طاقة الرياح البحرية: حلول بيئية أمْ مشكلات جديدة؟

7 دقيقة
طاقة الرياح البحرية: حلول بيئية أمْ مشكلات جديدة؟
يؤدي إنشاء توربينات توليد طاقة الرياح البحرية الجديدة إلى مجموعة من المشكلات البيئية. لكن بمجرد وضع الآلات في الماء، ينخفض الأثر البيئي إلى حد كبير.

ملخص:

المشكلة: تضاعف الحاجة إلى طرق إنتاج الطاقة المتجددة لتخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري مصدراً للطاقة، وظهور طاقة الرياح البحرية كمصدر طاقة متجددة يمكن أن يغطي جزءاً كبيراً من الطلب على الطاقة، لكن هناك تأثيرات بيئية سلبية لهذا المصدر في البيئة البحرية لم تتم دراستها بشكلٍ وافٍ.

السبب: عدم وضوح تأثير هذه المنشآت في مراحل عملها المختلفة، من الإنشاء إلى الإزالة، في البيئة البحرية؛ فإنشاء مزرعة لتوليد طاقة الرياح البحرية مشروع تقني ضخم. يستخدم عمال البناء، الذين يقيمون في فنادق عائمة، معدات ضخمة لتثبيت الأساسات في قاع البحر، ويعمل آخرون على تركيب كابلات بحرية متينة وبناء محطات كهربائية بحرية فرعية. وبمجرد تشغيل التوربينات، تبحر طواقم الصيانة إلى الموقع للحفاظ على عمل شفرات التوربينات بكفاءة مع رياح المحيط القوية. يؤدي ذلك كلّه إلى زيادة احتمالات اصطدام السفن بالتوربينات، بالإضافة إلى زيادة مستويات الضوضاء تحت الماء، من جهة أخرى تشكّل هذه البنى بيئة لحياة بعض الكائنات البحرية وتكاثرها، وإزالتها ستدمر مواطن هذه الكائنات.

الحل: دراسة مستفيضة لإمكانيات طاقة الرياح البحرية، وتطوير مرافقها، بحيث تفوق تأثيراتها الإيجابية على البيئة تأثيراتها السلبية، والعمل على حل التعارض البيئي الذي تعاني منه الطرق المتبعة للتعامل مع التغير المناخي. ومن المهم التفكير في التغيير الذي تُحدثه هذه المشاريع؛ إذ تؤدي إلى تحويل نوع معين من الموائل إلى نوع آخر، كما تجب دراسة المكاسب المطلوبة والأضرار المقابلة.

تتطلب مواجهة أزمة المناخ، التي تتمثل في تحقيق صافي انبعاثات كربونية عالمية صفرية بحلول عام 2050، اتخاذ تدابير جذرية وشاملة. من الضروري تقليل انبعاثات الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى زيادة مصادر الطاقة البديلة. في إطار السعي لتحقيق هذا الهدف، من المقرر أن يصبح الاعتماد على أحد الحلول الكبيرة بالفعل، وهو طاقة الرياح البحرية، مع العديد من التوربينات الضخمة، أكبر بكثير.

في الوقت الحالي، تنتج توربينات توليد طاقة الرياح البحرية في العالم، التي تتركز بصورة أساسية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا والصين، نحو 75 غيغاواط من الطاقة سنوياً. ويعادل هذا الرقم نحو نصف كمية الطاقة التي تولّدها كندا سنوياً من مصادر مختلفة تشمل الطاقة الكهرومائية والنووية والوقود الأحفوري وطاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة. تشير التوقعات إلى أن تحقيق أهداف المناخ العالمية يتطلب زيادة قدرة توليد طاقة الرياح البحرية في العالم إلى 2,000 غيغاواط بحلول منتصف القرن. يعني ذلك تركيب 5,000 توربين جديد في المحيط كل عام على مدى السنوات الـ 25 القادمة.

لكن إنشاء مثل هذا النظام الضخم والجديد لتوليد الطاقة وتشغيله وإزالته وتفكيكه في النهاية، سيؤدي حتماً إلى تأثيرات على المحيط والبيئة البحرية، حتى لو كان هذا النظام يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف عن نوع من الإنزيمات يساعد على توليد الطاقة الكهربائية من الهيدروجين

يُعدّ إنشاء مزرعة لتوليد طاقة الرياح البحرية مشروعاً تقنياً ضخماً. يستخدم عمال البناء، الذين يقيمون في فنادق عائمة، معدات ضخمة لتثبيت الأساسات في قاع البحر، ويعمل آخرون على تركيب كابلات بحرية متينة وبناء محطات كهربائية بحرية فرعية. بمجرد تشغيل التوربينات، تبحر طواقم الصيانة إلى الموقع للحفاظ على عمل شفرات التوربينات بكفاءة مع رياح المحيط القوية. يؤدي ذلك كلّه إلى زيادة احتمالات اصطدام السفن بالتوربينات، بالإضافة إلى زيادة مستويات الضوضاء تحت الماء.

تزايدت حالات نفوق الحيتان أيضاً منذ عام 2016. ربطت دراسة أجراها باحثون عام 2024 زيادة حالات النفوق بحقيقة توسع النطاق الجغرافي للحيتان الحدباء الصغيرة بحثاً عن مصادر غذائية جديدة، ما يؤدي إلى زيادة احتمالية تعرضها لمخاطر الصيد واصطدامها بالسفن. على الرغم من ذلك، حاول الأشخاص الذين ينشرون المعلومات المضللة ربط حالات نفوق الحيتان بإنشاء بعض مزارع توليد طاقة الرياح البحرية الحديثة وتشغيلها. يقول عالم البيئة الجغرافية المكانية البحرية في جامعة ديوك في ولاية نورث كارولاينا، باتريك هالبين: "تؤكد الدلائل العلمية عدم صحة هذه الفرضية". على الرغم من ذلك، اعتمد بعض المجموعات والفئات المحلية الصغيرة، التي تحظى أحياناً بدعم مراكز الفكر المؤيدة لاقتصاد السوق الحرة ومصالح الوقود الأحفوري، على انتقاء البيانات وترويج خبراء مزيفين لإلقاء اللوم دون وجه حق على مشاريع توليد طاقة الرياح البحرية، على الرغم من تزامن توقيت حالات نفوق الحيتان ومواقعها مع تأثرها بمعدات الصيد وزيادة حركة السفن.

لكن في مراجعتين شاملتين حديثتين، عملت عالمة البيئة البحرية في جامعة بليموث (University of Plymouth) في إنجلترا، أنيل ليماسون، بالتعاون مع زملائها على تسجيل التأثيرات البيئية الحقيقية التي من المتوقع أن تسببها توربينات توليد طاقة الرياح البحرية. تكشف مراجعة الأبحاث وتحليل ميتا التجميعي عن مستوى الفهم الحالي للتأثيرات البيئية والتنازلات التي قد تحدث نتيجة الانتقال إلى استخدام طاقة الرياح البحرية. بناءً على ذلك، يقدّم الباحثون اقتراحاتهم بشأن الإجراءات التي يمكن أن يتخذها المجتمع للمساعدة على تجنب هذه العواقب السلبية غير المقصودة.

في الدراسة الأولى، حلّل الباحثون 132 دراسة منشورة خضعت لمراجعة الأقران لتقييم تأثير إنشاء توربينات توليد طاقة الرياح البحرية وتشغيلها على خدمات النظام البيئي الرئيسية، مثل توفر الغذاء وجودة المياه. أمّا في الدراسة الثانية، فقد حاول العلماء تقييم التأثيرات البيئية المحتملة على المدى الطويل التي قد تنجم عن عملية إزالة هذه التوربينات بعد انتهاء عمرها التشغيلي الافتراضي.

مرحلة إنشاء التوربينات

وجدت ليماسون وزملاؤها أن معظم الأبحاث حول التأثيرات البيئية المحتملة لمشاريع توليد طاقة الرياح البحرية تستند إلى الدراسات المتعلقة بإنشاء التوربينات وتشغيلها في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

من المتوقع أن تسبب عملية الإنشاء العديد من المشكلات، مثل تدمير الموائل الطبيعية التي تعيش فيها الكائنات البحرية وزيادة خطر الاصطدامات وتأثير الضوضاء والحقول الكهرومغناطيسية على الحيوانات وإدخال الأنواع الغازية والغريبة من الكائنات الحية إلى البيئة البحرية، بالإضافة إلى التأثيرات البصرية والجمالية. يمكن أن يسبب إنشاء التوربينات الضرر للعديد من أنواع الأسماك، مثل سمك القد (cod) وبعض أنواع الطيور، مثل طائر الغلموت الشائع (common guillemot).

يتوقع الباحثون زيادة حجم هذه الأضرار وتفاقمها مع نشر مزيد من التوربينات.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لتوليد الطاقة من توربينات المد والجزر أن يساهم في تقليل الانبعاثات؟

مرحلة تشغيل التوربينات

بمجرد إنشاء التوربينات، يكون لها تأثيرات مختلطة؛ إذ كشفت ليماسون وزملاؤها عن وجود تأثيرات بيئية إيجابية وسلبية متساوية تقريباً لهذه التوربينات بعد تشغيلها.

تقول ليماسون: "ثمة توازن بين الأضرار والفوائد، على سبيل المثال، وجدنا حالات استخدم فيها بعض الطيور المهددة بالانقراض أو ذات الأهمية البيئية منصات التوربينات لإنشاء أعشاشها".

ركّز العديد من الأبحاث على دراسة تأثيرات التوربينات على الأسماك والطيور والثدييات البحرية خلال فترة تشغيلها. الجدير بالذكر أن الأبحاث تُظهر عدم وجود تأثيرات واضحة لتشغيل مزارع توليد طاقة الرياح البحرية على الحيتان وغيرها من الثدييات البحرية. على الرغم من ذلك، لا يستطيع العلماء تحديد تأثير مشاريع توليد طاقة الرياح البحرية على أنواع أخرى، مثل السلاحف البحرية وأسماك القرش، سواء كان ذلك التأثير إيجابياً أو سلبياً أو أنها عديمة التأثير كلياً.

من بين العواقب البيئية جميعها، الإيجابية والسلبية، المسجلة في دراسة المراجعة، وجدت ليماسون وفريقها أن مزارع توليد طاقة الرياح البحرية تحمل عموماً تأثيرات سلبية تفوق التأثيرات الإيجابية بقليل؛ إذ أظهر العديد من الدراسات مدى ارتباط هذه العواقب بالظروف المحيطة. يشير المؤلفون إلى أن تأثيرات التوربينات تختلف باختلاف أنواع الحيوانات، لذلك، فإن تحديد التأثيرات الإيجابية أو السلبية يعتمد حقاً على الأنواع التي نهتم بها ونركز على حمايتها. (تجدر الإشارة إلى أن التحليل يشمل فقط التأثيرات المباشرة للتوربينات على البيئة، لذلك، فهو يتعمد تجاهل الفوائد المناخية المرتبطة بالتحول إلى مصدر طاقة متجددة).

مرحلة إزالة التوربينات من الخدمة وتفكيكها

لا تزال التأثيرات البيئية المحتملة بعد انتهاء العمر التشغيلي الافتراضي لتوربينات توليد طاقة الرياح، الذي يبلغ نحو 25 عاماً تقريباً، مجهولة.

نظراً لحداثة هذا القطاع؛ إذ بدأ تشغيل أول توربينات في المحيط عام 1991، فإن معظم التوربينات لا تزال في مرحلة التشغيل ولم تصل بعد إلى نهاية عمرها الافتراضي. لم تعثر ليماسون وزملاؤها على أي دراسات خضعت لمراجعة الأقران تقيّم مدى تأثير إزالة هذه التوربينات أو تفكيكها على النظام البيئي المحيط.

لم يحدد قطاع توليد طاقة الرياح البحرية بعد، سواء من جانب المطورين أو الجهات التنظيمية، خطة واضحة لكيفية تفكيك توربينات توليد طاقة الرياح البحرية وإزالتها من الخدمة بعد انتهاء عمرها الافتراضي. هل سيزيلون الهيكل بأكمله؟ أم جزءاً منه فقط؟ هل سيتركونه في الماء ليتحول إلى شعاب مرجانية اصطناعية؟ تقول ليماسون: "إنه أمر مثير للقلق حقاً، أليس كذلك؟"

في ظل عدم وجود دراسات مباشرة حول عملية التفكيك والإزالة، لجأت ليماسون وزملاؤها إلى العمل بطريقة عكسية. على الرغم من عدم قدرتهم على تحديد مدى تأثير إزالة التوربينات في النظام البيئي، فإنهم متأكدون من أن تفكيكها سيؤدي إلى فقدان الفوائد التي يمكن أن تقدمها. لذلك، درسوا مدى تأثير التوربينات التي لا تزال قيد التشغيل، في وفرة الأسماك أو التنوع البيولوجي للكائنات اللافقارية، ثم توصلوا إلى أن إزالة الهياكل يمكن أن تؤدي إلى إبطال هذه التأثيرات.

تقول ليماسون: "الإجابة العامة هي أن الفائدة محدودة للغاية". على غرار العديد من الهياكل الاصطناعية في المحيط، يمكن أن تجذب التوربينات البحرية الأسماك من أماكن أخرى. تقول ليماسون: "هذا لا يعني أن التوربينات نفسها تزيد من عدد الأسماك أو تعزز تكاثرها، بل يعني أنها تجذب الأسماك الموجودة أصلاً في المناطق المجاورة".

تسعى سياسة حديثة في المملكة المتحدة إلى إلزام مشاريع توليد طاقة الرياح البحرية بالإسهام في تحقيق زيادة صافية في التنوع البيولوجي. درست ليماسون وزملاؤها جدوى ترك التوربينات المفككة في الماء لتتحول إلى شعاب مرجانية اصطناعية يمكن أن تسهم في تحقيق مثل هذا الهدف. تقول: "بكل بساطة، لا تؤثّر التوربينات المفككة كثيراً، سواء إيجابياً أو سلبياً".

اقرأ أيضاً: ما هي الإسفنجيات البحرية؟ وكيف تؤثّر في توقعات العلماء بشأن الاحتباس الحراري؟

تقول عالمة البيئة البحرية، شاينا سورا، التي تعمل ضمن فريق يستعد لإمكانية إنشاء مشاريع توليد طاقة الرياح البحرية في خليج المكسيك: "على الرغم من حرص العلماء على الاستفادة من الدروس التي تقدّمها التجربة القصيرة لقطاع توليد طاقة الرياح البحرية، فإننا نحتاج إلى مزيدٍ من البيانات، لا سيما فيما يتعلق بالأسئلة التي تتناول التأثيرات في مناطق جغرافية معينة أو على أنواع محددة من الكائنات الحية أو خلال فترات زمنية معينة، كيف تبدو هذه التأثيرات بعد 5 سنوات، أو 10 سنوات، أو 20 عاماً؟".

تقول سورا إنه من الضروري تقديم مناقشات حقيقية وهادفة حول التأثيرات المحتملة لمشاريع توليد طاقة الرياح البحرية للناس. وتقول: "من المهم التفكير في هذا الأمر من حيث التغيير الذي تُحدثه هذه المشاريع؛ إذ تؤدي إلى تحويل نوع معين من الموائل إلى نوع آخر، سوف نضحّي ببعض الأشياء لتحقيق أشياء ومكاسب أخرى".

يؤكد عالم البيئة في جامعة ديوك، باتريك هالبين، أهمية الدقة العلمية والتوقيت المدروس لتجنب التأثيرات السلبية في البيئة البحرية جرّاء مشاريع توليد طاقة الرياح البحرية. يقول: "إن توقيت إنشاء موقع التوربينات وصيانتها وإزالتها أو تفكيكها لا يقل أهمية عن اختيار موقع نصب هذه التوربينات،

في نهاية المطاف، نظراً لأن التحول إلى الطاقة المتجددة يتضمن خفض انبعاثات الوقود الأحفوري والحد من غازات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب، فإن القضايا المطروحة تمثّل صراعات بيئية من الجيل الثاني؛ إذ يتعارض بعض الفوائد البيئية مع فوائد بيئية أخرى".

على الرغم من ذلك، يؤكد أن هذه التحديات ليست مستحيلة الحل. يقول: "يمكن تحقيق ذلك؛ إذ نستطيع التعامل مع هذه المشكلات ومعالجتها بطريقة مدروسة".

المحتوى محمي