متى تصبح الواجبات المدرسية أداة فعّالة للتعلم؟

4 دقيقة
متى تصبح الواجبات المدرسية أداة فعّالة للتعلم؟
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: إيناس غانم.

ملخص: تهدف الواجبات المدرسية إلى ترسيخ المعلومات التي اكتسبها الطلاب في المدرسة، لكن الصيغة المناسبة للواجبات ذات الفاعلية العالية في ترسيخ المعلومات وتنمية المهارات الفكرية لدى الطلاب، في مجالات مثل الرياضيات والعلوم، ما تزال غير معروفة. وفقاً لآخر الدراسات تبين أن الواجبات المدرسية الأعلى كفاءة في تحسين استيعاب الطلاب وتعزيز نموِّهم الأكاديمي هي التي تستغرق نحو 15 دقيقة للمادة الواحدة ولا تتجاوز ساعتين، على أن تكون هذه الواجبات يومية. تفيد هذه الطريقة في تقليص الوقت الذي يستغرقه الطالب في حل الواجبات لكي يتفرغ لأنشطة أخرى مثل الرياضة ومطالعة الكتب وتعلم الموسيقى، بالإضافة لتوفيرها القدر الكافي من المراجعة للمعلومات وتنمية المهارات الدراسية في المجالات المطلوبة. 

لا تعد الواجبات المدرسية المنزلية أفضل جزء من العملية الدراسية، فالطلاب لا يفضلون عادة بذل المزيد من الجهد الفكري في المنزل، لكن من الضروري تعزيز المعلومات التي تعلمها الطالب بعد عودته إلى المنزل لكي ترسخ بدرجة أفضل. فما هي تأثيرات الواجبات المدرسية على أداء الأطفال الأكاديمي؟ وهل هناك حلول تحقق الفوائد العلمية دون انزعاج الطلاب وشعورهم بالضغط؟

اقرأ أيضاً: 13 نصيحة عملية للنجاح في امتحان الأتمتة القادم

ما هي آثار الواجبات المدرسية الصعبة في الطلاب؟

قد يظن بعض المعلمين أن زيادة صعوبة الواجبات المدرسية قد توفّر نوعاً من التحدي للطالب، وإن تغلَّب عليها فسيكون قادراً على الاستيعاب ومواكبة الدروس اللاحقة على نحو أفضل، لكن يجب ألا تتعدى هذه الصعوبة عتبة معينة، لأن تزايد صعوبة الواجبات المدرسية قد يحبط الطلاب ويقوّض تقديرهم لإمكاناتهم.

في هذا السياق، نشر باحثون من جامعة جنوب أستراليا دراسة في أغسطس/آب 2023، وثَّقوا فيها عدة مقابلات مع عائلات كندية صرَّح الأهل فيها عن وجود واجبات شديدة التعقيد في مادة الرياضيات لا يتمكن أولادهم من إكمالها ولو بمساعدة منهم، وحتى الأهل أنفسهم لا يستطيعون إتمامها. هذا سبّب عدة مشكلات على مستوى الأسرة مثل: تأخير وقت النوم، ونقص الوقت المخصص الذي يقضيه أفراد الأسرة بعضهم مع بعض، كما أن هذه الواجبات تولّد شعوراً بعدم الكفاءة والإحباط لدى التلاميذ وأهلهم.

أشار الباحثون من الدراسة نفسها إلى أن هذه المبالغة في صعوبة الواجبات المدرسية قد تؤدي إلى نشوء نظرة سلبية عن الدراسة عبر الأجيال، وعندما يحاول الوالدان المساعدة في حل الواجب المدرسي في الرياضيات ويعجزان عن ذلك، سيشعر الطفل أنهما غير قادرين على مساعدته دراسياً.

ما هي ميزات الواجبات المدرسية؟ وما هي عيوبها؟

يمكن أن توفّر الواجبات المدرسية مجموعة من الميزات والعيوب، وتشمل أبرز الميزات ما يلي:

1. ساعد على تحسين تحصيل الطالب العلمي وتطوير مهاراته، إذ تعلمه الواجبات المدرسية مجموعة من المهارات مثل:

  • التفكير النقدي.
  • تحديد الثغرات العلمية الذاتية.
  • إدارة الوقت.
  • تنظيم الأولويات.
  • التحفيز الذاتي.
  • تحمل مسؤولية المهام.
  • التقييم الشخصي للمستوى العلمي.
  • الالتزام في التنمية الفكرية.

2. تسهم الواجبات في مساعدة الوالدين على متابعة ما يتعلمه الطفل في المدرسة، وتحديد نقاط القوة والضعف الأكاديمية لديه كي يتنبّها إلى أي صعوبات يواجهها في التعلم والتواصل مع إدارة المدرسة لتعمل على متابعته على نحو أفضل. 

3. ترسخ المعلومات التي أخذها الطالب في المدرسة وتعزز حفظها في ذاكرته مدة أطول. 

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تكون الدراسة المكثّفة قبيل الامتحانات فعّالة؟

بالإضافة إلى ما سبق، يمكن أن توفّر الواجبات المدرسية فرصة للوالدين لقضاء وقت مع طفلهما وسماع همومه ومشكلاته الدراسية، ويمكن للواجبات أن تشجع الإخوة الكبار في المنزل على مساعدة إخوتهم الصغار في حلِّ واجباتهم. 

أمّا عيوب الواجبات الدراسية فتشمل ما يلي:

1. شعور الطالب بالتوتر بسبب الواجبات المدرسية، ويمكن أن يزيد هذا التوتر مع التقدم بالسن وزيادة صعوبة الواجبات المدرسية.

2. الواجبات المدرسية قد تؤدي إلى الحرمان من النوم ومشكلات صحية مختلفة منها:

  • الصداع.
  • التعب.
  • فقدان الوزن. 
  • مشكلات المعدة.

3. يؤدي الإفراط في فرض الواجبات المنزلية إلى زيادة احتمال الغش ونسخ الواجبات المنزلية بين الطلاب أو استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لحلِّها.

4. يمكن أن تؤدي الواجبات المدرسية الطويلة إلى تقليص وقت الفراغ والراحة لدى الطالب. 

 ما هي الشروط المناسبة للواجبات المدرسية؟

تعزز الواجبات المدرسية التزام الطالب بدراسته وبمراجعة الأفكار التي أخذها في المدرسة، لكن الشروط المناسبة لهذه الواجبات قد تختلف، إذ لا يُعرف بالضبط وتيرتها المناسبة وكم من الوقت يجب أن تستغرقه؟

استجابة لهذه التساؤلات، أجرى باحثون في معهد هاملتون بجامعة ماينوث دراسة متعمقة عن دور الواجبات المنزلية في تحصيل الطلاب العلمي، فحلَّلَوا بيانات نحو 4,000 طالب إيرلندي في السنة الثانية من المرحلة الثانوية، وقيّموا أثر الواجبات المنزلية المختلفة في أداء الطلاب بمادتي الرياضيات والعلوم. كانت وتيرة الواجبات المنزلية أهم من مدتها، إذ ثبت أن الواجبات المدرسية التي تصل مدتها إلى 15 دقيقة كانت فعالة تماماً مثل الواجبات الأطول، ما يشير إلى أن الواجبات المنزلية اليومية المنتظمة وذات المدة القصيرة قادرة على تعزيز التعلم دون الحاجة لزيادة الحمل الفكري على الطلاب وأخذ المزيد من وقت الراحة أو الوقت المخصص للأنشطة غير الدراسية، مثل الرياضة والموسيقى أو قضاء الوقت مع العائلة.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: وسائل التعليم الورقية تتفوق على الوسائل الرقمية في تعليم الأطفال

يقترح الأستاذ الدكتور حمد القميزي، أستاذ المناهج وطرق التدريس في كلية التربية بجامعة الأمير سطام بن عبد العزيز في السعودية، عبر منصة إكس، أن يتبع المعلمون طريقة "التعلم بالمقلوب" التي تضمن تفاعل الطلاب، وتتمثل في عرض محتوى بسيط عن الدرس على الطلاب من خلال مقطع فيديو يشاهدونه في المنزل في اليوم السابق، وتحضيرهم محتوى أولياً بسيطاً عن الدرس نفسه، ثم يهتم المعلم في المدرسة بتوجيههم وابتكار أنشطة صفيّة تساعدهم على التعلُّم استناداً إلى ما شاهدوه سابقاً في الفيديو على نحو يضمن اندماجهم في العملية الدراسية واستمتاعهم بالمواد في آنٍ معاً، ثم يعمل المعلم على ردم الثغرات المعرفية والتأكد من وصول المعلومات بصورة صحيحة.

تعد الواجبات الدراسية اليومية القصيرة التي لا يستغرق حلها أكثر من 10-15 دقيقة للمقرر الواحد، مثل الرياضيات أو العلوم أو اللغة العربية، أفضل من الواجبات الطويلة؛ إذ تعد الواجبات المدرسية التي تحتاج بمجملها إلى أكثر من ساعتين لحلِّها غير مفيدة وذات آثار سلبية تفوق آثارها الإيجابية.

المحتوى محمي