تلتهب الشمس بدرجات حرارة عالية جداً نظراً لأن التفاعلات النووية التي تحدث في مركزها تنتج كميات هائلة من الطاقة، حيث تُعد هذه الطاقة السبب الرئيسي في جعل كوكب الأرض مكاناً صالحاً للعيش. ولكن قد يشتد الإشعاع الشمسي وينفجر في بعض الأحيان مرسلاً جزيئات عالية الطاقة في الفضاء بسرعة كبيرة. إذا اتجهت هذه الإشعاعات نحو كوكبنا واصطدمت به، يمكن أن تُلحق أضراراً فادحة بنا.
تشكّل انفجارات الإشعاعات الشمسية هذه ما يُدعى "الطقس الفضائي"، والذي يمكن أن تكون له آثار مدمرة مثل الطقس الأرضي تماماً، على الرغم من أنه ربما ليس شائعاً إلى هذه الدرجة كما تصوره وسائل الإعلام.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستفادة من الطاقة الشمسية ليلاً؟
تقول عالمة البرامج بقسم الفيزياء الشمسية في وكالة ناسا، ورئيسة برنامج مبادرة "التعايش مع نجم" (Living With a Star) التي تدرس الطرق التي يؤثر بها نظام الشمس والأرض على حياة الإنسان والمجتمع، مادوليكا غوهاتاكورتا: «يمكن تشبيه شمسنا بفرن نووي حراري هائل حقاً. تتراوح درجة الحرارة في مركز الشمس بين 15 إلى 17 مليون درجة مئوية، وتحدث فيها تفاعلات اندماج نووية بين نحو 600 مليون طن من الهيدروجين مع 596 مليون طن من الهليوم. في كل ثانية، يتم تحويل تلك الأربعة ملايين طن المفقودة إلى طاقة، ونراها على شكل أشعة الشمس». وتضيف موضحةً: «ولكن حتى التغير البسيط في هذا النشاط الخاضع لتوازن غير مستقر يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على الأرض».
على الرغم من ندرة هذه العواقب، فإن الأقمار الصناعية والتكنولوجيا التي تعتمد على الكهرباء والشبكات اللاسلكية معرضة للخطر بشكل خاص. في عام 1989، تسببت عاصفة مغناطيسية أرضية ناجمة عن انفجار شمسي قوي في انقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء واسعة من كندا، ما ترك 6 ملايين شخص دون كهرباء لمدة 9 ساعات. وفي عام 2000، تسبب انفجار شمسي في حدوث قصرٍ في الدارات الكهربائية لبعض الأقمار الصناعية أدى إلى تعطل كامل لاتصالات الراديو. في عام 2003، تسببت سلسلة من الانفجارات الشمسية في انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل السفر الجوي وأنظمة الأقمار الصناعية. وفي فبراير/شباط 2022، دمرت عاصفة مغناطيسية أرضية ما لا يقل عن 40 قمراً صناعياً من أقمار ستارلينك بعد إطلاقها بفترة وجيزة، ما كبّد شركة سبيس إكس خسائر بأكثر من 50 مليون دولار.
اقرأ أيضاً: علماء يرصدون عاصفةً هائلةً مصدرها نجم يشبه شمسنا
ما هو الطقس الفضائي بالضبط؟
بشكل عام، يصف مصطلح "العاصفة الشمسية" الوقت الذي ينطلق فيه انفجار هائل من الطاقة الشمسية إلى الفضاء ويتفاعل مع الأرض. تتدفق الجسيمات المشحونة باستمرار من الشمس نحو الفضاء فيما يسمى بالرياح الشمسية. لكن الانفجارات المؤثرة أكثر يمكن أن تنشأ على شكل توهجات شمسية، غالباً من بقع مظلمة مؤقتة تسمى البقع الشمسية، ومن انفجارات شديدة تسمى الانبعاث الكتلي الإكليلي. أي نوع من التغيير في هذا النشاط يمكن أن يؤدي إلى ظهور الشفق القطبي.
التوهجات الشمسية هي في الأساس دفقاتٌ من الضوء. وتحدث عندما تنحرف وتتشابك الحقول المغناطيسية الضخمة البارزة من سطح الشمس، ما يؤدي لإطلاق كميات هائلة من الإشعاع الكهرومغناطيسي بسرعات عالية للغاية. تقول غوهاتاكورتا موضحةً: «عندما يضرب هذا الإشعاع الأرض، فإنه يحقن الطاقة في طبقة الأيونوسفير؛ الجزء العلوي من غلافنا الجوي. يمكن للأشعة فوق البنفسجية الشديدة الصادرة عن الشمس أن تستقطب الجسيمات في طبقة الأيونوسفير، الأمر الذي يمكن أن تكون له تأثيرات تعاقبية على أي جسيمات مشحونة أخرى في المجال القريب، أي أنها ستؤثر على أي أدوات تعمل بالكهرباء».
يقول رئيس برنامج أبحاث طقس الفضاء في قسم الفيزياء الشمسية التابع لناسا، جيسي وودروف: «تنتقل التوهجات الشمسية بسرعة الضوء، ما يُصعب التنبؤ بها والاستعداد لها. لا توجد طريقة في الواقع لإرسال إشارة إلى الأرض أسرع من التوهجات الشمسية التي تنتقل فعلياً بسرعة الضوء، لذلك علينا التنبؤ بحدوث التوهج الشمسي بحد ذاته، وهذه مشكلة علمية صعبة لم نجد لها حلاً بعد».
في حين أن التوهجات الشمسية عبارة عن دفقات إشعاعية مكثّفة، فإن الانبعاث الكتلي الإكليلي هو انفجارات لجزيئات الطاقة، وبذلك فهي تنتقل بسرعة أبطأ قليلاً. يحدث الانبعاث الكتلي الإكليلي عندما تنفجر أجزاء كبيرة من الغلاف الجوي الخارجي للشمس (الإكليل) مطلقةً غازات شديدة الحرارة إلى الفضاء. ويضيف وودروف: «تُقذف هذه الكميات الكبيرة من المواد الشمسية بسرعة عالية جداً تصل إلى آلاف الكيلومترات في الثانية، لكن سرعتها أبطأ بكثير من سرعة الضوء، لذلك قد تستغرق ما بين نصف يوم إلى 3 أيام لكي تصل إلى الأرض».
كيفية التنبؤ بالعواصف الشمسية
يختلف التنبؤ بطقس الفضاء عن التنبؤ بطقس الأرض كلياً. هناك فرق كبير وفقاً لوودروف: على الأرض، يمكن لعلماء الأرصاد الجوية إجراء ملايين القياسات ودمجها في النماذج المناخية التنبؤية، بينما لا يوجد في الفضاء سوى عدد قليل من الأماكن التي يمكن للعلماء وضع أدوات لمراقبة النشاط الشمسي فيها.
يقول وودروف موضحاً: «ليس لدينا صورة كاملة لما يحدث بين الشمس والأرض. هناك عدد قليل جداً من الأماكن التي يمكنك إرسال أدوات يمكن الاعتماد عليها لرصد الشمس لأن الأقمار الصناعية تتحرك في مدارات. نقاط لاغرانج هي من الأماكن النادرة جداً بين الشمس والأرض والتي تتساوى فيها قوة جاذبية الشمس مع الأرض، ما يسمح بثبات القمر الصناعي في مكانه. في تلك النقاط، تضع وكالة ناسا أجهزة مراقبة الطقس الفضائي الرئيسية، بما فيها مرصد ديناميكا الشمس (SDO) وإحدى المهمات المشتركة مع وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)». تعمل وكالة الفضاء الأوروبية على تطوير مهمة أخرى تُدعى "فيجيل" (Vigil) بهدف وضع مركبة فضائية في إحدى نقاط لاغرانج بالقرب من الشمس بحلول نهاية هذا العقد.
اقرأ أيضاً: كيف يتم التنبؤ بحالة الطقس؟ ولماذا تختلف دقة التنبؤات؟
ويقول وودروف موضحاً إن العلماء يرصدون الشمس بواسطة الكاميرات وأجهزة الاستشعار الخاصة بهم بحثاً عن أي تغيير في السطوع المنبعث من سطحها. قد تحدث زيادة في السطوع لبضع حلقاتٍ فقط حول الشمس، وتستمر لبضع ثوانٍ فقط.
تشارك ناسا البيانات التي تحصل عليها من مراصدها الشمسية مع الإدارة الوطنية للمحيطات في الغلاف الجوي (NOAA)، والتي توفر بدورها نشرات تحذيرية من العواصف المغناطيسية الأرضية المحتملة اعتماداً على الاحتمالية وشدة المغناطيسية الأرضية. واعتماداً على سرعة تحرك العاصفة الشمسية، يمكن لهم إصدار تحذيرات قبل أيام قليلة أو بضع ساعاتٍ من وصول الطقس الفضائي إلى الأرض.
يقول وودروف إن الهدف النهائي هو تحسين التنبؤ بالطقس الفضائي ليكون على قدم المساواة مع التنبؤ بالأعاصير. يمكن لزملائه الذين يعملون في التنبؤ بطقس الأرض توقّع مسار الأعاصير باستخدام نماذجهم المناخية المختلفة مع نتائج ذات موثوقية عالية. ويضيف: «نحن نعمل على تطوير هذا النوع من القدرة على التنبؤ بطقس الفضاء بشكلٍ أفضل».
في مجال الشمس
بالعودة إلى عناوين الأخبار المخيفة التي تتحدث عن التوهجات الشمسية.
هل تزداد حرارة الشمس حقاً وتهدد بتدمير مجتمعنا الحديث كل أسبوع؟ تقول غوهاتاكورتا: «لم يتغير نشاط الطقس الفضائي مؤخراً، لكن البشرية تغيرت. لقد أصبح الناس يعتمدون أكثر فأكثر على المعدات الكهربائية، وأي شيء يعتمد على الكهرباء سيكون عرضةً لتأثير العواصف الشمسية».
عندما تضرب جسيمات الطاقة هذه الأرض آتيةً من الشمس، فإن الاضطراب الذي تسببه في المجال المغناطيسي لكوكبنا يخلق تذبذباً كهرومغناطيسياً وتقلبات في الجهد الكهربائي يمكن أن يصل إلى شبكة الطاقة الكهربائية الممتدة تحت الأرض ويتسبب باضطرابها كما تقول غوهاتاكورتا.
ومع تنامي استخدام الأجهزة التي تعتمد على الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض، مثل أجهزة الملاحة العالمية "جي بي إس"، أصبحت أجهزتنا الكهربائية معرضةً أكثر لتأثيرات الانفجارات الإشعاع الشمسي.
اقرأ أيضاً: طائرات خاصة من ناسا لتحسين تنبؤات تساقط الثلوج
للتخفيف من المخاطر التي تشكلها العواصف الشمسية، مثل انقطاع التيار الكهربائي وتأثيرها على الأدوات الكهربائية، يمكن لشركات التكنولوجيا بناء أنظمة طاقة احتياطية وغيرها من دارات الفصل في أجهزتها، وإيقاف تشغيلها مؤقتاً عندما يشير نظام التنبؤ بالطقس الفضائي التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) إلى وجود مخاطر عالية.
تقول غوهاتاكورتا: «لقد وصلت الحضارة البشرية من مجالنا الأرضي إلى المجال الشمسي. لم يعد المجال الشمسي بيئة بعيدةً عن متناولنا، فنحن نعيش تحت تأثيراتها، ونقوم بأعمالنا اعتماداً عليها، ونسافر فيها أيضاً. لذلك علينا أن نكتسب حقاً مستوى الفهم اللازم لتطوير هذا العالم الجديد والعيش فيه».