كيف يؤثّر التغيّر المناخي في الحمل والأجنة؟

5 دقيقة
كيف يؤثّر التغيّر المناخي في الحمل والأجنة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Lena Ivanova

نعلم جميعاً أن إنجاب الأطفال مكلف، ولكن هذه الحقيقة تنطبق على عدد أكبر من الكائنات الحية مما قد تعتقد. وفقاً لدراسة جديدة نُشرت بتاريخ 16 مايو/أيار 2024 في مجلة ساينس (Science)، قد تبلغ التكلفة الطاقية لإنجاب النسل عبر الأنواع الحيوانية 10 أضعاف من القيمة التي افترضها العلماء من قبل. على وجه التحديد، يقول المؤلفون إن التقدير الذي توصل له العلماء في نظريات علم الأحياء السابقة للتكاليف الاستقلابية غير المباشرة بالنسبة للأمهات اللاتي يحملن الصغار أقل مما هو في الواقع.

يستثني التحليل الجديد الأول من نوعه تكاليف الرعاية الطاقية التي يتكبدها الوالدان بعد وضع البيوض أو ولادة النسل (مثل تكاليف إفراز حليب الرضاعة أو توفير الطعام)، ويركز فقط على مدخلات الطاقة اللازمة لتشكيل البيوض أو النسل. مع ذلك، بيّن التحليل أن التكلفة الحيوية لتشكيل كائن حي باهظة للغاية.

اقرأ أيضاً: أدوية تنظيم النسل للرجال؟ التجارب السريرية قد تبدأ هذا العام فعلاً

التكلفة الحيوية لتشكيل كائن حي باهظة للغاية

للنتائج الجديدة تبعات على فهم العلماء الأساسي لعلم الأحياء وعلم البيئة، وكذلك على جهود الحفاظ على الحياة البرية والتنبؤ بمستقبل التنوع البيولوجي في ظل التغير المناخي. يقول الأستاذ المساعد لعلم الأحياء في جامعة كنتاكي الذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، روبي برغر، لبوبساي: "قد تُحدث هذه النتائج تغييراً جذرياً في فهمنا للكائنات الحية. أهمل العلماء غالباً تكلفة عملية التكوين الحيوي وافترضوا أنها ضئيلة للغاية. لكن النتائج الجديدة تبين أن هناك تكلفة طاقية هائلة لإنماء الذرية من مرحلة الإخصاب حتى الولادة لا تدخل في الكتلة الحيوية، بل تُستهلك بالكامل.

تقول عالمة البيئة التطورية في جامعة واشنطن التي لم تشارك في الدراسة الجديدة، لورِن بكلي: "حاول الكثير من العلماء تحديد التكاليف الطاقية المباشرة للتكاثر، وافترضوا نوعاً ما أنهم يستطيعون تجاهل التكاليف غير المباشرة. يقول مؤلفو الدراسة الجديدة إن التكاليف غير المباشرة أكبر من التكاليف المباشرة. وهذه النتيجة لها تداعيات كبيرة على فهمنا لعلم طاقة الكائنات الحية في بيئتها".

أشكال الطاقة في عملية التكاثر

تأخذ الطاقة في عملية التكاثر شكلين، الأول هو الطاقة التي تُخزن في النسل؛ أي الصغار الذين يخرجون من البيوض أو الحديثي الولادة الذين ولدوا في عملية الولادة الحية. تأتي هذه الطاقة المباشرة من الأم وتُخزّن في النُسُج الحيوية في الفرد الجديد، ويقيسها العلماء من خلال تحديد تركيب النسل وتقدير كمية الطاقة داخله. الشكل الثاني من الطاقة في عملية التكاثر هو الطاقة غير المباشرة؛ أي تلك التي تُستهلك في تكوين النسل وعملية الحمل، وهو شكل لم يقسه العلماء من قبل غالباً. وفقاً للدراسة الجديدة، تفوق الطاقة غير المباشرة الطاقة المباشرة إلى حد كبير في العديد من الأنواع، ولا سيما الثدييات.

يقول عالم البيئة والأحياء في جامعة ميلبورن الذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، مايكل كيرني، إن نتائج هذه الدراسة تبيّن أن تكوين الحيوانات عملية غير فعالة، تشبه تشغيل محركات السيارات. يُهدر الجزء الأكبر من الطاقة المستهلكة في التكاثر من خلال حرارة ونواتج استقلابية أخرى ناجمة عن التفاعلات الكيميائية والحيوية التي تجعل تكوين كائن حي جديد ممكناً. يتطلب تشكيل النسيج كمية أكبر من الطاقة من تلك التي يحتوي عليها النسيج الناتج نفسه.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: المرجان يتكاثر نهاراً خلافاً للتوقعات

قيّم مؤلفو الدراسة الحيوانات من مختلف التصنيفات وقسّموها إلى 3 مجموعات، الحيوانات الخارجية الحرارة التي تضع البيوض (المعروفة باسم "ذوات الدم البارد") والحيوانات الخارجية الحرارة الولودة (مثل العديد من الزواحف والمفصليات) والثدييات، التي تحمل إناثها الصغار الأحياء وتتمتع بقدرة على تنظيم درجة الحرارة داخلياً (أي "ذوات الدم الحار"). تتفاوت التكاليف الطاقية بقدر كبير باختلاف النوع، لكن لاحظ الباحثون أن نسبة الطاقة غير المباشرة من إجمالي التكلفة الطاقية لعملية التكاثر لدى الكائنات الخارجية الحرارة التي تضع البيوض تبلغ ما متوسطه نحو 40%. ترتفع هذه النسبة إلى نحو 50% لدى الكائنات الخارجية الحرارة الولودة. أما بالنسبة للثدييات، فتبلغ نسبة الطاقة الاستقلابية غير المباشرة التي تُستهلك في أثناء التكاثر نحو 90% من إجمالي الطاقة المستهلكة في العملية التي تمتد من مرحلة الإخصاب إلى مرحلة الولادة.

تمكّن العلماء من التوصل إلى هذه النسب من خلال مراجعة آلاف الأوراق البحثية وتقييم 171 ورقة بحثية منشورة سابقاً ذات صلة بعمليتي الاستقلاب والتكاثر لدى الحيوانات رسمياً، التي تشمل بيانات عن 81 نوعاً. (استثنى الباحثون الطيور من التحليل الكمي بسبب غياب ما يكفي من الأبحاث حولها). شمل التحليل التجميعي الدراسات التي أوردت بيانات حول مقدار الطاقة التي تستهلكها الحيوانات الفردية عند نقطة البداية والطاقة المستهلكة في فترة حمل البيوض أو الصغار و(أو) كمية الطاقة في النسل. جمع المؤلفون البيانات من هذه الأبحاث السابقة وصمموا نموذجاً رياضياً بسيطاً لحساب التكاليف المباشرة وغير المباشرة للتكاثر.

يقدّر المؤلفون أن التكاليف الطاقية غير المباشرة للتكاثر توصف بدالة خطيّة تتبع للزمن المستهلك في حمل الصغار أو البيوض والازدياد في معدل الاستقلاب المرتبط بهذه المرحلة من الحياة. صمم الباحثون أيضاً نموذجاً للتكاليف الطاقية غير المباشرة للتكاثر لدى العديد من الأنواع التي خضعت للتحليل ضمن المجموعات الثلاث التي حللوها. لاحظ هؤلاء أن عملية التكاثر لدى الخفافيش البنيّة تمتعت بالتكاليف الطاقية غير المباشرة الأقل بين الثدييات؛ إذ بلغت نسبتها نحو 75% من إجمالي الطاقة التناسلية، في حين أنهم لاحظوا أن عملية التكاثر لدى البشر تتمتع بواحدة من أعلى التكاليف الطاقية. تستهلك عملية الحمل لدى البشر طاقة استقلابية تبلغ 24 ضعفاً من كمية الطاقة المباشرة المخزنة في المولود الجديد، وذلك منذ الإخصاب وحتى الولادة. بتعبير آخر، تمثّل التكاليف الطاقية غير المباشرة لإنجاب طفل نسبة 96% من إجمالي الطاقة المستهلكة في التكاثر.

طاقة زائدة

لا يعلم العلماء تماماً ما مصير هذه الطاقة الزائدة، لكن مؤلفي الدراسة يفترضون أن عملية تكوين المشيمة أو عملية الاستقلاب لدى النسل نفسه تستهلك السعرات الحرارية للأم. هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث للإجابة عن هذا السؤال بدقة. ما يعلمه الباحثون هو أنه إذا كانت نتائج الدراسة الجديدة صحيحة، فستجب إعادة النظر في الكثير من الأفكار في علم الأحياء الحيواني. يقول طالب الدكتوراة في جامعة موناش في أستراليا والمؤلف الرئيسي للدراسة، سامويل غينثر، لبوبساي: "يتعارض بحثنا مباشرة مع أغلبية النماذج الحيوية لنمو الحيوانات وتاريخ حياتها". تقول عالمة الأحياء التكاملية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي التي لم تشارك في الدراسة الجديدة، كارولين ويليامز، إن النموذج الجديد لعملية التكاثر يمكن أن يغيّر تقديرات القدرة الاستيعابية للنظام البيئي وفهمنا للموارد اللازمة لدعم بقاء الأنواع بقدر كبير.

تشير ويليامز إلى أن هذا النموذج قد يغير أيضاً فهم العلماء للمقايضات التي تخضع لها الكائنات الحية في عملية النمو والبقاء على قيد الحياة، وأن تأثير التكاثر في السمات مثل حجم الجسم ومدة الحياة قد يكون أكبر بكثير مما اعتقدوا من قبل. يقول برغر إن الشيخوخة أيضاً يمكن أن ترتبط على نحو وثيق بعملية الاستقلاب التناسلي؛ إذ إنه من المحتمل أن ارتفاع تكلفة الإنجاب يؤدي إلى تسريع الشيخوخة الخلوية لدى الحيوانات.

اقرأ أيضاً: اكتشاف جديد يوضح كيفية تكاثر أكبر الديناصورات على الأرض

مخاوف متعلقة بتأثير التغير المناخي في الحياة على الأرض

على نطاق أوسع، تفاقم النتائج الجديدة المخاوف المتعلقة بتأثير التغير المناخي في الحياة على الأرض. يقول غينثر وزملاؤه إن الاستقلاب لدى الحيوانات الخارجية الحرارة يرتبط على نحو وثيق بدرجة حرارة الوسط المحيط ويزداد بارتفاع درجات الحرارة. يفترض المؤلفون أن الاحتباس الحراري العالمي يمكن أن يزيد التكاليف الطاقية الاستقلابية المرتفعة بالفعل لعملية التكاثر ويؤدي إلى انخفاض حجم الذرية ونشاطها، ولا سيما بين الحيوانات ذوات الدم البارد. تقول بكلي: "يستهلك الكثير من الكائنات الحية كمية من الطاقة قريبة من الكميات الخطيرة، ولا سيما في ضوء التغير المناخي والأحداث الجوية المتطرفة. تمثّل التكاليف الطاقية التي لم نحسبها بعد تحديات إضافية لرفاهة الكائنات الحية والأنظمة البيئية لم نكن على علم بها".

تقول ويليامز إن الدراسة الجديدة "تمثل خطوة أولية مهمة للغاية" نحو التوصل إلى فهم أعمق للحمل والتكاثر، لكن ما تزال هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث. تشير ويليامز إلى الحاجة إلى جمع المزيد من البيانات حول التكاليف الطاقية الحقيقية، بدلاً من تلك التي تبيّنها النماذج، لدى الأنواع المختلفة من الحيوانات. كانت عيّنة الدراسة الجديدة صغيرة بسبب محدودية هذه البيانات. وفقاً لبكلي، اضطر المؤلفون إلى وضع بعض الافتراضات الكبيرة لتصميم النموذج الرياضي في الدراسة، مثل افتراض أن التكاليف الاستقلابية غير المباشرة تزداد خطياً طوال فترة الحمل؛ إذ تقول: "تبدو هذه الافتراضات معقولة عموماً، ولكن من المثير أن نرى العلماء يحاولون تحديد التكاليف التناسلية بدقة أكبر في المستقبل".

هناك الكثير من التساؤلات التي لا أجوبة لها بعد، مثل تلك المتعلقة بمقارنة تكاليف الرضاعة بتكاليف الحمل لدى الثدييات، وإن كانت التكاليف الطاقية لدى الذكور أكبر أيضاً مما قدّره العلماء من قبل، كما هناك حاجة إلى قياس التكاليف الطاقية لدى الطيور أيضاً. يقول كيرني إن هذا "يسلط الضوء على مقدار جهلنا"، لكن على الأقل الآن، توصلنا إلى فهم أولي بالغ الأهمية عن جانب من جوانب الأمومة لا يحظى بالاهتمام الكافي.