ما هي الاستشارات الوراثية قبل الزواج؟ ولماذا أصبحت ضرورية في العالم العربي؟

4 دقائق
ما هي الاستشارات الوراثية قبل الزواج؟ ولماذا أصبحت ضرورية في العالم العربي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Billion Photos

هناك حكمة قديمة تقول "من يستشير بكثرة تقلُّ أخطاؤه"، ومعظم القادة العظماء عبر التاريخ لا يخطون بمشاريعهم إلا بعد استشارة حكمائهم والاستفادة من علمهم، فكل القرارات المهمة والمصيرية ومنها الزواج وتأسيس العائلة بحاجة إلى معرفة كافية للإقدام عليها. لذا نعرض في هذا المقال أهمية الاستشارات الوراثية ودورها المهم في عالمنا العربي.

تنتشر في عالمنا العربي الأمراض الوراثية بشكل كبير، إذ يوجد ما يزيد على 1000 مرض وراثي مختلف، والأسباب في ذلك متعددة فالتاريخ الطويل لحضاراتنا العربية راكم العديد من الحالات المرضية المتوارثة، ويساهم ارتفاع متوسط عدد أفراد الأسر وزواج الأقارب من حالات الأمراض الوراثية وتنوعها، لكن هناك جهوداً حثيثة تبنتها بشكل خاص دول الخليج لنشر الوعي واتخاذ الإجراءات الاحتياطية الصحية اللازمة بهذا الخصوص.

اقرأ أيضاً: دراسة: نخبة ايرلندا القديمة فضلت زواج أقارب الدرجة الأولى

ما هي الاستشارة الوراثية؟

يمكن تعريف الاستشارة الوراثية بأنها نمط من الاستشارات التي يقدمها مختص بالجينات لمريض أو أفراد أسرة لفهم الجوانب الجينية السريرية لحالة طبية معينة، أو تقديم فهم أفضل لبعض المشكلات الصحية السابقة أو المحتمل إصابة النسل بها للمقبلين على الزواج. وعلى الرغم من أهميتها وموثوقية الأدوات العلمية الخاصة بها، فإنها لا تصنع القرار، بل توفر معلومات مهمة من الناحية الجينية لتسمح للمعنيين أو الجهات الصحية بأخذ القرارات المناسبة بما يتعلق بالحالات الصحية التي تم طلب الاستشارة بخصوصها.

من الشائع الاعتقاد بأن الاستشارة الوراثية تُطبَق للأغراض الإنجابية فقط، لكنها تستخدم في العديد من الحالات الصحية المختلفة؛ سواء لتحديد نمط العلاج المناسب للسرطانات أو الأمراض، أو تشخيص بعض الحالات التي يعجز التحليل المخبري التقليدي عن تفسيرها، وهناك استشارات وراثية تساعد الشخص على اختيار نمط حياة ملائم لذخيرته الوراثية المميزة، فيقدم المستشار الوراثي اقتراحات نمط غذائي معين لخسارة الوزن أو تحديد برنامج يومي مصمم ليتوافق مع الساعة البيولوجية لكل شخص.

اقرأ أيضاً: هذه هي البيانات التي يمكن أن تشاركها شركات الاختبارات الجينية

ما هي الأمور التي يقدمها المستشار الوراثي للمقبلين على زواج؟

يعد المستشار الوراثي خبيراً متمكناً من علوم الوراثة والجنين والكيمياء الحيوية والتحليل المخبري والبصمات الوراثية وغيرها من المجالات العلمية والاجتماعية، ما يسمح له بتقديم عدة خدمات للمقبلين على الزواج. ومنها ما يلي:

  • توقع المخاطر المحتملة لسيناريوهات مرضية معينة، وهي النتيجة النهائية التي يقدمها المستشار الوراثي، إذ يعطي نسبة مئوية لاحتمال حدوث مرض معين أو حالة مرضية، ويتخذ المقبلون على الزواج قراراتهم بعد معرفتهم لهذه النسبة.
  • تقديم استشارات صحية أثناء الحمل، وذلك تبعاً لمورثات الأم وتاريخها الصحي والعمر ووجود حساسية معينة لديها.
  • اقتراح مجموعة اختبارات جينية قبل الزواج أو الولادة.
  • الاستشارة في حالات التعرض لأدوية قد تسبب تشوهات للأجنة.
  • كيفية رعاية الطفل المصاب بمرض وراثي في الأسرة، وذلك لكي يندمج بالمجتمع بشكل أفضل ويحقق أقصى إمكاناته تبعاً لحالته.

اقرأ أيضاً: علاج جيني يُلغي الحاجة لنقل الدم المتكرر عند مرضى الثلاسيميا

ما هي أنواع الاضطرابات الجينية التي تساهم الاستشارة الوراثية في التنبؤ باحتمال حدوثها؟

هناك ثلاثة أنواع رئيسية من الاضطرابات الجينية التي تساعد الاستشارات الوراثية في كشفها وهي:

  • اضطرابات الجين الواحد، وتؤثر فيها الطفرات على جين واحد مثل مرض فقر الدم المنجلي، وتقسم إلى متنحية وسائدة، وتعد المتنحية الأكثر شيوعاً، فزواج الأقارب بحد ذاته لا يسبب الأمراض الوراثية الجينية، إنما التقاء نسختين من الجينات المتنحية الممرضة لدى الأب والأم يسبب ظهور المرض المتنحي، فكل مرض جيني متنحٍ لا يظهر في حال كانت هناك نسخة جين سليمة لدى أحد الأبوين، بينما السائد تكفي نسخة جين ممرضة من أحد الأبوين ليصاب الطفل به، لذا تقوم الاستشارة الوراثية بتغطية هذا النمط من الأمراض بشكل أساسي.
  • الاضطرابات الكروموسومية، حيث تكون الكروموسومات التي تحتوي على آلاف الجينات إما مفقودة أو ناقصة أو زائدة، وتعد هذه الاضطرابات أشد خطورة وذات آثار أكبر من الاضطرابات الجينية، ومنها متلازمة داون.
  • الاضطرابات المعقدة، وتحدث بها الطفرات في جينين أو أكثر، ولا تعتبر من الحالات الشائعة.

اقرأ أيضاً: باحثون في السعودية يطوّرون طريقة جديدة لقمع جينات الأمراض

ما هو الجدل الذي قد تسببه الاستشارة الوراثية؟

هناك العديد من القضايا الأخلاقية التي قد تُثيرها الاستشارة الوراثية، وتعتبر أهمها سرية البيانات وخصوصية معلومات المرضى والذين يطلبون الاستشارة منهم، لأن هذه المعلومات قد تكون كفيلة في التسبب بأضرار جسيمة سواء في التوظيف أو الزواج أو الأولوية في تلقي العلاجات والقبول في المدارس وغيرها من الأمور. وعلى الرغم من أن الأمراض الوراثية لا يكتسبها الشخص بأفعاله، لكن البعض يستغلون هذه الأمراض في الإقصاء على المستوى الصحي كنوع من أنواع التمييز الاجتماعي، ومن الممكن أن تسبب قلقاً وتوتراً وحتى اكتئاباً لدى الأشخاص بسبب نتائجها، ما يتطلب الحذر والتعامل بحرص مع هذه المعلومات.

لذلك يتم ضبط مراكز الاستشارة الوراثية بأنظمة وقوانين تحافظ على سرية طالب الاستشارات، مع الحفاظ على الحقوق القانونية في الموافقة أو الرفض بمشاركة بياناتهم مع المنظمات البحثية الصحية أو الأكاديمية أو المراكز الإحصائية. وكل هذه الإجراءات تتم في سبيل تشجيع الناس على القيام بهذه الاستشارات الوراثية لرفع المستوى الصحي على نطاق المجتمع بكامله.

اقرأ أيضاً: شرطي في دبي يترأس «الجينوم العربي» ويعلن قُرب الانتهاء منها

مَن هم الأشخاص الذين بحاجة لطلب الاستشارة الوراثية؟

يحتاج إلى الاستشارة الوراثية بشكل أساسي الذين لديهم واحد أو أكثر من عوامل الخطر التالية:

  • ظهور نتائج غير طبيعية من اختبارات ما قبل الولادة الروتينية لدى أحدهما.
  • نتائج بزل سائل السلى للحامل تظهر وجود عيوب في الكروموسومات.
  • وجود مرض وراثي لدى أحد أفراد أسرتيهما.
  • إنجاب طفل سابق مصاب بعيب خلقي أو اضطراب وراثي.
  • عندما يكون عمر الأم فوق 35 سنة .

وعادة ما يطلب المستشار الوراثي منهما القيام بأحد الاختبارات الطبية التالية:

  • تحديد تسلسل الحمض النووي.
  • مقياس التدفق الخلوي.
  • تفاعل البوليميراز المتسلسل بالزمن اللحظي.
  • دراسة الجينوم بالتهجين.
  • الجيل الحديث من تحديد تسلسل الحمض النووي.
  • النمط الوراثي أو الكاريوتايب.
  • تحليل تطابق الأنسجة.

وتعتبر هذه الفحوصات موجهة لكشف الأمراض الوراثية الأكثر شيوعاً في المنطقة العربية ومنها متلازمة داون، والتليف الكيسي والتلاسيميا وفقر الدم المنجلي ومرض هنتنغتون والحثل العضلي الدوشيني ومرض تاي ساكس، وتختلف هذه الأمراض بحسب المنطقة الجغرافية، لذلك تعتبر الأبحاث المحلية للجينات والأمراض الجينية ضرورية لتقديم استشارات وراثية كافية.

اقرأ أيضاً: إتمام تسلسل الجينوم البشري: ما هي الفوائد المستقبلية التي ستُبنى على ذلك؟

ما هي الجهود العربية المبذولة في مجال الاستشارة الوراثية؟

لحسن الحظ، هناك العديد من الجهود التي تُبذل في سبيل الحد من انتشار الأمراض الوراثية، وتقديم الاستشارات الوراثية المناسبة ومنها ما يقدمه قسم الطب الوراثي بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالسعودية ومراكز الأبحاث التابعة له، إذ تأسس عام 2011 ويخدم 23 مليون مواطن بخدمة الاستشارة الوراثية للأقسام المختلفة في المستشفى مثل أقسام أمراض القلب والأعصاب والأطفال والأمراض الباطنة، وكذلك قسم جراحة العظام وقسم الأذن والأنف والحنجرة وقسم الأورام، والمقبلين على الزواج والعائلات التي تريد الإنجاب.

ويعد برنامج الجينوم البشري السعودي وكذلك المصري والمركز العربي للدراسات الجينية في الإمارات ومركز الوراثة الجزئية والاستشارات الوراثية بالأردن من المشاريع المهمة على الصعيدين العربي والعالمي في مجال البحوث الوراثية والاستشارات الوراثية، وتعتبر هذه المراكز معياراً للتقدم التكنولوجي للدول والمستوى العالي من الرعاية الصحية.

اقرأ أيضاً: ما تحتاج لمعرفته عن مشروع الجينوم المرجعي للمصريين الذي أطلق في إكسبو دبي

تذكر الدكتورة عطية محمد عبدالله في بحثها المنشور في دورية الجينات عام 2022، أن الاستشارة الوراثية أصبحت ضرورية في العالم العربي وتساعد على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن حالات الحمل الحالية والمقبلة، فعلى الرغم من أن الدول العربية لا تزال تتطور في هذا المجال بشكل متفاوت، لكن هناك تقدماً ملحوظاً ومبشّراً في المستقبل القريب.

المحتوى محمي