اعترفت شركة أسترازينيكا (AstraZeneca) لأول مرة منذ إطلاقها لقاحها المضاد لفيروس كورونا، بأن هذا اللقاح يمكن أن يسبب آثاراً جانبية شديدة النُدرة، وذلك في وثائق محكمة تتم مقاضاة شركة الأدوية وفقها، حيث يزعم المدعون على الشركة بأن لقاحها تسبب في الوفاة والإصابات الخطيرة لدى عشرات من الأشخاص.
اقرأ أيضاً: خبراء: فوائد لقاح أسترازينيكا تفوق آثاره الجانبية الخطيرة
سياق الأحداث التي أدّت لاعتراف أسترازينيكا بأن لقاحها يُحدِث أعراضاً جانبية خطيرة
رفع الدعوة الأولى ضد لقاح شركة أسترازينيكا المضاد لكوفيد-19 في 2023 رجل بريطاني من برايتون اسمه جيمي سكوت، وهو أب لطفلين ومهندس تكنولوجيا معلومات، حيث أُصيب بضررٍ دائمٍ في الدماغ بعد تعرضه لجلطة دموية ونزيف في الدماغ منعه من العمل بعد فترة من تلقيه لقاح أسترازينيكا للوقاية من كوفيد-19 في 23 أبريل/نيسان 2021، إذ اتصل موظفو المستشفى بزوجة سكوت 3 مرات ليخبروها بأن زوجها سيموت، لكنه استطاع البقاء على قيد الحياة.
لم تقبل شركة أسترازينيكا ادعاءات السيد سكوت وزوجته في المحكمة العليا في بريطانيا وطعنت بالدعوى، ولكن أصدرت الشركة في وثيقة قانونية قدّمتها إلى المحكمة العليا في بريطانيا في شهر فبراير/شباط 2024، أن لقاحها المضاد لفيروس كورونا يمكن، في حالات شديدة النُدرة، أن يسبب حالة تي تي إس (TTS)" وهو تجلط الدم المترافق مع متلازمة نقص الصفيحات، علماً أن الشركة نفسها كانت قد ردَّت على محامي سكوت في مايو/أيار 2023 عقب الدعوى الأولية وقالت: "نحن لا نقبل أن يكون سبب تجلط الدم المترافق مع متلازمة نقص الصفيحات هو اللقاح على المستوى العام". وقصد الشركة من ذلك القول إن هناك الكثير من الأسباب الممكنة لحدوث هذه الحالة وليس بالضرورة أن يكون لقاحها هو سببها.
رُفِعَت حتى اليوم نحو 50 دعوى أمام المحكمة العليا في بريطانيا ضد شركة أسترازينيكا، حيث يسعى الضحايا وأقاربهم للحصول على تعويضات مادية تُقدّر قيمتها بما يصل إلى 125 مليون دولار. وتقول زوجة سكوت: "نحن بحاجة إلى اعتذار وتعويض عادل لعائلتنا والعائلات الأخرى التي تضررت. لدينا الحقيقة إلى جانبنا، ولن نستسلم".
يقول المحامون الذين يرفعون الدعوى، إن لقاح أسترازينيكا المُصنَّع بالتعاون مع جامعة أوكسفورد ضد كوفيد-19 معيب، وإن فاعليته مبالغ فيها إلى حد كبير، وهذا ما تنفيه شركة أسترازينيكا بشدة في المحاكم.
اقرأ أيضاً: مسؤول في الأدوية الأوروبية: يجب التخلي عن لقاح أسترازينيكا لصالح جونسون
كيف يُسبب لقاح أسترازينيكا تشكُّل الجلطات؟
وفق دراسة نُشِرت في دورية ساينس أدفانسس (Science Advances) في 1 ديسمبر/كانون الأول 2021، اكتشف الباحثون الآلية التي تؤدي إلى تشكُّل جلطات الدم الخطيرة والتي يسببها لقاح أسترازينيكا؛ حيث يعتمد لقاح كوفيد-19 على استخدام الناقلات الفيروسية الغدّية لتدريب الجهاز المناعي على تطوير مناعة ضد فيروس كورونا، ويرتبط الفيروس الغُدّي للقاح أسترازينيكا أحياناً ببروتين في الدم يُسمَّى «عامل الصفائح الدموية 4»، ويمكن أن يؤدي هذا الارتباط إلى رد فعل تبدأ فيه الخلايا المناعية بمهاجمة البروتين، ما يسبب الجلطات أو انخفاض الصفيحات المناعي المحفّز باللقاح (VITT).
ووفقاً لما صرّحت به شركة أسترازينيكا في 2 ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى صحيفة واشنطن بوست، فالشركة تقول إن نتائج الدراسة السابقة ليست حاسمة، وإنها تقدّم رؤى مثيرة للاهتمام، وإن الشركة تستكشف طرقاً للاستفادة من هذه النتائج كجزءٍ من جهودها لإزالة هذا التأثير الجانبي النادر للغاية من اللقاح.
الجدير بالذكر أن هذه الدراسة مُوِّلت من قِبل شركة أسترازينيكا نفسها، والمعلومات المتوفرة فيها كانت الشركة قد وفّرتها للباحثين الذين ينتمون إلى مايو كلينيك وجامعة كارديف وجامعة ولاية أريزونا.
تبعات اعتراف الشركة بالأضرار الجانبية النادرة للقاح
على الرغم من أن شركة أسترازينيكا أدرجت تجلط الدم المترافق مع متلازمة نقص الصفيحات ضمن الأعراض الجانبية الشديدة النُدرة للقاح، فاعترافها في وثائق المحكمة في فبراير/شباط 2024 يُعدّ اعترافاً لأول مرة ضمن محكمة بأن اللقاح قد يكون سبباً مباشراً للإصابة بتجلط الدم المرتبط بالحالات الصحية الخطيرة كما حدث مع سكوت، ومن الممكن أن يفتح هذا الاعتراف المجال أمام الكثيرين ممن عانوا أعراضاً جانبية لكي يقاضوا الشركة بالاستناد إلى تصريحهم الأخير.
اقرأ أيضاً: معلومات جديدة قد تفسّر لماذا تسبب لقاح أسترازينيكا بالجلطات الدموية
لكل نوع من أنواع اللقاحات والأدوية آثارٌ جانبية، لكن يتوجب على الشركات المنتجة للقاح أن تذكر هذه الآثار الجانبية وألّا تفوق هذه الآثار الضرر الذي تحمي منه؛ أي أنها يجب ألا تزيد خطورة على الحالات التي يمكن أن يسببها كوفيد-19. وبما أن لقاح أسترازينيكا أظهر أعراضاً خطيرة كتجلط الدم على فئة الشباب بشكلٍ خاص، ومن المعروف أن مناعة فئة الشباب أقوى وهم أكثر قدرة على مقاومة الفيروس وآثاره المرضية من كبار السن حتى بدون أخذ اللقاح، فقد يشكّل أبناء فئة الشباب النسبة الأكبر من المشتكين في المستقبل.
أبدت الشركة بدورها تعاطفاً مع أي شخص فقد أحباءه أو أبلغ عن مشكلات صحية. وقال متحدث من الشركة، إن سلامة المرضى هي أولويتهم القصوى، والسلطات التنظيمية لديها معايير واضحة وصارمة لضمان الاستخدام الآمن للأدوية جميعها، بما في ذلك اللقاحات.