كيف تؤثّر التغيرات المناخية في المحيطات: قصة جديدة من المحيط الهادئ

4 دقيقة
كيف تؤثر التغيرات المناخية على المحيطات: قصة جديدة من المحيط الهادئ
تهبُّ سحب كثيفة من المواد الجسيمية قبالة الصين في هذه الصورة الفضائية من عام 2016 (اتجاه الشمال إلى اليسار).

ضربت موجة حر بحرية ضخمة تحمل اسم "الفقاعة" (Blob) شمال شرق المحيط الهادئ عام 2013، وارتفعت درجات الحرارة إلى مستويات خطيرة غير مسبوقة، ما أدّى إلى وفاة الملايين من الحيوانات البحرية واضطراب نظام المحيطات البيئي الأوسع بطرق لم يتعافَ منها وقد لا يتعافى منها أبداً.

وعلى الرغم من أن هذه الفقاعة انتهت رسمياً عام 2016، فقد اندلعت موجات حر مشابهة لها عدة مرات منذ ذلك الحين، ولا يزال العلماء يحاولون تحديد السبب الدقيق لظهور الفقاعة وموجات الحر المشابهة لها، لكن تُسلّط دراسة حديثة الضوء على مدى الارتباط بين مكونات المناخ العالمي.

يشير هذا البحث، الذي قاده عالم الغلاف الجوي في جامعة المحيط الصينية، هاي وانغ، إلى أن التقدمات التي أحرزتها الجهات المعنية في مسألة البيئة في الصين، التي تهدف إلى إزالة تلوث الهواء الشديد في البلاد، أسهمت عن غير قصد في الارتفاع الشديد لدرجات حرارة سطح البحر الذي ساد في ساحل المحيط الهادئ من ولاية ألاسكا إلى كاليفورنيا.

اقرأ أيضاً: كيف أثّر تلوث الهواء في تواتر أحداث هطل الأمطار الغزيرة جداً؟

هل أدّت جهود الصين لإزالة تلوث الهواء إلى ظهور موجة الحر البحرية؟

اتخذت الصين إجراءات حازمة لحل مشكلة انبعاثات الهباء الجوي منذ أوائل العقد الثاني من الألفية الثالثة. قبل عقدين من الزمن، تراجعت جودة الهواء بمقدار كبير في الصين؛ إذ وصلت تركيزات المواد الجسيمية الدقيقة، وهي جزيئات تبلغ أقطارها أقل من 2.5 ميكرون وتحمل اسم "بي إم 2.5"، إلى 5-10 أضعاف من تلك التي تنص عليها المبادئ التوجيهية لجودة الهواء الآمن التي نشرتها منظمة الصحة العالمية. تهيِّج هذه الجسيمات الصغيرة، التي تنتج على نحو رئيسي من خلال حرق الوقود الأحفوري، الحلق والرئتين وتؤدي إلى نوبات الربو وترفع عدد حالات الدخول إلى المستشفى الناجمة عن المشكلات القلبية والوعائية. يمكن أن يزيد التعرض المطوّل لهذه المواد خطر الإصابة بالسكتة الدماغية وأمراض القلب والربو وسرطان الرئة.

وانخفض مستوى التلوث بالمواد الجسيمية الدقيقة "بي إم 2.5" في البلاد بنسبة 35% بين عامي 2010 و2017، خاصة بعد عام 2013 عندما اعتمدت الصين خطة تنفيذ جديدة خاصة بتنظيف الهواء. لكن انخفاض كمية هذه المواد السامة تسبب بسلسلة من التغيرات الجوية في الصين وخارجها.

ويزيد التلوث بالهباء الجوي الدقيق كثافة الغطاء السحابي في حين يحجب حرارة الشمس ويشتّتها. يبرّد ذلك سطح الأرض وقد يخفي أيضاً آثار الاحترار الناجم عن حرق النفط والغاز والفحم قليلاً. يقول وانغ إن إزالة التلوث كان لها تأثير معاكس؛ إذ أدى انخفاض تركيزات الهباء الجوي إلى ارتفاع درجة حرارة الهواء فوق شرق آسيا، ما تسبب بدوره بسلسلة من التغيرات الجوية التي أسهمت في رفع درجة الحرارة في شمال شرق المحيط الهادئ.

من منظور أوسع، يعرف العلماء آلية عمل موجات الحر البحرية الشديدة مثل موجة الفقاعة. إذا انخفضت سرعة الرياح السطحية فوق شمال شرق المحيط الهادئ لسبب ما، بسبب ركود نظام الضغط الجوي مثلاً، فستنخفض قدرة المحيط على طرح الحرارة الزائدة في الغلاف الجوي. يؤدي ذلك بحد ذاته إلى ارتفاع درجة حرارة الماء، ولكنه يؤدي أيضاً إلى سلسلة من التغييرات التي تتسبب بتفاقم المشكلة. على سبيل المثال، يقلل انخفاض سرعات الرياح من اختلاط المياه في الجزء العلوي من المحيط، ما ينجم عنه عادة صعود المياه الباردة من الأعماق تجاه السطح. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع درجات حرارة سطح البحر إلى خفض كثافة الغطاء السحابي من خلال التسبب باضطراب في الطبقة السفلية من الغلاف الجوي، ما يسمح بوصول كمية أكبر من أشعة الشمس إلى المحيط وتسخينه أكثر.

اقرأ أيضاً: هل سيشهد العالم الأحداث الجوية الشديدة البرودة في ظل الاحتباس الحراري؟

هل من المتوقع حدوث موجات حرٍّ بحرية أخرى؟

أدّى الاحتباس الحراري الناجم عن انبعاثات الكربون البشرية المنشأ إلى رفع درجات حرارة سطح البحر في مختلف أنحاء العالم، ما يزيد احتمال حدوث موجات الحر مثل الفقاعة. من المحتمل أيضاً أن التقلبات المناخية على أساس سنوي والتقلبات المحيطية الطويلة المدى أسهمت في الاحترار الشديد الذي تسبب بحدوث الفقاعة. وكذلك الأمر بالنسبة لجهود إزالة انبعاثات الهباء الجوي الخطيرة في الصين.

على وجه التحديد، تبيِّن الدراسة التي أجراها وانغ كيف أدّى انخفاض تركيزات الهباء الجوي في الصين إلى ارتفاع درجات الحرارة في شرق آسيا. أسهم هذا بدوره في رفع الضغط الجوي. تسبب ارتفاع الضغط هذا بانخفاض الضغط فوق بحر بيرنغ، ما أدّى في النهاية إلى انخفاض سرعة الرياح السطحية فوق شمال شرق المحيط الهادئ، محفّزاً دورة الاحترار.

يقول وانغ: "يمكن أن تؤثّر التغيرات في درجات الحرارة في منطقة ما في الغلاف الجوي الأوسع، كما يتسبب رمي صخرة في بركة بانتشار الأمواج عبرها".

يحرص وانغ على الإشارة إلى أنه على الرغم من أن هذه التغيرات الجوية ولّدت ظروفاً أساسية أكثر دفئاً أسهمت في تشكُّل الفقاعة، فإنه يؤكد أن سياسات الصين الهادفة إلى إزالة الهباء الجوي لم تتسبب بتشكُّل الفقاعة.

ويقول الخبير في النمذجة المناخية في جامعة ليدز في إنجلترا، كريس سميث، إن دراسة وانغ تظهر بذكاء أن النماذج المناخية الوحيدة التي تعيد إنشاء الفقاعة هي تلك التي تأخذ الانخفاض في نسب التلوث في الصين في الاعتبار. مع ذلك، فهو يتفق مع رأي وانغ المتمثل في أن الفقاعة نتجت عن "العديد من العوامل المختلفة التي تصب جميعها في النتيجة نفسها"، ولا سيما انبعاثات الغازات الدفيئة.

ويقول وانغ إنه على الرغم من أن بحثه يُسلّط الضوء على كيفية تأثير التلوث بالهباء الجوي في الطقس، سواء محلياً أو في مناطق في الجزء المقابل من العالم، فإن تلوث الهباء الجوي يمثّل خطراً على الصحة العامة ويجب عدم النظر إليه على أنه وسيلة للتلاعب بالمناخ.

اقرأ أيضاً: كيف أثّر تلوث الهواء في تواتر أحداث هطل الأمطار الغزيرة جداً؟

في الواقع، يبيّن تحليل حديث أن عدد الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء يبلغ 8 ملايين وفية، كما يصنف الخبراء التلوث بالهباء الجوي على أنه السبب الرئيسي الثاني للوفاة بين الأطفال دون سن الخامسة، بعد سوء التغذية مباشرة.

ويشير سميث أيضاً إلى أن التأثير الاحتراري الناجم عن انخفاض التلوث بالهباء الجوي قصير الأجل على الأرجح.

يقول وانغ إنه في نهاية المطاف، إذا أردنا منع حدوث الظواهر المتطرفة مثل الفقاعة في المستقبل، فالطريقة المثلى هي الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. هذا هو "الحل الوحيد المؤكد لتخفيف الاحترار الطويل المدى للمحيطات وتقليل آثار التغيّر المناخي والكوارث المترافقة مع الظاهرتين".