ملخص: اكتشف فريق دولي من الباحثين أن بروتيناً يُسمَّى كيبرا يؤدي دوراً حاسماً في تكوين الذاكرة من خلال العمل بمثابة "غراء" لجزيئات أخرى. يعتمد هذا الاكتشاف على مفهوم التعزيز طويل الأمد (LTP)، حيث يعمل التحفيز الكهربائي على تقوية التشابك بين الخلايا العصبية، ما يشكّل أساس شبكات الذاكرة، وتوصلوا إلى أن بروتيناً يُدعى كيناز إم زيتا يحافظ على هذه الذكريات، لكن عمره القصير أثار تساؤلات حول حقيقة دوره في الذاكرة طويلة الأمد، فتوصلوا في الدراسة الحديثة إلى أن بروتين كيبرا يرتبط ببروتين كيناز إم زيتا، ويضع علامات على التشابكات النشطة في أثناء التعلم. يعزز هذا التفاعل التشابكات العصبية، ويسمح للذكريات بالاستمرار، ويحارب ضعف الذاكرة.
وأشار الباحثون في الدراسة إلى أنه يمكن الاعتماد على نتائج الدراسة في إيجاد علاج للأمراض المرتبطة بالذاكرة مثل آلزهايمر، ومحاربة ضعفها والمساعدة على التعلم.
هل تتذكر يومك الأول في المدرسة؟ أم تلك الرحلة العائلية التي سقطت فيها عن الدراجة وجبرت يدك؟ غالباً ما تبقى تجارب الطفولة هذه معنا مدى الحياة. ولكن ما هو السر وراء استمرار هذه الذكريات؟ حاول فريق دولي الإجابة عن هذا السؤال في دراستهم التي نشروها في دورية في مجلة ساينس أدفانسيس (Science Advances)، وكشفوا أن بروتيناً يُدعي كيبرا يؤدي دوراً حاسماً في تكوين الذاكرة من خلال العمل كـ "غراء" للجزيئات الأخرى.
كيف يخزن الدماغ الذكريات؟ التعزيز طويل الأمد
في أوائل سبعينيات القرن العشرين، توصل العلماء إلى إجابة عن سؤالهم: كيف يخزن الدماغ الذكريات؟ وهي عملية أطلقوا عليها اسم "التعزيز طويل الأمد" (LTP)، حيث وجدوا أن التحفيز الكهربائي للمشبك العصبي ما بين خليتين عصبيتين يجعل هذا الاتصال أقوى فترة طويلة، واعتقدوا أن الذكريات تتكون من شبكات من هذه الاتصالات القوية بين الخلايا العصبية.
ثم بدأ العلماء بالبحث عن الجزيئات التي تساعد على إطالة عمر الذاكرة، ووجدوا مرشحين رئيسيين؛ أحدهما يُسمَّى بروتين كيناز إم زيتا (PKMzeta). أظهرت دراسة سابقة نشرتها دورية ساينس (Science) أنه إذا حُجب بروتين كيناز إم زيتا في الفئران، فإنه يمحو ذكرياتها عن الأماكن، ما يشير إلى أن بروتين كيناز إم زيتا ضروري لحفظ الذكريات.
ومع ذلك، ثمة بعض القيود والثغرات التي تحيط بنظرية حفظ الذكريات عبر بروتين كيناز إم زيتا:
- قصر عمر بروتين كيناز إم زيتا: إذ لا يدوم فترة طويلة، ولا يبقى في المشابك سوى بضع ساعات، وفي الخلايا العصبية بضعة أيام، ولكن ذكرياتنا يمكن أن تدوم عقوداً، وحتى 90 عاماً. وهذا يُثير السؤال: كيف يمكن للبروتينات قصيرة العمر أن تدعم الذكريات طويلة الأمد؟
- إيجاد المشابك الصحيحة: يتكون بروتين كيناز إم زيتا في الخلايا عند الحاجة، ولكن يجب أن يحدد المشابك الصحيحة للعمل. تحتوي كل خلية عصبية على نحو 10000 مشبك، ولكن نسبة صغيرة منها تعمل على تخزين الذكريات. فكيف عثر بروتين كيناز إم زيتا على المشابك الصحيحة؟
اقرأ أيضاً: 9 مؤشرات بيولوجية بسيطة تقيس بها قوة ذاكرتك
الغراء الجزيئي
في محاولة لسد هذه الثغرات والإجابة عن التساؤلات المطروحة حول بروتين كيناز أم زيتا، استكمل فريق من الباحثين الدراسة السابقة، بقيادة عالم الأعصاب في جامعة تود ساكتور (Todd Sacktor)، وأستاذ علم الأعصاب بجامعة نيويورك، أندريه فينتون (André Fenton)، وتوصلوا إلى:
- يعمل بروتين كيناز إم زيتا بالتعاون مع بروتين آخر يُسمَّى كيبرا (KIBRA) أو "بروتين المحول المعبر عنه في الكلى والدماغ" (kidney and brain expressed adaptor protein). وهو بروتين كيبرا يوجد في كلٍّ من الدماغ والكلى، ويتمركز في المشابك العصبية في الدماغ، التي تربط ما بين الخلايا العصبية.
- يرتبط كيبرا بالمشابك التي تنشط خلال عملية التعلم، ما يؤدي إلى "وسمها" أي وضع علامة عليها، ثم يرتبط بروتين كيناز إم زيتا مع كيبرا، ما يعزز قوة هذه المشابك الموسومة.
- تتوقف عملية "التعزيز طويل الأمد" (LTP) في الخلايا العصبية وتتعطل الذكريات المكانية لدى الفئران إذا منع الباحثون التفاعل بين بروتين كيناز إم زيتا وكيبرا.
- في حين أن كلاً من البروتينين قصير العمر، فإن تفاعلهما مع بعضهما طويل الأمد. بكلمات أخرى، توصل فريق البحث إلى أنه ليس فقط بروتين كيناز إم زيتا هو المسؤول عن الحفاظ على الذاكرة، وإنما لا بُدّ من التفاعل بين البروتينين، فإذا حدث ما يمنع التفاعل بينهما، ستُمحى ذاكرة شهر واحد، حتى وإن كانا موجودين.
اقرأ أيضاً: علماء يكتشفون طريقة محتملة لتحسين قوة الذاكرة لدى مرضى ألزهايمر
كان قد أظهر بحث سابق منشور في دورية نيتشر (Nature)، أن زيادة بروتين كيناز إم زيتا عشوائياً في الدماغ، عززت الذكريات الضعيفة أو الباهتة، وهو أمر غامض لأنه كان من المفترض أن تؤدي إلى العكس من خلال العمل في مواقع عشوائية، لكن الوسم المشبكي المستمر بواسطة كيبرا فسّر سبب تعزيز كيناز إم زيتا الإضافي للذاكرة، من خلال العمل فقط في المواقع التي وسمها كيبارا.
أطلق الباحثون على بروتين كيبرا "الحلقة المفقودة" والذي يعمل بمثابة علامة مشبكية دائمة، أو غراء يلتصق بالمشابك العصبية القوية وبروتين كيناز إم زيتا، ويتجنب المشابك الضعيفة، ما يسمح للذكريات بالاستمرار سنوات أو حتى عقود من الزمن.
يقول ساكتور: "إن آلية الوسم المشبكية المستمرة التي اكتشفناها تشبه الطريقة التي تحل بها الألواح الجديدة محل الألواح القديمة للحفاظ على (سفينة ثيسيوس) لأجيال، وتسمح للذكريات بالاستمرار سنوات حتى مع استبدال البروتينات التي تحافظ على الذاكرة".
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: الاستخدام الطويل الأمد لمضادات الحساسية يسيء للذاكرة
كيف يمكن تعزيز الذكريات طويلة الأمد؟
وفقاً لساكتور، قد تساعد نتائج هذه الدراسة على إيجاد علاج للأمراض المرتبطة بالذاكرة ومعالجتها في المستقبل، مثل مرض آلزهايمر وأشكال أخرى من الخرف. علاوة على ذلك، يمكن تطوير المهارات المعرفية لتحسين الذاكرة والقدرة على التعلم.
عموماً، يمكن تعزيز التفاعل بين بروتينات كيناز إم زيتا وكيبرا، وتعديل هذا المسار بعدة طرق، مثل:
- تطوير الأدوية التي تعزز الارتباط بين البروتينين.
- التعديل الجيني لزيادة التعبير عنهما أو تحسين تفاعلها.