كيف ستؤثّر الموجات الحرارية في البشر مستقبلاً؟ وكيف يمكنهم التأقلم معها؟

5 دقيقة
كيف ستؤثّر الموجات الحرارية في البشر مستقبلاً؟ وكيف يمكنهم التأقلم معها؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/JitendraJadhav
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أدّى التغيّر المناخي إلى زيادة تواتر الموجات الحرارية وشدتها، ما زاد من تأثيرها في البشر وصحتهم البدنية والعقلية والمجتمعية، وقد تكون التغيرات سبباً لزيادة خطر الإصابة بالأمراض، أو الوفاة بسبب الحرارة الشديدة وتراجع جودة الهواء، أو تؤدي إلى زيادة تواتر الكوارث الطبيعية التي تهدد صحة الإنسان وسلامته.

كيف سيؤثّر سلوك الموجات الحرارية في البشر؟

تسهم الموجات الحرارية بارتفاع متوسطات درجات الحرارة، والتغيرات في هطول الأمطار، وزيادة في تواتر أو شدة بعض الظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع منسوب مياه البحر. وتهدد هذه التأثيرات صحتنا من خلال التأثير في الطعام الذي نأكله، والماء الذي نشربه، والهواء الذي نتنفسه، والطقس الذي نعيشه، وتزيد من شدة الاضطرابات الصحية التي تتأثر بالفعل بعوامل المناخ أو الطقس، أو من خلال خلق مشكلات صحية جديدة أو غير متوقعة في أماكن أو أوقات من العام لم تحدث فيها من قبل.

يزداد خطر التأثر بتغيّرات المناخ تلك بين الفقراء والأطفال والنساء الحوامل، وكبار السن، والفئات المهنية الضعيفة، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والأشخاص الذين يعانون حالات طبية معينة.

اقرأ أيضاً: مَن هم المرضى الأضعف في مواجهة موجات الحر الشديد؟ وكيف يواجهونها؟

بحسب وكالة حماية البيئة الأميركية، تندرج تأثيرات الموجات الحرارية في البشر تحت عدة فئات: 

التأثيرات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة

أدّى ارتفاع متوسط درجات الحرارة عالمياً إلى زيادة تكرار موجات الحر وزيادة طولها، ما أدّى بدوره إلى زيادة الوفيات المرتبطة بالحرارة، خاصة خلال فصل الصيف، وذلك بسبب الإصابة باضطرابات صحية مثل ضربات الشمس والجفاف، وأمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي والدماغ، كما تؤثّر هذه التغيرات في الحرارة في البشر الذين يعيشون شمال خط الاستواء وبعيداً عنه لأنهم أقل استعداداً للتعامل مع درجات الحرارة المفرطة. 

تتأثر فئات محددة من البشر بتغيرات الحرارة أكثر من غيرهم، مثل: 

  • العاملون في الهواء الطلق، والرياضيون، والمشردون، لأنهم أكثر تعرضاً للحرارة. 
  • الفقراء غير القادرين على الوصول إلى تكييف الهواء ما يزيد تعرّضهم للحرارة الشديدة. 
  • الأطفال الصغار والنساء الحوامل وكبار السن والأشخاص الذين يعانون حالات طبية معينة مثل الربو، فهم أقل قدرة على تنظيم درجة حرارة الجسم، وبالتالي يمكن أن يكونوا أكثر عرضة للحرارة الشديدة.
  • الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الحضرية لأنها أكثر دفئاً من المناطق الريفية المحيطة بها. 

اقرأ أيضاً: ثلاثة أرباع البشر قد يواجهون موجات حر مميتة بحلول عام 2100

تغيرات جودة الهواء

تتأثر جودة الهواء الداخلي والخارجي سلباً بتغيّرات المناخ، وتؤدي إلى حدوث نوبات الربو وغيرها من الآثار الصحية على الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، وزيادة عدد حرائق الغابات وخطورتها، والتي تؤدي إلى نفث الدخان وغيره من ملوثات الهواء غير الصحية. بالإضافة إلى ارتفاع مستويات مسببات الحساسية المحمولة في الهواء، مثل حبوب اللقاح.

ارتفاع نسبة الأوزون في الجو

يسبب ارتفاع درجات الحرارة الوصول إلى مستويات غير صحية من الأوزون، وهو ملوث هواء ضار، وأحد مكونات الضباب الدخاني. يزيد التعرض للأوزون من خطر الوفاة المبكرة أو دخول المستشفى بسبب اضطرابات في الجهاز التنفسي، فهو يلحق الضرر بأنسجة الرئة، ويضعف وظائفها، ويؤدي إلى التهاب الشعب الهوائية، ما يفاقم أزمة الربو وأمراض الرئة الأخرى. 

زيادة نسبة الجسيمات الصغيرة المعلقة

الجسيمات هي جزيئات صغيرة وقطيرات سائلة معلقة في الغلاف الجوي. يبلغ قطرها نحو 2.5 ميكرومتر، منها الغبار، ودخان حرائق الغابات، ورذاذ البحر، والجسيمات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، أو تنتج عن التفاعلات الكيميائية للغازات مثل ثاني أوكسيد الكبريت وثاني أوكسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة. تُحمل هذه الجسيمات في الهواء بعيداً عن مصادرها، ما يؤدي إلى امتداد تأثيراتها على مساحات واسعة، وتزيل الأمطار نسبة كبيرة منها.

يؤدي استنشاقها إلى مجموعة واسعة من الآثار الصحية الضارة، بما في ذلك سرطان الرئة ومرض الانسداد الرئوي المزمن وأمراض القلب والأوعية الدموية، يُعدّ كبار السن الأكثر تأثراً بها، بالإضافة إلى رجال الإطفاء لأنهم الأكثر تعرضاً لها. 

زيادة مسببات الحساسية والربو

أدّت تغيّرات المناخ وارتفاع تراكيز ثاني أوكسيد الكربون ودرجات الحرارة إلى الإزهار النباتي المبكر، وبدء موسم اللقاح قبل ميعاده، وبالتالي زيادة طوله، وزيادة الحساسية نحو حبوب اللقاح.

الآثار الناجمة عن الأحداث الجوية المتطرفة

تزيد الموجات الحرارية من تواتر بعض الظواهر الجوية المتطرفة وشدتها، مثل هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات والجفاف والعواصف التي تهدد صحة الناس في أثناء الحدث وبعده، فهي تقلل توفر الغذاء الآمن ومياه الشرب، وتدمر الطرق والجسور، وتعطّل الوصول إلى المستشفيات والصيدليات ومراكز الرعاية الصحية، وانقطاع خدمات الاتصالات بها، والمساهمة في التسمم بأول أوكسيد الكربون نتيجة الاستخدام غير السليم للمولدات الكهربائية في أثناء العواصف وبعدها، بالإضافة إلى خلق أو تفاقم تأثيرات الصحة العقلية مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة. 

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك حماية أطفالك في موجات الحر الشديدة؟

انتشار الأمراض المنقولة بالحشرات

تنقل بعض الحشرات مثل البعوض والقراد والبراغيث، ومسببات الأمراض المعدية، مثل الفيروسات والبكتيريا والأوالي، من الحيوانات إلى البشر. تؤدي التغيرات في درجات الحرارة وهطول الأمطار والأحداث المتطرفة إلى زيادة النطاق الجغرافي للأمراض التي تنشرها الحشرات، وبالتالي زيادة نسبة انتشار هذه الأمراض خلال العام.

انتشار الأمراض المرتبطة بالمياه

تسبب الموجات الحرارية المرتفعة وتغيّرات المناخ زيادة في هطول الأمطار الغزيرة والجريان السطحي. قد تحمل هذه الأمطار والمياه الجارية مسببات الأمراض المنقولة بالمياه من البكتيريا والفيروسات والطفيليات، بالإضافة إلى ازدهار الطحالب والبكتريا الزرقاء المنتجة للسموم في المياه، ومن ثَمَّ انتقال هذه العوامل الممرضة والسموم إلى البشر عبر شرب المياه غير النظيفة، أو تناول المأكولات البحرية التي نمت في هذه المياه.

علاوة على ذلك، يؤدي الجريان السطحي والفيضانات الناتجة عن الزيادات في هطول الأمطار الشديدة، والأعاصير والعواصف إلى تلويث المسطحات المائية المستخدمة للترفيه مثل البحيرات والشواطئ، ومياه نمو المحار والمأكولات البحرية، ومصادر مياه الشرب.

تُلحق العواصف الجوية أيضاً الضرر في البنية التحتية للمياه (مثل مياه الشرب أو محطات معالجة مياه الصرف الصحي)، ما يزيد من خطر تعرض الناس للملوثات.

تراجع سلامة الغذاء 

تؤدي درجات حرارة الهواء المرتفعة إلى زيادة حالات الإصابة بالتسمم الغذائي والأمراض مثل السالمونيلا وغيرها، لأن البكتيريا تنمو بسرعة أكبر في البيئات الدافئة. يمكن أن تسبب هذه الأمراض اضطرابات في الجهاز الهضمي، وفي الحالات الشديدة، قد تؤدي إلى الوفاة. يمكن أن تساعد ممارسات حماية الغذاء في تجنب هذه الأمراض حتى مع تغيّر المناخ.

سيؤدي ارتفاع درجات حرارة سطح البحر أيضاً إلى ارتفاع تركيزات الزئبق في المأكولات البحرية، كما أن التراكيز العالية من ثاني أوكسيد الكربون في الهواء يمكن أن تكون بمثابة “أسمدة” لبعض النباتات، ولكنها تقلل مستويات البروتين والمعادن الأساسية في المحاصيل مثل القمح والأرز والبطاطا، ما يجعل هذه الأطعمة أقل قيمة غذائية.

التأثير في الصحة النفسية

تتأثر الصحة العقلية لبعض الأشخاص بسبب التغيرات في الصحة البدنية أو البيئة المحيطة بهم بعدة طرق: 

  • قد يفقد الشخص أقرباءه أو منزله بسبب الكوارث الناتجة عن موجات الحرّ، ما يؤثّر في صحته النفسية.
  • تتضاعف نسبة وفاة الأفراد المصابين بأمراض عقلية عند تعرضهم للحرارة الشديدة. 
  • يزيد تناول أدوية الأمراض العقلية من صعوبة تنظيم درجة حرارة الجسم، وبالتالي يواجهون صعوبة أكبر في موجات الحر.
  • يزداد التوتر واضطرابات الصحة العقلية بسبب متابعة أخبار الكوارث الطبيعية الناتجة عن الموجات الحرارية.

اقرأ أيضاً: 10 نصائح عملية لتجهز منزلك ضد موجة الحر القادمة

كيف يمكن للبشر التأقلم مع الموجات الحرارية وتأثيراتها في المستقبل؟ 

سيتعين على البشر اللجوء إلى عدة ممارسات لمواجهة الموجات الحرارية، مثل:

  • استخدام مكيفات الهواء في الداخل.
  • زراعة الأشجار وزيادة الغطاء النباتي.
  • تجنب العمل في الأوقات الأكثر حرارة في اليوم، وبدء العمل في الساعة 5.30 صباحاً والانتهاء بحلول الساعة 1 ظهراً. 
  • تبريد المدن من خلال تصميم المباني وتحديثها مع أخذ الحرارة في الاعتبار، وزراعة المزيد من الأشجار وطلاء أسطح المنازل باللون الأبيض لتعكس الضوء بدلاً من امتصاصه.
  • تزويد المباني السكنية بمصدر طاقة احتياطي لضمان استمرار عمل مكيفات الهواء والمراوح في حال انقطاع التيار الكهربائي بسبب الحرارة.