في فجر إحدى ليالي الخريف، استيقظت على صوت زميلتي في سكن الطلاب وهي تتألم وتضرب رأسها بزاوية الكرسي، هالتني حالتها وهممت لمساعدتها، لكنها تمنّعت موضّحة أنها نوبة من ألم موسمي شخّصه لها الأطباء باسم "الصداع العنقودي"، وهو حالة تسبب لصاحبها ألماً يتفوق على نوبات الشقيقة في شدته، ولا يمكن لكأس من شاي الأعشاب أو أقراص المسكن التي لا تستلزم وصفة طبية أن تخفف حدة ما تعانيه من ألم.
إن كنت ترغب في معرفة المزيد عن الصداع العنقودي تابع معي.
ما هو الصداع العنقودي؟
الصداع العنقودي هو أحد أشد أنواع صداع الرأس ألماً، ويحدث في نوبات تستمر ما بين 15 دقيقة إلى 3 ساعات، وفي الموعد نفسه كل يوم وتستمر حتى أسابيع أو أشهر، بحيث تتكرر الحالة في الموعد ذاته تقريباً من كل عام، مثل الربيع أو الخريف، لذا تُعرف بالفترات العنقودية. تليها فترات من الراحة تختفي فيها تلك النوبات تماماً، ويُطلق عليها اسم مرحلة الهدوء، ولكنه قد يعود مرة أخرى دون أي إنذار. بسبب تكرر هذه النوبات في الفترة ذاتها من كل عام، قد يعتقد البعض خطأً أنها أعراض الحساسية أو نتيجة ضغوط العمل.
يُصيب هذا النوع من الصداع جانباً واحداً من الرأس، وقد يسبب إدماع العينين وتدلي الجفون، واحتقان الأنف. لكن أكثر ما يُميّزه هو الألم الشديد الذي يتسبب به، والذي قد يوقظ الفرد من نومه، ويكون شديداً لدرجة لا تحتمل بالنسبة للبعض بما يدفعهم للصراخ أو للتحرك جيئة وذهاباً. يمكن تشبيه هذه النوبات بالصداع النصفي (الشقيقة)، إلّا أنها تختلف عنه من حيث إنها لا تدوم طويلاً.
يُعدّ هذا النوع من الصداع أقل أنواع الصداع شيوعاً، حيث يُصيب أقل من 1 من كل 1000 شخص، ويُعدّ الرجال أكثر عرضة للإصابة به من الإناث.
اقرأ أيضاً: ما الحالات الطبية الأكثر تسبباً للألم؟
أنواع الصداع العنقودي
يوجد نوعان من الصداع العنقودي بالاعتماد على مدة استمرار نوبات الصداع:
- الصداع العنقودي العرضي: وفيه تتكرر النوبات خلال أسابيع إلى أشهر، تتبعها فترات راحة تستمر حتى 3 أشهر أو أكثر.
- الصداع العنقودي المزمن: وفيه تتواصل النوبات عاماً كاملاً أو أكثر دون توقف، وتقل فترة الهدوء عن شهر.
أعراض الصداع العنقودي
تأتي نوبات الصداع العنقودي بسرعة، وخاصة بعد النوم بنحو 2-3 ساعات، وفي حالات أقل ندرة قد يحدث خلال اليقظة. يتميز أنه يحدث في الموعد نفسه يومياً في معظم النوبات. يبدأ بالغثيان ويترافق بأعراض مماثلة للصورة المصاحبة للصداع النصفي، وتشمل:
- ألم طاعن وحاد في منطقة إحدى العينين أو خلفها، وقد يمتد إلى الرقبة أو الوجه أو الرأس. وقد شبهه البعض من حيث الشدة بالألم الناجم عن إخراج حصوة في الكلى، أو حتى الولادة.
- ألم في أحد جانبي الرأس، فيما يُعرف بالعنقود، وقد ينتقل إلى عنقود أو جانب آخر من الرأس.
- التململ.
- إدماع العين في الجهة التي يُصيبها الألم واحمرارها.
- احتقان الجانب المؤلم من الأنف وسيلانه.
- التعرّق من الجبهة أو الوجه.
- وجه محمر أو تغير لون الجلد في الجانب المؤلم.
- تدلي الجفن في الجانب المؤلم.
تنتهي النوبة ويختفي الألم الذي رافقها على نحو مفاجئ أيضاً، لكن المصاب يشعر بالإنهاك.
اقرأ أيضاً: هل هذا الصداع الذي تعانيه سببه إجهاد العين حقاً؟
أسباب الصداع العنقودي
لم يتمكن الأطباء من تحديد أسباب الصداع العنقودي بدقة، لكنهم ربطوه بتحفيز العصب الثلاثي التوائم، وهو العصب الذي ينقل الأحاسيس مثل الحرارة أو الألم بين الدماغ والوجه، ويقع بالقرب من العين ويتفرع إلى الجبهة، وعبر الخد إلى أسفل الفك، وفوق الأذنين على الجانب نفسه، حيث يتم تحفيزه من خلال إطلاق الجسم المادتين التاليتين بالقرب من العصب:
- الهيستامين: هي مادة كيميائية يُفرزها الجسم استجابة للحساسية.
- السيروتونين: مادة كيميائية أو ناقل عصبي للرسائل بين الخلايا العصبية.
أو قد يعود لخلل في منطقة من الدماغ، تُدعى الوطاء أو تحت المهاد، وهي المنطقة التي تساعد على ضبط الساعة البيولوجية للجسم، وتتحكم في دورات النوم والاستيقاظ.
علاج الصداع العنقودي
لا يتوفر علاج نهائي للصداع العنقودي، لكن يمكن استخدام نهج مزدوج يتضمن:
- إيقاف النوبات.
- الوقاية من النوبات.
إيقاف نوبات الصداع العنقودي
تتوفر عدة علاجات يمكنها إيقاف هجمات الصداع العنقودي أو التخفيف من حدتها، والتي ينبغي اللجوء إليها بعد استشارة الطبيب، وتشمل:
- العلاج بالأوكسجين النقي: يساعد استنشاق الأوكسجين النقي عبر قناع مدة 15 دقيقة على التخفيف من حدة نوبة الألم. ومع ذلك ينبغي ألّا يستخدم مرضى الانسداد الرئوي المزمن مثل هذا العلاج.
- أدوية التريبتان: هي ناهضات لمستقبلات السيروتونين الانتقائية، مثل السوماتريبتان، ويُباع تحت الاسم التجاري إيميتريكس (Imitrex) أو زولميتريبتان، الذي يُباع تحت الاسم التجاري زوميغ (Zomig)، حيث تساعد حقن سوماتريبتان على انقباض الأوعية الدموية في الدماغ، ما يخفف حدة الألم؛ حيث إن الألم النابض قد يكون سببه انتفاخ الأوعية الدموية في الأنسجة المحيطة بالرأس ما يضغط على الأعصاب القريبة. ومع ذلك ينبغي ألّا يتناول مرضى القلب أو ارتفاع ضغط الدم غير المنتظم مثل هذه الأدوية، كما أن الحقن والبخاخات الأنفية أكثر فاعلية من الأدوية الفموية.
- الأوكتريوتيد، واسمه التجاري ساندوستاتين (Sandostatin): عندما لا تجدي أدوية التريبتان نفعاً، أو لا يمكن للمريض تناولها، قد ينصح الطبيب باستخدام حقن الأوكتريوتيد، وهو نوع اصطناعي قابل للحقن من هرمون السوماتوستاتين الموجود في الدماغ، يساعد على انقباض توسع الأوعية الدموية، وتقليل إفراز بعض المواد الكيميائية مثل السيروتونين.
- التخدير الموضعي: يمكن استخدام مخدر موضعي مثل الليدوكائين عن طريق الأنف لتخفيف ألم الصداع العنقودي.
- ثنائي هيدروإرغوتامين (Dihydroergotamine): يمكن لحقن هذا الدواء إيقاف النوبات العنقودية خلال 5 دقائق؛ لكن يُحذّر استخدامه مع السوماتريبتان أو بعض الأدوية الأخرى.
اقرأ أيضاً: كيف تتصرف إذا أصابك ألم رأس مفاجئ؟
الوقاية من نوبات الصداع العنقودي
يمكن استخدام الأدوية الوقائية خلال الفترة العنقودية التي تبدأ فيها النوبات بالتكرار، وإلى حين انتهاء هذه الفترة، حيث يساعدك الطبيب على التوقف عن استخدامها، وتضم:
- حاصرات قنوات الكالسيوم: هي أدوية تساعد على استرخاء الأوعية الدموية، مثل فيراباميل. قد يسبب أعراضاً جانبية مثل الإمساك والغثيان والتعب واضطراب ضربات القلب.
- الكورتيكوستيرويدات: تقلل الالتهاب والتورّم في الأوعية الدموية في الدماغ، مثل بريدنيزون. تساعد هذه الأدوية على إدارة الأعراض إلى حين بدء مفعول الأدوية طويلة الأمد، ومع ذلك يُحذّر من أثارها الجانبية لدى الاستخدام لفترات طويلة؛ مثل ارتفاع احتمال الإصابة بمرض السكري وارتفاع ضغط الدم وهشاشة العظام.
- غالكانيزيوماب واسمه التجاري إمغاليتي (Emgality): هو دواء جديد اعتمدته إدارة الغذاء والدواء الأميركية، ويُعطى في حقن شهرية خلال فترات الصداع العنقودي.
- الليثيوم (Lithobid): يُستخدم لعلاج الصداع العنقودي المزمن، حيث يساعد على استعادة توازن بعض المواد الكيميائية في الدماغ، ولعلاج الذين لا يمكنهم تناول أدوية أخرى، أو لم يستفيدوا منها، لكنه قد يسبب رعاشاً وعطشاً ومشكلات في الكلى.
- التنبيه غير الباضع للعصب المُبهَم (VNS): هو علاج وقائي يخفف تكرار نوبات الصداع العنقودي، ويتضمن إرسال نبضات كهربائية إلى العصب المبهم عبر الجلد باستخدام جهاز محمول باليد.
- إحصار العصب القذالي: أي حقن أدوية مسكنة في مؤخرة الرأس حول العصب القذالي، للتخفيف من ألم النوبات ريثما تعطي الأدوية طويلة الأمد مفعولها.
- الأدوية المضادة لنوبات الصرع: مثل توبيرامات.
- الجراحة: تستهدف الجراحة إتلاف المسارات العصبية التي يُعتقد أنها مسببة للألم؛ لكن الآثار طويلة المدى لهذا الإجراء العلاجي غير واضحة حتى الآن، علاوة على ما قد يسببه من مضاعفات خطيرة مثل ضعف عضلات الفك وفقدان الإحساس في أجزاء من الوجه والرأس.
- حقن البوتوكس: تمنع حقن البوتوكس انتقال إشارات الألم من العصب الثلاثي التوائم، ويتضمن الإجراء حقن مادة البوتوكس في مناطق محددة حول العصب، ما يوفّر راحة من الألم عدة أشهر.