5 مكتشفات ورؤى جديدة عن المريخ توفرها بعثة بيرسيفيرنس

5 مكتشفات ورؤى جديدة عن المريخ توفرها بعثة بيرسيفيرنس
ناسا/ جي بي ال كالتيك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أرسلت مركبة بيرسيفيرنس التابعة لوكالة ناسا والتي وصلت إلى كوكب المريخ منذ قرابة عامين كمية كبيرة من البيانات والأرصاد، كما أنها أنجزت العديد من المكتشفات الجيولوجية التي طال انتظارها خلال جولاتها الأولى على سطح الكوكب الأحمر.

أبلغت 4 أوراق علمية جديدة نُشرت في 25 أغسطس/ آب 2022 في مجلتي ساينس وساينس أدفانسيس عن تفاصيل جديدة متعلقة بالتاريخ الجيولوجي للمريخ استُمدّت من فوهة جازيروالصدميّة، وهي حفرة تشكّلت بسبب اصطدام نيزك، حيث حطّت مركبة بيرسيفيرنس لأول مرة شمال خط استواء المريخ. كان المريخ يوماً ما مليئاً بتدفقات الحمم والصخور التي كان يمكن أن تأوي أشكال الحياة القديمة بوجود الماء.

اقرأ أيضاً: طائرة جديدة من ناسا تعيد لتجربة الطيران فوق المريخ مرحها

تقول كاثرين ستاك مورغان (Kathryn Stack Morgan)، نائبة عالم المشروع في مهمة مركبة بيرسيفيرنس لعام 2020 إنه على الرغم من أنه لا يمكن تعميم النتائج التي وجدت في منطقة واحدة من المريخ على طبيعة الكوكب ككل، فإن مكتشفات مركبة بيرسيفيرنس تمثّل أدلة تساعد العلماء على ربط المعلومات التي حصلوا عليها من هذه المناطق مع تلك التي يعرفونها عن المناطق الأخرى. تتحدّى المكتشفات الجديدة أيضاً ما يعرفه العلماء عن البيئات الصالحة للسكن، وذلك لأنه من المحتمل أن أي شكل للحياة انبثق من المحلول البدئي في المريخ سيكون مختلفاً للغاية عن أشكال الحياة التي نألفها.

سنستعرض في هذا المقال 5 مكتشفات مثبتة ورؤى مستمدّة من رحلات مركبة بيرسيفيرنس لاستكشاف ما يعتقد أنه كان بحيرة مريخية قديمة كما وردت في الأوراق العلمية الجديدة.

الصخور متعددة الأنواع على سطح المريخ

تعتبر الصخور من أهم السجلات للمناخ وقابلية إيواء الحياة في الكواكب. لكن العلماء لم يكونوا متأكدين من أن المريخ يحتوي على نفس الصخور التي توجد على الأرض. تقول ستاك مورغان، وهي مؤلفة مشاركة لإحدى الأوراق الجديدة: “قبل هبوط مركبة بيرسيفيرنس، كان هناك الكثير من التكهنات حول ما إذا كانت صخور أرضية فوهة جازيرو رسوبية أم لا”، وأضافت: “بقدر ما نفضّل دراسة هذه الصخور لأنها مفيدة في مجال علم الأحياء الفلكي، كنا نأمل أن تكون صخور المريخ أكثر تنوّعاً”.

وهذا ما وجده العلماء. أحد أكثر مكتشفات مركبة بيرسيفيرنس إثارة هو أن أرضية فوهة جازيرو تحتوي على كمية هائلة من الصخور البركانية، والتي لا يمكن أن تتشكل دون تبريد وتصلّب الحمم السائلة المنصهرة. ربما كان النشاط البركاني عملية أكثر أهمية في تلك المنطقة من المريخ مما كان يعتقد سابقاً.

هل برد المريخ ببطء؟

بيّنت واحدة من الدراسات الجديدة أن الصخور البركانية التي تم إيجادها في فوهة جازيرو تتألف من حبيبات خشنة من الزبرجد الزيتوني، وهو معدن متوفر بكثرة على الأرض يدخل في تركيب العديد من الصخور. الزبرجد الزيتوني هو أحد أول المعادن التي تتبلور من الحمم. لكن تكون هذه الحبوب على الأرض أصغر حجماً وذات قوام أشبه بالزجاج أكثر مقارنة بالحبيبات التي وجدت في المريخ. يفترض الباحثون أن وجود هذا المعدن على المريخ يعني أن طبقاته تحت الأرضية العميقة بردت ببطء نوعاً ما.

نظراً لأن المركبة وجدت أدلة على وجود كميات كبيرة من الزبرجد الزيتوني على سطح المريخ، قد يشير ذلك إلى أن هذا المعدن واسع الانتشار في مناطق أخرى من الكوكب بخلاف فوهة جازيرو. وفي هذه الحالة، يقول الباحثون إنه يمكن تفسير غنى التربة المريخية بالزبرجد الزيتوني بأن تدفقات الحمم على سطح هذا الكوكب كانت أكثر سمكاً منها على الأرض.

5 new insights about Mars from Perseverance’s rocky roving
مسار مركبة بيرسيفيرنس الملتوي عبر فوهة جازيرو في المريخ، وموقع المركبة ومروحية إنجنويتي (الرموز الزرقاء) بالإضافة إلى أسماء بعض المناطق. وكالة ناسا

صخور المريخ تحتوي على المواد الداعمة للحياة

على الرغم من أن وكالة ناسا لم تكشف بعد عن وجود أشكال الحياة على الكوكب الأحمر، فإن الباحثين وجدوا أدلة تبين أن هذا الكوكب ربما كان أكثر قابلية لإيواء الحياة خلال العصر القديم المتأخر، والذي امتد منذ 4.1 إلى 3.5 مليون سنة مضت. تصف دراستان من الدراسات الأربع الجديدة الطريقة التي تغيّر فيها تركيب الصخور المريخية البركانية بسبب الماء. لكن لماذا يعتبر تدفّق الماء عبر الصخور اكتشافاً مهماً؟

على الأرض، يُنتج تفاعل الماء والصخور البركانية عدة أنواع من المغذيات مثل غاز الهيدروجين والميثان، واللذين يعتبران من مصادر الطاقة المحتملة للحياة. ينتج عن هذه العملية موطن بيئي، وهو وسط مثالي لأشكال الحياة الميكروبية. بسبب مهمة بيرسيفيرنس، وجد العلماء أن الصخور الموجودة في فوهة جازيرو تبدو وكأنها تحتوي على المعادن الملحية مثل السلفات والبيركلورات والكربونات، ما يشير إلى أن الماء السائل قد تدفّق عبر هذه الصخور. تحتوي هذه الصخور أيضاً على جزيئات عضوية بسيطة، والتي ربما ساهمت في تشكيل بيئات صالحة لإيواء الحياة.

اقرأ أيضاً: اكتشاف مياه في أحد أودية المريخ الكبيرة تنعش آمال الحالمين بالعيش عليه

على الرغم من أن الصخور البركانية التي وجدها العلماء اكتُشفت في منطقة نشطة بركانياً، وهي ليست منطقة تناسب عيش البشر، فإن مؤلفي الدراسة يشيرون إلى أن هناك أدلة تبين أن هذه الصخور تفاعلت مع الماء في أكثر من مرحلة عبر تاريخها، وأنها ربما احتوت يوماً ما على كل المكونات التي تدعم أشكال الحياة. تقول ستاك مورغان: “يزيد ذلك من إمكانية احتواء المريخ على عدة بيئات صالحة لإيواء الحياة من قبل”.

مرحباً بك في الطبقات تحت الأرضية

في حين أن بعض الباحثين ركّزوا على دراسة الطبقة العليا من سطح المريخ، قررت إحدى الفرق فحص الطبقات تحت المركبة باستخدام أداة تحمل اسم المصور الراداري لتجربة سطح المريخ. تؤرّخ ورقتهم أول 8 أشهر من مهمة بيرسيفيرنس، والتي التقط المصوّر خلالها صوراً راداريّة للطبقات تحت الأرضية بشكل مستمر. كشفت هذه الصور عن خصائص جديدة للقواعد الصخرية تحت فوهة جازيرو والتي يبلغ عمقها نحو 15 متراً. يمكن اعتبار التكوين الداخلي للحفرة أنه يتألف من تتالي طبقات صهاريّة تشكّلت بسبب تعرّض الصخور البركانية إلى تغيّرات كيميائية شاملة أو تتالي طبقات رسوبية تتألف من التراب الذي يتشكّل عادة في بيئات مائية كما يحدث على الأرض.

وفقاً لإحدى الدراسات الجديدة، فإن وجود هذه البنى تحت الأرضية “يتوافق مع أن المريخ شهد فترة طويلة من النشاط البركاني وعدة فترات ساد فيها الماء”، ما يدعم الفرضية التي تنص على أن الماء تدفّق بحرية على سطح المريخ يوماً ما.

العيّنات المريخية ستصل بحلول العقد الثالث من القرن الجاري

أحد أهم جوانب مهمة بيرسيفيرنس هو القدرة على استعادة العينات من المريخ. تم تصميم هذه المركبة لتجميع 35 عينة من الصخور والتربة ليتم نقلها إلى الأرض لإجراء التحاليل المخبرية المفصلة عليها. وسيتطلّب ذلك إجراء مهمة معقّدة تستغرق عدة سنوات. من المرجّح ألا تصل هذه العينات إلى الأرض حتى بداية العقد الثالث من القرن الجاري. تبين إحدى الدراسات المنشورة حديثاً أنه بالإضافة إلى أن هذه العينات ستمكّننا من فهم تاريخ سطح المريخ، فهي ستساعدنا أيضاً على فهم الدور الذي لعبه الحقل المغناطيسي للمريخ في تطور هذا الكوكب.

على الأرض، حرّكت بعض الأحداث المهمة التي وقعت في الماضي التاريخ الجيولوجي للكوكب. لكن نظراً لأن المقياس الزمني الجيولوجي للمريخ والذي وصل له العلماء نسبيّ للغاية ويمكن تقديره فقط من خلال المقارنة بعمر الصخور القمريّة، يواجه الجيولوجيّون صعوبة في استخدام هذه الطريقة لتحديد عمر سطح المريخ. تقول ستاك مورغان: “كل ما يمكننا فعله هو النظر إلى سطح المريخ ومقارنة أعمار المواد التي نراها”، وتضيف: “لكننا لا نعلم تماماً متى وقعت الأحداث المهمة التي حرّكت تاريخ هذا الكوكب”.

اقرأ أيضاً: ضم محيط واسع: كيف جف الماء على كوكب المريخ؟

لكن تقول ستاك مورغان إنه من خلال تحليل العينات التي ستتم استعادتها، يستطيع العلماء تحديد أعمار المواد وتواريخ الأحداث بدقة، وتحديث المقياس الزمني الجيولوجي للمريخ. لكن هناك الكثير من العمل الذي يجب إنجازه قبل الحصول على تلك العينات.

تقول ستاك مورغان: “كانت السنة الأولى من مهمة بيرسيفيرنس ناجحة بحق”، وتضيف: “هذه هي البداية لا أكثر، و[نأمل] أن يكون جميع العلماء متحمّسين مثلنا”.