عمليات المحاكاة تكشف سبب تقلّص أكبر عاصفة في المجموعة الشمسية

3 دقيقة
عمليات المحاكاة تكشف سبب تقلّص أكبر عاصفة في المجموعة الشمسية
أول خريطة عالمية لكوكب المشتري، مع بقعته الحمراء العظيمة الشهيرة أسفل اليسار. أنشأ الخبراء هذه الخريطة باستخدام الصور التي التقطها تلسكوب هابل الفضائي في عام 2015.

البقعة الحمراء العظيمة في كوكب المشتري آخذة في التقلّص. ينخفض حجم هذه البقعة التي تعد أكبر عاصفة رياح في المجموعة الشمسية ببطء منذ عقود، وقد يفسر بعض الأبحاث الجديدة ذلك. انخفض عدد العواصف التي تغذّي هذا الإعصار المضاد العملاق، ما أدى إلى انكماشه. فُصّلت النتائج في دراسة نشرت في عدد شهر سبتمبر/أيلول 2024 من مجلة إيكاروس (Icarus).

اقرأ أيضاً: علماء الفلك يكتشفون 12 قمراً جديداً لكوكب المشتري

ما هي البقعة الحمراء العظيمة؟

تقع البقعة الحمراء العظيمة في نصف الكرة الجنوبي لكوكب المشتري، ويمكن القول إنها الميزة الأكثر شهرة لهذا العملاق الغازي. هذه البقعة هي إعصار بلون أحمر برتقالي بيضوي الشكل ودوّار يتمتّع بضغط مرتفع ويزيد قطره على 16 ألف كيلومتر، ما يعني أن قطره أكبر بـ 1.3 مرة من قطر الأرض.

تهب رياح البقعة الحمراء العظيمة بسرعة تزيد على 321 كيلومتراً في الساعة باتساق، لكنها قد تتجاوز 643 كيلومتراً في الساعة في أطراف الإعصار. ينتمي هذا الإعصار إلى فئة الأعاصير المضادة لأن رياحه تدور بعكس اتجاه دوران عقارب الساعة.

على الرغم من أن العلماء درسوا هذا الإعصار باستفاضة، هناك العديد من الألغاز التي لم يكتشفوا حلها بعد. لا يعلم علماء الفلك بدقة متى تشكلت البقعة الحمراء وسبب تشكلها وحتى سبب اكتسابها لونها الوردي.

قال طالب الدكتوراة في جامعة ييل والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، كيلِب كيفيني، في بيان صحفي: "راقب الكثيرونكل المقالات البقعة الحمراء العظيمة طوال القرنين الماضيين وكانوا مفتونين بها مثلي. لم يكن الكثير منهم من علماء الفلك المحترفين، بل كانوا شغوفين وفضوليين فقط. يشعرني ذلك، بالإضافة إلى الفضول الذي ألاحظه لدى الناس عندما أتحدث عن أبحاثي، وكأنني جزء من شيء أعظم مني".

ما يعرفه علماء الفلك الهواة والمحترفون على حد سواء هو أن البقعة الحمراء العظيمة تتقلص منذ نحو قرن من الزمن. انخفض حجم هذه البقعة بصورة خاصة خلال آخر 50 سنة. بقي المدى العرضي للبقعة الحمراء العظيمة ثابتاً، والمدى العرضي هو مقياس يحدد البعد تجاه شمال خط استواء الكوكب أو جنوبه. مع ذلك، انخفض المدى الطولي لهذه البقعة بمرور الزمن، وهو مقياس يحدد البعد تجاه شرق خط استواء الكوكب أو غربه. وقعت البقعة الحمراء العظيمة عند خط طول 40 درجة في أواخر القرن العشرين. عندما وصلت مركبة جونو الفضائية التابعة لوكالة ناسا لإجراء عدد من الدورات حول المشتري في عام 2006، رصدت هذه المركبة البقعة الحمراء العظيمة عند خط طول 14 درجة.

عواصف المشتري وقببه الحرارية

نظر فريق من جامعة ييل وجامعة كارولينا الشمالية الحكومية وجامعة لويفيل في الدراسة الجديدة في تأثير عواصف المشتري الصغيرة والعابرة في البقعة الحمراء العظيمة. أجرى الفريق سلسلة من عمليات المحاكاة الثلاثية الأبعاد للبقعة باستخدام نموذج يسمى "نموذج الإحداثيات المتساوية الإنتروبية الكوكبي الصريح". طوّر المؤلف المشارك للدراسة، تيموثي داولنغ، نموذج الغلاف الجوي هذا خلال التسعينيات لنمذجة الغلاف الجوي لكوكب آخر.

حاكى بعض النماذج التي استخدمها الفريق التفاعلات بين البقعة الحمراء العظيمة وعواصف المشتري الأصغر ذات الترددات والشدات المتفاوتة. بينما استُبعدت العواصف الأصغر في مجموعة منفصلة من عمليات المحاكاة التي أدت دور مجموعة الضبط. تشير مقارنة عمليات المحاكاة إلى أن وجود العواصف الأخرى غذّى البقعة الحمراء العظيمة من خلال زيادة حجمها.

اقرأ أيضاً: شاهد أفضل صورة لقمر المشتري أوروبا حتى الآن

قال كيفيني: "لاحظنا من خلال عمليات المحاكاة العددية أن يمكن تعديل حجم البقعة الحمراء العظيمة من خلال تغذيتها بالعواصف الأصغر، وهذا معروف أنه يحدث في كوكب المشتري".

اعتمد الفريق جزئياً في إنشاء النماذج على أنظمة الضغط العالي الطويلة الأمد التي تُرصد في الغلاف الجوي الأرضي. تتشكّل هذه الأنظمة التي تسمى "القبب أو الكتل الحرارية" بانتظام في التيارات النفاثة الغربية التي تدور عبر خطوط العرض الوسطى في الأرض، وهي تؤدي دوراً رئيسياً في الأحداث المناخية المتطرفة، مثل موجات الحر وفترات الجفاف.

يرتبط طول عمر هذه القبب بالتفاعلات مع الظواهر الجوية الأضيق نطاقاً التي تعد عابرة أكثر، مثل الدوامات ذات الضغط المرتفع والأعاصير المضادة التي تلتف الرياح فيها بعكس اتجاه دوران عقارب الساعة في نصف الكرة الجنوبي.

قال كيفيني: "تتمتّع دراستنا بآثار مثيرة للاهتمام في دراسة أحداث الطقس في الأرض. ثبت أن التفاعلات مع أنظمة الطقس القريبة تغذّي القبب الحرارية وتضخّمها، ما حفزنا للتوصل إلى فرضيتنا التي تنص على أن التفاعلات المشابهة في كوكب المشتري قد تغذّي البقعة الحمراء العظيمة. تمكنا من تعميق فهم العلماء للقبب الحرارية الأرضية من خلال التحقق من صحة هذه الفرضية".

سيساعد إجراء المزيد من عمليات النمذجة الباحثين على تعزيز دقة النتائج الجديدة، كما أنه قد يسهم في اكتشاف آلية تشكّل البقعة الحمراء العظيمة.

المحتوى محمي