كشف باحثون في جامعة برمنغهام في دراسة حديثة نشرتها دورية الملوثات الناشئة (Emerging Contaminants) أن تركيز الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في مياه الصنبور كان بمتوسط 40 جسيماً لكل لتر، وفي المياه المعبأة كان 37 جسيماً لكل لتر. ومن المثير للاهتمام أن متوسط حجم الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في مياه الصنبور كان أكبر بكثير من متوسط حجم الجسيمات الموجود في المياه المعبأة، الأمر الذي يشير إلى أن عمليات تنقية المياه المعبأة قد تساعد في إزالة الجسيمات الأكبر حجماً، ولكن الجسيمات الأصغر حجماً لا تزال موجودة، ما يثير المخاوف بشأن الآثار الصحية المحتملة. فهل ثمة طريقة تساعد على التخلص من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية؟
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تؤكد وجود علاقة بين الجسيمات البلاستيكية النانوية والإصابة بالخرف وباركنسون
ما هي الجسيمات البلاستيكية؟ وما هي مخاطرها؟
لا يتحلل البلاستيك، ولكنه قد يتجزأ بتأثير الحرارة وأشعة الشمس والرياح إلى:
- جسيمات بلاستيكية دقيقة يقلّ قطرها عن 5 ميكرومترات.
- جسيمات بلاستيكية نانوية يقل قطرها عن ميكرون واحد.
تنتج هذه الجسيمات عن المنتجات التي يدخل البلاستيك في تكوينها، بما في ذلك الملابس ومواد التغليف والتعبئة وعبوات المياه والمفروشات والأكياس والألعاب وأدوات التنظيف، وغيرها العديد من المواد. في الواقع، عُثر على الجسيمات البلاستيكية في أماكن مختلفة، من أعماق البحر المتوسط إلى السُّحب فوق جبل فوجي في اليابان.
في المياه، كشف باحثون من جامعة كولومبيا وجامعة روتجرز، في دراسة نشرتها دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences)، عن وجود نحو 240 ألف قطعة بلاستيكية قابلة للفصل في لتر من المياه المعبأة.
نظراً إلى طول عمر هذه الجسيمات البلاستيكية، وكمياتها الهائلة، فإنها قادرة على التسلل من البيئة إلى السلسلة الغذائية وصولاً إلى الإنسان، حيث اكتشف الباحثون جزيئات بلاستيكية دقيقة في دم الإنسان ودماغه، وحليب الثدي ومشيمة الجنين، وأنسجة الرئة والكبد والطحال والكلى البشرية.
ومع ذلك، لا يزال من غير المؤكد مدى الضرر الذي يسببه هذا البلاستيك لأجسامنا. لكن الباحثين ربطوه بما يلي:
- التغيرات في ميكروبيوم الأمعاء ومقاومة الجسم للمضادات الحيوية.
- هجرة الجسيمات البلاستيكية عندما يكون قطرها 1/1000 من متوسط عرض شعرة الإنسان إلى مجرى الدم عبر أنسجة الجهاز الهضمي أو الرئتين، ومعه قد تنتشر إلى الخلايا والأعضاء الرئيسية، ما يمكن أن يؤدي إلى عرقلة العمليات الخلوية، واختلال عمل الغدد الصماء نتيجة ترسب مواد كيميائية مثل ثنائي الفينول والفثالات.
- الإجهاد التأكسدي وتلف الأنسجة والالتهابات الخلوية.
- الالتهابات نتيجة استقرار مواد غريبة في النسيج البشري.
- موت الخلايا البيضاء بسرعة أكبر بثلاثة أضعاف من سرعة موتها الطبيعية عندما تتلامس مع المواد البلاستيكية، وبصورة خاصة مادة البوليسترين المستخدمة عادة في إنتاج مواد التعبئة والتغليف، وفقاً للباحثة في مجال المواد البلاستيكية الدقيقة في المركز الطبي بجامعة أوتريخت في هولندا، نينكي فريسكوب.
- إلحاق الضرر بهياكل الرئة، حيث وجد البحث المنشور في المجلة الأميركية لطب الجهاز التنفسي والرعاية الحرجة (American Journal of Respiratory and Critical Care Medicine) أن الجسيمات البلاستيكية منعت تطور هياكل الرئة المزروعة في المختبر، وتحديداً مادة النايلون.
اقرأ أيضاً: كيف يصل البلاستيك إلى غذاء الأجنة البشرية؟ دراسة حديثة تجيب
طرق إزالة الجسيمات البلاستيكية من مياه الشرب
ثمّة بعض الطرق التي يمكن من خلالها إزالة الجسيمات الدقيقة من مياه الشرب، بعضها بسيط ومنزلي، وبعضها الآخر أكثر تعقيداً. إليك أهمها:
طريقة غلي الماء
تعد طريقة غلي الماء من أبسط طرق التخلص من المواد البلاستيكية الدقيقة في مياه الشرب، حيث توصل باحثون في جامعة قوانغتشو الطبية وجامعة جينان في الصين إلى أن التخلص من الجسيمات البلاستيكية النانوية والدقيقة الموجودة في مياه الصنبور ممكن عن طريق غلي الماء ثم تصفيته.
في الدراسة المنشورة في دورية (Environmental Science & Technology Letters) أعدّ الباحثون عينات من مياه الصنبور العسرة (الغنية بالمعادن مثل الكالسيوم والمغنيزيوم) والمياه اللينة (العذبة)، وأضافوا كميات محددة من الجسيمات البلاستيكية النانوية والدقيقة إلى هذه العينات لمحاكاة التلوث، ثم عرّضوها للغليان.
وفي الخطوة التالية، رشح الباحثون المياه من خلال شبكة دقيقة أو مرشح من الفولاذ المقاوم للصدأ لإزالة الجسيمات المترسبة، بما في ذلك الجسيمات البلاستيكية النانوية والدقيقة، وتوصلوا إلى أن غلي المياه وترشيحها ساعد على إزالة 90% من الجسيمات البلاستيكية النانوية والدقيقة من المياه العسرة، ونحو 25% من المياه العذبة، حيث تسبب غلي المياه العسرة في ترسب المعادن (مثل كربونات الكالسيوم) فحبست معها الجسيمات البلاستيكية النانوية والدقيقة.
التناضح العكسي
التناضح هو عملية تحدث في الطبيعة وفي أجسامنا يومياً، كما في امتصاص جذور النباتات الماء من التربة، أو امتصاص الكلى الماء من دمنا، وفيها ينتقل الماء من المحلول الملحي الأقل تركيزاً إلى المحلول الأعلى تركيزاً.
وفقاً لهذه العملية الطبيعية تعمل أجهزة التناضح العكسي على تنقية مياه الشرب من معظم الملوثات، بما فيها الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية، عن طريق دفعها عبر غشاء شبه نافذ تحت الضغط، حيث يسمح الغشاء على نحو انتقائي لجزيئات الماء بالمرور، ويمنع مرور الجزيئات الأكبر حجماً مثل الأملاح والبكتيريا والملوثات البلاستيكية.
إزالة المواد البلاستيكية النانوية من الماء بالادمصاص (الامتزاز)
يمكن لبعض المواد أن ترتبط بالجسيمات البلاستيكية بفعالية عالية وتزيلها من الماء، وتدعى هذه المواد الممتزات أو المواد المستخدمة في الادمصاص (adsorption). من هذه المواد معادن طينية، مثل البنتونيت والكاولين، وبعض أنواع الكربون المنشّط الذي يتمتع بسطح نوعي كبير ومسامية عالية.
على سبيل المثال، أفادت دراسة نشرتها دورية علم البيئة الشاملة (Science of The Total Environment) بأن استخدام مادة "كربون النحاس والنيكل" (CuNi@C) المركبة من جسيمات نانوية من النحاس (Cu) والنيكل (Ni) مدمجة في مصفوفة كربونية، ساعد على امتصاص بلاستيك البوليسترين النانوي بكفاءة عالية، وزادت كفاءة الإزالة مع زيادة جرعة مادة "كربون النحاس والنيكل" (CuNi@C) حتى وصلت إلى 99.18%.
اقرأ أيضاً: العلماء يسعون إلى الحصول على مصدر للغذاء من البكتيريا الآكلة للبلاستيك
إزالة المواد البلاستيكية النانوية من الماء باستخدام الجسيمات المغناطيسية
عام 2021، توصل باحثون في جامعة فلوريدا إلى أنه يمكن للجسيمات المغناطيسية جذب البلاستيك النانوي وإزالته من الماء.
في الدراسة المنشورة في دورية المواد اليوم (Materials Today)، صمم الباحثون جسيمات نانوية من أوكسيد الحديد، وأطلقوا عليها الصدأ الذكي أو (SPION)، لأنها ذات سطح معدل ولايتجاوز قطرها الـ 30 نانومتراً، أي أصغر بكثير من جزيئات البلاستيك النانوية (970-100 نانومتر)، علاوة على أنه غير سام.
تعمل هذه الجسيمات النانوية مثل الغراء، إذ يمكنها الالتصاق بالأسطح البلاستيكية والتكتل معها، ثم جذبها من الماء بسهولة عن طريق المغناطيس.