هل يمكن معالجة السرطان عبر تجويع خلاياه للسكر؟

3 دقيقة
هل يمكن معالجة السرطان عبر تجويع خلاياه للسكر؟
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: مهدي أفشكو.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

طرح الطبيب السعودي عبدالله الذيابي، الاستشاري في أمراض الجهاز الهضمي والكبد والمناظير للكبار، والحاصل على الزمالة الكندية من جامعة تورنتو، سؤالاً على حسابه في منصة إكس وقال: "هل يمكن لإيقاف السكر أن يعالج السرطان؟" وذلك في ضوء انتشار مؤثرين على منصة تيك توك وغيرها ينصحون مرضى السرطان بإيقاف تناول السكر لتجويع الخلايا السرطانية، فهل هذا صحيح علمياً؟

اقرأ أيضاً: لماذا تنخفض معدلات الإصابة بالسرطان في الدول العربية لكنها الأعلى في الوفيات؟

من أين أتت فكرة أن السرطان يتغذى على السكر؟

تعود هذه الفكرة إلى ظاهرة تُدعى تأثير واربوغ، إذ لاحظ عالم ألماني يُدعى أوتو واربورغ منذ 90 عاماً أن الخلايا السرطانية المزروعة في أطباق تنمية الخلايا في المختبرات تميلُ إلى استهلاك كمية أكبر من الغلوكوز مقارنة بالأنسجة الطبيعية غير المنقسمة، ولاحظ أيضاً أنه على الرغم من أن الخلايا السرطانية كانت تستهلك كميات كبيرة من الغلوكوز، لكنها لم تعتمِد الطريقة الأكثر فاعلية لحصد الطاقة من هذا الغلوكوز من خلال حرقه بواسطة الأوكسجين الموجود في الميتوكوندريا. وبدلاً من ذلك، حوّلت الخلايا السرطانية الغلوكوز إلى مُركّب لاكتات الذي لا يعطي كفاءة الطاقة نفسها ويهدر الكثير من الغلوكوز دون الاستفادة من كل إمكاناته.

افترض واربورغ وجود خلل في ميتوكوندريا الخلايا السرطانية، لكن كان هذا الاستنتاج خاطئاً، إذ تمتلك الخلايا السرطانية الميتوكوندريا الوظيفية وتعتمد عليها للحصول على الطاقة في بعض الحالات.

بالإضافة لما سبق، يعتمد استنتاج تجويع الخلايا السرطانية في العصر الحديث على نتيجة التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET)، باستخدام مادة مُشعة تُدعى فلوروديوكسي غلوكوز (FDG)، تُستخدم كمادة تتبع لعملية التصوير الطبي لرصد النشاط الاستقلابي داخل الجسم بما في ذلك الخلايا السرطانية.

ويتضمن هذا الفحص حقن كمية صغيرة من مادة الفلوروديوكسي غلوكوز في جسم المريض، ويشبه هذا المُركّب الغلوكوز الذي تستخدمه الخلايا للحصول على الطاقة، حيث تمتص الخلايا السليمة والسرطانية هذا المُركّب لأنها لا تستطيع التمييز بينه وبين الغلوكوز.

لكن تميل الخلايا السرطانية إلى امتصاص المزيد من فلوروديوكسي غلوكوز لأنها غالباً تمتلك معدل استقلاب أعلى بسبب نموها وانقسامها السريع، بعدها ينبعث من المادة المُشعة بوزيترونات تصدر عند اصطدامها بإلكترون أشعة غاما داخل الجسم ويلتقطها جهاز التصوير، ويحدد المناطق ذات النشاط الاستقلابي المتزايد.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تتحدى الافتراضات القديمة حول أسباب السرطان

هل يمكن تجويع السرطان من خلال تقليل السكر الذي نأكله؟

يمتلك الجسم عدة آليات لا تسمح لمستوى السكر في الدم بالانخفاض إلى ما دون مستوى معين، فهناك 4 هرمونات رئيسية رافعة لسكر الدم وهرمون واحد يخفّضه هو الإنسولين، لذا فإن تناول كميات أقل من السكر سيؤدي إلى استخدام الجسم موارده المتبقية لإنتاج الغلوكوز من الدهون، حيث يمكن تحويل الدهون إلى سكريات عند الحاجة إلى الطاقة ويمكن استخراج السكر المختَزن من المُركّبات المخزنة له مثل الغليكوجين وغيرها أيضاً وذلك وفق مسارات استقلابية معقدة.

أمّا بالنسبة لنتائج التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني لرصد مُركّب الفلورديوكسي غلوكوز، فهو اختبار يحدد مناطق زيادة الاستقلاب، علماً أن الاستقلاب عملية معقدة ولا تنتج فقط عن وجود السكر. فعلى الرغم من أن الخلايا السرطانية تستهلك كمية أكبر من الغلوكوز مقارنة بالخلايا السليمة، فإن هذا لا يعني أن السكر يسبب السرطان بشكلٍ مباشر أو يسرّع نموه، فالعوامل الاستقلابية لا تتضمن السكر فقط؛ فهناك عوامل وعناصر أكثر منه بكثير، ولا توجد آلية انتقائية تمنع بها وصول السكر إلى الخلايا السرطانية دون أن تقطع إمدادات السكر للخلايا السليمة التي تتغذى بدورها على الغلوكوز كمصدر طاقة.

ويُعدّ تقليل تناول السكر إلى درجة كبيرة من أجل تجويع الخلايا السرطانية خطيراً على الصحة، إذ يمكن أن يحرم الجسم والخلايا السليمة من حاجتها إلى الغلوكوز الضروري لتغذية الدماغ والاستقلاب بكامل الجسم.

اقرأ أيضاً: لماذا يفشل بعض علاجات السرطان على كبار السن؟

لذا يمكن القول إن تقييد نمو السرطان من خلال التغييرات الغذائية فقط هو تبسيط مبالغ به لعلاج مرض معقد ومتعدد العوامل البيئية والوراثية والغذائية مثل السرطان، حيث تُعدّ الخلايا السرطانية قابلة للتكيُّف بشكلٍ كبير ويمكنها الحصول على الطاقة التي تحتاج إليها من مصادر مختلفة وليس فقط الغلوكوز.

بالمقابل، يمكن مستقبلاً ابتكار بعض الأدوية التي تمنع بشكلٍ انتقائي تغذية الخلايا السرطانية بالغلوكوز عند استهداف مورثات معينة في الخلايا السرطانية، حينها ستكون تقنية العلاج المعتمدة على تجويع الخلايا السرطانية ذات فاعلية، لكن ليس من خلال الصيام عن السكر بل من خلال الأدوية النوعية.

هل هناك فوائد وقائية من السرطان عند تقليل تناول السكر؟

نعم، إذ تؤدي السمنة الناتجة عن وجود الكثير من الدهون في الجسم إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان، وتحدث السمنة بسبب استهلاك سعرات حرارية أكثر مما يتم إنفاقه مع مرور الوقت، ويؤدي تناول الكثير من السكريات المكررة إلى السمنة التي ترتبط مع الإصابة بالسرطان، إذ يمكن للسكريات الفائضة أن تتحول إلى دهون مختزنة، حيث تعمل دهون الجسم على تعزيز الإصابة بالالتهابات، ما قد يؤدي إلى تلف الحمض النووي ويؤدي إلى الإصابة بالسرطان.

اقرأ أيضاً: كيف نُميّز سرطان الجلد عن الشامة السليمة؟

يمكن التأكيد على ما أجاب به الدكتور عبدالله الذيابي في تغريدته، أنه لا يمكن اعتماد طريقة الانقطاع عن السكر كطريقة لإيقاف السرطان وتجويعه، فخلايا الجسم جميعها (الطبيعية والسرطانية) تستخدم السكر الموجود في الأطعمة والمشروبات. لذا، إيقاف تناول السكر لا يعالج السرطان".