الأمراض المزمنة (Chronic diseases) هي حالات طبية طويلة الأمد تستمر عادةً مدة عام أو أكثر، وتتطلب إدارة ورعاية مستمرة، وعادةً ما تتطور هذه الحالات ببطء وتتفاقم الأعراض بمرور الوقت، ما يؤثّر سلباً في نوعية الحياة اليومية ويؤدي إلى تحديات صحية طويلة الأمد. ومن هذه الاضطرابات ما يؤثِّر في الجهاز العصبي، مثل مرض ألزهايمر، ومرض باركنسون، والصرع.
تتطلب الأمراض العصبية المزمنة في كثيرٍ من الأحيان إدارة طبية مستمرة لتخفيف الأعراض وإبطاء التقدم، وتركّز استراتيجيات العلاج الفعّالة على تحسين نوعية حياة المرضى؛ إذ إن العلاج الكامل قد يكون بعيدَ المنال. قد تشمل أساليب الإدارة كلاً من الأدوية والعلاج الطبيعي وتعديلات نمط الحياة المصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات المحددة لكل مريض. سنخصص هذا المقال لشرح كيفية التعامل مع مرضى داء ألزهايمر مع توضيح أعراض المرض وما يميزه.
اقرأ أيضاً: إليك ما نعرفه عن أول دواء لمرض ألزهايمر
ما هو داء ألزهايمر وأسباب الإصابة به؟
داء ألزهايمر هو اضطراب عصبي تنكسي (تتفاقم الأعراض مع مرور الوقت)، يتميز بانخفاض الوظيفة الإدراكية، وفقدان الذاكرة، وتغيرات في السلوك. عادةً ما يحدث بعد سن الـ 65، لكنه يمكن أن يُصيب في حالات قليلة جداً أشخاصاً في الأربعينيات أو الخمسينيات من العمر.
السبب الرئيسي لمرض ألزهايمر هو تراكم رواسب البروتين غير الطبيعية في الدماغ، أحد هذه البروتينات هو بيتا أميلويد (Amyloid)، الذي تشكّل رواسبه لويحات حول الخلايا الدماغية، أمّا البروتين الآخر فيُسمَّى تاو (Tau)؛ تسهم رواسبه في تشكيل تشابكات داخل خلايا الدماغ، وهو ما يُعرف "التشابك الليفي العصبي" (Neurofibrillary tangles). تؤدي هذه الترسبات والتشابكات في حدوث سلسلة من المشكلات، ما يؤدي إلى تلف الخلايا العصبية وفقدان الاتصال فيما بينها، وموتها في النهاية.
الأسباب الدقيقة لهذه الترسبات البروتينية غير الطبيعية ليست مفهومة تماماً، ولكن يُعتقد أن مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية ونمط الحياة تسهم في ذلك. لا يوجد علاج شافٍ لمرض ألزهايمر حتى اليوم، لكن يمكن استخدام بعض الأدوية للتقليل من حدة الأعراض.
اقرأ أيضاً: ما يجب أن تعرفه عن ملازمة مريض باركنسون وكيفية التعامل معه على المدى الطويل
أعراض داء ألزهايمر
العَرَض الرئيس لداء ألزهايمر هو فقدان الذاكرة، ومن العلامات الأولى على المرض صعوبة تذكر المحادثات الأخيرة أو الأحداث التي حصلت تواً، ثم ومع تقدم المرض، تتفاقم الأعراض وتتدهور الذاكرة وتظهر أعراض أخرى. يكون الشخص المصاب بالمرض واعياً في المراحل الأولى لوجود صعوبة في التذكُّر أو التفكير بوضوح، ثم ومع تفاقم الأعراض، يبدأ أفراد العائلة بملاحظة الأعراض. عموماً، يشمل داء ألزهايمر الأعراض التالية:
- مشكلات الذاكرة: مثل النسيان المستمر، خصوصاً فيما يتعلق بالاحداث التي حصلت مؤخراً، بالإضافة إلى تكرار الأسئلة والعبارات نفسها، وقد يحدث نسيان المحادثات أو المواعيد والأحداث، أو وضع الأغراض في غير مكانها وغالباً في أماكن غير منطقية، أو الضياع في أماكن مألوفة جداً، علاوة على نسيان أسماء أفراد العائلة والأدوات المستخدمة يومياً في نهاية المطاف.
- مشكلات لغوية: قد يعاني المريض في المراحل الأولى صعوبة في العثور على الكلمات المناسبة للتعبير عن أفكاره أو المشاركة في المحادثات، أو صعوبة في فهم أحاديث الآخرين.
- مشكلات الأداء: معاناة في تخطيط المهام وتنفيذها؛ مثل تحضير الوجبات أو ممارسة لعبة مفضلة، وقد ينسى المريض في المراحل المتقدمة كيفية ارتداء الملابس أو الاستحمام.
- مشكلات في التفكير والاستدلال: يسبب داء ألزهايمر صعوبة في التركيز والتفكير وخصوصاً فيما يتعلق بالمفاهيم المجردة مثل الأرقام.
- تغيرات المزاج والشخصية: يمكن لتغيرات الدماغ المصاحبة لداء ألزهايمر التأثير في السلوك والحالة المزاجية، مسببة العديد من مشكلات الصحة النفسية؛ مثل الاكتئاب، وفقدان الاهتمام بالأنشطة الاجتماعية، والانسحاب الاجتماعي، والتقلبات المزاجية الشديدة، والغضب أو السلوك العدواني، والهذيان والتغييرات في عادات النوم، وفقدان القدرة على التحكم في النفس، والأوهام مثل الاعتقاد أن شيئاً ما قد سُرِق.
- مشكلات في إصدار الأحكام واتخاذ القرارات: يسبب داء ألزهايمر تدهور القدرة على اتخاذ القرارات والأحكام المنطقية في المواقف اليومية؛ فقد يتصرف الشخص المريض على نحو غريب أو سيئ في الأوساط الاجتماعية، أو يرتدي ملابس لا تناسب الأحوال الجوية.
وعلى الرغم من التغيرات الكبيرة التي تطرأ على الدماغ وما يصاحبها من تأثيرات في الذاكرة والقدرات، فإن المصابين بداء ألزهايمر يمكنهم الاحتفاظ ببعض المهارات حتى ولو تفاقمت الأعراض؛ مثل قراءة الكتب، أو الاستماع، أو سرد القصص، أو مشاركة الذكريات، أو الغناء، أو الاستماع إلى الموسيقى. أمّا سبب الاحتفاظ بهذه المهارات فترة طويلة فيعزى إلى أن أجزاء الدماغ المتحكمة بها تُصاب بالضرر في مراحل متأخرة من المرض.
اقرأ أيضاً: تحد من التوتر والاكتئاب: إليك فوائد القراءة للدماغ والجسم
كيفية التعامل مع مريض ألزهايمر
مرض ألزهايمر هو مرض تقدمي، وعادةً ما تزداد مسؤوليات مقدم الرعاية مع تفاقم الأعراض. لذلك، واستعداداً للمستقبل، قد يكون من المفيد مناقشة رغبات مَن تحب في المراحل المبكرة من المرض؛ مثل نوع العلاج الطبي الذي يريدوه، بالإضافة إلى أنك قد تحتاج إلى تصريح منه لاتخاذ القرارات الطبية أو المالية نيابة عنه.
عموماً، يمكن القول إن خطوات رعاية مريض ألزهايمر تختلف كثيراً باختلاف المراحل المختلفة للمرض؛ ففي المراحل المبكرة قد لا يحتاج المريض إلى كثير من المساعدة، وإنما يتجلى دورك في مساعدته على التأقلم مع تشخيصه والتخطيط للمستقبل ومساعدته على البقاء نشطاً وصحياً ومتفاعلاً قدر الإمكان.
وبالطبع، قد يكون قبول التشخيص أمراً صعباً على الجميع، ولا بُدَّ من أن تسمح لنفسك وأحبابك بمعالجة الخبر على مهل، والتعامل مع المشاعر بكل ما فيها من غضب وحزن، لكن دون أن تدع الإنكار يمنعك من طلب التدخل المبكر. تذكر أنه ثمة بعض العلاجات المتاحة للتحكم في بعض الأعراض، كما أن تغييرات نمط الحياة يمكن أن تكون سلاحاً فعّالاً في إبطاء تطور المرض.
أمّا مع تقدم المرض إلى المرحلة المتوسطة، لا بُدّ من تحمل المزيد من المسؤولية وتقديم المساعدة في أداء أنشطة الحياة اليومية، وإيجاد طرق للتعامل مع كل تحدٍ جديد. وإليك كيفية الاهتمام بمرضى داء ألزهايمر في هذه المرحلة:
اقرأ أيضاً: كيف نستطيع مجابهة المعلومات الصحية المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي؟
الإلمام بالمرض وأعراضه
فهم مرض ألزهايمر أمر بالغ الأهمية لتقديم الرعاية الفعّالة. من خلال تثقيف نفسك، يمكنك تعزيز قدرتك على التواصل مع مَن تحب والتعامل مع سلوكه المتغير. لذلك، احضر المواعيد الطبية، واطرح الأسئلة للبقاء على اطلاع جيد حول تطور المرض وخيارات العلاج المتاحة.
ضبط روتين يومي
يمكن للروتين اليومي المحدد بدقة أن يساعد المريض على التعامل مع فقدان الذاكرة على المدى القصير؛ إذ توفّر الجداول الزمنية المتوقعة شعوراً بالأمان والاستقرار، ما يقلل من القلق والارتباك. يجب أن يتضمن هذا الروتين أنشطة منتظمة تحدث في وقت محدد يومياً؛ مثل مواعيد الوجبات والأدوية والأنشطة الترفيهية والاستحمام.
يُذكر أن مرضى ألزهايمر عادة ما يعانون الأرق والتهيج والارتباك الذي يزداد سوءاً في وقت متأخر بعد الظهر وساعات المساء المبكرة، ما قد يؤثّر سلباً في وقت النوم. لكن يمكن إدارة هذا الجانب الصعب من خلال الحفاظ على روتين يمكن التنبؤ به قبل النوم، وزيادة النشاط في أثناء النهار، والحد من الكافيين قبل النوم.
الحفاظ على النشاط البدني
ممارسة التمارين الرياضية بانتظام أمر مفيد للصحة المعرفية والجسدية. يمكن أن تساعد الأنشطة مثل المشي أو التمارين الخفيفة أو المهام اليومية على إبطاء التغيرات المعرفية. وبالمثل، فإن تعزيز الأنشطة الذهنية مثل القراءة وحل الألغاز يساعد في الحفاظ على الوظيفة الإدراكية.
اقرأ أيضاً: إشارات تحذيرية: كيف تعرف عندما تحتاج إلى تعديل نظامك الغذائي وخطتك الرياضية بعد عمر الأربعين؟
تناول أطعمة مغذية
الأطعمة المغذية تدعم صحة الدماغ وتساعد على إدارة التغيرات المعرفية. لذلك، ركّز عند إعداد الطعام على تضمين الأنواع المفيدة لصحة الدماغ مثل الخضار الورقية الخضراء، والتوت، والحبوب الكاملة، والأسماك، والدواجن. وعلى العكس من ذلك، قلل استخدام اللحوم الحمراء، والسكر، والأطعمة المقلية.
اقرأ أيضاً: 10 نصائح فعّالة لزيادة البكتيريا النافعة وتحسين صحة الأمعاء
عَرْض الخيارات تجنباً للارتباك
قد يحدّ مرض ألزهايمر من قدرة الأشخاص في التعبير عن رغباتهم وتفضيلاتهم. لذلك، فإن توفير خيارات واضحة، سواء في الملابس أو الأنشطة أو الوجبات، يمكن أن يمنحهم شعوراً بالسيطرة والاستقلال. على سبيل المثال، اطلب منه الاختيار بين قميصين، أو بين الجلوس داخل أو خارج المنزل، أو بين السلطة أو شوربة الخضار.
تعزيز النظافة والعناية الشخصية
نتيجة التغيرات المزاجية المرافقة لداء ألزهايمر، فإن شعوراً بتدني احترام الذات قد يتكوّن عند المريض، ما قد يؤثّر سلباً في عادات النظافة الشخصية والعناية بالنفس. لذلك ساعده على الاعتناء بنفسه من خلال المساعدة على أداء بعض المهام مثل الاستحمام وتنظيف الأسنان وتمشيط الشعر. لا تسهم إجراءات النظافة اليومية في تحسين الصحة البدنية فحسب، بل تسهم في تعزز الشعور بالرفاهية والكرامة.
اقرأ أيضاً: ما هو الجنف؟ وما الرياضات والعلاجات المنزلية المتاحة له؟
التحلي بالصبر
قد تستغرق المهام العادية، مثل تناول الطعام أو الاستحمام، وقتاً أطول بالنسبة للأفراد المصابين بمرض ألزهايمر. لذلك، حاول بأقصى استطاعتك التحلي بالصبر وتجنب الشعور بالإحباط. احترم مستوى راحتهم واسمح لهم برعاية أنفسهم، إن كان ذلك آمناً للحفاظ على كرامتهم وسلامتهم العاطفية.
التواصل الفعّال
قد يجد مريض ألزهايمر صعوبة في العثور على الكلمات المناسبة للتعبير عن أفكاره، وهذا ما قد يدفعه إلى الشعور بالغضب والإحباط. لذلك، احرص على التواصل الواضح والبسيط، وإليك ما عليك فعله عند التواصل معه:
- اجعل إجاباتك وتعليماتك بسيطة وقصيرة.
- امنحه الوقت الكافي لمعالجة المعلومات.
- كُنْ صبوراً وكرِّر التعليمات عند الحاجة.
- استخدم الفكاهة لتخفيف التوتر.
- قدّم خيارات بدلاً من الأسئلة المفتوحة.
- تعلم إشاراته غير اللفظية.
- لا تجادل أو تغضب أكثر من اللازم واترك الغرفة إذا لزم الأمر.
- لا تصرّ على إكمال مهمة معينة.
- لا تأخذ أفعاله على محمل شخصي، ما يمكن أن يؤثّر في مزاجه وسلوكه.
- لا تقلِّل من شأنه ولا تصرخ.
اقرأ أيضاً: التهاب الأمعاء التقرحي: الأعراض والتشخيص والتغذية المناسبة للتعايش معه
ضمان سلامة المنزل
اضبط بيئة المنزل بناءً على شدة الأعراض المعرفية للتأكد من سلامته، وذلك بأن تتخذ بعض الخطوات العملية لمنع الحوادث والسقوط، مثل وضع الأغطية على المآخذ الكهربائية، ووضع شرائط الإمساك على السلالم للتقليل من انزلاق اليدين والسقوط، ووضع المزالج على أبواب الخزانات، والدرابزين في الحمام.
طلب الدعم
شارك تجربتك مع العائلة والأصدقاء للحصول على المساعدة، سواء من خلال الدردشة أو تبادل الخبرات، أو حتى الاعتناء بأحبائك لأخذ قسط من الراحة. استكشف دعم المجتمع المحلي، وانضم إلى المجموعات عبر الإنترنت، وغيرها.
الرعاية الذاتية
يمكن أن يكون الاعتناء بمريض داء ألزهايمر أمراً مرهقاً جسدياً وعاطفياً. لذلك، حاوِل الحفاظ على نظام غذائي متوازن، وواظِب على التمارين الرياضية، وشارك في الأنشطة التي تجلب لك السعادة، وفكّر في الانضمام إلى مجموعات الدعم التي يواجه أعضاؤها تحديات مماثلة. تذكر أن طلب المساعدة والدعم ليس علامة ضعف، ولكنه جانب حاسم في تقديم الرعاية الفعالة.
في المراحل المتأخرة من المرض، قد يصبح من الضروري النظر في مرافق الرعاية أو دور العجزة التي تقدم الرعاية على مدار 24 ساعة؛ إذ يواجه المريض في هذه المرحلة صعوبات كبيرة في المشي أو تناول الطعام أو أداء المهام الأخرى، وقد لا يكون قادراً على التعبير عن احتياجاته، هذا بالإضافة إلى مشكلات سلس البول والمزاج والهلوسة والهذيان.