خلال طفولتي وفي أحد الأيام الدراسية، فوجئنا بزميل لنا وقد تحوّل وجهه إلى ما يشبه المربع. كنا في حالة ذهول، وسرعان ما أصبح هذا التحول الغريب موضع قلق بين المعلمين والمشرفين، ما استدعى زيارة من الطبيب إلى المدرسة الذي شخص إصابته بـ "أبو كعب" أو ما يُعرف بالنكاف، وأرسله إلى المنزل ليتلقى العلاج في الحال.
أدى تطوير واستخدام لقاح النكاف على نطاق واسع في أواخر الستينيات إلى تقليل الإصابة به بدرجة كبيرة، مع استثناءات بسيطة مثل حالة زميلنا. فما الذي يسبب مرض النكاف؟ وكيف يمكن علاجه؟ إليك ما ينبغي معرفته في هذا المقال.
ما هو النكاف أو أبو كعب؟
النكاف أو أبو كعب أو أبو دغيم هو مرض تسببه عدوى بفيروس النكاف الذي ينتمي لمجموعة الفيروسات المخاطية. تصيب العدوى الغدتين اللعابيتين النكفيتين على جانبي الوجه بين الأذنين والفك، وهي واحدة من ثلاث مجموعات من الغدد اللعابية، ما يسبب العرض الرئيسي للنكاف وهو انتفاخ الخدين وتورّم الفك، على جانب واحد أو كلا جانبي الوجه.
يحدث هذا المرض عامة في الطفولة، خلال المرحلة ما بين 2-12 سنة، ومن النادر أن يُصاب الطفل بعمر السنة بالنكاف؛ لأن الأم تنقل له خلال الحمل بعضاً من الأجسام المضادة التي تبقى فعالة حتى عام واحد، إذا كانت قد خضعت للتطعيم سابقاً. لذا غالباً ما يكون أول موعد لتلقي الطفل لقاح النكاف هو بعد 12 شهراً من ولادته.
ومع ذلك، قد تحدث حالات تفشي العدوى في الأماكن ذات الاتصال والتقارب الشديد مثل الحرم الجامعي، وخاصة لدى الذين لم يتلقوا لقاح النكاف، أو الذين يعانون ضعفاً في المناعة.
اقرأ أيضاً: ما سبب تورم الأقدام بعد سن الأربعين وما طرق علاجه؟
أعراض النكاف
تظهر أعراض النكاف بعد نحو 2-3 أسابيع من الإصابة بالعدوى، وغالباً ما تكون الأعراض خفيفة وغير واضحة لدى الأشخاص الذين تلقوا لقاحاً في الطفولة، وأكثر شدة بالنسبة لمن لم يتلقوا اللقاح.
عموماً تبدأ الأعراض فيما يشبه أعراض الإنفلونزا، وتشمل:
- آلام الجسم والتعب العام.
- الصداع.
- فقدان الشهية.
- الغثيان.
- الحمى.
بعد عدة أيام تبدأ الأعراض الأوضح بالظهور، مثل:
- تورم إحدى الغدتين النكفيتين أو كليهما وعلى نحو تدريجي مثل موجات من الانتفاخ في خد المصاب.
- الألم في الأذن أو على جانبي الوجه، ويزداد سوءاً مع الأطعمة التي تسبب زيادة في إنتاج اللعاب، مثل الأطعمة الحامضة.
- الألم وصعوبة في البلع.
- حمى شديدة تصل إلى 39.4 درجة مئوية.
- جفاف الفم.
- آلام العضلات أو المفاصل.
- ألم وحساسية الخصية بالنسبة للذكور.
- ألم خفيف في البطن.
- في حالات نادرة قد يصاب الطفل بتورم الغدد اللعابية الأخرى الموجودة تحت اللسان وأسفل الذقن.
اقرأ أيضاً: ما أسباب انحراف العمود الفقري لدى الأطفال؟ وما علاجه؟
مضاعفات النكاف
في حالات أقل شيوعاً، قد يؤدي النكاف إلى مضاعفات خطرة تستوجب علاجاً فورياً وطارئاً، خاصة لمن لم يتلق التطعيم، ولدى البالغين أكثر من الصغار، ومن هذه المضاعفات:
- التهاب الخصيتين: قد يؤدي النكاف لدى البالغين إلى التهاب الخصيتين، وهي حالة مؤلمة تسبب تورم إحدى الخصيتين أو كليهما ثم انكماشهما. كما قد يسبب تراجعاً مؤقتاً في خصوبة الرجل.
- تورم المبايض: وهي حالة قد يجري الخلط بينها وبين التهاب الزائدة الدودية، بسبب تشابههما بالأعراض، بما فيها الغثيان والألم والحمى.
- ألم الثديين: غالباً ما تصاب الإناث ممن لم يتلقين اللقاح بالتهاب مؤلم في الثدي.
- التهاب البنكرياس: قد يسبب النكاف التهاب البنكرياس، ونظراً إلى أن هذا العضو يساعد على التحكم في نسبة السكر بالدم وهضم الطعام، فإن التهابه قد يسبب ألماً في البطن والقيء والحمى.
- التهاب السحايا: السحايا هي الأغشية التي تغلف الدماغ، ويؤدي التهابُها، كما قد يحدث لدى الإصابة بالنكاف، إلى تيبس الرأس والرقبة والحمى.
- فقدان السمع: من الممكن أن يعاني المصابون بالنكاف ضعفاً أو فقداناً للسمع يعود غالباً بعد الشفاء، وفي بعض الحالات قد يكون دائماً.
- التهاب الدماغ: على الرغم من أن نسبة الإصابة بالتهاب الدماغ الناتج عن النكاف لا تتجاوز الواحد من كل ألف مصاب، فإنها حالة خطرة وقد تسبب نوبات صرع وغيبوبة مهددة للحياة.
- الإجهاض: عادة لا يسبب النكاف الضرر للجنين إذا أصيبت الأم به، لكنه في حالات نادرة قد يؤدي لدى الإصابة به خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل على وجه التحديد إلى الولادة المبكرة أو الإجهاض أو عيوب خلقية في الجنين أو ولادة طفل ميت.
ما هي أسباب النكاف؟
عادة ما يحدث مرض النكاف بسبب عدوى فيروسية بفيروس النكاف، والذي ينتقل من فرد لآخر عبر تبادل السوائل، مثل اللعاب أو مفرزات الأنف، أو رذاذ التنفس من الأنف أو الفم. فإذا أصيب الطفل بالعدوى، فإنه غالباً ما يكون معدياً خلال الفترة الممتدة ما بين قبل تورم الغدد بعدة أيام حتى 5 أيام بعد بدء التورم. علماً أن فترة الحضانة؛ وهي المدة بين التعرض للفيروس وظهور المرض، تتراوح بين 12-25 يوماً تقريباً.
وقد تحدث العدوى الفيروسية من خلال:
- العطاس أو السعال أو التحدث.
- مشاركة المقتنيات الشخصية، مثل الألعاب أو الأكواب أو صحون الطعام.
- ممارسة بعض الأنشطة التشاركية التي تتضمن اتصالاً جسدياً وثيقاً مثل الرقص أو اللعب أو الرياضة.
وتشمل الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالنكاف:
- الأفراد الذين يعانون ضعف الجهاز المناعي.
- العاملون بالوظائف والأماكن التي تتضمن اختلاطاً شديداً، مثل الملاعب والحرم الجامعي.
- المسافرون دولياً.
- من لم يتم تطعيمه في الطفولة.
علاج أبو كعب
لا يوجد علاج محدد للنكاف، فهو عدوى فيروسية تزول عادةً من تلقاء نفسها في غضون 3 -10 أيام، لأن المضادات الحيوية غير فعالة ضد الفيروسات. ومع ذلك، ثمة عدة خطوات يمكن اتخاذها لتخفيف الأعراض والمساعدة على التعافي، مثل:
- الحصول على قسط كافٍ من الراحة، بما في ذلك النوم، لأنه يساعد الجسم على محاربة العدوى.
- تناول مسكنات الألم المتاحة دون وصفة طبية مثل الأسيتامينوفين (تايلينول) أو الإيبوبروفين (أدفيل، موترين) لتقليل الحمى وتسكين الألم. ومع ذلك، لا يمكن إعطاء طفل يقل عمره عن 6 أشهر الإيبوربروفين، ولا الأسبرين، لأنهما قد يسببان متلازمة راي.
- وضع كمادات باردة أو دافئة على الغدد اللعابية المتورمة لأنها قد تساعد على تقليل الألم والتورم.
- استخدام كمادات باردة للخصيتين في حال تورمهما.
- شرب الكثير من السوائل لمساعدة الجسم على مقاومة الالتهاب، ومع ذلك ينبغي تجنب المشروبات الحامضية مثل عصير البرتقال والجريب فروت.
- تناول الأطعمة اللينة التي يسهل مضغها، مثل الحساء والمرق والبطاطا المهروسة.
- تجنب الاتصال بالآخرين لمنع انتشار العدوى، حيث يجب أن يبقى المصاب معزولاً حتى مرور خمسة أيام على الأقل بعد بدء تضخم الغدد اللعابية.
- التطعيم، ويظل هو الإجراء الأكثر فعالية لمنع تفشي النكاف.
إذا لم تتحسن الأعراض بعد أسبوع، ينبغي الاتصال بالطبيب المختص.