كيف تُستخدم الأقمار الاصطناعية لكشف النفايات على الشواطئ؟

4 دقيقة
كيف تُستخدم الأقمار الاصطناعية لكشف النفايات على الشواطئ؟
توصّل علماء الجغرافيا المكانية إلى طريقة للكشف عن النفايات البلاستيكية في الشواطئ النائية، ما يقرّب العلماء من تطوير طرق للمراقبة العالمية لهذه النفايات.

إذا مشيت على أي شاطئ كبير، سترى على الأرجح قطع النفايات؛ إذ إن قوارير المياه المستخدمة وأكياس القمامة وأعواد المص والعديد من أنواع النفايات البلاستيكية الأخرى متناثرة على شواطئ العالم، وهي تصل في النهاية إلى المحيط حيث تتحلل على مدار عقود أو حتى قرون. تشير تقديرات منظمة تنظيف السواحل الدولية وحماية المحيطات إلى أن المتطوعين من 97 دولة رصدوا نحو 4 آلاف طن من القمامة المنتشرة في الشواطئ حول العالم وأزالوها في عام 2021. لا يزال رصد هذه القمامة يتطلب في الغالب رؤيتها بالعين المجردة والمشي مسافات طويلة، ولكن قد يتغيّر ذلك يوماً ما يفضل تقنية تعتمد على التصوير بالأقمار الصناعية طوّرها الباحثون من المعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن في أستراليا.

السمات الطيفية الفريدة للمواد البلاستيكية

طور الفريق أداة جديدة تميز السمات الطيفية الفريدة للمواد البلاستيكية. تمكّن الباحثون بفضل تمييز هذه السمات من التعرف إلى المواد البلاستيكية في الشواطئ وتمييزها عن الرمل والماء والنباتات. يأمل الباحثون، الذي سينشرون نتائجهم في العدد القادم من مجلة نشرة التلوث البحري (Marine Pollution Bulletin)، أن تتمكن مؤسسات تنظيف السواحل من استخدام الأداة الجديدة لتسريع عملية إزالة البلاستيك من الشواطئ، ما قد يساعد على خفض كمية المواد البلاستيكية الضارة التي تصل إلى المحيطات.

قالت المؤلفة المشاركة للدراسة، مارييلا سوتو-بيريلوف، في بيان صحفي: "هذه الطريقة الجديدة مثيرة جداً للحماس؛ إذ إن العلماء لم يطوروا حتى الآن أداة للكشف عن البلاستيك في البيئات الساحلية من الفضاء".

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف عن وجود البلاستيك الدقيق في عينات السائل المنوي للإنسان

مشكلة النفايات البلاستيكية لا تقتصر على المحيط

استخدم العلماء التصوير بالأقمار الصناعية منذ سنوات لكشف المواد البلاستيكية التي تطفو في المحيط وفي رقع النفايات العملاقة مثل رقعة نفايات المحيط الهادئ الضخمة. هذه الطريقة فعالة نسبياً في كشف القطع الكبيرة من البلاستيك في الماء، لكن فعاليتها أخفض بكثير في كشف المواد البلاستيكية في الشواطئ. يندمج البلاستيك في السواحل عادة مع الرمل أو يكون مطموراً جزئياً تحته، ما يجعل كشفه أصعب بكثير. على الرغم من أن مشكلة النفايات البلاستيكية المتناثرة في المحيط تحظى بالقدر الأكبر من الاهتمام عادة، فإن مشكلة نفايات السواحل لها آثار سلبية محتملة في الأحياء البرية المحلية.

قالت المؤلفة الرئيسية للدراسة، جينا غافوغ، في بيان صحفي: "يمكن أن تخلط الحيوانات بين البلاستيك والطعام، وتعلق المواد البلاستيكية بالحيوانات الأكبر حجماً، بينما تنحبس الحيوانات الأصغر حجماً، مثل السرطان الناسك، داخل هذه المواد مثل الحاويات البلاستيكية".

لا تقتصر هذه الآثار السلبية على الأحياء التي تعيش في الشواطئ، وفي حال عدم إزالة المواد البلاستيكية، فإنها قد تصل إلى المحيط حيث تتحلل ببطء مشكّلة المواد البلاستيكية الدقيقة أو النانوية. تستهلك الأسماك هذه المواد البلاستيكية البالغة الصغر، ما يؤدي إلى انتقالها إلى أعلى السلسلة الغذائية. يعتقد بعض الباحثين أن هذه الدورة قد تسهم في ازدياد عدد الحالات المكتشفة من البلاستيك الدقيق في البشر، والتي يخشى الباحثون أنها قد تؤدي إلى خلل في الغدد الصماء وتدهور الصحة الإنجابية. لا يعرف العلماء بعد مدى تأثير البلاستيك الدقيق في صحة البشر.

العثور على البلاستيك في الجيوب الرملية

هنا يدخل المعادلة نظام الكشف عن البلاستيك الجديد. طور فريق المعهد الملكي للتكنولوجيا "مؤشراً طيفياً" جديداً يكشف الأنماط في الضوء المنعكس عن المواد البلاستيكية. تتميّز المواد البلاستيكية بسمات طيفية تقع ضمن مجال الأشعة تحت الحمراء القصيرة الموجات من الطيف الكهرطيسي، وهي أنماط لا توجد في الرمل أو البقايا العضوية الأخرى. يعمل المؤشر الجديد، الذي أطلق عليه الباحثون اسم "مؤشر حطام الشواطئ البلاستيكي"، مثل مرشّح يمكن تطبيقه على صور الشواطئ التي تلتقطها الأقمار الصناعية. في هذه الحالة، التقط القمر الصناعي وورلد فيو 3 (WorldView 3) الصور، وهو يدور حول الأرض على ارتفاع 617 كيلومتراً.

يشير المستطيل الأحمر إلى موقع حقل المدخل الضحل في القسم بي، ويظهر الموقع نفسه في القسم أيه، كما تبين الصورة البنكروماتية في النموذج اللوني "أحمر، أخضر، أزرق" التي التقطها القمر الصناعي وورلد فيو 3 بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2022. تظهر الأهداف 1 و 6 و7 التي التقطتها كاميرا كانون إي أو إس 760 دي في الأقسام سي ودي وإي. تُظهر صورة التقطتها كاميرا دي جيه آي فانتوم برو الأهداف البلاستيكية بتفصيل أكبر في القسم إف. المصدر: المعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن

اختبر الباحثون الأداة الجديدة من خلال جمع أنواع مختلفة من القمامة البلاستيكية التي قد توجد في الشواطئ من منشأة لإعادة التدوير. كان العديد من قطع القمامة عبارة عن أجزاء من قطع أكبر، كما كانت ألوان بعض القطع باهتة بسبب التعرض للأشعة فوق البنفسجية، وهو أمر من المرجح أن يحدث للقمامة في الشواطئ. اختار الباحثون في النهاية 14 هدفاً بلاستيكياً بمساحة مترين مربعين تقريباً، ثم وضعوا الأهداف على بعد 3.7 أمتار عن بعضها في شاطئ بولاية فيكتوريا الأسترالية.

اقرأ أيضاً: كيف يصل البلاستيك إلى غذاء الأجنة البشرية؟ دراسة حديثة تجيب

بمجرد وضع القطع البلاستيكية، مر القمر الصناعي فوقها والتقط سلسلة من الصور. طبّق الباحثون المؤشر الجديد على الصور وقارنوها بثلاثة مؤشرات مطورة مسبقاً يستخدمها العلماء للكشف عن المواد البلاستيكية، مؤشران منها مخصصان لكشف المواد البلاستيكية على البر ومؤشر مخصص للكشف عن الأجسام التي تطفو على سطح المحيط. كان أداء المؤشر الجديد أفضل بكثير من أداء المؤشرات الأخرى من حيث الدقة؛ إذ لم تستطع هذه الأخيرة كشف البلاستيك بدقة عموماً، إضافة إلى أنها أشارت إلى الظلال على أنها قمامة في بعض الحالات. مع ذلك، لم يكن أداء المؤشر الجديد خالياً من العيوب؛ إذ أشارت الدراسة إلى أنه لم يكشف البوليمرات نصف الشفافة بدقة، مثل قوارير المياه والأكياس.

يريد الباحثون في المستقبل اختبار الأداة في العالم الحقيقي خارج أوساط الاختبارات المحدودة، ما قد يتطلب العمل مع مؤسسات أخرى متخصصة في إزالة بلاستيك الشواطئ لتطبيق تقنية التصوير بالأقمار الصناعية التي طوروها. الوقت عامل حاسم في هذا المجال؛ إذ بيّنت الدراسات الحديثة أن كمية المواد البلاستيكية التي تدخل المحيطات تزداد بمعدلات قد تصل إلى 4% سنوياً.

قالت سوتو-بيريلوف: "نتطلع إلى التعاون مع المؤسسات المتخصصة في المرحلة القادمة من هذا البحث، وهذه فرصة للإسهام في حماية الشواطئ الحساسة من أضرار النفايات البلاستيكية".

المحتوى محمي