ما مدى الخطر الذي يمثّله انتقال مرض الهزال المزمن من الغزلان إلى البشر؟

5 دقيقة
ما مدى الخطر الذي يمثله انتقال مرض الهزال المزمن من الغزلان إلى البشر؟
من المعروف حالياً أن مرض الهزال المزمن يصيب الحيوانات من فصيلة الأيائل فقط؛ مثل حيوانات الإلكة والموظ والغزلان والرنة والوعول. ماتياس بين/بيكتشر ألاينس عن طريق غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يشق الملايين من الصيادين في مختلف مناطق أميركا الشمالية طريقهم إلى الغابات والمراعي لصيد الغزلان في خريف كل عام. ويتناول الأميركيون شرائح لحم الغزلان والنقانق والبرغر المحضّرة من هذه الحيوانات خلال فصل الشتاء.

لكن هؤلاء الصيادين لا يؤدون دوراً رائداً في الحفاظ على التقاليد الأميركية فحسب؛ إذ وفقاً للباحثين الذين يدرسون الأمراض المعدية؛ فهم قد يؤدون دوراً أساسياً في تعزيز خطر على الصحة العامة قد يكون كبيراً وهو نشر مرض الهزال المزمن.

تتسبب بروتينات غير مطوية على النحو الصحيح تحمل اسم “البريونات” بهذا المرض العصبي؛ وهو مرض معدٍ وسريع الانتشار ومميت دائماً. يعرف العلماء حالياً أن الهزال المزمن يصيب الحيوانات من فصيلة الأيائل فقط؛ مثل حيوانات الإلكة والموظ والغزلان والرنة والوعول.

لكن علماء أمراض الحيوان يشعرون بالقلق من الانتشار السريع لهذا المرض بين الغزلان. تبيّن الأبحاث الحديثة أن الحاجز الذي يحول دون انتقال هذا المرض إلى البشر أضعف مما كان يُعتقد سابقاً، وأن البريونات التي تتسبب به ربما تتطور لتصبح أكثر قدرة على إصابة البشر.

اقرأ أيضاً: ما هي البريونات؟ وكيف تسبب الأمراض مثل جنون البقر؟

خطورة انتقال مرض الهزال المزمن إلى البشر

لكن الاستجابة إلى هذا التهديد تتزايد زخماً. وفقاً للخبير في الأمراض المعدية في جامعة مينيسوتا الذي يتمتع بخبرة كبيرة في مرض الهزال المزمن، مايكل أوسترهولم؛ بدأ تحالف من الباحثين في عام 2023: “العمل على مبادرة كبيرة تجمع 68 خبيراً عالمياً في جوانب مختلفة من مرض الهزال المزمن وتهدف إلى البحث في التحديات المقبلة التي سنواجهها إذا شهدنا انتقال المرض إلى البشر وقطاع إنتاج الغذاء. الرسالة الأساسية التي يجب أن تصل هي أننا غير جاهزين لهذه التحديات. إذا انتقل المرض إلى البشر في هذه الفترة، فسنعاني الكثير من العواقب؛ إذ إن خطط الطوارئ التي تحدد ما علينا فعله وكيف سنستجيب غير موجودة”.

يخطط فريق الخبراء في التحالف لمواجهة التفشي المحتمل للمرض، ويركزون على ممارسات مراقبة الصحة العامة وقدرة المختبرات وتشخيص أمراض البريونات، بالإضافة إلى مراقبة الماشية وأنواع الأحياء البرية وتبادل المعلومات حول المخاطر والتعليم والتوعية.

على الرغم من الخطر الذي قد يشكّله المرض، تناول البشر عشرات الآلاف من الحيوانات المصابة في السنوات الأخيرة لكن لم توثَّق أي إصابات.

واجه الكثير من الصيادين صعوبات في تحديد درجة الجدية التي يجب أن يتعاملوا وفقها مع خطر مرض الهزال المزمن. قال الكاتب ومؤسس شركة ميت إيتر (MeatEater)؛ وهي شركة إعلامية تعنى بأسلوب الحياة وتركز على صيد الطرائد البرية وطهوها، ستيف رينيلا: “أكثر جملة أسمعها هي أن المرض لم يصب أي إنسان”، ويعتقد هؤلاء أنه “لا حاجة إلى القلق بشأنه لأنه لم ينتقل إلى البشر؛ لكن هذه الحال ستتغير على نحو دراماتيكي إذا أُصيب أحد الصيادين به”.

اقرأ أيضاً: 6 أمراض خطيرة تنقلها القردان وطرق تجنّبها

البريونات أخطر مما نعتقد

أصابت أمراض البريونات الأخرى مثل التهاب الدماغ الإسفنجي البقري، المعروف أيضاً باسم “جنون البقر”، ومرض كروتزفيلد جاكوب البشر. تسبب مرض جنون البقر بوفاة أكثر من 200 شخص؛ أغلبهم في المملكة المتحدة وفرنسا. ويعتقد بعض الخبراء أن البريونات تتسبب أيضاً بمرضَي باركنسون وألزهايمر.

انتشر مرض الهزال المزمن بسرعة بعد اكتشافه أول مرة في الغزلان الأسيرة في ولاية كولورادو الأميركية عام 1967. ووُثّقت الحالات لدى الحيوانات في 32 ولاية أميركية و4 مقاطعات كندية و4 بلدان أخرى على الأقل. وُثقت حالات الإصابة مؤخراً أيضاً في متنزه يلوستون الوطني أول مرة.

تتبع البريونات سلوكاً مختلفاً للغاية عن الفيروسات والبكتيريا، ويُعد القضاء عليها مستحيلاً نظرياً. قال مدير تحالف مرض الهزال المزمن، ماثيو دنفي، إن الخبراء يطلقون على هذا المرض اسم “المرض القادم من الفضاء الخارجي”.

أعراض الإصابة بمرض الهزال المزمن

يتمتع هذا المرض بأعراض مروّعة؛ إذ إنه يتسبب بتلف في الدماغ يؤدي إلى اكتسابه قواماً إسفنجياً. يُطلق على هذا المرض أحياناً اسم “مرض الغزلان الحية الميّتة”، وهو يتسبب بالتعثر في الحركة وسيلان اللعاب والتحديق دون تعبير والموت لدى الحيوانات المصابة. لا يوجد علاج لمرض الهزال المزمن، ولم يطور العلماء لقاحات له، كما أن القضاء عليه صعب للغاية سواء باستخدام المطهرات أو الحرارة المرتفعة، فضلاً عن أنه يقاوم طرائق التعقيم الطبي.

يقول أوسترهولم إن الطبخ لا يقتل البريونات؛ بل “إنه يزيد تركيزها للأسف، ويرفع احتمال” استهلاك البشر لها.

على الرغم من أن انتقال مرض الهزال المزمن إلى البشر والحيوانات الأليفة لم يوثَّق، يشعر الخبراء بالقلق من احتمالية حدوث ذلك، وتلقت مجموعة أوسترهولم البحثية مؤخراً أكثر من 1.5 مليون دولار لدراسة هذه المسألة. يستهدف مرض الهزال المزمن عدداً أكبر من أجزاء جسم الحيوان مقارنة بأمراض البريونات الأخرى مثل جنون البقر؛ ما يزيد احتمال انتقاله إلى البشر الذين يتناولون لحم الغزلان، وذلك على افتراض أنه يصيب البشر.

اقرأ أيضاً: كيف تحدث الإصابة بالحمى المالطية أو ما يُعرف بـ «داء البروسيلات»؟

يقدّر الباحثون أن عائلات الصيادين تستهلك دون علم ما يتراوح بين 7 آلاف و15 ألف حيوان مصاب بهذا المرض سنوياً؛ وهو رقم يزداد كل سنة مع انتشار المرض عبر القارة الأميركية. على الرغم من أن اختبارات مرض الهزال المزمن المخصصة للطرائد البرية متوافرة، فإن إجراءها يتطلب الكثير من الجهد، علاوة على أنها لا تُستخدم على نطاق واسع في العديد من المناطق.

إحدى المشكلات الكبيرة التي تعوق تحديد إن انتقل مرض الهزال المزمن إلى البشر، هي أن زمن كمونه طويل. قد لا يُصاب الأشخاص الذين يستهلكون البريونات بالمرض إلا بعد سنوات عديدة. لذلك؛ قد لا يُكتشف رابط واضح بين الإصابة وتناول لحم الغزلان.

تتمتّع البريونات بقدرة هائلة على التحمل في البيئة؛ إذ إنها قادرة على البقاء في التربة سنوات عديدة، ويمكن أن تمتصها النباتات أيضاً.

الوقاية من مرض الهزال المزمن

تتركز جهود الوقاية من مرض الهزال المزمن في إجراء الاختبارات السريعة للغزلان وجيف الحيوانات الأخرى من فصيلة الأيائل؛ لأن الوسيلة الأكثر ترجيحاً لانتقال المرض هي من خلال تناول البشر للحم الغزلان. يستطيع الصيادون حالياً أخذ الغزلان إلى مراكز التحقق وإرسال عينات من العقد الليمفاوية إلى المختبرات. يستغرق صدور النتائج أسبوعاً أو أكثر؛ ما يدفع أغلبية الصيادين إلى الامتناع عن إجراء الاختبار.

على سبيل المثال؛ تشتهر ولاية مونتانا بتقليد صيد الغزلان. وُثّقت حالات الإصابة بمرض الهزال المزمن في البرية أول مرة في عام 2017، وانتشر المرض الآن في أغلبية مناطق الولاية. لكن على الرغم من إصدار التحذيرات وتوفير الاختبارات المجانية، لم يلاحظ مسؤولو الحياة البرية في الولاية أن الصيادين يهتمون كثيراً بالمسألة. قال رئيس مكتب إدارة الطرائد في إدارة الأسماك والحياة البرية والمتنزهات في ولاية مونتانا، برايان ويكلينغ: “لم نشهد انخفاضاً في معدّل صيد الغزلان بسبب انتشار المرض”. قتل صيادو الولاية قرابة 88 ألف غزال في عام 2022، ولم تُختبر سوى 5,941 عينة، وأسفرت الاختبارات عن 253 حالة إصابة.

يعتقد الخبراء أن إجراء الاختبارات السريعة سيزيد عدد الحيوانات المختبرة بمقدار كبير ويساعد على منع انتشار المرض.

اقرأ أيضاً: هل ترتبط الإصابة بالدودة الشريطية بحدوث السرطان؟

تتمتع الغزلان بأهمية كبيرة لدى السكان الأصليين؛ ما دفع العديد من الأقوام القبلية في ولاية مينيسوتا إلى العمل مع الخبراء من جامعة مينيسوتا بهدف التوصل إلى طرائق لمراقبة المرض وإدارته. قال عالم الأحياء القبلي في رابطة وايت إيرث نيشن (White Earth Nation)، دوغ ماكارثر، في بيان صحفي: “يمكن أن يؤثّر سلباً كل من خطر انتشار مرض الهزال المزمن وإمكانية انتشاره ضمن أي من محمياتنا الثلاثة في ثقافة شعب أوجيبويه وتقاليد صيد الغزلان الذي يوفر لحم هذه الحيوانات لأفراد هذا الشعب”. (تعيش في المحميات المشار إليها جماعة بحيرة ليتش من شعب أوجيبويه وجماعة البحيرة الحمراء من شعب تشيبيوا).

يضيف ماكارثر قائلاً: “يجب أن تحضّر القبائل خطة لإدارة مرض الهزال المزمن وتخفيف آثاره لضمان الحفاظ على الممارسة العريقة ذات الأهمية الثقافية المتمثلة في صيد الغزلان للأجيال القادمة”.

بيتر لارسن هو أستاذ مساعد في كلية الطب البيطري في جامعة مينيسوتا والمدير المشارك لمركز مينيسوتا لأبحاث البريونات والتوعية بشأنها. أُنشئ المركز لدراسة العديد من سمات البريونات ضمن الجهود الرامية إلى اتخاذ إجراءات استباقية حيال الانتشار المحتمل للأمراض التي تتسبب بها. قال لارسن: “تتمثّل مهمتنا في جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول مرض الهزال المزمن وأمراض البريونات الأخرى المشابهة؛ مثل مرض باركنسون ومرض ألزهايمر.

اقرأ أيضاً: ما أعراض النزلة المعوية وهل يمكن علاجها منزلياً؟

نحن ندرس السمات البيولوجية والبيئية للبروتينات المطوية على نحو خاطئ، ونحاول اكتشاف كيف تتحرك البريونات في البيئة وكيف يمكننا التخفيف من خطر إصابة الحيوانات بالأمراض التي تتسبب بها وتحسين صحة الحيوانات ورفاهها”.

يتمثّل جزء من مهمة المركز في تطوير تكنولوجيا جديدة لجعل الاختبارات أسرع وأسهل. توصّل الباحثون إلى طريقة تمكّن الصيادين من إجراء الاختبارات بأنفسهم؛ لكن نتائج هذه الاختبارات قد تستغرق عدة أسابيع. يأمل الباحثون في تطوير اختبار يستغرق صدور نتائجه 3 أو 4 ساعات خلال السنتين التاليتين.

قال لارسن: “على الرغم من الخطر المخيف الذي يمثله هذا المرض، هناك حلول حقيقية يمكن أن تساعدنا على مقاومته بطرق جديدة. ونحن متفائلون قليلاً”.