ما هي آخر تطورات تقنيات توصيل الأدوية لعلاج الأمراض المستعصية؟

ما هي آخر تطورات تقنيات توصيل الأدوية لعلاج الأمراض المستعصية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/LeoWolfert
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يطوّر البشر منذ آلاف السنين علاجات وأدوية مختلفة للأمراض التي تصيبهم؛ ويمكن تناول هذه الأدوية بعدة طرق: عن طريق البلع أو الاستنشاق أو الامتصاص عن طريق الجلد أو الحقن في الوريد، ولكل طريقة مزايا وعيوب تتجلى إما بالآثار الجانبية أو بطريقة إيصالها لموقع الإصابة.

ما زال هذا التطور مستمراً حتى أصبح بالإمكان توصيل الدواء للعضو أو النسيج المصاب بطريقة أدق من أي وقت مضى، حيث تُطبَّق الآن آليات تُعرف باسم “تقنيات توصيل الدواء”، وهي تقنيات مصممة للتسليم المستهدف و / أو الإطلاق المتحكم فيه للمواد العلاجية، ومن خلال إيجاد آلية التوصيل الأنسب لجزيء دواء معين، يمكن تحسين أداء هذا الدواء داخل الجسم.

اقرأ أيضاً: كار تي-سل: دواء «حي» لعلاج السرطان ساعد مريضين في التخلص من السرطان لعقد من الزمن

ما الفائدة من تقنيات توصيل الأدوية؟

يزداد فهم الأطباء والباحثين لآليات عمل أنظمة الجسم، ما يساهم في تطوير الأدوية والعلاجات المختلفة، والتي تختلف في آلية عملها في الجسم، ومكان تأثيرها، وطريقة تفاعلها مع الإصابة، وطريقة توصيل الدواء لموضع الإصابة، وأيضاً، تتوضح لديهم الآليات الحيوية التي تحول دون توصيل الدواء بكفاءة، مثل حركة الأدوية عبر الخلايا والأنسجة، والحاجز الدموي الدماغي.

من ناحية أخرى، تتسبب بعض الأدوية بآثار جانبية غير مقبولة بسبب تفاعل الدواء مع الأنسجة السليمة التي ليست هدفاً للعلاج، وتختلف هذه الآثار من شخص لآخر من حيث النوع والشدة. تحد الآثار الجانبية من القدرة على تصميم الأدوية المثلى للعديد من الأمراض مثل السرطان والأمراض التنكسية العصبية والأمراض المعدية.

من أجل ذلك يسعى الخبراء إلى إيجاد طرق توصل الدواء إلى موضع الألم أو الإصابة دون إلحاق ضرر بأجزاء أخرى من الجسم. على سبيل المثال، يمكن للمرهم الجلدي الموضعي المضاد للبكتيريا الموضعية أو حقن الكورتيزون لمفصل مؤلم أن تجنب بعض الآثار الجانبية الجهازية لهذه الأدوية.

بالإضافة إلى ذلك، فإنه عند استخدام إحدى تقنيات توصيل الدواء، فإنها تتحكم في معدل إطلاق الدواء والموقع في الجسم حيث يتم إطلاقه، فيؤثر على موضع الإصابة فقط، دون التأثير على أي جزء آخر من الجسم.

اقرأ أيضاً: الفولتارين: الدواء الأشهر لتسكين آلام المفاصل

تقنيات توصيل الأدوية

يوجد العديد من التقنيات المتطورة لتوصيل الأدوية، ومن أهمها:

1- الجسيمات النانوية

تتمتع الجسيمات النانوية بخصائص فريدة، مكنّتها من دخول عالم توصيل الأدوية بكفاءة، فهي متوافقة حيوياً مع الأجسام الحية، ومستقرة، ولها حجم صغير ومساحة سطح كبيرة، لكن ما عزز تطبيقاتها في توصيل الأدوية قدرتها على الوصول إلى الأنسجة المستهدفة المحددة فهي قادرة على عبور الحاجز الدموي الدماغي، ودخول الجهاز الرئوي، والمرور عبر التقاطعات الضيقة للخلايا البطانية.

يمكن إدخال الجسيمات النانوية إلى الجسم عبر ثلاث طرق رئيسية؛ الحقن أو الاستنشاق أو الفم. ولتجنب رفض الجهاز المناعي لها، يعمل المطورون على تغيير الخصائص السطحية لها. تم تطبيق هذه التقنية في توصيل الأدوية لعلاج العديد من الحالات بما في ذلك السرطانات المختلفة مثل سرطان الثدي والبنكرياس وسرطان القولون والمستقيم  والاضطرابات العصبية ومتلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز).

اقرأ أيضاً: الأولى من نوعها: روبوتات نانوية توصل الأدوية إلى الدماغ

2- الجسيمات الشحمية

الجسيمات الشحمية هي حويصلات كروية تتكون من طبقة فوسفورية مضاعفة (أو أكثر). أثبتت هذه الجسيمات نفسها كنظام توصيل فعال نظراً لامتلاكها خصائص كيميائية حيوية وكيميائية فيزيائية مرنة تسمح بالتلاعب بها بسهولة. تتميز الجسيمات الشحمية بقدرتها على تغليف المركبات المحبة للدهون والماء، ما يجعلها ناقلات مناسبة لمجموعة من الأدوية.

تتميز أيضاً بقدرتها على التجميع الذاتي، وحمل كميات كبيرة من الأدوية وتوافقها الحيوي، بالإضافة لكونها غير سامة، ويمكن التلاعب بها وتعديلها بسهولة.

3- الكرات المجهرية

الكرات المجهرية عبارة عن جسيمات كروية صغيرة (1 – 1000 ميكرون)، يتم تحضيرها عادةً من بوليمرات طبيعية أو اصطناعية. لها خواص مفيدة في توصيل الأدوية بما في ذلك التحكم في معدلات إطلاق الأدوية، وحماية الأدوية سريعة التفكك، كما أنها قادرة على تغليف مجموعة متنوعة من الأدوية، ومتوافقة حيوياً، ولها خصائص إطلاق الدواء المستدام التي تتراوح من أيام إلى شهور.

يمكن تصنيف البوليمرات الاصطناعية اعتماداً على ما إذا كانت قابلة للتحلل أم لا. يمكن أن يؤدي استمرار وجود الكرات المجهرية غير القابلة للتحلل في الجسم إلى زيادة خطر السمية على مدى فترات زمنية أطول. في المقابل، لا تشكل البوليمرات القابلة للتحلل نفس المخاطر، ما يجعلها أكثر ملاءمة للتطبيق.

تقنيات أخرى وأمثلة

يمكن أن يعتمد تطوير تقنيات الأدوية على تطوير طريقة توصيل الدواء لتحسين عيوب تلك الطريقة؛ على سبيل المثال، حُقن الجلد المؤلمة، التي أمكن تطويرها لتصبح غير مؤلمة، وتوصل الدواء بفعالية أكبر، فقد صمم باحثون، بتمويل من المعهد الوطني الأميركي للطب الحيوي، مصفوفات من عشرات الإبر المجهرية، كل منها أرق بكثير من خصلة الشعر، وتحتوي على دواء. على الرغم من أن هذه الإبر تخترق الجلد، إلا أنها لا تصل إلى الأعصاب الموجودة فيه، وبالتالي يتم توصيل الأدوية دون ألم. هذه الحقن سهلة الاستخدام ولا تتطلب تبريداً أو طرق تخلص خاصة، لذا يمكن استخدامها من قبل المرضى أنفسهم في المنزل، وفي المناطق التي قد لا يوجد فيها العديد من الأطباء أو مرافق تخزين مناسبة للأدوية التقليدية المبردة.

في مثال آخر، استخدم الباحثون في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية السعودية السكريات قليلة التعدد الحلقية، التي تعرف باسم “السايكلوديكسترين”، وهي مادة متاحة بسهولة في الطبيعة وتتميز بارتفاع ذوبانيتها وانخفاض سميتها، وستضاف هذه الخصائص إلى العقاقير في حال دمجها مع بعضها، ما يدل على أن هذه المادة ذات المسامية العالية لها القدرة على توصيل الدواء بكفاءة عالية.

تقنيات توصيل الأدوية مستقبلاً

لا تتوقف جهود الباحثين في تطوير أنظمة توصيل الأدوية، بل تزداد الأبحاث التي يجرونها في هذا المجال مع التقدم المستمر في دراسة تطور الأمراض وعلاجها. ومن أهم الأمور التي من المتوقع أن تزداد الأبحاث حولها مستقبلاً:

1- عبور الأدوية للحاجز الدموي الدماغي ​​في الاضطرابات الدماغية 

ينظم الحاجز الدموي الدماغي نقل المواد الأساسية بين مجرى الدم والجهاز العصبي المركزي بالإضافة إلى التعرف على المواد التي قد تضر الدماغ ويمنع دخولها. من ناحية أخرى، يعيق هذا الحاجز دخول بعض الأدوية المعالِجة لبعض الأمراض مثل أورام الدماغ ومرض ألزهايمر ومرض باركنسون، لذلك من المهم تطوير تقنيات توصيل الأدوية إلى الدماغ وتجاوز الحاجز الدموي الدماغي.

2- تعزيز التسليم المستهدف داخل الخلايا

تقوم كل خلية في الجسم بعمليات داخلية للتعرف على المواد الضارة والأجسام الغريبة والتخلص منها، وقد تعتبر الخلايا جسيمات التوصيل المحمّلة بالأدوية غريبة ويجب التخلص منها، لذلك لا تزال هناك حاجة إلى المزيد من الدراسات لضمان وصول العلاجات إلى الهياكل الصحيحة داخل الخلايا، وتطوير أنظمة توصيل ذكية يمكنها تجاوز الدفاعات الخلوية، ونقل الأدوية إلى مواقع داخل الخلايا المستهدفة، وإطلاق الأدوية استجابةً لإشارات جزيئية محددة.

اقرأ أيضاً: يوفر حماية أكبر: تطوير لقاح لكورونا يعتمد على الجسيمات النانوية

3- الجمع بين التشخيص والعلاج

تمتد الإمكانات الكاملة لأنظمة توصيل الأدوية إلى ما هو أبعد من العلاج. باستخدام تقنيات التصوير المتقدمة مع التسليم المستهدف، قد يتمكن الأطباء يوماً ما من تشخيص الأمراض وعلاجها في خطوة واحدة، وهي استراتيجية جديدة تسمى العلاج الطبيعي.