متعة حلوة دون تأنيب ضمير، هذا ما تعد به العشبة التي تفوق السكر في حلاوتها والخالية من السعرات الحرارية (ستيفيا) ما يجعلها بديلاً صحياً للسكر في تحلية الأطعمة دون الآثار الصحية السلبية المرتبطة بالسكر المكرر. لكن فقط لأن المادة طبيعية هل يعني ذلك أنها آمنة؟
أثارت بعض الادعاءات تخوفاً من بعض المضاعفات التي قد تتسبب بها ستيفيا، كالعقم لدى النساء، فما مدى صحة هذه الادعاءات وما رأي الخبراء في عشبة ستيفيا؟ إليك ما يخبرنا به العلم حتى الآن.
نبات الستيفيا
نبات الستيفيا ستيفيا ريباوديانا بيرتوني (Stevia Rebaudiana Bertoni)، نسبة لعالم النبات السويسري موسيه بيرتوني السويسري، الذي اكتشفها أول مرة عام 1899 في غابات الباراغواي، حيث استخدمته قبائل الغواراني منذ أكثر من 1500 عام لتحلية مشروباتهم. ينتمي النبات للفصيلة النجمية (Asteraceae) التي تضم نحو 150 نوعاً من نبات الستيفيا.
الوصف النباتي: الستيفيا نبات عشبي معمر يمكن أن يصل طوله إلى نحو 80 سنتيمتراً، ذو أوراق رمحية الشكل وأزهار أنبوبية بيضاء اللون، لكن عادة ما تتم إزالة الزهور لتحفيز النمو الخضري للأوراق، لأنها مصدر الطعم الحلو للنبات.
اقرأ أيضاً: اكتشاف البروتين الذي يغلق مسام النبات ضد مسببات الأمراض
وصول نبات الستيفيا للعالمية
على الرغم من توثيق بيرتوني للمذاق الحلو الذي يتفوق على السكر لنبات ستيفيا، فإنه بقي مجهولاً حتى ثلاثينيات القرن الماضي، حين تمكن كيميائيون فرنسيون من تحديد سبب الطعم الحلو فيه بعد أن عزلوا اثنين من الجليكوسيدات من أوراق الستيفيا.
لاحقاً، اكتشفت مجموعة من اليابانيين هذا النبات في سبعينيات القرن الماضي، فشحنوا باخرة كاملة بالستيفيا ليتمكنوا من زراعتها في بلادهم، إلا أن ضيق المساحات المخصصة للزراعة دفعت باليابانيين إلى نقل العشبة إلى الصين، حتى أصبحت اليوم المنتج الرئيسي له بمساحة لا تقل عن 25 ألف هكتار، بينما لا تتجاوز مساحة الأراضي المزروعة بالستيفيا في الباراغواي 2000 هكتار.
من أين يأتي طعم ستيفيا الحلو؟
يأتي الطعم الحلو لنبات الستيفيا من جليكوسيدات ستيفيول، والتي تضم نحو 40 مركباً. تتكون جميع جليكوسيدات الستيفيول من مادة ستيفيول ترتبط بها جزيئات الغلوكوز بما يسمى روابط الجليكوسيد، وتتنوع جليكوسيدات الستيفيول بتنوع عدد جزيئات الغلوكوز ومكان ارتباطها. ومن أهمها:
- ستيفيوسيد: هو الأكثر شيوعاً في نبات الستيفيا بنسبة 5-10%، إلا أن لها طعماً مراً شبيهاً بعرق السوس، لذا لا يتم استخدامها بالقدر نفسه مثل باقي الأنواع.
- ريبوديوسيد أ: يتواجد بنسبة أقل في أوراق الستيفيا وتتراوح بين 2-4%، لكن محتواها المنخفض من الطعم المر يجعلها أكثر استخداماً كمحلٍ.
- ريبوديوسيد إم: الأكثر استخداماً على الرغم من نسبته الضئيلة في أوراق الستيفيا، لأنه لا يحتوي على أي طعم مر ولا يشبه عرق السوس، ويطابق بملفه التعريفي السكر تماماً.
حددت لجنة الخبراء المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية المعنية بالمضافات الغذائية مستوى المدخول اليومي المسموح به من ستيفيول جليكوسيدات عند 0-4 ملليغراماً لكل كيلوغرام من وزن الجسم.
اقرأ أيضاً: ما هي أضرار المحليات الصناعية؟
فوائد نبات الستيفيا
من الفوائد المحتملة لنبات الستيفيا:
القيمة الغذائية لنبات الستيفيا
حدد الباحثون من المركز القومي للبحوث في مصر، عصمت أبوعرب، وعزة أبوعرب، ومحمد فريال أبوسالم، القيمة الغذائية لنبات الستيفيا في دراسة لهم نُشرت في "المجلة الإفريقية لعلوم الغذاء" (African Journal of Food Science):
- الكربوهيدرات 61.93%.
- البروتين 11.41%.
- الألياف الخام 15.52%.
- المعادن:
- البوتاسيوم 21.15 ملليغرام لكل 100 غرام.
- الكالسيوم 17.7 ملليغرام لكل 100 غرام.
- الصوديوم 14.93 ملليغرام لكل 100 غرام.
- المغنيزيوم 3.26 ملليغرام لكل 100 غرام.
- تم العثور أيضاً على الأحماض الأمينية الأساسية بكميات أعلى مما أوصت به منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية للبالغين، وكذلك الأحماض الأمينية غير الأساسية.
إدارة مرض السكري
يُستخدم مستخلص أوراق الستيفيا كبديل للمحليات الصناعية لمرضى السكري لأنه أحلى من سكر المائدة (السكروز) بنحو 200 ضعف. من ناحية أخرى يخلو محلي الستيفيا من السعرات الحرارية، حيث أشارت دراسة منشورة في دورية "الشهية" (Appetite) إلى أنه وعلى عكس السكروز لا تستطيع أمعاء الجسم تكسير جليكوسيدات الستيفيا وهضمها إلى سكريات بسيطة، وبالتالي ليس لها تأثير على مستوى الغلوكوز والإنسولين في الدم، مهما كانت درجة حلاوة الوجبة، ما يتيح لمرضى السكري تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة والامتثال لخطة وجبات صحية.
اقرأ أيضاً: العلماء يرصدون وجود خلايا مسببة لمرض السكري في البنكرياس
تعزيز صحة القلب
تعمل السيفيا على ارتخاء الأوعية الدموية ومنع تضيقها عن طريق منع أيونات الكالسيوم من دخول الخلايا البطانية للأوعية الدموية، كما تحتوي الستيفيا على مكونات مدرة للبول ومحفزة لإفراز الصوديوم، وهذا ما ينتج عنه انخفاض الضغط على نظام القلب والأوعية الدموية، وبالتالي ضبط ضغط الدم وحماية القلب من خطر النوبات القلبية.
في عام 2003، أظهرت دراسة استمرت سنتين ونُشرت في دورية "المداواة السريرية" (Clinical Therapeutics)، أنه يمكن للستيفيا أن تساعد في خفض ضغط الدم وتنظيم ضربات القلب.
فقدان الوزن
يسهم تناول السكريات بالإصابة بالسمنة وتطور مرض السكري من النوع 2، لذا يمكن أن يساعد استبدال السكر بمحلي الستيفيا الخالي من السعرات الحرارية في إدارة الوزن وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة بتناول السكريات. علاوة على ذلك، تساعد الستيفيا في خفض الشهية لتناول السكر بإحدى الطريقتين:
- تراجع الشهية للسكر: حيث تنتج الرغبة الشديدة في تناول السكريات من فرط نمو خميرة الكانديدا في الأمعاء، وبالتالي يمكن أن يؤدي استبدال السكر العادي بمحلي الستيفيا إلى تجويع الخميرة حتى الموت وتتراجع معها الشهية لتناول السكر.
- تثبيط الشهية: كما بينت دراسة أجريت على الفئران ونُشرت في "دورية التغذية" (The Journal of Nutrition)، حيث تسبب التعرض للستيفيول جليكوسيد ريبوديوسيد أ في زيادة إفراز الهرمونات المثبطة للشهية.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر اضطراب فقدان الشهية العصبي على وظائف الدماغ؟
خفض مخاطر الإصابة بسرطان البنكرياس
يحتوي نبات الستيفيا على مركبات الستيرول، وبشكل خاص على مركب الكايمبفيرول. أظهرت دراسة نًشرت في دورية "بلوس ون" (PLoS One) أن الكايمبفيرول يقلل من خطر الإصابة بسرطان البنكرياس بنسبة 23%.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تشكك بفائدة تنظير القولون في تخفيض معدل الإصابة بسرطان القولون
مخاوف من تأثير الستيفيا على الخصوبة
أثير جدل حول نبات الستيفيا بسبب الاعتقاد بتسبب العشبة بالعقم للنساء، وأن بعض قبائل الباراغواي قد استخدمت منقوع الستيفيا كوسيلة لمنع الحمل. يستند مناصرو هذا الاعتقاد على دراستين سابقتين، وهما:
دراسة كروس
قام الباحث الفرنسي جوزيف كروس من جامعة بوردو الفرنسية عام 1968، بإجراء دراسة على الفئران للتأكد من دور العشبة كوسيلة لمنع الحمل. في الدراسة التي نُشرت في دورية "ساينس" (Science)، تم إطعام الفئران عشبة الستيفيا بكميات كبيرة وفقاً للمعايير البشرية، فنتج نسل أقل عدداً من المجموعة الضابطة.
نقد دراسة كروس
كان تقرير كروس محدوداً بسبب نقص في التفاصيل حول جوانب مهمة من الدراسة، على سبيل المثال:
- افتقرت الدراسة للمنهجية العلمية في البحث، حيث فشلت العديد من الدراسات التي حاولت تكرارها لاحقاً.
- تعرضت الفئران لجرعات زائدة من الستيفيا، تفوق ما يمكن للإنسان تناوله في نفس الفترة الزمنية.
- لا يوجد دليل يثبت أن الإنسان سيختبر نفس رد الفعل على الجرعات الزائدة من الستيفيا الذي عانت منه الفئران.
- لم يتم تقديم أي معلومات عن الحالة السريرية لحيوانات التجربة، بما في ذلك تناول العلف وتغيرات الوزن، فمن الممكن أن تؤدي السمية المعممة أو سوء تناول العلف إلى انخفاض شديد في الخصوبة.
دراسة ألفاريز
بعد 20 عاماً على دراسة كروس، كرر الباحث البرازيلي ماورو ألفاريز في جامعة مارينجا تجربة كروس عام 1988، وأكد في دراسته التي نُشرت في "دورية العلوم الصيدلانية البرازيلية" (Brazilian Journal of Pharmaceutical Sciences)، أن الفئران التي أعطيت ستيفيا تعرضت لتأثير مانع للحمل مشابه لتلك التي ذكرها كروس، حيث انخفض معدل الخصوبة فيها بنحو 50- 79% بعد 18 يوماً من الابتلاع.
نقد دراسة ألفاريز
تعرضت دراسة ألفاريز للنقد لافتقارها المعلومات والتحليل المطلوبة في الدراسات البحثية، فلم يتم تحديد بيانات الحالة السريرية لحيوانات التجربة، ولم يتم إثبات إمكانية الوصول إلى النتائج نفسها على البشر.
في النهاية قادت دراسة ألفاريز الأبحاث والدراسات اللاحقة التي لم تتمكن من ربط استهلاك الستيفيا بتراجع الخصوبة، إلى الاعتقاد بآمان استهلاك الستيفيا، حيث كتب بعد أن ربطت منظمة الغذاء والدواء مخاوفها من سلامة عشبة الستيفيا بدراسته قائلاً: "الطريقة الوحيدة الممكنة للإبلاغ عن أن النتائج أظهرت آثاراً ضارة هي إخراج المعلومات من سياقها. بصفتي عالماً لأكثر من 15 عاماً في البحث عن سلامة ستيفيا والعديد من النباتات الأخرى المستخدمة كغذاء أو مكونات غذائية، يمكنني أن أؤكد أن استنتاجاتنا في هذه الدراسات المختلفة تشير إلى أن ستيفيا آمنة للاستهلاك البشري كمُحلٍ".
اقرأ أيضاً: ما أسباب العقم عند الذكور والإناث؟
المزيد من الدراسات
نظراَ لافتقار الدراسات السابقة لمنهجية البحث، أجرى العديد من الباحثين دراسات لدحض الاعتقاد بتسبب الستيفيا بتراجع الخصوبة وتأثيرها كمانع للحمل، ومنها:
- كرر التجربة باحثون في مركز أبحاث الرئيسيات التابع لجامعة شولونكورن في تايلاند عام 1999، حيث قدموا جرعات يومية من الستيفيا لذكور وإناث الهامستر تبلغ نحو 2500 ملليغرام. في الدراسة التي نُشرت في دورية التكاثر البشري (Human Reproduction) لم يكن هناك دليل على انخفاض الخصوبة.
- أفاد باحثون في جامعة كيرالا الهندية في دراستهم التي نُشرت عام 2008 في دورية الغدد الصماء والتكاثر (Journal of Endocrinology and Reproduction) بأن عشبة ستيفيا ريبوديانا لم تحمل أي تأثير على إنجاب إناث فأر ألبينو السويسري.
- في دراسة حول تأثير الستيفيوسيد كمادة محلية، نُشرت في دورية كيمياء النبات (Phytochemistry)، تبيّن أن الستيفيا لم تزد من السمية في أجنة الفئران، ولم تؤثر على الخصوبة أو نتائج الحمل.
هل تسبب الستيفيا السرطان؟
أثارت دراسة أجراها علماء السموم في جامعة كاليفورنيا الأميركية، ونُشرت في دورية علم السموم الغذائية والكيميائية (Food and Chemical Toxicology)، بعض المخاوف أيضاً حول قدرة جليكوسيدات الستيفيا، وبشكل خاص الستيفيوسيد وليس الريبوديوسيد أ، على التسبب في كسر الحمض النووي وتلف الكروموسومات، وبالتالي إحداث الطفرات.
ومع ذلك، دحضت المراجعة النقدية للسمية الجينية لستيفيول وجليكوسيدات ستيفيول استنتاج الباحثين في جامعة كاليفورنيا، حيث وجدت الدراسة التي نُشرت في دورية علم السموم الغذائية والكيميائية (Food and Chemical Toxicology) نقصاً في الأدلة على السمية الجينية.
اقرأ أيضاً: دراسات استمرت لعقود تربط بين الأطعمة فائقة المعالجة والإصابة بالسرطان والموت المبكر
موافقات المنظمات العالمية
على الرغم من أن العديد من الدول وافقت على استخدام ستيفيا كمحليات بديلة للسكر في الغذاء، مثل اليابان والبرازيل وأستراليا ونيوزيلندا، فإن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لم توافق على استخدام العشبة كمادة مضافة، أي لم تسمح باستخدام ستيفيا الخام أو الأوراق الكاملة، في حين اعتبرت عام 2008 أن مستخلص الأوراق مادة آمنة للاستخدام كمادة مضافة للغذاء ضمن المنتجات الغذائية.
وفي عام 2011 أذنت المفوضة الأوروبية باستخدام مادة الجليكوسيدات الستيفيول عالية النقاء (95%) في الأطعمة والمشروبات في الاتحاد الأوروبي.
كما أعلنت هيئة سلامة الأغذية الأوروبية (EFSA) أن التحلية بالستيفيا آمنة في عام 2010، في إشارة إلى تقرير من منظمة الصحة العالمية (WHO) من عام 2008.
إذاً هل تسبب ستيفيا العقم؟
وفقاً للدراسات السابقة وغيرها، لا يوجد حتى الآن دليل علمي يثبت صحة الادعاءات بتأثير الستيفيا على خصوبة أي من الذكور أو الإناث، على الأقل لجرعة يومية ليست عالية جداً. وقد تكون الستيفيا عشبة مفيدة للنساء المصابات بمتلازمة تكيس المبايض، واللاتي يبحثن عن بديل للسكر في وجباتهن الغذائية.
ومن وجهة نظر أخرى، أثيرت التساؤلات حول السبب الذي منع شركات الأدوية من استخدام العشبة لتطوير وسيلة أكثر أماناً وفعالية لمنع الحمل.