لنتفق في البداية، وفقاً لما تعلمناه في الكيمياء، أن الكربوهيدرات بأنواعها من نشويات وسكريات، سيهضمها الجسم ويحللها إلى سكريات أحادية حتى يتمكن من امتصاصها واستخدامها. إذاً وبما أن السكر الأبيض، أو ما يُعرف بسكر المائدة أو السكروز، الذي يُستخرَج أساساً من قصب السكر أو الشمندر السكري، سيؤول مآل غيره من الكربوهيدرات داخل الجسم، فلماذا كل تلك التحذيرات المتعلقة بتناوله؟ لنتعمق قليلاً فيما يحدث في الجسم عند هضم الكربوهيدرات والسكريات، ولنرَ كيف ومتى يصبح السكر المكرر خطراً على الصحة.
اقرأ أيضاً: السكر يقتل: وجهُ السكر الأكثر مرارة!
بداية: ما هي الكربوهيدرات؟
هي واحدة من العناصر الغذائية الكبرى التي يحتاجها الجسم للحصول على الطاقة، وتُقسم إلى 3 فئات رئيسية، هي:
السكريات البسيطة
تشمل السكريات الأحادية والسكريات الثنائية. تتألف السكريات الأحادية من جزيء واحد من السكر، وأشهرها الغلوكوز؛ الذي يعد مصدر الطاقة الأساسي للجسم، والفركتوز الذي يوجد في الفواكه والعسل وبعض الخضروات، وهو ذو درجة حلاوة أعلى من الغلوكوز، بالإضافة إلى الغالاكتوز الذي يوجد عادة في منتجات الألبان.
أما السكريات الثنائية؛ فتتألف من ارتباط جزيئين من السكريات الأحادية، وأشهرها السكروز؛ الذي يتكون من ارتباط الغلوكوز والفركتوز. وثمة اللاكتوز؛ السكر الموجود في الحليب ومنتجات الألبان، ويتكون من جزيء غلوكوز وجزيء غالاكتوز، بالإضافة إلى المالتوز؛ المعروف بسكر الشعير، ويتكون من جزيئين من الغلوكوز.
النشويات
هي كربوهيدرات معقدة تتكون من سلاسل طويلة من جزيئات الغلوكوز، وتوجد في البطاطس والأرز والحبوب. ولأنها جزيئات أكبر، فإنها تستغرق وقتاً أطول لتتحلل في الجسم مقارنة بالسكريات البسيطة، فتزوّد الجسم بالطاقة تدريجياً.
الألياف
نوع آخر من الكربوهيدرات المعقدة، ولكن على عكس النشويات، لا يستطيع جسم الإنسان هضمها بالكامل. توجد الألياف في الخضروات والفاكهة والحبوب الكاملة والبقوليات. وثمة نوعان منها؛ ألياف قابلة للذوبان في الماء وألياف غير قابلة للذوبان. عموماً، الألياف مهمة لصحة الجهاز الهضمي وتساعد على تنظيم نسبة السكر في الدم وخفض نسبة الكوليسترول وتعزيز الشعور بالشبع لفترة أطول.
اقرأ أيضاً: العسل أو السكر البني أو السكر الأبيض: أي من هذه الخيارات الأفضل لصحتك؟
ما مصير الكربوهيدرات داخل الجسم؟
يتم امتصاص السكريات الأحادية في الأمعاء مباشرة دون هضم، في حين يتم تكسير السكريات الثنائية إلى سكريات أحادية بوساطة بعض الإنزيمات المعوية، أما الكربوهيدرات المعقدة (النشاء)، فيتم تحليلها بوساطة أنزيمات الأميليز اللعابية والبنكرياسية إلى سكريات أحادية. في الأحوال جميعها، خلاصة عملية هضم السكريات والكربوهيدرات داخل الجسم هي الغلوكوز والفركتوز والغالاكتوز.
يحدث الآن امتصاص هذه السكريات الثلاث بوساطة بطانة الأمعاء الدقيقة وطرحها في الدم، ثم وبمجرد وصول الغلوكوز إلى الدم، فإنه يتوزع على أعضاء الجسم المختلفة، بحيث يدخل إلى الخلايا بمساعدة الإنسولين، ثم يُستخدَم مصدراً للطاقة أو يتم تحويله إلى غليكوجين وتخزينه في العضلات والكبد، وذلك للاستخدام مستقبلاً عندما تنخفض مستويات السكر في الدم إلى حد كبير.
أما بالنسبة للفركتوز والغالاكتوز، فإن أنسجة الجسم لا تستخدمها مباشرة، وإنما ينتقلان إلى الكبد ليجري استقلابهما، بحيث يتحول الغالاكتوز إلى غلوكوز أو يُخزّن على هيئة غليكوجين، أما الفركتوز، فيُحوَّل إلى غلوكوز وغليكوجين ولاكتات، كما قد تجري أكسدته وتحويله (خاصة في حالة استهلاك الفركتوز بكميات كبيرة) إلى أحماض دهنية وحمض اليوريك.
أين إذاً مكمن الخطر في تناول السكر الأبيض؟
على الرغم من أن جميع السكريات الطبيعية والمعالجة تتحلل في النهاية إلى غلوكوز، فإن السكريات المكررة ضارة، خصوصاً عند الإفراط في تناولها، لعدة أسباب هي:
نقص العناصر الغذائية ورفع نسبة السكر في الدم بسرعة
صحيح أن كلاً من جزيئات الغلوكوز والفركتوز والسكروز تمنح عدد السعرات الحرارية نفسها، لكن السكريات الطبيعية، مثل الموجودة في الفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة، تكون مترافقة مع فيتامينات ومعادن ومضادات أكسدة مهمة جداً للصحة، بالإضافة طبعاً إلى الألياف (والبروتين حسب نوع الطعام) التي تعمل على إبطاء كلٍّ من عملية الهضم وامتصاص الغلوكوز، وتساعد على تنظيم مستوياته في الدم.
في المقابل، لا تحتوي الأطعمة عالية المحتوى بالسكر المكرر على عناصر غذائية مفيدة مثل الألياف، لذا فإنها تهضم بسرعة، مسببة ارتفاعاً سريعاً في نسبة الغلوكوز في الدم، ما يزيد، مع مرور الوقت، مقاومة الإنسولين ويفاقم خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة. لذلك، كثيراً ما يقال إن السكر الأبيض يحتوي على سعرات حرارية فارغة؛ أي أنه يمنح الطاقة؛ لكنه لا يحتوي على أي قيمة غذائية.
وبالطبع، غالباً ما يتم استهلاك كميات كبيرة من السكريات المكررة مقارنة بما يحصل عليه الجسم من السكريات الطبيعية؛ إذ يكون من الصعب استهلاك كميات زائدة من الفركتوز عن طريق تناول الفاكهة الكاملة، مقارنة بما يحصل عليه الجسم من الأطعمة المصنعة والحلويات والمشروبات الغازية. على سبيل المثال، يجب تناول 6 برتقالات كاملة للحصول على كمية السكر نفسها الموجودة في كأس عصير برتقال جاهز.
إجهاد الكبد
يُعد تناول كمية زائدة من الفركتوز، الموجود في بعض السكريات المكررة، على وجه الخصوص أمراً إشكالياً؛ لأن الكبد يستقلبه ويحوِّل الكمية الزائدة منه إلى دهون. وعلى الرغم من أن الفركتوز لا يرفع نسبة السكر في الدم بصورة مباشرة، فإن له آثاراً سلبية أكثر على المدى الطويل، لأن تناول كميات كبيرة منه في نظام غذائي عالي السعرات الحرارية يرفع مستويات الدهون الثلاثية في الدم، كما يفاقم خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي ومرض الكبد الدهني غير الكحولي.
وتتفاقم المشكلة عند وجود الغلوكوز والفركتوز معاً (كما هو الحال عند تناول السكر الأبيض أو شراب الذرة عالي الفركتوز)؛ لأن الغلوكوز يزيد كمية الفركتوز التي تمتصها الأمعاء وتطرحها في مجرى الدم ويحفز إفراز الإنسولين، ما يزيد في المحصلة مخازن الدهون في الكبد.
بكلمات أخرى، تناول الفركتوز والغلوكوز معاً قد يضر بالصحة أكثر من تناولهما منفصلين. علاوة على ذلك، يزيد الفركتوز الموجود في السكريات المكررة إفراز هرمون الغريلين الذي يزيد الشعور بالجوع والرغبة الشديدة في تناول الطعام.
تحفيز المسارات الالتهابية
يؤدي تناول كميات زائدة من السكر المكرر إلى تحفيز العمليات الالتهابية، ما يفاقم خطر الإصابة بداء السكري والسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية. فكيف يحدث ذلك؟ في الواقع، قد يؤدي ارتفاع مستويات الغلوكوز في الدم إلى قمع الاستجابة المناعية التكيفية، عن طريق إضعاف وظيفة الخلايا البلعمية (نوع من خلايا الدم البيضاء) والخلايا التائية، اللتان تؤديان دوراً رئيسياً في مكافحة العدوى وإدارة الالتهابات.
علاوة على ذلك، قد يسهم الفركتوز في تنشيط المسارات الالتهابية عبر تحفيز إفراز بعض العوامل الالتهابية التي تسهم في حدوث الالتهاب الجهازي. لكن وفي حين أن نطاقاً واسعاً من النباتات يحتوي على مركبات طبيعية تعمل على تثبيط الالتهاب الجهازي الناجم عن الإفراط في تناول السكريات الغذائية، عن طريق التدخل في المسارات الالتهابية وتثبيط إطلاق عوامل الالتهاب مثل البروتين التفاعلي سي وعامل نخر الورم ألفا وغيرهما، فإن السكريات المكررة تخلو من هذه المركبات.
اقرأ أيضاً: ما هي الأغذية التي تساعد في علاج انخفاض سكر الدم؟
هل الإفراط في تناول الفاكهة يعني الإفراط في تناول السكر؟
يكاد يكون من الصعب أن يتناول الإنسان من الفاكهة ما يكفي لإحداث ضرر كبير ناتج عن كمية الفركتوز الموجودة فيها، حيث تحتوي الفاكهة الكاملة على عناصر غذائية أساسية، مثل الفيتامينات ومضادات الأكسدة والألياف التي تمنح الشعور بالشبع وتساعد على إبطاء إطلاق السكر في الدم وتنظيم مستوياته.
يوصى عموماً بالاعتدال وتناول حصتين إلى 5 حصص من الفاكهة يومياً، حيث تعادل الحصة الواحدة 80 غراماً أو حجم كرة التنس أو كوباً واحداً (ولا ضرر إن تناولت أكثر من ذلك في بعض الأحيان أيضاً). يُشار أيضاً إلى أهمية التنويع؛ حيث يضمن تناول مجموعة متنوعة من الفاكهة الحصول على عناصر غذائية مختلفة. ومن الضروري أيضاً الموازنة بين تناول الفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة والبقوليات والدهون الصحية للحصول على التغذية المثالية.
كما ينبغي إعطاء الأولوية لتناول الفاكهة الكاملة على الفاكهة المجففة (ذات محتوى عالٍ من السكر)، أو عصائرها، حتى لو كانت عصائر طبيعية تماماً، ما يضمن الحصول على الألياف التي تساعد على الهضم وتمنع ارتفاع نسبة السكر في الدم بسرعة.
توصي جمعية القلب الأميركية بألا يتناول الرجال أكثر من 9 ملاعق صغيرة من السكر المضاف يومياً، وألا تتناول النساء أكثر من 6 ملاعق صغيرة يومياً. ولا يُقصد بالسكر المضاف السكر الأبيض العادي فقط؛ إذ ينبغي أيضاً تجنُّب شراب القيقب وشراب الذرة عالي الفركتوز والدبس والسكر الخام والدكستروز وغيرها من السكريات المضافة التي غالباً ما تسميها شركات تصنيع الأغذية أسماء مختلفة بخلاف "سكر".