هل كنا سنأكل العنب لو لم تنقرض الديناصورات؟ دراسة حديثة تجيب

3 دقيقة
هل كنا سنأكل العنب لو لم تنقرض الديناصورات؟ دراسة حديثة تجيب
عثر فريق من العلماء على بذور عنب متحجرة تتمتع بقرابة بعيدة مع تلك التي نعرفها ونحبها اليوم.

من المحتمل أن زوال الديناصورات الذي حدث في أعقاب انقراض العصر الطباشيري الباليوجيني الجماعي أتاح للعنب الذي نعرفه ونحبّه الانتشار والازدهار. اكتشف فريق من الباحثين بذور عنب متحجرة تعود إلى الفترة قبل 19-60 مليون سنة في كولومبيا وبنما وبيرو. هذه البذور هي أقدم مثال معروف لنباتات عائلة العنب في نصف الكرة الغربي، وهي الأولى التي تكشف عن جزء من قصة تطور العنب. وُصفت هذه العلاقة بين انقراض الديناصورات وظهور العنب في دراسة نُشرت بتاريخ 1 يوليو/تموز 2024 في مجلة نيتشر بلانتس (Nature Plants).

قال الأمين المساعد لعلم النباتات القديمة في مركز أبحاث نيغاوني التكاملي التابع لمتحف فيلد والمؤلف المشارك للدراسة، فابياني هيريرا، في بيان صحفي: "تنتمي هذه البذور إلى أقدم نوع من العنب يُكتشف في هذا الجزء من العالم، وهي أصغر سناً ببضعة ملايين من السنين من أقدم نوع من العنب يُكتشف في النصف الآخر من العالم. هذا الاكتشاف مهم لأنه يبيّن أن العنب بدأ الانتشار في مختلف أنحاء العالم بعد انقراض الديناصورات".

اقرأ أيضاً: 4 حقائق تُبيّن لماذا لم تهيمن الديناصورات على الأرض كما كنا نعتقد

إعادة ضبط الغابة

لا تُحفظ الأنسجة الرخوة مثل الفواكه على شكل أحافير عادة. فحص البذور هو الطريقة التي يدرس وفقها علماء النباتات القديمة النباتات القديمة غالباً، لأنها أكثر عرضة للتحجّر. يبلغ عمر أقدم بذور العنب المعروفة نحو 66 مليون سنة، وهذه هي الفترة التي ضرب فيها كويكب ضخم الأرض وأدى إلى حدث انقراض جماعي. لم يتسبب هذا الحدث بزوال الديناصورات وما يقدر بنحو 95% من الأنواع على الأرض فحسب، بل إنه تسبب بما يدعى "إعادة ضبط الغابة" وغيّر تركيبة نباتات الأرض. يفترض فريق الدراسة الجديدة أن انقراض الديناصورات ربما أسهم في تغيّر الغابات.

قالت الأمينة المساعدة في متحف علم الحفريات في جامعة ميشيغان والمؤلفة المشاركة للدراسة، مونيكا كارفاليو، في بيان صحفي: "من المعروف أن الحيوانات الكبيرة، مثل الديناصورات، تُغير الأنظمة البيئية المحيطة بها. نعتقد أنه إذا كانت هناك ديناصورات كبيرة تتجول في الغابة، فمن المرجح أنها كانت تُسقط الأشجار، ما أسهم في جعل الغابات أكثر انفتاحاً مما هي عليه اليوم".

مع ذلك، أصبح بعض الغابات الاستوائية، مثل غابات أميركا الجنوبية حالياً، أكثر كثافة بسبب غياب الديناصورات الضخمة التي من شأنها أن تسقط الأشجار. شكّلت طبقات الأشجار في النهاية طبقة سفلية وظُلّة، ومثّلت هذه الغابات الكثيفة الجديدة وسطاً ملائماً لنمو بعض النباتات.

يقول هيريرا: "بدأنا نرى في السجل الأحفوري المزيد من النباتات التي تستخدم الأغصان المعرشة لتسلق الأشجار، مثل العنب، في هذه الفترة تقريباً".

ربما ساعدت أنواع الطيور والثدييات التي تنوعت في السنوات التالية العنب من خلال نشر بذوره. وصفت دراسة نُشرت عام 2013 أقدم حفريات العنب المعروفة التي اكتُشفت في الهند. لم تكن بذور العنب مكتشفة في أميركا الجنوبية في ذلك الوقت، لكن هيريرا شك في احتمالية وجودها هناك؛ إذ يقول: "يتمتع العنب بسجل أحفوري ممتد يبدأ منذ نحو 50 مليون سنة، لذلك أردت اكتشاف بذور العنب في أميركا الجنوبية، لكن ذلك يشبه البحث عن إبرة في كومة قش. بحثت عن أقدم أنواع العنب في نصف الكرة الغربي منذ أن كنت طالباً جامعياً".

اقرأ أيضاً: هل ساعد تغيّر المناخ الديناصورات في الهيمنة على الأرض؟

بذرة صخرية

أجرى كل من هيريرا وكارفاليو بحثاً ميدانياً في جبال الأنديز الكولومبية في عام 2022. لفتت حفرية انتباه كارفاليو وتبين أنها مؤلفة من بقايا بذرة عنب عمرها 60 مليون عام. لم تكن هذه أول حفرية من نبات العنب تُكتشف في أميركا الجنوبية فحسب، بل كانت من أقدم الأحافير في العالم.

ليثوفا، أقدم بذرة عنب أحفورية تُكتشف في نصف الكرة الغربي في كولومبيا، ويبلغ عمرها نحو 60 مليون سنة. يبين الشكل العلوي الحفريات بجانبها إعادة إنشاء بالتصوير المقطعي. في حين يبين الشكل السفلي إعادة إنشاء فنية للبذرة. المصدر: الصور من فابياني هيريرا، الرسوم الفنية من بوليانا فون نورينغ

تمكن الفريق من التعرف على بذرة العنب بناءً على شكلها وحجمها وخصائصها المادية الأخرى على الرغم من صغر حجمها. كما أجرى الباحثون فحوصاً بالتصوير المقطعي في المختبر كشفت عن بنيتها الداخلية. أطلق الباحثون على الحفرية اسم "ليثوفا سوسماني" (Lithouva susmanii)، الذي يعني "عنب سوسمان الحجري"، تكريماً لآرثر سوسمان، أحد داعمي أبحاث علم النباتات القديمة في أميركا الجنوبية في متحف فيلد.

قال الباحث في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي والمؤلف المشارك للدراسة، غريغوري ستَل، في بيان صحفي: "هذا النوع الجديد مهم أيضاً لأنه يدعم الفرضية التي تنص على أن منشأ المجموعة التي تطورت منها كرمة العنب الرائجة هو أميركا الجنوبية".

اقرأ أيضاً: كيف يمكننا حماية الحيوانات المهددة بالانقراض بسبب تغيّر المناخ؟

أسفرت الأبحاث الميدانية اللاحقة التي أجريت في أميركا الجنوبية والوسطى عن وصف 9 أنواع جديدة من العنب الأحفوري اكتُشفت في كولومبيا وبنما وبيرو. هذه الحفريات هي أقارب بعيدة للعنب الذي موطنه نصف الكرة الأرضية الغربي. يوجد بعض الأنواع، منها نوعان من الليا (Leea)، فقط في نصف الكرة الأرضية الشرقي حالياً. تشير مواقع هذه الأنواع في شجرة عائلة العنب إلى أن رحلتها التطورية اتسمت بالاضطراب إلى حد ما.

قال هيريرا: "يبين السجل الأحفوري أن العنب هو رتبة تتمتع بقدرة كبيرة على التحمل؛ إذ إنها مجموعة مرّت بالكثير من أحداث الانقراض في منطقة أميركا الوسطى والجنوبية، لكنها تمكنت أيضاً من التكيّف والبقاء على قيد الحياة في أجزاء أخرى من العالم".

المحتوى محمي