في منطقة النظام الشمسي، توجد عائلة كوكبية لم نتعرف إليها بشكل جيد حتى الآن: أورانوس ونبتون. وبفضل عمليات عبور بعثة فوياجر، ألقينا التحية على الكوكبين وتعرفنا إليهما سطحياً، ولكننا لم نتوقف يوماً لإجراء زيارة كاملة لهما. والآن، قرر علماء الكواكب وضع خطط آن أوانها للذهاب إلى هناك والقيام بجولة في الكوكب.
أوصى الاستطلاع العشري لعلوم الكواكب للعام 2022 –وهو وثيقة فائقة الأهمية لتخطيط البعثات المستقبلية بإدارة الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب- بأن تعطي ناسا (NASA) الأولوية لإرسال مسبار مداري ومسبار جوي إلى أورانوس في العقود المقبلة. وأدت قرارات سابقة صادرة عن نفس الجهة إلى إطلاق بعض من أكثر المشاريع إثارة للحماس في هذا العقد، ومنها بعثة إحضار العينات من المريخ، وبعثة أوروبا كليبر المقبلة.
وبوجود 8 كواكب وعدد لا يحصى من الكتل الصخرية الأصغر حجماً لاستكشافها في النظام الشمسي، كيف يمكن للمسؤولين عن التخطيط أن يُجمعوا على وجهة واحدة، خصوصاً عندما يتضمن هذا القرار إنفاق ملايين أو مليارات الدولارات، والتأثير على المئات من المهن والوظائف؟ في مقال رأي حديث لمجلة ساينس (Science)، وضحت عالمة الكواكب في مختبر جونز هوبكنز للعلوم التطبيقية، كاثلين مانت، الأسباب التي تجعل كوكب أورانوس الخيار المناسب للاستكشاف، ويبدو أن العديد من الباحثين الآخرين يوافقونها الرأي.
اقرأ أيضاً: كيف ستعيد ناسا العينات من المريخ إلى الأرض؟
ما الذي يجعل كوكب أورانوس خياراً مثالياً للاستكشاف؟
"أرسلنا بعثات إلى جميع الكواكب الأخرى، وإلى العديد من المذنبات والكويكبات والأجسام العابرة أمام نبتون. كما أرسلنا بعثات إلى خارج النظام الشمسي، وإلى سطح الشمس نفسها. وما زال أورانوس ونبتون أكبر لغزَين في النظام الشمسي"، كما يقول رائد الفضاء في جامعة بوسطن، ويل سوندرز، الذي يدرس الغلاف الجوي لأورانوس.
تعود آخر نظرة قريبة ألقتها البشرية على أورانوس، وشقيقه الجليدي العملاق نبتون، إلى ثمانينيات القرن الماضي، وذلك عن طريق مسبارَي فوياجر. يتمتع نبتون بالقدر نفسه من الأهمية العلمية تقريباً، إذ يحظى قمره الذي التقطه من بين أجسام حزام كايبر، ترايتون، بأهمية خاصة بفضل ميزات عديدة تشمل براكينه الجليدية، إلا أن المسافة الإضافية التي يجب قطعها للوصول إليه، والتي تزيد على 1.5 مليار كيلومتر، كانت كافية للعدول عن زيارته. تعود آخر صورة التقطها فوياجر 2 لأورانوس إلى يناير/ كانون الثاني من العام 1986، وذلك قبل أن يواصل المسبار طريقه متجهاً إلى نبتون.
بعثة إلى كوكبي أورانوس ونبتون
تقول مانت لمجلة بوبيولار ساينس: "إن سهولة الذهاب إلى أورانوس هي السبب الأساسي الذي دعانا إلى اختياره أولاً، وانتظرنا أكثر من 3 عقود لإطلاق بعثة إلى هذين الكوكبين. يعني الذهاب إلى أورانوس أولاً مخاطرة أقل، ويضمن أن تصل البعثة إلى الكوكب في وقت أقرب".
وبالنسبة لبعثة كوكبية، فإن عبارة "وقت أقرب" تعني الوصول في وقت ما في العقود القليلة المقبلة، فالرحلة إلى أورانوس تستغرق 10-15 سنة، فضلاً عن الوقت الذي سيحتاج إليه المهندسون لتصميم المركبة الفضائية وبنائها. وحتى الآن، تتضمن الخطة إطلاق البعثة بحلول العام 2032، على أمل الوصول إلى أورانوس في منتصف العقد الخامس من هذا القرن. وستتألف البعثة من جزأين: مسبار مداري سيدور حول الكوكب 5 سنوات على الأقل، ومسبار آخر سيخترق السحب ويجمع المعلومات حول الغلاف الجوي لأورانوس.
اقرأ أيضاً: بيرسيفيرنس تجمع أول عينة من صخور المريخ تمهيداً لإرسالها إلى الأرض
ما زالت بعض القياسات الأساسية التي جمعها الفلكيون حول المشتري وزحل مجهولة بالنسبة لأورانوس، مثل نسبة الغازات النبيلة، ونسب أنواع النيتروجين المختلفة. وسيقوم المسبار بقياس هذه المقادير الكيميائية، لأنها تمثل مؤشرات أساسية على كيفية تشكّل الكوكب وموعد حدوث ذلك. تقول مانت: "كان لتشكّل الكواكب الغازية العملاقة الأربعة وانتقالها إلى مواقع جديدة أثر كبير على النظام الشمسي بأسره". وتضيف قائلة إن إعادة تموضع الكواكب "قد تكون سبب ظهور الماء على كوكب الأرض"، وإن هذه الحركة تسببت بإطلاق الكثير من الأجسام في حزام كايبر وسحابة أورت إلى مواضعها الحالية.
ألغاز تنتظر على أورانوس
إضافة إلى ذلك، فإن أورانوس هو الكوكب الوحيد المقلوب على جانبه بالكامل. فهو مائل بزاوية 98 درجة، وهي زاوية كبيرة للغاية مقارنة بزاوية ميلان الأرض التي تبلغ 23 درجة. وهو ما تسبب ببعض الصفات الغريبة لغلافه الجوي. فعلماء الكواكب يشعرون بالحيرة إزاء أنماط السحب والرياح التي تشكلت على أورانوس بسبب هذا الميلان، وهو لغز يأملون بحله في هذه البعثة.
إضافة إلى ذلك، يدور حول أورانوس 27 قمراً، وقد يحتوي بعضها على محيطات تحت السطوح الجليدية السميكة. وبطبيعة الحال، فإن المحيطات تحت السطحية تعتبر أحد الأهداف المفضلة لمختصي البيولوجيا الفلكية الباحثين عن الحياة في الفضاء الخارجي، وهو ما يشمل أقمار أورانوس بالتأكيد. ومن المفاجآت الكبرى التي كشف عنها مسبار فوياجر أن أقمار أورانوس الخمسة الأكبر حجماً –ميراندا وآرييل وأومبريل وتيتانيا وأوبيرون- لم تكن "عوالم باردة وميتة"، وفقاً لتوصيف مانت في مقالها، بل كانت نشطة جيولوجياً.
تقول عالمة الكواكب في مختبر الأقمار والكواكب في جامعة أريزونا، أدين دينتون: "ببساطة، أريد رؤية صورة أخرى لقمر ميراندا قبل أن أفارق الحياة، فهو بالنسبة لي أحد أروع الأماكن في النظام الشمسي وأكثرها غرابة؛ إنه مغطى بتضاريس جيولوجية لم نرها في أي مكان آخر".
ولكن الدروس التي يمكن أن نستقيها من أورانوس غير محدودة بالنظام الشمسي أيضاً. ففي العقود القليلة الماضية، وجد الفلكيون المختصون بالكواكب الخارجية أن الكواكب التي يساوي حجمها حجم أورانوس قد تكون النوع الأكثر شيوعاً من الكواكب. ويمكن أن تكون دراسة نجريها عن كثب لأحد كواكب مجموعتنا الشمسية ذات قيمة كبيرة بالنسبة للفلكيين الذين يحاولون فهم طبيعة الكواكب الخارجية البعيدة، وخصوصاً تحديد خصائص نواة أورانوس وبنيته الداخلية، وما إذا كان مكوناً من الصخور أو الجليد على سبيل المثال.
اقرأ أيضاً: العلماء يكتشفون أخيراً سر اختلاف مظهر كوكبي نبتون وأورانوس
تقول الفلكية في جامعة بريستول، هانا ويكفورد: "لم نلق نظرة عن كثب على أورانوس منذ فترة تعود إلى ما قبل ولادتي. وكان ذلك قبل معرفتنا بوجود الكواكب الخارجية، ستغير هذه البعثة إلى أورانوس تصورنا وفهمنا للنظام الشمسي والكواكب في مجرتنا".
ويمكن أن تكون بعثة المسبار المداري ومسبار الغلاف الجوي لأورانوس حدثاً علمياً ثورياً يقدم لنا معلومات فائقة الأهمية عن العملاق الجليدي، كما فعلت بعثة كاسيني لزحل، وبعثة جونو للمشتري. تقول دينتون: "المسبار المداري هو ما نحتاجه فعلاً لإجراء دراسة علمية دقيقة لتحديد خصائص نظام أورانوس بالكامل. هناك الكثير مما يمكن دراسته والقيام به، وبالتالي فإن الأمر يستحق إرسال مسبار مخصص لهذه الدراسة بالكامل".
إضافة إلى هذا، سيرسل المسبار صوراً رائعة لأطراف نظامنا الشمسي، ومن المؤكد أنها ستثير حماسة علماء المستقبل وعشاق العلم وتكون مصدر إلهام لهم. حيثما تذهب ناسا، ترسل الكثير من الكاميرات، ولن تكون هذه البعثة التي تهدف إلى التعارف عن قرب استثناء لهذا التقليد العريق.