تقنية زراعية قديمة قد تساعد على توفير الطعام للبشر على المريخ

4 دقيقة
تقنية زراعية قديمة قد تساعد على توفير الطعام للبشر على المريخ
الطماطم المزروعة بينياً (على اليسار) مقارنة بالطماطم المزروعة أحادياً (على اليمين). زُرع كلاهما في اليوم نفسه، ولكن يمكننا أن نلاحظ في هذه الصورة أن نبتة الطماطم المزروعة بينياً أكبر حجماً وتحتوي على عدد أكبر من الثمار، كما أن ثمارها نضجت في وقت أبكر من نظيرتها المزروعة أحادياً. جامعة ومركز أبحاث فاخينينغن/ريبيكا غونسالفس.الزراعة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تضع وكالة ناسا الكثير من الخطط لإنشاء المزارع في الفضاء، وطرح علماء الأحياء الفلكية العديد من الأفكار حول أنسب المحاصيل التي تمكن زراعتها على المريخ. يستكشف العلماء أيضاً طرق الزراعة التي يمكن أن تعزز غلات المحاصيل المحتملة على الكوكب الأحمر لتعزيز كفاءة المزارع المستقبلية الخارج أرضية بالحد الأقصى. اكتشف العلماء في تجارب جديدة أجريت على نباتات الطماطم والجزر والبازلاء أن زراعة محاصيل مختلفة معاً يمكن أن تزيد غلات بعض النباتات في ظروف محددة على الكوكب الأحمر. وُصفت النتائج في دراسة نُشرت بتاريخ 1 مايو/أيار 2024 في مجلة بلوس ون (PLOS One)، ويمكن أن تكون لها تبعات على الحياة على الأرض أيضاً.

اقرأ أيضاً: مسبار الأمل: المهمة الإماراتية لاستكشاف المريخ حققت أهدافها وأكثر

دفيئة مرّيخية

توافر الطعام المغذّي ضروري للبشر ليتمكنوا من البقاء على سطح المريخ فترات طويلة في كل زيارة في المستقبل. على الرغم من أن تعلم الطريقة التي اتبعها رائد الفضاء مارك واتني لزراعة البطاطس في رواية الخيال العلمي "المريخي" (The Martian)؛ التي أُنتج فيلم مستلهم منها له الاسم نفسه، كان مسلياً وغنياً بالمعلومات، يجب أن يحصل رواد الفضاء الحقيقيون على بعض الموارد المفيدة من كوكب الأرض لزراعة الطعام في المستوطنات المريخية المستقبلية.

سيحتاج العلماء على الأرض إلى محاكاة الظروف الفريدة على الكوكب الأحمر لتحديد الطرق المثلى لزراعة المحاصيل. الغلاف الجوي للمريخ أرق من الغلاف الجوي للأرض بنحو 100 مرة، علاوة على أنه يتألف في الغالب من غازات مثل ثنائي أوكسيد الكربون والنيتروجين والأرغون. يجب في المستقبل إنشاء مستعمرات مريخية كاملة في مناطق مغلقة متحكم بها تشبه الدفيئات وتتمتع بوسط شبيه بوسط الأرض يحتوي على مزيج مناسب من الأوكسجين والنيتروجين وثنائي أوكسيد الكربون.

تقول عالمة الأحياء الفلكية في جامعة ومركز أبحاث فاخينينغن في هولندا والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، ريبيكا غونسالفس، لبوبساي: "'البيئة المريخية' الأمثل هي في الواقع مجرد دفيئة ذات ظروف مضبوطة مثل ظروف درجة الحرارة والرطوبة والغازات". استخدمت غونسالفس وفريقها في الدراسة الدفيئات الزراعية في الجامعة لمحاكاة وسط النمو على المريخ. اختبر الباحثون حالة المحاصيل في نسخة محاكاة من الحطام الصخري المريخي، وهو المادة الصخرية الطليقة التي تغطي الكوكب. واستخدموا الأصص المملوءة بالتربة الزراعية القياسية والرمل على أنها مجموعة الضبط. بالإضافة إلى ذلك، أضاف الباحثون المغذيات وعناصر من تربة الأرض العضوية إلى عينات الرمل والحطام الصخري المريخي لتعزيز تثبّت الجذور وقدرة الحطام الصخري على الاحتفاظ بالماء.

صورة مقرّبة لنبات الطماطم المريخي ينمو (على اليسار)، والحطام الصخري المريخي الذي يحتوي على نظام من الجذور الذي حاكاه الباحثون في الدراسة. حقوق الصورة: جامعة ومركز أبحاث فاخينينغن/ريبيكا غونسالفس.

انتقاء النباتات

اختار فريق الدراسة نباتات البازلاء والجزر والطماطم لزراعتها في هذه المزرعة المريخية المزيفة. اكتشف العلماء في دراسة نُشرت عام 2014 أن هذه النباتات قادرة على النمو في الحطام الصخري المريخي. وفقاً لغونسالفس؛ كان اكتشاف أن هذه النباتات يمكن أن تنمو محورياً؛ لأن مؤلفي الدراسة كانوا يبحثون عن إجابة لسؤال مختلف. سعى هؤلاء لاكتشاف كيفية استخدام النباتات المرافقة والزراعة البينية لزيادة غلات المحاصيل؛ وهي تقنية زراعية قديمة تنطوي على زراعة نوعين أو أكثر من النبات بالقرب من بعضهما. يمكن أن تؤدي نباتات البازلاء والجزر والطماطم دوراً غذائياً مهماً في المستقبل.

صورة لإعداد تجريبي في دفيئة (على اليسار)، وأوانٍ تحتوي على تربة ورمل مريخيين وأرضيين (على اليمين). حقوق الصورة: جامعة ومركز أبحاث فاخينينغن/ريبيكا غونسالفس.

تقول غونسالفس: "اختيرت هذه النباتات بناءً على محتواها الغذائي؛ إذ إنها تحتوي نسبة مرتفعة من مضادات الأكسدة وفيتامين سي والبيتا كاروتين. هذا عامل مهم لأن هذه المغذيات تُفقد بالكامل في عملية تجفيف الطعام، وهي العملية الرئيسة التي تجرى لإرسال الطعام إلى أطقم المهمات الفضائية. لذلك؛ لا بدَّ من إنتاج الأغذية الطازجة التي تحتوي على هذه المغذيات في المستعمرات المريخية". هذه المحاصيل هي أيضاً من الأنواع المرافقة التي تشترك في سمات متممة. تعد البازلاء عنصراً رئيساً في نظام الزراعة البينية لأنها من البقوليات التي "تثبّت" النيتروجين. يجري بعض النباتات والبكتيريا عملية تحمل اسم "تثبيت النيتروجين"، وهي تنطوي على تحويل هذا العنصر الذي يُمتص من الهواء إلى شكل من أشكال الأمونيا تستطيع النباتات التغذّي عليه. يفيد هذا بدوره النباتات الأخرى ويخفض الحاجة إلى إضافة الأسمدة للنظام النباتي. وفقاً لغونسالفس؛ تحسّن هذه العملية استهلاك الموارد اللازمة لنمو النباتات في الكوكب الأحمر.

اقرأ أيضا: جهود عربية في مجال الفضاء: من أول رائد فضاء عربي سعودي إلى مسبار الأمل والكوكب الأحمر

أنتجت الأنواع التجريبية الثلاثة غلات غنية عند زرعها في الحطام الصخري المريخي. تبين الصورة نباتات تتمتع بصحة جيدة، وهي الطماطم المريخية (على اليسار) والجزر المريخي (في الوسط) والبازلاء المريخية (على اليمين). حقوق الصورة: جامعة ومركز أبحاث فاخينينغن/ريبيكا غونسالفس.

تقول غونسالفس: "استُخدم الجزر لتعزيز تهوية التربة؛ ما يعزز قدرة النباتات المرافقة على امتصاص الماء والمغذيات؛ بينما استُخدمت الطماطم لتوفير الظل للجزر الحساس للحرارة ولتوفير الدعم لنبات البازلاء المتسلّق".

فاكهة حمراء في الكوكب الأحمر

نمت الأنواع الثلاثة جميعها على نحو جيد إلى حد ما في الحطام الصخري المريخي؛ إذ أنتجت ما يزيد قليلاً على ربع كيلوغرام من الثمار مع إضافة الحد الأدنى من المغذيات. نمت الطماطم على نحو أفضل عندما زُرعت إلى جانب البازلاء والجزر وفقاً لطريقة الزراعة البينية، وذلك مقارنة بنباتات الطماطم في مجموعة الضبط التي زُرعت وحدها. تمتّعت نباتات الطماطم هذه بكتلة حيوية أعلى وكانت كمية البوتاسيوم فيها أكبر عند زراعتها بهذه الطريقة.

صورة لغونسالفس مع عينات مطحونة من الطماطم والبازلاء والجزر المحصودة جاهزة لعملية تحليل المغذيات. حقوق الصورة: جامعة ومركز أبحاث فاخينينغن/ريبيكا غونسالفس.

مع ذلك، بدا أن الزراعة البينية في الحطام الصخري قللت غلات الجزر والبازلاء، وكانت غلات هذه النباتات أكبر عندما زُرعت وحدها. يأمل الفريق في أن تساعد بعض التعديلات على آلية معالجة الحطام الصخري المريخي المحاكى على زيادة الغلات عند استخدام الزراعة البينية في التجارب المستقبلية، وذلك لزيادة محاصيل الجزر والبازلاء بقدر مشابه. تقول غونسالفس: "يمثّل نجاح هذه التقنية في أحد الأنواع اكتشافاً مهماً، وهو يمكننا الآن من إجراء المزيد من الأبحاث بناء عليه".

اقرأ أيضاً: هل الطماطم فاكهة أم خضروات؟ لهذه الإجابة وغيرها إليك كيفية تصنيف النباتات

فوجئ الفريق أيضاً بأن الزراعة البينية في التربة الرملية أدت إلى فوائد في مجموعة الضبط أيضاً؛ إذ إنها وفّرت الفوائد لنوعين من الأنواع النباتية الثلاثة، ويمكن تطبيق هذا الاكتشاف على الأنظمة الزراعية على الأرض. يجعل التغير المناخي بعض أنواع التربة رملية أكثر، وتعد الدراسة الجديدة جزءاً من الجهود الجارية التي تهدف إلى تحديد الطرائق التي يمكن أن تساعد فيها الزراعة البينية على معالجة هذه المشكلة.

يأمل الفريق في التوصل إلى طرق لتطوير "نظام مستدام ذاتياً تماماً باستخدام نسبة 100% من الموارد المحلية على المريخ" في الدراسات المستقبلية. سيساعد ذلك على تعزيز الجدوى المالية للمستعمرات المستقبلية وتقليل اعتمادها على مهمات إعادة الإمداد. تقول غونسالفس: "إذا تمكنا من كشف سر تجديد التربة الفقيرة مع تطوير نظام لإنتاج الغذاء مرتفع الغلات ويتمتع بالاستدامة الذاتية، وهو هدف أبحاث الزراعة على المريخ، فسنتمكن من التوصل إلى حل للكثير من المشكلات التي نواجهها على الأرض أيضاً".