يواجه الناس حول العالم تهديدات متزايدة من الكوارث، سواء كانت طبيعية أو من صُنع الإنسان. تشمل هذه الكوارث الأوبئة والكوارث التكنولوجية والبيئية، وحتى اصطدام نيزك بالأرض أو قدوم عصر جليدي جديد. مثلاً، شهد عام 2023 سلسلة من الكوارث الطبيعية المدمرة، بداية من الفيضانات في ليبيا إلى الحرائق في دول حوض البحر الأبيض المتوسط والزلازل في المغرب وسوريا وتركيا. تسببت هذه الأحداث في خسائر اقتصادية هائلة، وأكدت الحاجة المُلحة إلى التخطيط والاستعداد للكوارث.
اقرأ أيضاً: هل تستطيع الحيوانات تحذيرنا من الكوارث الطبيعية الوشيكة مثل الزلازل والبراكين؟
تجاوز مصطلح "الكوارث الطبيعية"
تُشتق كلمة "كارثة" (Disaster) من الكلمة اللاتينية (astrum)، وتعني النجم، حيث اعتقد القدماء أن الزلازل والبراكين وغيرهما من الكوارث تحدث بأمر من السماء. يشير الخبراء إلى أن مصطلح "الكوارث الطبيعية" مضلل، فغالباً ما تكون الخسائر الكارثية نتيجة عوامل بشرية مثل:
- قصور في الوقاية والتأهب وضعف الاستعداد للمخاطر: مثل عدم الاستثمار في البنى التحتية والأنظمة اللازمة للحد من المخاطر وعدم وجود خطط فعّالة للاستجابة للكوارث.
- قلة الإرادة السياسية: عدم تخصيص الموارد اللازمة لتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود.
تؤدي الكوارث إلى تدمير البنى التحتية الحيوية، مثل الطرق والجسور والمباني، ما يعوق النشاط الاقتصادي، ويدفع بملايين الأشخاص إلى براثن الفقر، ويعرقل جهود التنمية، حيث تتطلب عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار بعد الكوارث تمويلاً كبيراً، ما يزيد الضغط على ميزانيات الدول، خاصةً النامية منها.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تبيّن أن الكوارث الطبيعية قد تسبب إتلاف الأنظمة الهرمونية للبشر
لماذا يجب الاستعداد للكوارث وإدارتها جيداً؟
أظهرت جائحة كوفيد-19 أن الكوارث يمكن أن تحل بأي مجتمع في أي وقت، فلم يعد الاستعداد للكوارث مجرد خيار، بل ضرورة مُلحة، خاصة مع تزايد النمو السكاني، والتوسع الحضري غير المخطط، وتغيّر المناخ، والتدهور البيئي، والفقر.
ما هي إدارة الكوارث؟
هي عملية الاستعداد والاستجابة للكوارث المحتملة بشكلٍ سريع وفعّال وتقليل تأثيرها إلى الحد الأدنى عبر مجموعة من الإجراءات الاستباقية التي تتخذها الحكومات أو المنظمات أو المجتمعات أو الأفراد للتعامل مع الكارثة. وتشمل خمس مراحل أساسية:
- الوقاية: منع الكوارث أو تقليل احتمالية حدوثها من خلال تحديد المخاطر ووضع احتياطات وتنفيذ خطط الإخلاء وتصميم البنى التحتية المقاومة للكوارث.
- الاستعداد والتأهب: التخطيط المسبق وتحديد المخاطر المحتملة، عبر التدريب المستمر وإجراء التدريبات وتقييم الخطط وتحديثها.
- الاستجابة: اتخاذ إجراءات فورية للتعامل مع الكارثة من خلال تنسيق جهود الاستجابة، وتوفير المساعدة الفورية وإزالة المخاطر وحماية الممتلكات.
- التعافي: إعادة بناء المجتمعات المتضررة واستعادة الخدمات الأساسية، وتوفير الدعم للمتضررين وإعادة بناء البنى التحتية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
- التخفيف: اتخاذ إجراءات للحد من تأثير الكوارث المستقبلية من خلال وضع تدابير هيكلية (مثل تقوية المباني)، وتدابير غير هيكلية (مثل قوانين البناء المحسنة).
تؤكد كلير كونولي نوكس Claire Connolly Knox، الخبيرة في إدارة الطوارئ والأزمات، أهمية مرحلة التخفيف في عملية إدارة الكوارث، وتشير إلى أن التخفيف عند تنفيذه بشكلٍ صحيح، يمكن أن يقلل بشكلٍ كبير من تأثير الكوارث المستقبلية. وتستشهد نوكس ببيانات من المعهد الوطني لعلوم البناء (National Institute of Building Science)، وتوضّح أن كل دولار يُستثمر في التخفيف يوفّر 6 دولارات بعد وقوع الكارثة.
اقرأ أيضاً: روبوت الأفعى: ما توصل إليه العلماء لإنقاذ البشر عند الكوارث
ما الاستعدادات الدولية للكوارث العالمية؟
على الرغم من قلة احتمالية حدوث بعض الكوارث العالمية، مثل اصطدام نيزك بالأرض أو قدوم عصر جليدي جديد، فإن المجتمع الدولي يتخذ بعض الخطوات للاستعداد للكوارث بمختلف سيناريوهاتها ومنها:
رصد المخاطر ومراقبتها
من خلال إجراء تقييم للمخاطر وإيجاد حلول للحد منها، واستخدام تقنيات جديدة مثل صور الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار لرسم خرائط للأماكن الأكثر عرضة للمخاطر. على سبيل المثال، تتبع وكالات الفضاء مثل ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية الأجسام القريبة من الأرض (NEOs) لتحديد مخاطر الاصطدام المحتملة وتقييمها، كما تراقب المنظمات الدولية مثل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التغيّرات المناخية وتأثيراتها المحتملة، بما في ذلك إمكانية حدوث عصر جليدي جديد.
تطوير خطط الاستجابة
وذلك عبر:
- إطار عمل سينداي، الذي وُضِع للحد من مخاطر الكوارث، وتعزيز قدرة الدول على الاستجابة لها، وذلك بدعم ومتابعة ومراجعة مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR).
- خطط الاستجابة للطوارئ، مثل التي تضعها منظمة الصحة العالمية (WHO) لمواجهة الكوارث الصحية الناجمة عن الكوارث الطبيعية.
- تنسيق الجهود الدولية وتطوير استراتيجيات التخفيف من المخاطر، كالتي تُنظّمها مجموعة عمل الفضاء الدولية المعنية بالأجسام القريبة من الأرض (IAWG) لرصد هذه الأجسام.
- جمع الخبراء من أنحاء العالم كافة لتقييم المعلومات المتوفرة حول احتمالية وقوع كارثة ما وتقديم المشورة للحكومات.
- إدارة المخاطر ووضع توجيهات لتقييمها وإدارتها بشكلٍ فعّال، ونشر وثائق مرجعية ومعالجة الآثار السلبية لها في الصحة والاقتصاد والبيئة.
- إنشاء مراصد متخصصة لتقييم المخاطر لتحسين القدرة على الصمود والتكيُّف معها، مثل المرصد الأوروبي للجفاف.
- تعزيز أنظمة التعليم لضمان استمراريته في البلدان التي تواجه أزمات إنسانية، وتحسين الاستعداد للكوارث والاستجابة لها، مثل مبادرة الإطار الشامل للسلامة المدرسية، التي أطلقها الاتحاد الأوروبي.
تطوير التقنيات الجديدة
على سبيل المثال:
- تقنيات انحراف الكويكبات: تُجرى الأبحاث لتطوير تقنيات يمكن استخدامها لتغيير مسار الكويكب الذي يهدد الأرض.
- تقنيات التكيُّف مع تغيّر المناخ: تُطور تقنيات جديدة باستمرار لمساعدة المجتمعات على التكيّف مع آثار تغيّر المناخ، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، والظواهر الجوية المتطرفة بجانب الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة وأنماط الحياة المستدامة.
اقرأ أيضاً: في حالات الطوارئ: كيف تساعدنا تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي؟
رفع مستوى الوعي العام
مثل:
- اليوم الدولي للحد من مخاطر الكوارث الموافق 13 أكتوبر/تشرين أول من كل عام، والذي خُصص للاحتفاء بالجهود العالمية في الحد من التعرض للمخاطر الطبيعية، والتركيز على أهمية التحول من الاستجابة بعد الكارثة إلى العمل الاستباقي قبل وقوعها.
- اليوم الدولي للكويكب الموافق 30 يونيو/حزيران من كل عام، ويهدف إلى زيادة الوعي بمخاطر اصطدام الكويكبات.
- حملات التوعية بتغيّر المناخ: وتهدف إلى تثقيف الجمهور حول تغيّر المناخ.
مبادئ توجيهية عالمية عند التدخل
تتضمن استراتيجيات التأهب للكوارث خطة للخروج عندما تصبح القدرات المحلية كافية أو عندما يمكن للحكومات المحلية أو شركاء التنمية تولي المسؤولية، كما تشارك المؤسسات الدولية الجهات الحكومية المحلية والوطنية عادة وتقدّم لها الدعم من خلال طرق مختلفة، مثل آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي، لا سيما في مجالات الوقاية والتأهب.
اقرأ أيضاً: انتشار المعلومات المضللة خلال الأزمات قد يكون مميتاً
الاستعداد القانوني: عامل حاسم في الاستجابة الفعالة للكوارث
حتى الحكومات الأكثر استعداداً قد تحتاج إلى مساعدة دولية عند وقوع كارثة كبرى. لكن، يمكن أن يؤدي عدم وجود قوانين منظمة لتلقي هذه المساعدة إلى تأخيرات وتحديات أمام الاستجابة الفعّالة. لذلك يضع عدد من المؤسسات الدولية مجموعة من التوجيهات والسياسات التي تهدف إلى تعزيز القدرة على الاستجابة للكوارث والحد من الآثار السلبية لها.
قانون الاستجابة للكوارث (IDRL)
ويهدف هذا القانون إلى تيسير المساعدة الدولية وتنظيمها في حالات الكوارث، ويُعتبر مرجعاً عالمياً في هذا المجال، حيث يقدّم توصيات للحكومات حول كيفية إعداد قوانين وخطط لمواجهة الكوارث الخاصة بها، بجانب الحد من مشكلات التنظيم التي قد تنشأ خلال عمليات الاستجابة الدولية للكوارث، ما يضمن وصول المساعدات المنقذة للحياة بشكلٍ أسرع وأكثر فاعلية.
تحديات إدارة الكوارث
وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال هناك تحديات كبيرة أمام الجهات المعنية المختلفة لمواجهة الكوارث العالمية. يتمثل أحد أكبر هذه التحديات في الحاجة إلى الاستعداد لمجموعة واسعة من حالات الطوارئ المحتملة، وصعوبة التنبؤ بوقت حدوث الكارثة ومكانها، وارتفاع التكلفة المطلوبة لتطوير تقنيات التخفيف من المخاطر ونشرها، بجانب الحاجة إلى تعاون دولي واسع النطاق.
الاستعداد الدائم للكوارث
قد تحدث الكوارث الطبيعية في أي مكان وزمان، دون سابق إنذار. لذا، فإن الاستعداد هو مفتاح السلامة:
- كُنْ على اطلاع: تعرّف إلى أنواع الكوارث الطبيعية التي قد تحدث في منطقتك وكيفية الاستجابة لها.
- خطط مسبقاً: ضع خطة طوارئ لعائلتك وحدد نقاط التجمع الآمنة وطرق الإخلاء.
- جهز حقيبة طوارئ: تحتوي على مستلزمات أساسية مثل الماء والغذاء والأدوية ومصباح يدوي وبطاريات.
- تعرّف إلى الموارد المتاحة: تعرّف إلى جهات الاتصال في حالات الطوارئ والملاجئ القريبة.
- الامتثال لتعليمات السلامة: اتباع توجيهات السلطات في أثناء الكوارث.