالماء البارد تأثيراً معاكساً للاستحمام بالماء الساخن لدى الأفراد الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب والأوعية الدموية.

اقرأ أيضاً: سلسلة الشتاء: الاستحمام بالماء البارد يعزز المناعة ويحسّن الدورة الدموية

• تحسين الوظائف العقلية

بيّنت الدراسة التي نُشرت في دورية "أرشيف الطب البدني وإعادة التأهيل" (Archives of Physical Medicine and Rehabilitation)، أنه يمكن للماء البارد على الوجه والرقبة أن يحسّن من وظائف المخ، فيتسبب بزيادة اليقظة العقلية ويحفّز استجابة القتال. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للاستحمام بالماء البارد أن يخفف من أعراض الاكتئاب، حيث وضحت دراسة في دورية "فرضيات طبية" (Medical Hypotheses) أن الجلد يحتوي على عدد كبير من مستقبلات البرد التي ترسل بعد الاستحمام بالماء البارد كمية هائلة من النبضات الكهربائية من نهايات الأعصاب الطرفية إلى الدماغ، وهو ما قد يكون له تأثير مضاد للالتهاب.

• فقدان الوزن

وجدت الدراسة التي نُشرت في "المجلة الأوروبية لعلم وظائف الأعضاء التطبيقي" (European Journal of Applied Physiology)، أن الاستحمام بماء بارد لا تزيد درجة حرارته على 14 درجة مئوية، قد يزيد من معدل التمثيل الغذائي بنسبة 350%، أي زيادة في حرق السعرات الحرارية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لبعض الخلايا الدهنية البنية أن تولد حرارة لرفع درجة حرارة الجسم بتكسير الدهون والكربوهيدرات بعد الاستحمام بالماء البارد.

• الاستحمام بالماء البارد يعيد للبشرة تألقها

وفقاً للطبيبة جاكلين شافر (Jacqueline Schaffer)، خبيرة البشرة، فإن الماء البارد يحفّز تدفق الدم إلى الجلد، ويحافظ على زيوت الجلد الطبيعية من الجفاف؛ لأنه يقلص المسام على عكس الماء الساخن، ما يمنح البشرة توهجاً وتألقاً.

سلبيات الاستحمام بالماء البارد

قبل أن تسارع للاستحمام بالماء البارد، عليك أن تعلم أنه لا يمكنك استخدامه في روتينك اليومي في الحالات التالية:

• إذا كنت تعاني من مرض السكري، لأن الاستحمام بالماء البارد يسبب زيادة نسبة الغلوكوز في الدم كاستجابة طبيعية من الجسم لإفراز هرمون النورادرينالين.
• لا يمكن لمن يعني من أمراض القلب أو الأوعية الدموية الاستحمام بالماء البارد لأنه يتسبب بارتفاع ضغط الدم، وعدم انتظام ضربات القلب.
• في الأجواء الباردة لا يمكن للاستحمام بالماء البارد أن يساعد على تدفئة الجسم، بل على العكس من ذلك، سيزيد من إحساسك بالبرد، ومن كمية الحرارة التي تحتاجها لتدفئة جسمك.

إذاً، أيهما أفضل للصحة الاستحمام بالماء البارد أم الساخن؟ في الواقع لكلا النوعين فوائده الخاصة، أمّا الاختيار بينهما فيعتمد على أهدافك أو ما تعاني منه وما تحاول علاجه.