باحثو جامعة الشارقة يطوّرون تقنية جديدة لمعالجة الكسور

4 دقيقة
باحثو جامعة الشارقة يطوّرون تقنية جديدة لمعالجة الكسور
حقوق الصورة: shutterstock.com/H_Ko
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

طوّر علماء من جامعة الشارقة مادة جديدة لتطعيم العظام باستخدام عظام الأبقار يمكن أن تسهم في ترميم العظام المكسورة والمصابة بأقل قدر من ردود الفعل السلبية في الجسم. وناقش العلماء العملية التي طوّروها في دراسة نُشِرت في مجلة بلوس ون (PLOS ONE)، وقالوا إنهم جربوا الطعوم العظمية المحسّنة على الفئران والجرذان ولاحظوا أنها عززت الشفاء السريع للعظام المصابة والمكسورة.

والأهم هو أن التجربة التي أجروها على الفئران أظهرت أن الطعوم العظمية التي طوّروها اندمجت بكفاءة عالية ولم تسبب مضاعفات سلبية في الجهاز المناعي.

اقرأ أيضاً: إنجاز سعودي: باحثون من جامعة الملك عبدالله يبتكرون تقنية جديدة في التحرير الجيني

مادة جديدة لتطعيم العظام باستخدام عظام الأبقار

يقول المحاضر في قسم علوم صحة الفم والقحف الوجهي في جامعة الشارقة وقائد الفريق البحثي، الأستاذ علي القبّاني: “حققنا هذه النتائج بتطبيق عملية جديدة في مجال علاج العظام تساعد على إزالة الخلايا والحمض النووي والمواد التي يمكن أن تسبب ردود فعل غير مرغوب فيها أو ضارة في الأجسام المضيفة. وفحصنا المتغيّرات البيولوجية مثل عدد خلايا الدم البيضاء وحجم الطحال والتغيرات التي طرأت على الكبد والكلى في الحيوانات التي أجرينا التجربة عليها ولاحظنا أن الطعوم العظمية التي زرعناها لم تسبب أي ضرر للأعضاء الداخلية”.

تُصيب الكسور الناجمة عن الأمراض العظمية ملايين الأشخاص ويشكّل علاجها عبئاً مالياً كبيراً على ميزانيات الرعاية الصحية الحكومية؛ إذ تُسجّل إصابة نحو مليون ونصف المليون شخص بكسور العظام سنوياً. تزداد شدة الأمراض العظمية مع التقدم في السن، كما أنها تُصيب النساء أكثر من غيرهن؛ ففي الولايات المتحدة، تعاني 4 من كل 10 نساء تقريباً في سن 50 عاماً أو أكثر كسوراً في الورك أو العمود الفقري أو المعصم.

نشأ فن علاج عيوب العظام قبل 3 آلاف عام على الأقل، عندما بدأ الإنسان باستخدام العصي أو المعادن ومواد أخرى لتصحيح عيوب العظام بدرجات متفاوتة من النجاح، ويعتمد الجراحون حالياً في الغالب على الطعوم العظمية التي تُنتَج اصطناعياً لغرض العلاج. 

كيف جرت دراسة استخدام طعوم عظمية من الأبقار؟

وفقاً للأستاذ في قسم علوم صحة الفم والوجه والفكين في جامعة الشارقة والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، البروفيسور أ. د. راني شمس الدين، فإن الأدلة العلمية أظهرت أنه لا يمكن لأي مادة اصطناعية أن تحل محل البنية المعقدة للأنسجة العظمية البشرية، ويوضّح: “لذلك، ليس لدينا خيار سوى استخدام الأنسجة العظمية الحيوانية التي تبدو مشابهة جداً للأنسجة العظمية البشرية، ولّدت لنا هذه الفرصة تحدياً يتمثل في دراسة عظام الأبقار ومعالجتها واستخدامها لتطعيم العظام البشرية ضمن عملية آمنة قدر الإمكان”.

وعن كيفية إجراء الدراسة، يقول الأستاذ علي القبّاني: “أجرينا الدراسة على عدة مراحل؛ تمثلت الخطوة الأولى في استخراج العظام من الأبقار، بدأنا بقص العظام إلى أحجام أصغر ومعالجتها بمواد كيميائية مختلفة لإزالة بعض المكونات التي يمكن أن تسبب مشكلات أو مضاعفات لدى البشر. تتمثل أهمية هذه الخطوة في أنها تضمن أن تكون العظام آمنة ومناسبة للاستخدام الطبي. بعد ذلك، جفّفنا العينات العظمية باستخدام جهاز التجفيف بالتجميد لإزالة ما تحتويه من الماء بالكامل وعقّمناها باستخدام أشعة غاما، وذلك بإرسالها إلى هيئة الأبحاث الذرية الأردنية. عملية تعقيم العينات العظمية مهمة للغاية لإزالة الميكروبات منها، وهي تساعد على الوقاية من حالات العدوى عند اختبار تطبيق هذه العينات على البشر”.

بعد ذلك، أجرى الباحثون اختبارات فيزيائية مختلفة على الطعوم العظمية لإثبات أنها متينة بما يكفي لتحمل الضغط بعد زرعها في مواقع إصابات العظام والتأكد من قدرتها على تعزيز عملية الشفاء وتسهيلها بفاعلية دون أن تنكسر أو تضعف.

فحص الباحثون تفاعل الخلايا المشابهة للخلايا البشرية مع الطعوم العظمية لتحديد مدى قبول جسم الإنسان لها. ووفقاً لقبّاني لاحظوا أن الطعوم العظمية التي طوّروها تعزز نمو الخلايا لأنها مساميّة جداً وسطحها خشن، وفضّلت الخلايا هذا الوسط لأنه وفّر لها مساحة واسعة للتواصل والنمو بكفاءة. 

كما لاحظوا أن الخلايا تميل إلى تشكيل مستعمرات في الطعوم العظمية التي طوّروها وتنمو فيها دون أي مشكلات. هذا الاكتشاف مهم جداً لأن المادة المثالية لتطعيم العظام يجب أن تكون ملائمة تماماً لنمو الخلايا وأدائها، وهي ميزة مهمة تسهم في التئام العظام.

اقرأ أيضاً: 10 حقائق يجب أن تعرفها عن تجربة استنساخ الناقة «إنجاز» في الإمارات

أهداف الدراسة وتطبيقاتها الطبية المستقبلية

كتب المؤلفون أن الهدف الرئيسي من الدراسة تمثّل في “مقارنة قدرة الحبيبات العظمية البقرية المنزوعة المعادن والحبيبات العظمية البقرية المنزوعة الخلايا على تعزيز تجديد العظام في العيوب ذات الحجم الحرج في جمجمة الجرذان. حضّرنا الحبيبات العظمية البقرية المنزوعة المعادن والحبيبات المنزوعة الخلايا بتطبيق طريقة موصوفة في دراسة منشورة سابقاً”. 

تضمنت إحدى الخطوات المهمة في الدراسة اختبار الطعوم العظمية من خلال إدخالها في أجسام الحيوانات قبل استخدامها في البشر، واستخدم الباحثون الفئران والجرذان لهذا الغرض.

لاحظ العلماء أن الطعوم العظمية التي زرعوها في أجسام الجرذان اندمجت بكفاءة عالية وعززت الالتئام السريع للجروح، بينما لاحظوا أن الطعوم العظمية لا تسبب ردود فعل سلبية تذكر في الأجهزة المناعية للفئران. 

حقق الباحثون هذه النتائج وفقاً للقباني لأن إجراءهم الجديد لعلاج العظام ساعد على إزالة الخلايا والحمض النووي والمواد التي يمكن أن تسبب ردود فعل غير مرغوب فيها أو ضارة في الأجسام المضيفة.  

ورداً على سؤال حول أهمية الدراسة وتبعاتها العمليّة قالت أستاذة البيولوجيا الفموية في جامعة الشارقة والمؤلفة المشاركة للدراسة، سوسن القواص: “تمثلت الفكرة الرئيسية في ابتكار مادة عظمية جديدة يمكن استخدامها لاستبدال العظام في التعامل مع حالات فقدان العظام الناجم عن الإصابات، وتعزز سرعة التئام العظام وشفائها”.

الطعم العظمي الجديد آمن للاستخدام البشري ويختلف عن المواد المتوافرة تجارياً. وقد تقدّم الفريق بطلب للحصول على براءة اختراع في الولايات المتحدة الأميركية باسم جامعة الشارقة بعد اختبار هذه المادة الحيوية الجديدة. 

تصف الدراسة طريقة لإزالة الخلايا من العظام مع الحفاظ على سلامة بنيتها المهمّة، وفيها قورنت طريقتان لفعل ذلك؛ تحمل الطريقة الأولى اسم نزع المعادن، ويُزال وفقها بعض الخلايا ولكنها تبقي على القليل من المادة الوراثية، بينما في الطريقة الثانية التي تحمل اسم نزع الخلايا، فتُزال كمية أكبر من الخلايا والمواد الوراثية مع الحفاظ على بعض الأجزاء المهمة من العظم سليمة تماماً. ويبدو أن طريقة نزع الخلايا أكثر أماناً للاستخدام المستقبلي في عمليات الزرع لأنها تسبب تفاعلات أقل في الجسم.

يشعر شمس الدين بالتفاؤل حيال نتائج الدراسة ونشرها، إذ تظهر أن الطعم العظمي الجديد الذي طوّره فريق الباحثين ساعد على نمو عظام جديدة وسبب ردود الفعل سلبية أقل في الجسم المضيف عند اختباره على الفئران والجرذان.

ويُضيف: “ساعد الطعم العظمي المكون من مادة حيوية على نمو كمية أكبر من العظام الجديدة في الجرذان التي تعاني إصابات عظمية كبيرة الحجم. والأهم من ذلك أننا اكتشفنا أن الحبيبات المنزوعة الخلايا التي طورناها لديها قدرة مذهلة على مساعدة العظام على الشفاء بكفاءة أكبر، خاصةً عندما تكون الإصابات كبيرة”.

اقرأ أيضاً: العلماء يكتشفون مصدراً جديداً للخلايا الجذعية

وتُبيّن العضوة في مجموعة أبحاث التئام الجروح والتشخيص الفموي في جامعة الشارقة والمؤلفة المشاركة للدراسة، الأستاذة عقيلة راني، أن النتائج أظهرت أن الطعوم العظمية المستخدمة آمنة بالإضافة إلى أنها مرنة للغاية. وتُسلّط النتائج التي توصل إليها الفريق الضوء على أهمية تقنيات المعالجة الدقيقة في تطوير طعوم عظمية فعّالة، كما تمهّد الطريق لتطوير علاج ناجح وموثوق لتجديد العظام ويلبي أيضاً متطلبات الحياة اليومية، وذلك من خلال إلغاء احتمالية المضاعفات الصحية وتحسين طرق المعالجة.

يبحث خبراء معهد البحوث للعلوم الطبية والصحية التابع لجامعة الشارقة حالياً عن شريك في قطاع صناعة الأدوية لوضع خطة حول تطبيق تقنية الطعوم العظمية التي طوّرها المؤلفون على نطاق واسع.