لماذا لا تفيد المضادات الحيوية دائماً في علاج السعال؟

4 دقيقة
المضادات الحيوية غير فعّالة في علاج السعال حتى لو كانت العدوى بكتيرية
حقوق الصورة: بيكسلز

يُعدُّ السعال أحد أكثر أسباب زيارة الطبيب شيوعاً، وهو عرض شائع يمكن أن يشير إلى العديد من الأمراض؛ بدءاً من نزلات البرد والتهاب الحلق، وصولاً إلى حالات أكثر خطورة، مثل الربو والالتهاب الرئوي. 

يصف الأطباء أحياناً المضادات الحيوية لعلاج السعال، لكن وفقاً لدراسة حديثة نشرتها دورية الطب الباطني العام (Journal of General Internal Medicine)، فإن تناول المضادات الحيوية لعلاج التهاب القصبات الحاد لا يحسّن من شدة السعال أو مدة استمراره، حتى لو كان سبب العدوى بكتيرياً وليس فيروسياً.

المضادات الحيوية لا تُعالج أنواع السعال كلها

شملت الدراسة أكثر من 700 مريض تتراوح أعمارهم بين 18 و75 عاماً، راجعوا عيادة الرعاية الأولية أو قسم الطوارئ بين عامي 2019 و2023 بسبب التهاب الشعب الهوائية/القصبات الحاد، وهو أحد أنواع عدوى الجهاز التنفسي السفلي التي تُصيب الشعب الهوائية وتسبب السعال والحمى. وأظهرت النتائج أن نحو 29% من المرضى تلقوا مضاداً حيوياً واحداً على الأقل، بينما تلقى 7.1% عقاراً مضاداً للفيروسات.

كان المرضى الذين عانوا أعراضاً شديدة مثل السعال والبلغم المُلون واحتقان الأنف والأزيز أو صفير الصدر والتعب، أكثر ميلاً لوصف الأطباء مضادات حيوية لهم. اعتقد المرضى أن تناولهم هذه المضادات يمكنه تخفيض مدة استمرار السعال بنحو 4 أيام مقارنة بعدم تناولها، لكن كشفت النتائج استمرار السعال لديهم فترة أطول مقارنة بمَن لم يتناولوا مضادات حيوية.

وللتأكد من وجود عدوى بكتيرية أو فيروسية، أجرى الباحثون اختبارات معملية للمرضى، وقد أظهرت النتائج أن معظم حالات العدوى كانت ناتجة عن فيروسات وأن المضادات الحيوية لا تُعالج العدوى الفيروسية. يشير الباحثون إلى أن هذا قد يكون ناتجاً من أن المرضى الذين يعانون أعراضاً أشد يكونون أكثر عرضة لتلقي المضادات الحيوية، وليس لأن المضادات الحيوية فعّالة في علاج التهاب القصبات الحاد.

تؤكد هذه النتائج التوصيات الحالية بعدم إعطاء المضادات الحيوية للأشخاص الذين يعانون التهاب القصبات الحاد ويتمتّعون بصحة عامة جيدة، وليسوا معرضين لخطر الإصابة بأمراض خطيرة.

اقرأ أيضاً: ما أسباب السعال؟ وكيف تتصرف إذا أصابتك نوبة سعال شديدة؟

لماذا لا تفيد المضادات الحيوية دائماً؟

يُعدُّ التهاب الجهاز التنفسي العلوي من الأمراض الشائعة التي تُصيب ملايين الأشخاص سنوياً، تشمل هذه العدوى نزلات البرد والتهاب الحلق والتهابات الجيوب الأنفية والتهابات الأذن.

تتسبب الفيروسات في الإصابة بمعظم حالات التهاب الجهاز التنفسي العلوي؛ لذلك لا تفيد المضادات الحيوية في علاجها، في حين تسبب البكتيريا بعض حالات التهاب الجهاز التنفسي العلوي، مثل التهابات الأذن وبعض التهابات الجيوب الأنفية والتهاب الحلق العقدي.

يقول دان ميرينستين Dan Merenstein، أستاذ الطب العائلي في كلية الطب بجامعة جورج تاون والباحث الرئيسي في الدراسة، إن "التهابات الجهاز التنفسي السفلي قد تكون أكثر خطورة من التهابات الجهاز التنفسي العلوي؛ حيث قد تؤدي إلى الإصابة بالالتهاب الرئوي".

ووفقاً لميرينستين، قد لا يكون إجراء الأشعة السينية متاحاً في الزيارات الطبية الأولى، ما قد يؤدي إلى استمرار وصف بعض الأطباء المضادات الحيوية "كإجراء وقائي" للمرضى الذين يعانون السعال، خاصة عند وجود أعراض أخرى مثل الحمى أو ضيق التنفس، حتى دون وجود دليل قاطع على وجود عدوى بكتيرية، مثل فحص تعداد الدم الكامل/صورة الدم الكاملة واختبار بيئة البكتيريا في الدم أو البول.

ويُضيف ميرينستين أن هذا النهج قد يؤدي إلى الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، ما قد يؤثّر سلباً في صحة المرضى على المدى الطويل، حيث تسهم المضادات الحيوية في مقاومة البكتيريا وتؤثّر في صحة الأمعاء.

تقول جينيفر بيسانو Jennifer Pisano، الأستاذة المشاركة في كلية الطب بجامعة شيكاغو والمديرة الطبية لمكافحة الميكروبات والعدوى، إن "هذه النتائج قد لا تكون مفاجئة تماماً؛ حيث تُعالج غالبية التهابات الجهاز التنفسي في الرعاية الأولية دون معرفة سببها سواء كان فيروساً أو بكتيريا". وتُضيف "قد يصف الأطباء المضادات الحيوية خوفاً من إغفال وجود عدوى بكتيرية قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، خاصة للمرضى كبار السن أو الذين يعانون أعراضاً شديدة، لكن هذه الدراسة تقدّم أدلة تساعد على تقليل هذه المخاوف وتؤكد أن المضادات الحيوية ليست علاجاً فعّالاً دائماً لسعال التهاب القصبات الحاد"، وتفيد أن هذه الدراسة تساعد مقدمي الخدمات على الشعور بالثقة في اتباع الإرشادات حتى مع قلة حالات التهاب القصبات التي تسببها البكتيريا.

وتوضّح بيسانو أن أعراض السعال قد ترتبط أكثر بردة فعل الجهاز المناعي لمكافحة العدوى، وليس بالنوع المسبب للعدوى سواء كان بكتيريا أو فيروساً.

اقرأ أيضاً: خطوات منزلية بسيطة للتعامل مع ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية

التهابات الجهاز التنفسي العلوية والسفلية 

يُعرف التهاب الجهاز التنفسي (RTI) بأي عدوى تُصيب الجهاز التنفسي العلوي أو السفلي، وتشمل أمراض الجهاز التنفسي العلوي (URTIs) نزلات البرد والتهاب الحنجرة والتهاب البلعوم/اللوزتين والتهاب الأنف الحاد والتهاب الجيوب الأنفية الحاد والتهاب الأذن الوسطى الحاد، وتسببها الفيروسات عادة، بينما تشمل أمراض الجهاز التنفسي السفلي (LRTIs) التهاب الشعب الهوائية الحاد والالتهاب الرئوي والتهاب القصبة الهوائية، ويمكن أن تُسببها الفيروسات أو البكتيريا، وتُعد أمراض الجهاز التنفسي السفلي أخطر بصفة عامة، وتتطلب عناية طبية. 

متى يجب استخدام المضادات الحيوية؟ وما مخاطر تناولها دون حاجة؟

من المهم زيارة الطبيب إذا استمر السعال أكثر من أسبوعين أو كان مصحوباً بأعراض أخرى؛ مثل الحمى أو ضيق التنفس أو ألم الصدر، واستشارته قبل تناول أي مضاد حيوي والتأكد من وجود عدوى بكتيرية حقيقية تستدعي العلاج بالمضادات الحيوية، حيث يستطيع الطبيب تحديد ما إذا كان استخدام المضادات الحيوية ضرورياً، ونوع المضاد الحيوي المناسب في كل حالة.

وتحذّر العديد من المؤسسات الدولية والمراكز من مخاطر الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، مؤكدة أن تناولها دون حاجة حقيقية قد يؤدي إلى عواقب صحية وخيمة، وتشمل بعض هذه المخاطر:

  • الآثار الجانبية: مثل أي دواء، يمكن أن تسبب المضادات الحيوية آثاراً جانبية مزعجة؛ مثل الغثيان والإسهال والحساسية.
  • تأثيرها في صحة الأمعاء: حيث إن الإفراط في تناول المضادات الحيوية قد يؤدي إلى اختلال توازن ميكروبيوم الأمعاء، ما قد يؤثّر سلباً في عملية الهضم ووظائف الجسم بشكلٍ عام.
  • مقاومة المضادات الحيوية: تُعدُّ منظمة الصحة العالمية مقاومة المضادات الحيوية من أهم مشكلات الصحة عالمياً، حيث تصبح بعض أنواع البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية المستخدمة في علاجها، ما يُصعّب عملية علاج العدوى ويهدد حياة المرضى، فهي سبب رئيسي للوفاة على مستوى العالم.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر المضادات الحيوية للفطور في تشكل قشور الجبن اللذيذة؟

الوقاية خيرٌ من العلاج

إليك بعض النصائح الفعّالة للوقاية من الالتهابات، خاصة تلك التي تُصيب الجهاز التنفسي السفلي:

  • الإقلاع عن التدخين: يُعدُّ التدخين، سواء سجائر عادية أو إلكترونية، من أهم عوامل الخطر التي تزيد من خطر الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي، لذلك يُنصح بالتوقف عن التدخين واستشارة الطبيب للحصول على الدعم اللازم سواء من خلال الأدوية أو العلاجات السلوكية أو الموارد الإلكترونية المتاحة.
  • الالتزام بالتحصينات الدورية: تُعدٌّ التحصينات من أهم أدوات الوقاية من الأمراض المُعدية، بما في ذلك الالتهابات التي تُصيب الجهاز التنفسي، لذلك يجب التأكد من أخذ التحصينات/اللقاحات جميعها بصفة دورية واستشارة الطبيب في حال وجود أي أسئلة أو مخاوف.
  • تجنب مخالطة المرضى: يُنصح بتجنب الاتصال المباشر مع الأشخاص الذين يعانون أعراض البرد أو الإنفلونزا، مثل السعال أو العطس، حيث إن هذه الأعراض تشير إلى وجود عدوى معدية قد تنتقل بسهولة إلى الآخرين.

المحتوى محمي