تبلغ قوة العضلات ذروتها في الثلاثينيات من العمر، وذلك بالنسبة لأي شخصٍ يمارس تمرينات المقاومة ورفع الأثقال بشكل منتظم خلال سنوات شبابه، إذ يكون من السهل خلال تلك المرحلة بناء كتلة عضلية متينة حيث تكون الأنسجة العضلية بذروة نضجها ولم تبدأ بالهزال بعد.
تطال تأثيرات الشيخوخة الخلايا العضلية مغيرةً من تركيبها وعملها مثلما تطال الجلد والشعر وباقي أعضاء الجسم. لنتعرف معاً على هذه التبدلات، وما إذا كانت تحمي ممارسة التمرينات الرياضية من الضعف العضلي المُرافق لتقدم السن.
اقرأ أيضاً: العضلات الهيكلية: دليلك لفهم أكثر العضلات وفرة في الجسم
شيخوخة العضلات
لا تعتبر "شيخوخة العضلات" أو "هزال العضلات" مرضاً بحد ذاتها، بل هي أحد الأشكال التي ترافق شيخوخة البدن بشكل طبيعي. الحقيقة المؤسفة هي أن بنية الأنسجة تتراجع مع تقدم السن بشكلٍ تفقد فيه القدرة على بناء كتلة عضلية والحفاظ عليها، أو إن لم تفقدها بشكل تام سيصعب عليها ذلك.
لا يوجد سن معين يحدث عنده هزال العضلات، كما أنه لا يحدث بشكل مفاجئ، وإنما تختلف سرعة البداية ووقت حدوثها من شخص لآخر. وفي حال كنت من الأشخاص الذين يعتنون بأنفسهم ويمارسون الرياضة بانتظام منذ عمر صغير، فسيتأخر ظهور الأعراض الناجمة عن الضعف العضلي لديك نتيجة لوجود بنية متينة، وستستغرق أعراض التنكس العضلي وقتاً أطول لكي تظهر.
اقرأ أيضاً: كل ما ترغب في معرفته عن العضلات
الوحدات الحركية العضلية
تُعرف التغيرات التنكسية في الأنسجة العضلية المتقدمة بالعمر باسم "الساركوبينيا" الأولية، وهي تختلف عن "الساركوبينيا" الثانوية بأن الثانوية تكون مرتبطة بأمراض عضلية وعظمية كفقدان الحركة وهشاشة العظام والتهاب المفاصل الروماتويدي وغيرها.
وإن كنت تتساءل عن السبب وراء تراجع القدرة على الجلوس بوضعية "القرفصاء" مع تقدم العمر، فالجواب هو فقدان الوحدات الحركية.
تعتبر الوحدة الحركية المكون الرئيسي في الاتصال العصبي العضلي، كما أنها أحد الأجزاء المادية الأساسية للاتصال بين الدماغ والعضلات، وهي تتكون من الخلايا العصبية الحركية والألياف العضلية التي تتصل بها. تنشط الوحدات الحركية أثناء الحركة وهي التي تحدد شدّة انقباض العضلات، إلّا أن هناك عامل آخر يجب أخذه بعين الاعتبار وهو "سرعة تنشيط هذه الوحدات"، فكلما ازدادت سرعة إطلاق وحدات المحرك المفعلة، كلما كان الانقباض أقوى وأشد. ويتعلق عدد الوحدات الحركية التي يملكها كلٌّ منا بالعامل الوراثي، حيث تزداد قوتها بالتمرين إنما يبقى عددها ثابت.
اقرأ أيضاً: 5 تمرينات لشد العضلات يجب ممارستها يومياً
تغيرات الجهاز الهيكلي التي ترافق التقدم بالعمر
يُفسر الإرهاق وضعف القدرة على تحمل التمارين مع بعض التغيرات الفيزيائية التي تترافق مع الشيخوخة، والتي هي:
- نقص عدد الألياف العضلية وضعف تقلصها.
- استبدال أنسجة العضلات بشكل تدريجي بنسيج ليفي صلب.
- التنكس العصبي العضلي والذي يؤدي لانخفاض توتر العضلات والقدرة على الانقباض.
- التغيرات العظمية كنقصان كثافة العظم وحدوث تخلخل العظم.
هناك وجه أكثر دقة يفسر حدوث الضعف العضلي المرتبط بتقدم العمر وهو "تطاول الزمن اللازم لتنشيط الوحدات الحركية". قد لا تساعد التمارين الرياضية في زيادة عدد الوحدات الحركية، إلّا أن دورها مُثبت في تنشيط هذه الوحدات بشكل أسرع وأكثر فعالية. ومع التقدم بالعمر، يتأخر تنشيط الوحدات الحركية وتفعيلها الأمر الذي يؤخر من سرعة بدء أي حركة، بمعنى آخر تحتاج الوحدات الحركية زمناً أطول للتحمية حتى تعمل بالشكل المطلوب. ومن جهة أخرى، يتم فقدان عدد من الوحدات الحركية كلما تقدم الشخص بالعمر، الأمر الذي لا يسمح للعضلات بالتقلص بنفس القوة.
اقرأ أيضاً: هذا البروتين قد يحمل إحدى أسرار التنبّؤ بنمو العضلات
تم تأكيد هذه النتائج من خلال دراسة تمت على 29 شخصاً من اليافعين وكبار السن، وقد ترأس هذه الدراسة الباحث "لوكاس أرساتو" من جامعة كوينزلاند والمتخصص بالبحث في التكيفات العصبية والعضلية والشيخوخة. تم فحص مجموعة من العضلات عبر إجراء تخطيط كهربائي للأعصاب والعضلات، من خلال وضع مسابر إلكترونية ترسل أمراً بالحركة وتُسجل الاستجابة العصبية العضلية. قارنت هذه الدراسة تركيب العضلات وشدة الانقباض بين اليافعين وكبار السن، وقادت إلى استنتاجات غير سارة مفادها أن نشاط الوحدات الحركية للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 حتّى 40 عاماً، كان أعلى من تلك الخاصة بكبار السن الذين تجاوزوا الستين عاماً.
كما لُوحظ فرق في آلية عمل العضلات عند القيام بحركات تتطلب شدة عالية، حيث لم يكن من الصعب إحداث تقلص في العضلات عند كبار السن وحسب، إنما ازداد ذلك صعوبةً في الشدّات العالية.
اقرأ أيضاً: فيتامين «سي» قد يحافظ على صحة العضلات لدى كبار السن
هل يمكن تطبيق هذه النتائج على جميع كبار السن؟
لحسن الحظ لا يمكن تعميم النتائج على الجميع، إذ أن النتائج التي تم التوصل إليها ذات تباين منهجي كبير، وهذا التباين يعود لعشوائية العضلات التي تم فحصها، وتنوع شدة الانقباض المستخدمة وتقنيات قياس معدل التفريغ، إضافةً إلى أن اختيار أعراق المشاركين لم يتم على نحو مدروس. ولذلك تتطلب الدراسات المستقبلية تصميماً وتحضيراً متأنيّاً ودقيقاً حتّى يتم تعميم نتائجها بشكل منهجي وعلمي.
كما يتم العمل على علاج مشكلة هزال العضلات المرتبط بالعمر من خلال البحث عن الإنزيمات والبروتينات التي تشارك في عملية التنكس هذه لاستهدافها والحد من تأثيراتها.