تقوم مركبة بيرسيرفيرنس الجوّالة التابعة لوكالة ناسا (Perseverance rover) حالياً بتجميع عيّنات التربة والصخور التي سيتم إرسالها يوماً ما إلى الأرض في فوهة جازيرو البركانية في كوكب المريخ. وفقاً للخطة الحالية، ستقوم هذه المركبة بنقل أنابيب العيّنات في 2030 إلى مركبة هابطة في المريخ لإرسالها إلى الأرض. لكن وفقاً لما أعلن عنه فريق مهمة استعادة العينات المريخيّة التابع لوكالة ناسا في أواخر شهر يوليو/تموز 2022، إذا فشلت هذه العملية لسبب ما، سيقوم زوج من الطائرات المروحية بأداء هذه المهمة.
إذا حدث ذلك، فستكون طائرتا استعادة العينات المروحيتان ثاني وثالث المروحيّات التي تحلّق على كوكب آخر. كما سيعُلِن استخدام هاتين الطائرتين في مهمة استعادة العينات المريخيّة (وهي مهمة مشتركة بين وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية) عن بدء مرحلة جديدة في استكشاف كوكب المريخ، والتي ستطير ضمنها الطائرات المروحية خفيفة الوزن بشكل متكرر في أجواء الكوكب الأحمر.
تم الإعلان عن خبر إضافة الطائرات المروحية إلى مهمة استعادة العينات المريخية بعد أكثر بقليل من عام من إنجاز أول طائرة لرحلة جوية تعمل بالنفث في التاريخ في كوكب آخر، عندما حلّقت طائرة إنجينويتي التابعة لوكالة ناسا (NASA’s Ingenuity helicopter) في أجواء المريخ في أبريل/نيسان 2021. منذ ذلك الحين، قامت هذه المروحية التجريبية بأكثر من 28 رحلة، متجاوزة التوقعات بكثير.
رحلات طيران اعتيادية
يقول تيدي زانيتوس (Teddy Tzanetos)، قائد فريق مهمة إنجينويتي في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا: "كان الهدف الأساسي لمهمة إنجينويتي هو إنجاز مرحلة أوليّة ثوريّة تفسح المجال لاستكشاف المريخ جوياً في المستقبل"، ويضيف: "كان هدف المهمّة هو جعل الطيران مملاً. والآن، يمكننا الاستمرار بإنجاز رحلات جوية مملة والقيام بنشاطات مثيرة ضمن هذه الرحلات المملة".
في البداية، تضمّنت فكرة مهمة استعادة العينات المريخية مركبة يطلق عليها اسم مركبة الاستعادة. وهي عبارة عن روبوت يستطيع تجميع العينات المخزّنة في أنابيب بواسطة مركبة بيرسيفيرنس. ستتمكن مركبة الاستعادة من نقل هذه الأنابيب عدة مئات من الأمتار عبر سطح المريخ إلى مركبة هابطة قرب فوهة جازيرو، حيث سيتم نقل أنابيب العينات إلى مركبة أسينت المريخية الجوّالة (Mars Ascent Vehicle). بعد ذلك، سترسل هذه المركبة حاويات توجد ضمنها العينات بالصواريخ إلى مدار المريخ حيث ستستلمها مركبة أخرى وتعيدها إلى الأرض.
تقول آن ديفيرو (Ann Devereaux)، نائبة مدير مهمة استعادة العينات المريخية: "إن تصميم مركبة كبيرة بما يكفي وقادرة على تجميع العيّنات هو أمر صعب". إن عملية تصميم ونقل مركبة مثل هذه مع مركبة أسينت المريخية هو أمر مكلف للغاية.
اقرأ أيضاً: هل تنجح وكالة الفضاء الأوروبية بإنتاج مركبات فضائية ذاتية التنظيف تحارب البكتيريا المرافقة للبشر إلى الفضاء؟
المروحيات قد تكون الخيار الأفضل لنقل العينات على المريخ
حاول الفريق البحث في أفكار أخرى في الوقت الذي أنجزت مهمة إنجينويتي رحلتها الجوية التجريبية الأولى. وبعد نجاح رحلة الطائرة المروحية الأولى، بدأ المهندسون يدرسون ما إذا كانت المروحيات هي الخيار الأفضل لنقل العينات التي جمّعتها مركبة بريسيفيرنس.
تقول ديفيرو إن المروحيات أصغر حجماً وأخف وزناً وأكثر سرعة في العديد من المواقف مقارنة بالمركبات الجوالة. وعلى الرغم من أنها تحتاج لوجود مكان آمن للهبوط، فإنها لا تواجه أي مشكلة في عبور الكثبان الرملية.
لن تختلف مروحيات مهمة استعادة العينات المريخية كثيراً عن مروحية مهمة إنجينويتي من ناحية التصميم. يقول زانيتوس: "عندما يتعلق الأمر بالروبوتات الفضائية، تعتبر التصاميم السابقة قيّمة للغاية"، ويضيف: "علينا أن نلتزم بتصميم مروحية إنجينويتي قدر الإمكان لأننا نعلم أنها موثوقة ومتينة".
يشرح زانيتوس قائلاً إنه نظراً لأن الهواء المريخي خفيف للغاية (إذ تبلغ كثافته 1% من كثافة هواء الأرض)، يجب على أي مركبة مريخية أن تكون خفيفة الوزن للغاية وأن تحتوي على شفرات دوّارة كبيرة وسريعة الدوران لتوفير قوّة رفع كافية. أكّدت رحلات الطيران المتكررة التي أنجزتها مروحية إنجينويتي، أن المحاكيات الديناميكية الهوائية الحاسوبية التي أجرتها وكالة ناسا كانت دقيقة لدرجة أن المهندسين سيستخدمون نفس النماذج الحاسوبية لتصميم الروبوتين الطائرين الجديدين.
"الآن، يمكننا الاستمرار بإنجاز رحلات جوية مملة والقيام بنشاطات مثيرة ضمن هذه الرحلات المملة".
تيدي زانيتوس
مع ذلك، لن تكون مروحيات الاستعادة الجديدة نسخاً طبق الأصل عن مروحية إنجينويتي. إذ أنه وفقاً لزانيتوس، سيضطر الفريق للقيام ببعض التعديلات لأن مهام المروحيتين الجديدتين لن تقتصر على الطيران فحسب. يضيف زانيتوس قائلاً إنه يجب على كل مروحية أن تطير لمسافة 701 متر تقريباً بعيداً عن المركبة الهابطة لتصل إلى موقع التخزين المؤقّت وتلتقط أحد الأنابيب وتعود إلى المركبة الهابطة لتضعه في موقع مخصص. ثم عليها أن تكرر هذه العملية 15 مرة.
اقرأ أيضاً: هل تشبه المركبات القمرية مستقبلاً الأطباق الطائرة؟
يعني هذا أن المروحيات يجب أن تكون قادرة على حمل أوزان أكبر من الوزن الذي تستطيع مروحية إنجينويتي حمله، والذي يبلغ 1.8 كيلوغرام. وفقاً لزانيتوس، يستدعي التصميم الحالي لمروحيات استعادة العينات إضافة بعض الأدوات، مثل الأذرع لالتقاط أنابيب العينات والعجلات للمناورة في مواقع التخزين المؤقت والتسليم. ما سيزيد وزن كل مروحية بمقدار نصف كيلوغرام تقريباً.
يقول زانيتوس: "لقد أجرينا الحسابات واستنتجنا أن هناك بعض التعديلات التي يمكننا إجراؤها على النظام الدوّار لجعل المروحية قادرة على حمل أوزان أكبر". الآن، بعد أن اعتمد قادة مهمة استعادة العينات المريخية فكرة مروحيات الاستعادة، يركّز زانيتوس وفريقه على إجراء هذه التعديلات.
إحدى الخطوات الأولى التي سيتعين عليهم إنجازها هي تحديد إلى أي مدى يمكنهم تطوير النظام الدوّار الخاص بمروحية إنجينويتي. صمّم المهندسون المروحية التجريبية لتمتلك قوة دفع أكبر بقليل من تلك التي يعتقدون أنها تحتاجها تحسباً لأن تكون البيئة المريخية أكثر قسوة مما توقّعته النماذج الحاسوبية التي صممها فريق المهمة.
يقول زانيتوس: "بدأنا العمل على إيجاد نقطة التوازن المثالية بين التطبيقات المختلفة التي يمكن إضافتها إلى المروحية"، ويضيف: "يمكننا أن نجعل الشفرات تدور بسرعة أكبر بقليل، ويمكننا زيادة حِمل النظام الدوار مثلاً، كما يمكننا أن نجعل وزن الطائرة أكبر من ذلك اللازم لأداء المهمة".
اقرأ أيضاً: وكالة ناسا تختبر ليزرات فضائية لنقل البيانات الرصدية إلى الأرض
أداء فريد لمروحية إنجينويتي
مع ذلك، قد لا تكون هناك حاجة لاستخدام المروحيات على الإطلاق. إذ إنه سيتم نقلها إلى المريخ تحسباً لفشل مركبة بيرسيرفيرنس في إيصال العينات أو تعطّلها قبل إتمام عملية استعادة العيّنات.
لكن نجاح مهمّة إنجينويتي ربما فتح المجال لاستخدام الطائرات المروحية على المريخ بالفعل.
إذ تقول ديفيرو واصفة الطريقة التي برهنت فيها مروحية إنجينويتي قدرتها على الطيران أمام مركبة بريسيفيرنس واستطلاع الأراضي التي ستسير فيها: "أدّت هذه المروحية مهامها بشكل رائع". تضيف ديفيرو أن الطائرات المروحية توفّر لنا وجهة نظر إضافية لكوكب المريخ. ربما ستتمكّن المروحيّات الشبيهة بالطائرات دون طيار يوماً ما من الطيران فوق الوديان الضيقة مثل تلك الموجودة في وادي مارينير كاشفة الطبقات الجيولوجية للمريخ عن قرب والتي لا تتمكن المركبات الجوالة من الوصول إليها.
اقرأ أيضاً: من المريخ إلى الأرض: 11 صورة مذهلة من البعثات الفضائية السابقة
يقول زانيتوس: "أصبح استخدام المركبات الجوالة الآن رائجاً في استكشاف المريخ"، ويضيف: "نحن نعلم كيفية تصميم هذه المركبات وتشغيلها. وأتمنّى أن ينطبق الأمر نفسه على الطائرات المروحية في العقود القادمة". يقول زانيتوس أيضاً إنه ربما ستملأ أساطيل المركبات الطائرة التي لها أجنحة الطائرات أو شفرات المروحيات سماء المريخ يوماً ما.