التحكم بالطقس على طريقة أفلام الخيال العلمي: باحثون يستكشفون سيناريوهات مستقبلية

4 دقيقة
التحكم بالطقس على طريقة أفلام الخيال العلمي: باحثون يستكشفون سيناريوهات مستقبلية
أنشأ أحد الفنانين صورة توضح النتائج والتأثيرات المستقبلية المحتملة الناجمة عن التعديلات البشرية على الدورة المائية في الغلاف الجوي على المستويين السياسي والبحثي. باتريك كيز وفابيو كومين

تخيّل هذا الاحتمال. في المستقبل القريب نسبياً، سيكون البشر قد أحرزوا تقدماً في تطوير أدوات تعديل الطقس، مثل تقنية تلقيح السُّحُب، بحيث يصبح من الممكن توقع أحوال الطقس والتحكم بها أيضاً. في هذه السيناريوهات، تسعى الشركات إلى زيادة سيطرتها على البيئة في ظل ضعف الرقابة الحكومية؛ ما يؤدي إلى تحويل الطقس نفسه إلى سلعة فاخرة. تستخدم منتجعات التزلج الجذابة والبارزة هذه القدرة على التحكم بالطقس لضمان توفر الثلوج على مدار العام؛ ما يسمح للعملاء بقضاء إجازات مميزة. أما هطول الأمطار، فلم يعد محكوماً بقوى الطبيعة؛ إذ أصبح من الممكن شراء الأمطار عند الحاجة!

سيناريوهات خيال علمي مستندة إلى البيانات

هذه مجرد أمثلة قليلة من سيناريوهات الخيال العلمي المستندة إلى البيانات التي صاغها الخبراء ضمن ورقة بحثية حديثة نُشرت في مجلة غلوبال ساستينابيليتي (Global Sustainability). طلبت هذه الورقة البحثية، التي قادها الأستاذ المساعد في جامعة ولاية كولورادو (Colorado State University)، باتريك كيز (Patrick Keys)، من خبراء دوليين في مجال المياه العالمية تحليل الأبحاث التي جمعها كيز وفريقه حول كيفية تأثير البشر على الدورات المائية في الغلاف الجوي في الوقت الحالي، ثم تجسيد تلك الأبحاث في شكل روايات ومقالات من الخيال العلمي. يعتقد الباحثون أن الأساليب الوصفية والسردية تسهم في تقديم صورة أوضح للموضوعات التي يطغى عليها غالباً الكم الهائل من البيانات والأبحاث والتحليلات الكمية.

اقرأ أيضاً: كيف أثّر تلوث الهواء في تواتر أحداث هطل الأمطار الغزيرة جداً؟

ابتكر الخبراء 10 سيناريوهات مختلفة بأسماء عناوين جذابة مثل "السيطرة البشرية اللامتناهية" و"أمطار غزيرة في الجنة". في المثال الأول، ركّز المؤلفون على خطاب ألقاه عالم مستقبلي يتناول المخاطر المحتملة للتعديل المناخي. يروي سيناريو آخر قصة عالَم يحاول فيه أحد السياسيين الحفاظ على تفوقه خلال موسم الانتخابات، وذلك من خلال استخدام القدرة على التحكم بالطقس لكسب تأييد الناخبين. ترسم سيناريوهات أخرى صورة لمستقبل تحدث فيه خصخصة للطقس نفسه؛ إذ يُمكن بيع الأمطار لمن يدفع أعلى سعر.

في مثال خصخصة الأمطار، أرسلت شركة أني ويذر (AnyWeather)، وهي شركة خيالية تقدم خدمات مرتبطة بالطقس، إشعاراً إلى أحد العملاء تبلغه فيه رفض طلبه للحصول على "خدمة أمطار الربيع" (Spring Rains Service) بسبب تعارضه مع طلب عميل آخر يُفترض أنه يتمتع بموارد مالية أعلى ويحظى بالأولوية. يركّز سيناريو آخر على بودكاست تاريخي خيالي يصف ظهور ضباب غريب ومزعج في سماء مدينة لاغوس بنيجيريا. وفقاً لهذا البودكاست؛ كان الضباب ناتجاً من تطبيق نهج هندسة مناخية يُسمى "نوى تكثيف السُّحُب" (cloud condensation nuclei).

يقول كيز في بيان صحفي: "توجد القصص في كل مكان وهي جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، فهي تخبرنا معلومات مختلفة عمّا تقدمه الرسوم البيانية الموجودة في الأوراق البحثية وتسمح لنا باستكشاف ردود فعل الناس المحتملة ومشاعرهم تجاه هذه الأنواع من التغييرات".

استخدم الباحثون أسلوب السرد لإضفاء الحيوية على البيانات

يؤثر البشر بالفعل على أنماط الطقس بطرق قد يكون من الصعب تصوّرها. يشير الباحثون إلى تأثير استخدام الأراضي والتلوث وتغير المناخ على أماكن تشكّل السُّحُب ومعدل هطول الأمطار. استعان كيز وزملاؤه الباحثون بالبيانات المستمدة من مجلات علمية حقيقية إلى جانب الفضول الاستكشافي للخيال العلمي لتوليد مجموعة متنوعة من السيناريوهات التي يدرس فيها صناع القرار الخياليّون صورة العالم المحتملة بعد سنوات من الجهود البشرية لتعديل الغلاف الجوي.

اقرأ أيضاً: أفكار يورغ ديترمان مؤلف كتاب «الخيال العلمي والحياة خارج كوكب الأرض في الإسلام»

بدأ الباحثون بجمع نصوص ملخصات المقالات الصحفية التي تناقش تأثير البشر على الدورات المائية، ثم قسّموا الأفكار المستخلصة من تلك الملخصات إلى موضوعات تستند إلى مبادئ اقتصادية مشتركة. بعد ذلك، عُرضت هذه الموضوعات على خبراء في مجال المياه العالمية وطُلب منهم ابتكار سيناريوهات افتراضية. اختلفت الروايات من حيث الشكل؛ إذ حافظ بعضها على صيغة قصص الخيال العلمي التقليدية، فيما اتخذت أخرى شكل مجلات وخطابات خيالية.

أنشأ أحد الفنانين صورة توضح النتائج والتأثيرات المستقبلية المحتملة الناجمة عن التعديلات البشرية على الدورة المائية في الغلاف الجوي على المستويين السياسي والبحثي.
أنشأ أحد الفنانين صورة توضح النتائج والتأثيرات المستقبلية المحتملة الناجمة عن التعديلات البشرية على الدورة المائية في الغلاف الجوي على المستويين السياسي والبحثي. باتريك كيز وفابيو كومين

بعد ذلك، تواصل كيز مع فنان يُدعى فابيو كومي (Fabio Comi) لإنشاء رسوم توضيحية مصاحبة للقصص. في إحدى الصور، يظهر موظف في شركة لتلقيح السُّحُب بالقرب من منتجع تزلج يعمل على أخذ القياسات وجمع البيانات. تُظهر صورة أخرى روبوتاً بحجم ناطحات السحاب ويمتلك 4 أرجل يسير عبر حقل ويطلق صواريخ لتلقيح السُّحُب في السماء وتحوم مجموعة من الطائرات من دون طيار أصغر حجماً بينما يراقب العلماء المشهد عن بُعد. على الرغم من أن القصص والصور جذابة ومعبّرة، فإن هدفها لا يقتصر فقط على إثارة فضول القرّاء. يعتقد كيز أن القوة الوصفية التي تتمتع بها القصص والصور يمكن أن تسهم في إثراء نقاشات السياسات العامة.

قصص قد تؤثر في السياسات المناخية العامة

يقول: "يمكن أن تطرح هذه السيناريوهات أسئلة مثيرة للاهتمام حول السياسة والتنظيم والتنفيذ وتسهم في تصوّر شكل هذه المسائل في المستقبل، يمكن أن يساعدنا هذا النهج أيضاً على إدراك بعض الجوانب التي قد نغفل عنها أو لا نوليها اهتماماً، وبالتالي يساعدنا على فهم كل شيء على نحو أفضل".

تُستخدم تقنيات تلقيح السُّحُب وغيرها من أساليب تعديل المناخ بالفعل لتعزيز هطول الأمطار ومكافحة الضباب الدخاني في بعض الحالات. تدرس نحو 8 ولايات أميركية على الأقل استخدام تقنية تلقيح السُّحُب على وجه الخصوص بوصفها أداة محتملة لمواجهة حالات الجفاف الشديد التي تستمر مدة سنوات. على الرغم من ذلك، لا تزال هذه الجهود في مراحلها الأولى. تقدّم السيناريوهات الخيالية المستندة إلى البيانات، التي تضمنتها الورقة البحثية التي نُشرت في مجلة غلوبال ساستينابيليتي (Global Sustainability)، لمحة عن المسارات المختلفة التي يمكن أن تسلكها الحكومات والقطاع الخاص عند استخدام هذه الأدوات. يتأثر كل من هذه السيناريوهات جزئياً بالقرارات السياسية والأطر الاقتصادية التي وُضعت قبل سنوات عديدة من تنفيذ صناع القرار المتأثرين بالخيال العلمي لهذه السيناريوهات.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر ظاهرة النينيا في ظروف الجفاف؟

في الوقت الحالي، يرى النقاد أن الاعتماد فقط على تقنيات الهندسة المناخية لمواجهة التغيرات التي تطرأ على أنظمة الطقس يظل أقرب إلى الخيال منه إلى العلم. تحقق تقنية تلقيح السُّحُب حالياً نتائج متواضعة فقط؛ إذ لا يمكن تطبيقها إلا في ظل ظروف بيئية محددة وضيقة، وقد يؤدي استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض الناجم عن تغير المناخ إلى تقليل احتمالية توافر هذه الظروف مستقبلاً. في سياق مماثل، ينتقد بعض العلماء جهوداً أخرى مثل تبييض السُحب البحرية، مستشهدين بضعف الأبحاث حول التأثيرات المحدودة لهذه التقنية على المدى الطويل. حتى لو أثبتت هذه الإجراءات فعاليتها، يحذّر البعض من أنها لن تكون حلاً سريعاً وبديلاً لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة جذرياً وتقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري.