تصميم أول خريطة كاملة لدماغ ذبابة الفاكهة: فكيف سيستفيد منها الطب؟

8 دقيقة
تصميم أول خريطة كاملة لدماغ ذبابة الفاكهة: فكيف سيستفيد منها الطب؟
رسم تمثيلي ثلاثي الأبعاد للعصبونات البالغ عددها نحو 140 ألف عصبون في دماغ ذبابة الفاكهة.

ملخص: أدمغة الحيوانات هي أعضاء بالغة التعقيد تتألف من العصبونات والاتصالات العصبية بينها، وسيساعد إنشاء خريطة لهذه الاتصالات على فهم آلية عمل الأدمغة. تمكّن العلماء من إنشاء خريطة كاملة للعصبونات والاتصالات العصبية في دماغ ذبابة الفاكهة، وهي أول خريطة كاملة لدماغ حيوان بالغ وأكبر وأكثر خريطة مفصّلة على الإطلاق. ذباب الفاكهة نموذج ممتاز لدراسة آلية عمل الأدمغة لأن أدمغة هذه الحشرات مشابهة للغاية لأدمغة البشر على مستوى الاتصالات العصبية ومستوى بنية الدارات العصبية. لكن هناك اختلافات عديدة بين أدمغة البشر وأدمغة ذباب الفاكهة، مثل أحجام العصبونات وعدد العصبونات التي يربط بينها المشبك العصبي الواحد. هناك أيضاً أوجه تشابه واختلاف في الظواهر الكيميائية العصبية بين أدمغة البشر وأدمغة الذباب؛ إذ تحتوي أدمغة الذباب على النواقل العصبية نفسها لكن وظائفها قد تختلف. بالإضافة إلى ذلك، هناك أوجه تشابه في آلية العمل بين أدمغة النوعين. ما يُميّز الخريطة الجديدة هي أنها تمثّل أساساً يمكن مقارنة خرائط الاتصالات العصبية التجريبية المستقبلية به، كما يمكن دمجها مع الخرائط التي يمكن إنشاؤها بطرق أخرى لدراسة أدمغة الحيوانات الصغيرة.

الأدمغة هي أعضاء بالغة التعقيد تتألف من العصبونات والاتصالات العصبية بينها. وإنشاء خريطة لهذه الاتصالات هو خطوة مهمة لفهم آلية عمل هذه الأدمغة. حقق العلماء مؤخراً الإنجاز الأكثر طموحاً على الإطلاق الذي يهدف إلى إنشاء مثل هذه الخريطة، وهو إنشاء خريطة كاملة توثّق كل عصبون واتصال عصبي في دماغ ذبابة الفاكهة البالغة.

يحتوي البحث الجديد على أول خريطة من نوعها لحيوان قادر على المشي والرؤية، وهي أول خريطة كاملة لدماغ حيوان بالغ. تحتوي هذه الخريطة على مخطط للعصبونات جميعها البالغ عددها 139,255 عصبوناً في دماغ ذبابة الفاكهة السوداء البطن (Drosophila melanogaster)، بالإضافة إلى الاتصالات العصبية بينها البالغ عددها 50 مليون اتصال عصبي، وهي أكبر خريطة أنشأها الباحثون وأكثر خريطة مفصّلة على الإطلاق. أنشأ الباحثون خريطة مشابهة ليرقة ذبابة الفاكهة من قبل، ولكن أدمغة اليرقات أصغر بكثير؛ إذ إنها تحتوي على نحو 3 آلاف عصبون فقط. يعالج دماغ ذبابة الفاكهة البالغة كمية أكبر بكثير من المعلومات مقارنة بدماغ اليرقة، كما أنه ينظّم عدداً أكبر من السلوكيات.

وصف الباحثون الخريطة الجديدة في ورقتين بحثيتين نشرتهما مجلة نيتشر (Nature) بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وهي نتيجة جهد تعاوني لفريق يتألف من 287 باحثاً من 76 مؤسسة على مستوى العالم، كما أنها تضم أكثر من 100 تيرابايت من البيانات.

اقرأ أيضاً: ما موجة الموت التي تصيب الدماغ؟ وما فوائد دراستها؟

ما مدى تشابه دماغ ذبابة الفاكهة مع دماغ البشر؟

تحدث المؤلفون المشاركون للورقتين البحثيتين، فيليب شليغل وسفين دوركينفالد وسيباستيان سَنغ وغريغوري جيفرِس ودافي بوك ومالا مورثي، مع بوبيولار ساينس عن هذا الإنجاز البارز.

لا شك في أن هناك فرقاً هائلاً في الحجم بين دماغ ذبابة الفاكهة البالغة ودماغ الإنسان، كما أن دماغ ذبابة الفاكهة يحتوي على بنى مثل الجسم الفطري لا يحتوي عليها دماغ الإنسان، لكن من ناحية كيفية اتصال العصبونات وآلية تشكيل "الوصلات"، ما مدى تشابه دماغ ذبابة الفاكهة مع دماغ البشر؟

فيليف شليغل: أدمغة البشر وأدمغة الحشرات متشابهة للغاية على مستوى الاتصالات بين العصبونات، وهذا ما يجعل ذبابة الفاكهة نموذجاً ممتازاً لدراسة آلية عمل الأدمغة. مع ذلك، هناك أيضاً الكثير من الاختلافات، وألاحظ شخصياً أنني غالباً مهتم بأوجه الاختلاف أكثر من أوجه التشابه.

سيباستيان سَنغ: الجسم الفطري مثال ملائم للغاية. لا شك في أن أدمغة البشر لا تحتوي على هذا الجسم الذي يؤدي دوراً في وظيفة الشم. مع ذلك، يعتقد العلماء أن القشرة الكمَّثْرية في أدمغة البشر تشبه الجسم الفطري في أدمغة الحشرات من حيث الاتصالات العصبية. (هناك أيضاً تشابه بين مكونات الجهاز الشمي الأخرى لدى البشر والحشرات). بما أن جينوميّ الذباب والبشر متشابهان، توقّع العلماء منذ زمنٍ أن أدمغة الذباب والبشر يجب أن تكون متشابهة على المستوى الجزيئي. تأخّر العلماء حتى أدركوا أن هناك أوجه تشابه على مستوى الدارات العصبية أيضاً، وهي أوجه اكتشفوها من خلال فحص أنماط الاتصالات العصبية.

[هناك سؤال مهم هنا]، ما هو سبب وجود أوجه التشابه في هذه الدارات علماً أن السلف التطوري للذباب والبشر قديم للغاية؟ ربما أوجه التشابه نتجت عن التطور التقاربي. تبدو الأجهزة الشمية للذباب والبشر مختلفة للغاية على المستوى الجزيئي؛ إذ إن جينات المستقبلات الشمية مختلفة في النوعين. لكن ربما أصبحت الدارات متشابهة في النهاية لأنها تؤدي وظائف المعالجة نفسها.

مقطع الفيديو: رسم تمثيلي ثلاثي الأبعاد للعصبونات البالغ عددها نحو 140 ألف عصبون في دماغ ذبابة الفاكهة. المصدر: مصدر البيانات: موقع فلاي واير (FlyWire.ai)، الرسم التمثيلي بواسطة فيليب شليغل (جامعة كامبريدج/مختبر البيولوجيا الجزيئية التابع لمجلس الأبحاث الطبية).

دافي بوك: تعمل شبكات كبيرة من العصبونات في أدمغة ذباب الفاكهة والبشر معاً بطريقةٍ ما لمعالجة المعلومات وتنظيم السلوك وتخزين الذاكرة واسترجاعها. تولد العصبونات لدى النوعين جهود الفعل الكهربائية وتستخدم النواقل العصبية نفسها وما إلى ذلك. يتسم دماغ كلٍ من البشر وذباب الفاكهة باتصال عصبي تكراري على نطاقٍ واسع، ويظهر كلا الدماغين علامات تبين أنهما يتمتّعان ببنية شبكية مثيرة للاهتمام نود بشدة أن نفهمها بتفصيل أكبر.

لذلك، على الرغم من وجود اختلافات بين أدمغة الكائنات المختلفة، فإن أُسس الآلية التي تنتظم وفقها الشبكات الكبيرة من العصبونات التي تعالج المعلومات وتخزّنها وتسترجعها ستكون مشتركة عبر الأنواع المختلفة دون شك. فهم هذه الظاهرة صعب، ويبدو أن أدمغة الذباب البالغ تمثّل مرحلة وسطية بين الأدمغة "الأبسط كثيراً من أدمغة البشر" وتلك "المثيرة للاهتمام للغاية" من حيث معالجة المعلومات والقدرات السلوكية.

اقرأ أيضاً: 100 عام من تخطيط كهربية الدماغ: كيف غيّر علم الأعصاب؟

ما هي أوجه التشابه والاختلاف بين عصبونات ذباب الفاكهة النموذجية ونظيراتها لدى البشر؟

إذا افترضنا أن هناك عصبونات "نموذجية"، فما هي أوجه التشابه والاختلاف بين عصبونات ذباب الفاكهة النموذجية ونظيراتها لدى البشر؟ هل تتمتّع هذه العصبونات بالحجم نفسه؟ هل تتمتّع بالعدد نفسه من التغصّنات والنهايات المحورية؟ وهل تشكّل أعداداً متقاربة من الاتصالات؟

فيليب شليغل: تعريف العصبون "النموذجي" ليس بسيطاً، وذلك بالنظر إلى العدد الكبير من أنواع الخلايا (الذي يتجاوز 8 آلاف نوع) الذي اكتشفه العلماء في أدمغة ذباب الفاكهة الصغيرة نسبياً. على سبيل المثال، يبلغ "الطول" الوسطي للعصبون الواحدة في الجهاز البصري لذباب الفاكهة نحو 0.6 مليمتر (وهو مجموع أطوال تفرعات العصبون جميعها)، وله نحو 270 نقطة دخول ونحو 500 نقطة خروج. ذكر جيفرِس ذلك بالفعل أدناه، لكن تقدير أن عصبونات الثدييات أكبر بنحو 10 مرات من العصبونات ذباب الفاكهة دقيق على الأرجح.

تتمتّع المشابك العصبية في أدمغة الثدييات بتناظر أحادي، أي أن كل مشبك يربط عصبونين فقط. على النقيض من ذلك، تتمتّع المشابك العصبية للحشرات عادة بتناظر متعدد (ويصفُها العلماء بأنها "كثيرة التعدد")، ما يعني أن المشبك يربط العديد من العصبونات المختلفة معاً. لا يزال سبب ذلك غير معروف، لكن ربما له علاقة بأن أدمغة الحشرات تطورت لتتمتّع بأكبر قدرٍ ممكن من الاتصالات العصبية (ما يعزز قدرتها على المعالجة) في دماغ صغير للغاية.

سيباستيان سَنغ: عصبونات البشر أكبر بكثير عادة. قد يمتد عصبون واحد من أحد جوانب الدماغ إلى الجانب الآخر، أو من الدماغ إلى النخاع الشوكي. كما أن عصبونات الزرافات أو الحيتان أكبر من ذلك.

رسم تمثيلي ثلاثي الأبعاد للعصبونات البالغ عددها 75 ألفاً في الجهاز البصري للذباب. المصدر: مصدر البيانات: موقع فلاي واير (FlyWire.ai)، الرسم التمثيلي بواسطة فيليب شليغل (جامعة كامبريدج/مختبر البيولوجيا الجزيئية التابع لمجلس الأبحاث الطبية).

ما هي أوجه التشابه والاختلاف في الظواهر الكيميائية العصبية بين أدمغة الذباب والبشر؟ هل تحتوي أدمغة الذباب على النواقل العصبية نفسها التي تحتوي عليها أدمغة البشر أمْ أنها مختلفة؟ هل تؤدي النواقل العصبية الوظائف نفسها في أدمغة البشر والذباب؟ وهل تحتوي أدمغة الذباب على نواقل عصبية لا تحتوي عليها أدمغة البشر؟

فيليب شليغل: تحتوي أدمغة الذباب على النواقل العصبية نفسها التي تحتوي عليها أدمغة البشر (الدوبامين وحمض غاما-أمينوبيوتيريك والأسيتيل كولين، وما إلى ذلك).

سيباستيان سَنغ: النواقل العصبية الرئيسية هي نفسها لدى البشر والذباب، لكن هناك اختلافات في آلية عملها. على سبيل المثال، الغلوتامات هو ناقل استثاري غالباً في أدمغة البشر، ولكنه ناقل مثبّط غالباً في أدمغة الذباب. مع ذلك، هناك أوجه تشابه بين وظائف النواقل العصبية. على سبيل المثال، يبدو أن الدوبامين يؤدي وظيفة مهمة في عملية "التعلم المعتمد على المكافأة" لدى الذباب والبشر.

هل تعمل أدمغة الذباب بطريقة مشابهة جوهرياً لأدمغة البشر ولكنها أصغر وإنشاء خريطة لها أسهل؟ أم أن هناك اختلافات كبيرة؟

سيباستيان سَنغ: تعتمد إجابة هذا السؤال على وجهة النظر. هناك أوجه تشابه واختلاف في آلية العمل بين أدمغة البشر والذباب. نعلم أن الدارات العصبية المسؤولة عن الشم والبصر والتوجيه في أدمغة الذباب تتمتّع بأوجه تشابه بنيوية مع الدارات العصبية التي تؤدي الوظائف نفسها لدى الثدييات. ما أقصده هو أن هذه الدارات تتمتّع بأنماط اتصال عصبي متشابهة، تماماً كما تتمتّع أبنية مختلفة بأنماط معمارية متشابهة.

يستفيد علماء الأعصاب من "كونيكتوم" الذباب (connectome، وهو الخريطة الشاملة للاتصالات العصبية الدماغية) للتوصل إلى فهم عميق غير مسبوق لوظيفة الدماغ عموماً. سيساعدنا فهم آلية عمل أي دماغ ندرسه حالياً على فهم آلية عمل الأدمغة عموماً.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: الطريقة التي تتعامل بها أدمغة الذباب مع الأحداث الصادمة تساعدنا على فهم الشيخوخة

لماذا درس الباحثون هذا النوع المحدد من ذباب الفاكهة بكثافة؟ ما الذي يجعله ملائماً للدراسة؟

سيباستيان سَنغ: استخدم علماء الأحياء ذباب الفاكهة الأسود الظهر على أنه نموذج حي على مدى أكثر من قرن من الزمن، ما دفع علماء الأعصاب إلى اعتماده أيضاً. مع ذلك، سيدرس العلماء في المستقبل القريب كونيكتومات الحشرات الأخرى أيضاً، مثل النمل والبعوض والنحل وغيرها. ستمثّل مقارنة هذه الخرائط الشاملة للاتصالات العصبية مجالاً بحثياً مثيراً وممتعاً، وكذلك كشف علاقتها بالسلوكيات الشديدة التنوّع للحشرات.

مالا مورثي: الذباب هو نظام نموذجي مهم في مجال علم الأعصاب لأن أدمغة هذه الحشرات تؤدي الكثير من عمليات المعالجة نفسها التي تجريها أدمغة البشر، ولأنها قادرة على اتباع سلوكيات معقدة مثل المشي والطيران والتعلم، وتستطيع تخزين الذاكرة واسترجاعها وتوجيه نفسها والتغذية، وحتى التفاعل الاجتماعي. أدرس إلى جانب زملائي في مختبري كيف يؤدي الدماغ دور الوسيط في التواصل الاجتماعي، واكتشفنا أن الذباب يستخدم إشارات الاستجابة التي تولدها الحشرات الأخرى في الجماعة، مثل المشاهد البصرية والأصوات، لاتخاذ القرارات بشأن الإجراءات التي يجب اتخاذها في كل لحظة زمنية، كما تستطيع هذه الحشرات اتباع خيارات مختلفة في سياقات مختلفة. تشارك أغلبية مناطق الدماغ في هذا النوع من السلوك المعقد، ما يعني أن فهمه يتطلب إنشاء خريطة كاملة للاتصالات العصبية الدماغية جميعها.

ما هو مفهوم ندفة الثلج؟

ناقشتم في الورقتين البحثيتين سابقتي الذكر فكرة "ندفة الثلج" والسؤال المتعلق بمدى تمثيل أي دماغ من نوع من الكائنات الحية لهذا النوع، هل القصد هنا أن الاتصالات العصبية في بنية الدماغ (أو "الوصلات") قد تختلف على الرغم من أن هذه البنية (أي "الدارات" العصبية الدماغية إذا أردنا استخدام استعارة إلكترونية) متشابهة عبر الأنواع المختلفة؟ على سبيل المثال، هل يمكن أن يكون العصبون سين متصلاً مادياً بالعصبون عَين في دماغين مختلفين، ولكن الاتصال بينهما غير نشط في أحد الدماغين ولكنه نشط في الآخر؟

فيليب شليغل: هذا سؤال مثير للاهتمام. نميلُ في علم الكونيكتوم إلى أن نقول إن الاتصال بين عصبونين "وثيق" إذا تألف من العديد من المشابك العصبية. وبناءً على المقارنة التي أجريناها بين مجموعة بيانات منصة فلاي واير (FlyWire) وخريطة دماغية جزئية سابقة، لاحظنا أن الاتصالات الوثيقة موجودة دائماً تقريباً في كلا الدماغين. تتساءل أنت الآن (وكذلك العديد من علماء الأعصاب) إذا كانت هذه الوثاقة "البنيوية" للاتصال تؤدي بالضرورة إلى كفاءة "وظيفية".

الجواب القصير هو نعم على الأرجح، لكن الجواب الأطول قليلاً هو أننا غير واثقين بعد، لكن وفقاً لمعلوماتي، اتضح أن الاتصالات السليمة وظيفياً التي وصفتها الدراسات الفيزيولوجية والسلوكية السابقة هي اتصالات وثيقة بنيوياً أيضاً في الكونيكتوم. مع ذلك، لم نتوصل بعد إلى إجابة حاسمة، وهذه مسألة يتعين على مجتمع علم الأعصاب تناولها في السنوات القادمة.

يُثير ذلك أيضاً التساؤل حول وجود نوع ما من الشمولية في تشكّل "الوصلات"، أي إن كانت هناك عصبونات متصلة دائماً.

مالا مورثي: لا شك في وجود أوجه تشابه في تنظيم الدماغ، وفهم ارتباط هذه الأوجه بالوظائف سيكون مثيراً للحماس.

ما هي علاقة عدد العصبونات بعدد الاتصالات العصبية؟

يحتوي دماغ ذبابة الفاكهة على نحو 105 عصبون، بينما يحتوي دماغ الفئران على نحو 108عصبون. كيف يتناسب عدد الاتصالات بين العصبونات مع عدد هذه العصبونات؟ هل يبلغ عدد الاتصالات العصبية في دماغ الفأرة ألف ضعف من نظيره لدى الذبابة أمْ أنه أكبر بكثير؟

غريغوري جيفرِس: في الواقع، من المرجّح أن عدد المشابك العصبية لكل عصبون يختلف بمعامل لا يتجاوز 10، وربما يعود ذلك جزئياً إلى أن المشابك العصبية لدى الذباب أصغر من المشابك العصبية لدى الثدييات ولأنها كثيرة التعدد. قد يكون أيضاً عدد المشابك بين العصبونات الوثيقة الارتباط في كونيكتوم الذباب أكبر (علماً أن عدد المشابك في الاتصالات العصبية الأوثق بين عصبونين يصل إلى الآلاف).

أخيراً، هل يمكنك التحدث قليلاً عن الطريقة التي ستمهّد وفقها الخريطة الجديدة المفصّلة الطريق لإجراء المزيد من الأبحاث؟

فيليب شليغل: بالطبع. تمثّل هذه الخريطة الدماغية أساساً يمكن مقارنة الكونيكتومات التجريبية المستقبلية به. على سبيل المثال، يمكن تدريب ذبابة على النفور من رائحة معينة قد تكون جذابة لها في ظروف أخرى، ثم إنشاء خريطة لدماغ تلك الذبابة ومقارنتها بمجموعة بيانات منصة فلاي واير لتحديد التغيرات التي طرأت على مستوى الدارة العصبية. في حين أن تقنية تخطيط كهربية الدماغ لا تعمل في الذباب (إذ إن هذه الحشرات صغيرة للغاية)، يعمل العديد من الفرق البحثية بنشاط على الدمج بين الكونيكتوم والطرق الأخرى مثل التصوير بالكالسيوم أو التسجيلات الكهربائية الفيزيولوجية.

المحتوى محمي