تشتد المنافسة بين الشركات الأميركية التجارية الخاصة التي تُعنى بصناعة الفضاء، من خلال عرض إمكانياتها وتقديم تقنياتٍ وأفكارٍ جديدة حول الرحلات الفضائية، والسعي للفوز بعقودٍ مع حكومة الولايات المتحدة. وآخر ما خرج إلى العلن إعلان «جيف بيزوس» عن خطط شركة «بلو أوريجين» لبناء مستعمراتٍ للبشر على سطح القمر، وقد انتقد مسعاها هذا العديد من العلماء والخبراء، وقالوا أن أولوياتها يجب أن تنصب على حماية الأرض أولاً، وأشاروا إلى عدم واقعية طروحات بيزوس.
«بلو أوريجين ستصل إلى القمر». هذا ما أعلنه الملياردير الشهير «جيف بيزوس» صاحب شركة أمازون ومؤسس شركة «بلو أويجين» مؤخراً. فقد كشف «بيزوس» النقاب في مؤتمرٍ عقده في مركز وولتر أ.واشنطن للمؤتمرات، بحضور العديد من وسائل الإعلام وممثلين عن وكالة ناسا وصنّاع الفضاء، رسمياً عن المركبة الفضائية التي ستحمل اسم «بلو مون» (القمر الأزرق)، والتي ستكون قادرةً على حمل 6.4 طناً مترياً من المواد والمعدات والمركبات المسيرة إلى سطح القمر، وهي ذات تصميم أكبر، وستنقل البشر الراغبين بالسفر إلى القمر أيضاً.
في تفاصيل المؤتمر
صرّح بيزوس أمام الحاضرين في المؤتمر بعد أن أزاح الستار عن مجسم يمثل المركبة الكبيرة قائلاً: «ستسافر هذه المركبة إلى الفضاء»، ولكن هل يا تُرى بإمكان الشركة أن تفي بوعودها هذه في السنوات الخمس المقبلة، سنرى بكل الأحوال.
بدأ «بيزوس» العرض بمقدمةٍ مطوّلةٍ يشرح فيها الاحتياجات المتزايدة من الطاقة اللازمة لاستمرار الحضارة البشرية على الأرض واصفاً إياها بأنها «غير مُستدامة»، وهو ما دأب على قوله سابقاً: «ستنفذ مصادر الطاقة على الأرض يوماً ما، إنها مسألة وقتٍ فقط كي نشهد حدوث ذلك».
ولمواجهة مشاكل الطاقة على الأرض، كما يعتقد أغنى رجلٍ في العالم، يمكننا نقل الناس للفضاء وتوفير فرصة العيش والعمل لهم هناك. كما يزعم أنه يمكن تحقيق ذلك باستخدام بدائل الطاقة الموجودة على القمر بدلاً من استثمار أموالٍ طائلة في الطاقات المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، أو حثّ الناس لاتباع طرقٍ أذكى توفر استهلاك الطاقة.
ويقول بيزوس:«لقد منحتنا السماء هدية وهي جارنا القمر»، ويعتقد أنه يمكن الاستفادة من موارده المائية الموجود في هيئة جليدٍ مائي موجود في القطب الجنوبي للقمر لإقامة مستعمرةٍ مستدامة، ومن الممكن معالجة المياه المستخلصة من هذا الجليد لإنتاج الهيدروجين والأوكسجين، حيث استخدامهما كوقود للمركبة للقيام بمهام أخرى في المجموعة الشمسية.
وأضاف أن القمر يحوي الكثير من الموارد الثمينة الأخرى أيضاً، والتي يمكن التنقيب عنها واستخراجها، مثل المواد الشبيهة بالبلاتين و«الهليوم-3» (نظير غير مشع للهيليوم)، ويمكن نقل هذه المواد إلى الأرض بسهولةٍ نسبياً نظراً لجاذبية القمر المنخفضة.
مركبة بلو مون
مركبة بلومون هي أضخم مركبة صممت للهبوط على القمر حتى الآن بالتأكيد، فبالإضافة لقدرتها على حمل شحناتٍ كبيرةٍ، وأشخاصٍ كثيرين على متنها، يمكنها حمل 4 عربات فضائية على سقفها، ويمكنها إطلاق الأقمار الصناعية في مدار حول القمر. كما تم تزويد المركبة الفضائية بمحرك BE-7 الجديد الذي يعمل على الهيدروجين الذي قامت الشركة بتصنيعه، وسيشهد أول اختبار له هذا الصيف.
بلو أوريجين وإعلان البيت الأبيض، هل هناك علاقةٌ ما؟
يبدو أن إعلان إدارة ترامب عن الطلب من وكالة ناسا العمل على إعادة رواد الفضاء إلى القمر بحلول عام 2024، قد حفّز بشكلٍ ما بيزوس على الإعلان عن مركبة بلومون الجديدة، بل والالتزام بالإطار الزمني الذي حددته إدارة ترامب للوصول للقمر. كان «مايك بينس»، نائب الرئيس الأمريكي، قد صرّح في خطابٍ ألقاه في أواخر مارس/آذار الماضي أن البيت الأبيض قد طلب من ناسا تحقيق هذا الهدف «بأي وسائل ضرورية»، وقد أظهرت الإدارة تأييداً لاستخدام الصواريخ التجارية القابلة لإعادة الإستخدام والمركبات الفضائية التي ينتجها القطاع الخاص، إن لم تستطع ناسا توفير التقنيات اللازمة لتأمين الهبوط الآمن على سطح القمر بحلول عام 2024.
وقد أشار بيزوس صراحةً لخطاب بينس، وقال للحضور بأن الشركة، ونظراً لأنها بدأت بالتحضير للذهاب للقمر منذ 3 سنوات، يمكنها أن تحقق المهمة بنجاح بحلول عام 2024. ولأن الجدول الزمني المحدد لناسا ولشركة بلو مون هو نفسه، فقد تُقدم شركة بلو مون عرضاً لناسا لاستخدام مركبة «بلومون» لنقل البشر إلى القمر، نظراً لأنها لا تمتلك واحدة، وليست لديها أي أموال في الميزانية لبناء واحدة.
هل ستتمكن بلو أوريجين بالوفاء بوعودها؟
في الحقيقة، سمعة شركة «بلو أوريجين» سيئة لأنها غالباً تخفي نشاطها، لكن الشركة في المقابل قد تحدثت سابقاً بالفعل عن طموحاتها بالسفر إلى القمر. فقد صرّح بيزوس قبل عامين للمرة الأولى في حوارٍ مع الواشنطن بوست -التي يملكها- أن الشركة تنظر في إنشاء نظام شحن فضائي لنقل البضائع إلى القمر بحلول عام 2020. وأضاف أن الشركة كانت تبحث في الهبوط بمركبتها بالقرب من فوهة «شاكلتون» القمرية والتي يبلغ قطرها حوالي 19 كيلومتر، وبعمقٍ يصل إلى 3 كيلومترات تقريباً، وتقع في القطب الجنوبي للقمر، حيث أن بعض المناطق القريبة من الفوهة تتلقى كمية ووقتاً أطول من الإشعاع الشمسي، وهي مناطق مثالية لوضع ألواح الطاقة الشمسية. كما يعتقد العلماء أن الحفرة نفسها تحوي كمياتٍ كبيرة من الماء المتجمد، نتيجة لبرودتها الشديدة كونها في الظل دائماً.
(ذكرت الشركة الحفرة المُستهدفة في تغريدةٍ مشفّرة على تويتر كانت نشرتها في أبريل/نيسان، حيث أظهرت السفينة التي استخدمها «إرنست شاكلتون» -المستكشف القطبي الذي قاد 3 بعثات بريطانية إلى القطب الجنوبي، وسُميت الفوهة باسمه- في رحلته إلى القطب الجنوبي).
5.9.19 pic.twitter.com/BzvwCsDM2T
— Blue Origin (@blueorigin) April 26, 2019
وكانت الشركة قد أعلنت العام الماضي أنها بصدد تقديم تصاميم تجريبية لمركبة بلو مون، ولمعدات الهبوط التي ستؤمن الهبوط الآمن على سطح القمر، بينما أشار مسؤولون تنفيذيون آخرون في الشركة أن الهبوط على سطح القمر ربما سيكون في عام 2023.
تبدو خطط بلو أوريجين مثيرةً وجريئةً في توقيت طرحها، إلا أن الشركة لم تحقق الكثير من التقدم المرجو لضمان نجاح هذه الخطط. فصاروخ الإطلاق الشهير «نيو شيبارد» الذي تملكه شركة بلو أوريجين قد تم إطلاقه مراتٍ عدة (آخر مرة كانت الأسبوع الماضي)، وهو قابل لإعادة الاستخدام جزئياً، كما لم تجري تجربة إطلاقه خارج مدار الأرض. تخطط الشركة أيضاً لحمل البشر على متن صاروخ «نيو شيبارد» في وقتٍ لاحق من هذا العام. أما صاروخ «نيو جلين» الذي صمم لأن يكون قابلاً لإعادة الاستخدام قيد التطوير، ولن يجري اختباره حتى عام 2021. وكشف بيزوس أن تكلفة التزود بالوقود أقل من مليون دولار. وبالمقارنة، فإن صاروخ «فالكون 9» الأقل قوة والذي صممته «سبيس إكس»، يكلف ما بين 300 إلى 400 ألف دولار للتزود بالوقود.
برأيي أن «بلو أوريجين» اقتربت أكثر من أي وقتٍ مضى من الوصول إلى القمر، لكن ما يزال أمامها طريق طويل.