هل تسبب الأطعمة المصنّعة البلوغ المبكر لأطفالنا؟

هل تسبب الأطعمة المصنّعة البلوغ المبكر لأطفالنا؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Julia Zavalishina
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لوحظ مؤخراً في معظم البلدان العربية والعالم زيادة كبيرة نسبياً في معدل البلوغ المبكر، وهي حالة صحية يدخل فيها الأطفال ذكوراً وإناثاً في مرحلة البلوغ الجنسي بموعد يسبق التوقيت الطبيعي لمتوسط العمر المتوقع، ويذكر الدكتور عبدالمعين الأغا، أستاذ طب الأطفال والغدد الصماء لدى الأطفال في جامعة الملك عبدالعزيز في السعودية، في مقابلة أجراها مؤخراً أسباب البلوغ المبكر لدى الأطفال وكيفية الوقاية من هذه الحالة، إليك المزيد في هذا المقال. 

 ما هو البلوغ المبكر؟

هو حالة طبية يدخل فيها الطفل مرحلة البلوغ بشكلٍ سابق لأوانه. بالنسبة للفتيات، يبدأ سن البلوغ عادةً بين سن 8 و13 عاماً، بينما يبدأ سن البلوغ عادةً بالنسبة للصبيان بين سن 9 و14 عاماً، ويُدعى البلوغ الذي يبدأ بعد هذه الفئات العمرية بالبلوغ المتأخر، وينتهي سن البلوغ بعد 2-5 سنوات من بداية ظهور علامات البلوغ. 

ومن المعروف أن البلوغ المبكر يحدث لدى الفتيات بمعدل أكثر من الصبيان، وقد وصلت نسبة الأطفال الذين يبلغون مبكراً إلى 1 من أصل 5000، علماً أن الدراسات في هذا المجال ما زالت مفتوحة وعددها قليل نسبياً.

وفقاً لمشفى ستانفورد للأطفال، يمكن أن تشمل العلامات الشائعة للبلوغ المبكر عند الفتيات ما يلي:

  • نمو الثدي المبكر.
  • ظهور شعر العانة وتحت الإبط.
  • الحيض.
  • الإباضة.
  • صدور رائحة قوية من الجسم.

ويمكن أن تشمل العلامات الشائعة عند الصبيان ما يلي:

  • نمو حجم القضيب والخصيتين.
  • ظهور شعر العانة وتحت الإبط.
  • ظهور شعر الوجه، كالشارب واللحية بشكل خفيف.
  • الانتصاب العفوي.
  • إنتاج الحيوانات المنوية.
  • ظهور حَب الشباب.
  • خشونة الصوت.
  • صدور رائحة قوية من الجسم.

تشمل العلامات الأخرى ما يلي:

  • الانفعالية والتأثر.
  • زيادة في طول القامة مقارنة بباقي الأقران.

اقرأ أيضاً: يحتاج المراهقون إلى مدة نوم أطول مما نظن

أسباب البلوغ المبكر عند الأطفال 

يمكن تلخيص أبرز أسباب البلوغ المبكر لدى الأطفال بما يلي:

1. تناول منتجات الألبان واللحوم

توجد الهرمونات الجنسية بشكلٍ طبيعي في منتجات الألبان، وذلك لدورها في عملية التمثيل الغذائي الحيواني، ولكن تُستخدم هذه الهرمونات بشكلٍ صناعي في الإنتاج الحيواني، ما يسبب زيادة نسبتها عن المستوى الطبيعي، إذ تُضيف منشآت الإنتاج الحيواني هذه الهرمونات لتسريع نمو الحيوانات، وتخفيض متوسط ​​كمية العلف التي يحتاج إليها الحيوان، وزيادة إنتاج الحيوانات للحليب.

وتوافق إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) على استخدام بعض أنواع الهرمونات الجنسية الأنثوية الطبيعية وهي الإستراديول والبروجيسترون، بالإضافة إلى 3 مواد كيميائية مشابهة للهرمونات من صنع الإنسان وتضم الزيرانول وأسيتات الترينبولون وأسيتات الميلينجستيرول، وتشمل أهم الهرمونات الموجودة في الحليب ومنتجات الألبان الأخرى ما يلي:

  • البرولاكتين.
  • الأستروجين.
  • البروجيسترون.
  • الكورتيكويدات.
  • الأندروجينات.

ولهرمونات النمو الموجودة في اللحوم تأثيرٌ كبير على بلوغ الأطفال؛ إذ يمكن أن يؤدي استهلاك هرمونات النمو بعمر مبكر من خلال تناول منتجات اللحوم أو الألبان إلى دخول الطفل في سن البلوغ قبل 7 أشهر تقريباً من موعده الطبيعي، لكن تحتاج هذه الدراسة لمزيدٍ من التقصي لأن تأثيرات استهلاك هرمونات النمو والهرمونات الجنسية من خلال هذه المنتجات قد تكون خفية وتستغرق وقتاً طويلاً لتظهر بشكلٍ واضح.

2. السمنة والوزن الزائد

تُعد السمنة من أهم أسباب البلوغ المبكر، وعادةً يُراقَب مؤشر كتلة الجسم لدى الأطفال لمعرفة تجاوزهم الحد الطبيعي لمتوسط الوزن، وتؤدي السمنة إلى تغيير مستويات هرمون الإستروجين والإنسولين واللبتين، ما يؤدي إلى سن بلوغ مبكر.

ويؤكد بحث الدكتور أشرف سليمان، الأستاذ والاستشاري باختصاص الغدد الصماء لدى الأطفال في مركز حمد الطبي بالدوحة والمنشور عام 2014 في الدورية الهندية للأمراض الاستقلابية والغدية، أن الفتيات يبدأن بالبلوغ في سن مبكرة مقارنة بالعقود الماضية، وأن الأطفال الذين يعانون زيادة الوزن أو السمنة هم أكثر عرضة لدخول سن البلوغ مبكراً.

اقرأ أيضاً: ما هي الهرمونات الستيروئيدية؟ وكيف تؤثّر في الصحة الجنسية؟

3. التعرُّض للمواد الكيميائية المستخدمة في الصناعات الغذائية

يحيط بنا العديد من المواد البلاستيكية والكيميائية الصناعية التي تؤثّر في بلوغ الأطفال، وتُعد مادة بيزفينول أ (BPA)، وهي مادة كيميائية تدخل في صناعة الصناديق البلاستيكية وتغليف علب الطعام وزجاجات المياه وغيرها من العبوات المستخدمة في الصناعات الغذائية، الأكثر شيوعاً وتأثيراً، حيث يمكن أن تتسرب إلى الطعام وتسبب البلوغ المبكر لدى الفتيات.

بالإضافة للبيزفينول أ هناك الفثالات، وهي مواد كيميائية تُستخدم في مستحضرات التجميل ورذاذ الشعر ومزيلات العرق، وتؤدي إلى نمو الثدي المبكر لدى الفتيات وبلوغهنّ بشكلٍ سابق لأوانهنّ، وتندرج ضمن المواد الصناعية المسببة للبلوغ المبكر المواد الشبيهة بهرمون الأستروجين، إذ تنشط مستقبلات هرمون الأستروجين ما يؤدي إلى تفعيل تغيرات مختلفة في الجسم تقود للبلوغ المبكر، ومن أهم هذه المواد الديوكسين ومركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور، وبعض أنواع المبيدات.

4. الاستهلاك المفرط للسكر والوجبات السريعة 

يرتبط الاستهلاك المفرط للسكر بالعديد من المشكلات الصحية، بما في ذلك السمنة والاختلالات الهرمونية. لذا، يؤدي اتباع نظام غذائي غني بالأطعمة والمشروبات السكرية إلى البلوغ المبكر، ووفقاً لبحث منشور في دورية فرونتيرز للصحة العامة (Froniters) مطلع عام 2023، رُبط الحيض المبكر مع زيادة استهلاك المشروبات المحلّاة بالسكر، والمشروبات التي تحتوي على الكافيين والمُحلّيات الصناعية.

وذكر الدكتور عبدالمعين الأغا في أحد أبحاثه المنشورة بدورية ومنز هيلث كير (Women’s Health  Care) عام 2015، أن علامات البلوغ المبكرة مثل نمو شعر الثدي والعانة لدى الأطفال مرتبط بشكلٍ كبير باستهلاك اللحوم والوجبات السريعة والبطاطس المقلية والمشروبات الغازية، ولوحظ أيضاً أن الحيض المبكر يرتبط بشكلٍ كبير باستهلاك الدجاج المفرط.

5. مواقع التواصل الاجتماعي ومشاهدة محتوى البالغين والسهر الطويل

تؤدي مشاهدة مقاطع العنف والتعرض لمحتوى البالغين إلى التأثير على الدماغ وبشكلٍ خاص على الغدة النخامية التي تفرز هرمونات الغدد الجنسية التي تحفّز الخصيتين أو المبيضين على إنتاج الهرمونات الجنسية، ما يسبب البلوغ المبكر.

ووُجد أن التعرض للضوء الأزرق، أي الضوء الصادر عن الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية، يؤدي إلى البلوغ المبكر لدى ذكور الجرذان، وذلك وفقاً لبحث منشور في شهر يونيو/ حزيران عام 2023 في دورية فرونتيرز بمجال أمراض الغدد الصم، حيث قام باحثون من مستشفى مدينة أنقرة بيلكنت وجامعة غازي في تركيا بملاحظة حدوث بلوغ مبكر لدى ذكور الجرذان وإناثها نتيجة تعرضها للضوء الأزرق لفترات طويلة.

ويؤكد بحث الدكتور محمد مغني الأستاذ في طب الأطفال وأمراض الغدد الصم بمعهد جيانينا جاسليني في جنوفا بإيطاليا المنشور عام 2023، أن الفتيات اللواتي كُنَّ يستخدمن الهاتف الذكي أكثر من ساعتين باليوم من دون نشاط بدني في وقت جائحة كوفيد-19 كانت لديهنّ خطورة أكبر لحدوث البلوغ المبكر.

بالإضافة لذلك، يمكن أن يؤدي التعرض لضوء الأجهزة الذكية في ساعات الليل إلى تعطيل النوم وتخريب إيقاعات الساعة البيولوجية، ما يؤدي إلى انخفاض مستويات هرمون النوم (الميلاتونين) الذي ينشّط عند نقصه زيادة في إنتاج بروتين الكيسبيبتين (kisspeptin)، وهو أحد محفزات البلوغ. 

اقرأ أيضاً: دليلك إلى هرمون الإستروجين المتهم في أمراض النساء

مضاعفات البلوغ المبكر

يمكن أن يسبب البلوغ المبكر المضاعفات التالية:

  • الاضطرابات الاستقلابية: مثل مقاومة الإنسولين ومرض السكري من النوع الثاني. 
  • زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية: ومنها ارتفاع نسبة الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم وزيادة الوزن والسمنة. 
  • زيادة خطر الإصابة بالسرطانات: ومن أبرزها سرطان الثدي وبطانة الرحم لدى الفتيات وسرطان الخصية لدى الصبيان. 
  • الصعوبات النفسية والاجتماعية: إذ يواجه الأطفال الذين يتعرضون لبلوغ مبكر مشكلات نفسية لأنهم غير مستعدين نفسياً لتحمل التغيرات الفيزيولوجية والعاطفية الناجمة عن التغيرات الهرمونية، وتتجلى بالغضب الشديد أو الانعزالية والاكتئاب والقلق والاضطرابات الغذائية.
  • قصر القامة: إذ يمكن للبلوغ المبكر أن يزيد طول الأطفال مقارنة بأقرانهم بفترة معينة ثم يتوقف النمو قبل وصوله لأقصى طول وراثي ممكن، بينما يتابع الأطفال الذين يبلغون بعمر أكبر نموهم ليصلوا لطولهم الطبيعي.
  • التحديات الاجتماعية: أي زيادة خطر التعرض للتنمر والتحرش، وبشكلٍ خاص الفتيات.

اقرأ أيضاً: كيف نستدل على حدوث تأخر البلوغ عند المراهقين؟ وكيف يتم التعامل مع هذه الحالة الصحية؟

كيف يمكن الوقاية من إصابة الأطفال بالبلوغ المبكر؟

يمكنك المساهمة في الوقاية من البلوغ المبكر لأطفالك من خلال اتباع النصائح التالية:

  • منع التعرض للمواد الكيميائية المشابهة للأستروجين.
  • تجنب استخدام مستحضرات التجميل للفتيات الصغيرات.
  • تجنب الأطعمة المغلفة بالبلاستيك وحاويات الطعام البلاستيكية المستخدمة لإعادة التسخين وتخزين الأطعمة.
  • تناول الأطعمة العضوية من منتجات الألبان واللحوم وعدم تناولها مغلفة أو محفوظة بشكل معلبات. 
  • ممارسة الرياضة والقيام بالنشاطات البدنية 45 دقيقة في الأسبوع على الأقل لتفادي الإصابة بالسمنة.
  • الحد من التعرض للعنف التلفزيوني وغيره من مصادر العنف. 
  • تقليل التعرض لوسائل التواصل الاجتماعي، وعدم استخدام الهواتف الذكية للأطفال بعد الساعة الثامنة مساءً.
  • تجنب الوجبات السريعة والأطعمة والمشروبات التي تحتوي على مستوى مرتفع من السكر.

 اقرأ أيضاً: أبرز 7 خرافات حول الدورة الشهرية

يمكن أن يطول الحديث عن موضوع البلوغ المبكر، فهناك عدة عوامل تؤدي دوراً مهماً في حدوثه مثل الإصابة بأورام أو وجود حالة وراثية في العائلة وغيرها، لكن من الضروري الوقاية من المسببات الصناعية التي تسرّع وتيرة البلوغ المبكر في المستوى العام والعائلي، لأن لهذه الظاهرة عواقب خطيرة على المجتمع بأسره وفي حال أُهمِل علاجها الآن سيكون الأوان قد فات للتدخل.