إذا كنت مدخناً أو تعيش مع مدخن، فمن المحتمل أنك على دراية بنوبات السعال الشديد التي يبدو فيها المدخن وكأنه يسرق أنفاسه. في تلك اللحظات يتشبث بصدره كما لو كان يحاول سحب الهواء بيديه إلى رئتيه. قد يرفض الاعتراف بذلك، بل ويؤكد لك أن الأمر مجرد نداء حاجة إلى تدخين سيجارة أخرى. ولكنه في حقيقة الأمر مصاب بداء الانسداد الرئوي المزمن دون أن يدرك ذلك، وهي حالة أكثر شيوعاً بكثير مما قد تعتقد بين المدخنين. فما هو هذا المرض بالضبط؟ وما هي المخاطر التي يشكّلها على الصحة؟
اقرأ أيضاً: ما أسباب السعال؟ وكيف تتصرف إذا أصابتك نوبة سعال شديدة؟
ما هو الانسداد الرئوي المزمن؟
مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD)، هو مرض رئوي يسبب صعوبة في تدفق الهواء من وإلى الرئتين. يضم المصطلح مجموعة من أمراض الرئة المتقدمة، أكثرها شيوعاً انتفاخ الرئة والتهاب الشعب الهوائية. بكلماتٍ أخرى، يعني تشخيص إصابتك بالانسداد الرئوي المزمن أنك مصاب بأحد هذين المرضين الرئويين أو كليهما معاً.
يسبب انتفاخ الرئة انهيار جدران الحويصلات الهوائية ببطء، ما يعوق خروج الهواء من الرئتين، ويصبح من الصعب الحصول على نَفَس كامل.
بينما يسبب التهاب الشعب الهوائية تضيق القصبات الهوائية والتهابها، ما يسمح بتراكم المخاط على طول بطانة القصبة الهوائية، وتضييق فتحتها، فيعاني المصاب صعوبة دخول الهواء إلى الرئتين وخروجه منهما.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، يُعدّ مرض الانسداد الرئوي المزمن ثالث سبب رئيسي للوفاة حول العالم؛ حيث تسبب عام 2019 في وفاة 3.23 ملايين شخص.
أعراض مرض الانسداد الرئوي المزمن
تحدث الإصابة بالانسداد الرئوي المزمن بالتدريج، حيث تكون الأعراض المبكرة خفيفة، وتبدأ بـ:
- ضيق تنفس خفيف، يزداد بعد ممارسة الرياضة.
- سعال خفيف ومتكرر.
مع تطور المرض يتفاقم الضرر الذي يلحق بالرئتين، وتزداد حدة الأعراض وتشمل:
- ضيق في التنفس حتى بعد الأنشطة البسيطة، مثل صعود الدرج.
- الصفير.
- ضيق الصدر.
- السعال المزمن مع أو بدون مخاط.
- تكرر نزلات البرد أو الإنفلونزا أو غيرها من التهابات الجهاز التنفسي.
- انخفاض مستوى الطاقة.
- تورم القدمين أو الكاحلين أو الساقين.
ومن المضاعفات المرتبطة بمرض الانسداد الرئوي المزمن:
- مشكلات قلبية.
- ارتفاع ضغط الدم الرئوي.
- سرطان الرئة.
- الاكتئاب والقلق.
اقرأ أيضاً: دواء جديد يخفض خطر الوفاة بسبب سرطان الرئة إلى النصف
أسباب الانسداد الرئوي المزمن
التدخين هو السبب الرئيسي للإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن، مع زيادة التدخين تصبح الرئتين أكثر عرضة للتلف، وتزداد فرص الإصابة بالمرض.
لدى استنشاق الدخان تتلامس المواد الضارة التي يحتوي عليها مباشرة مع خلايا وأنسجة الرئتين، ما يهيج الشعب الهوائية، ويسبب تورّمها وضيق التنفس.
علاوة على ذلك، تحتوي القصبات الهوائية في الحالة الطبيعية على أهداب صغيرة مهمتها تحريك المخاط خارج المجاري الهوائية، لكن التهيج الذي يسببه التدخين يؤدي إلى إتلافها، وصعوبة التخلص من المخاط.
بالإضافة إلى التدخين، تشمل عوامل الخطر الأخرى لمرض الانسداد الرئوي المزمن:
- نقص ألفا-1 أنتيتريبسين (AAT): هو اضطراب وراثي ينتج عنه غياب إنزيم ألفا-1 أنتيتريبسين الذي يساعد على حماية الرئتين من آثار الالتهابات الضارة، فتصبح الرئتين أكثر عرضة للتلف الناجم عن التعرّض للدخان.
- التعرض السلبي للتدخين (غير المباشر).
- التعرّض المزمن للمهيجات في أثناء العمل؛ مثل الغبار أو الأبخرة أو المواد الكيميائية.
- تلوث الهواء بنواتج حرق الوقود المستخدم في الطهي والتدفئة.
- تكرر التهاب الجهاز التنفسي في مرحلة الطفولة المبكرة، ما يعوق تطور الرئة إلى حجمها الطبيعي.
- حالات صحية مثل الربو بالإضافة إلى التدخين.
علاج الانسداد الرئوي المزمن
لا يوجد علاج لمرض الانسداد الرئوي المزمن، ولكن ثمة بعض الخيارات التي قد تساعد على التخفيف من حدة الأعراض ومنع تطور المرض، مثل:
العلاج الدوائي
- موسعات الشعب الهوائية المستنشقة: وهي عبارة عن رذاذ يمكن استنشاقه عبر جهاز رذاذ، وتساعد على استرخاء المجاري الهوائية لتحسين مرور الهواء والتخلص من المخاط.
- مثبطات الفوسفوديستيراز-4: هي أدوية مضادة لالتهاب الشعب الهوائية المزمن.
- ثيوفيللين: لعلاج ضيق الصدر والتنفس.
- المضادات الحيوية ومضادات الفيروسات: لعلاج عدوى الجهاز التنفسي.
- اللقاحات: لتقليل الإصابة بالعدوى التنفسية، مثل لقاح الإنفلونزا، ولقاح المكورات الرئوية.
- العلاج بالأوكسجين: لدى انخفاض مستوى الأوكسجين في الدم يمكن استخدام قناع الأوكسجين أو قثطرة وريدية.
- مُعدّلات الليكوترين: ينتج الجسم بشكلٍ طبيعي موادَّ تُدعى الليكوترين، تعمل على شد عضلات مجرى الهواء التنفسي، وإنتاج المخاط والسوائل. تزيد هذه المواد من حدة أعراض مرض الانسداد الرئوي المزمن، لذا تساعد معدلات الليكوترين على تثبيط هذه المواد، ما يحسّن من تدفق الهواء.
إجراءات جراحية
في حالة الانسداد الرئوي المزمن المتقدم، وعندما تفشل الخيارات العلاجية الأخرى، يمكن اللجوء للإجراءات الجراحية، وتشمل:
- جراحة استئصال الفقاعات: لإزالة الفقاعات الهوائية الكبيرة (غير الطبيعية) من الرئتين.
- جراحة تقليل حجم الرئة: لإزالة الأنسجة التالفة من الجزء العلوي من الرئة، إلّا أنها إجراء جراحي محفوف بالمخاطر.
- زرع الرئة: على الرغم من أنه ينطوي على العديد من المخاطر، فإنه قد يساعد على علاج الانسداد الرئوي.
- الصمامات القصبية الهوائية (EBV): هو إجراء جراحي طفيف التوغل للمصابين بانتفاخ الرئة الشديد، يتضمن زرع صمامات أحادية الاتجاه في الجزء التالف من الرئة، لتحويل الهواء المستنشق إلى الرئة السليمة.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: آثار التدخين السلبية في الجهاز المناعي تستمر سنوات بعد الإقلاع عن التدخين
تغييرات في نمط الحياة
يمكن لبعض التعديلات على نمط الحياة أن تخفف أعراض انسداد الرئة المزمن، مثل:
- الإقلاع عن التدخين لوقف تطور تلف الرئتين.
- تجنب التدخين السلبي والأبخرة الكيميائية.
- تناول الأطعمة الصحية، بما فيها الأسماك والدواجن واللحوم الخالية من الدهون، وكذلك الفواكه والخضروات.
- شرب ما لا يقل عن 6-8 أكواب من السوائل الخالية من الكافيين، ما يزيد من سيولة المخاط، ويسهّل حركة خروجه من الشعب الهوائية.