هل صحيح أن زيوت بذور القطن وفول الصويا وعباد الشمس ضارة؟

7 دقيقة
هل صحيح أن زيوت بذور القطن وفول الصويا وعباد الشمس ضارة؟"
"إذا كان الحل يبدو أنسب أو أبسط من أن يكون حقيقياً، فهو كذلك على الأرجح".

ملخص: ينشر الكثير من مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي تحذيرات من زيوت البذور تقول إنها تتسبب بمشكلات صحية كأمراض القلب والالتهابات وحتى تردّي صحة الجلد. البذور التي يتم الحديث عنها هي زيوت بذور الكانولا والذرة وبذور القطن وفول الصويا وعباد الشمس والعُصفر وبذور العنب ونخالة الأرز. وغالباً ما يتم إرجاع ضررها إلى احتوائها على تراكيز عالية من أحماض أوميغا-6 الدهنية. وحمض اللينولييك تحديداً هو المقصود من هذه الأحماض، منتقدو زيوت البذور يزعمون أن البشر يتناولون كميات كبيرة للغاية منه، ما يؤدي إلى تراكم النواتج مثل حمض الأراكيدونيك، الذي يزعم هؤلاء أنه يتسبب بالالتهابات ويُبطل فوائد تناول أحماض أوميغا-3 الدهنية. لكن الأبحاث العلمية تؤكد أنه إذا احتوى الجسم على كمية كافية من أحماض أوميغا-3، فإن الوسط الالتهابي لا يتعزز بسبب أحماض أوميغا-6، وأن النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة وكميات كبيرة من الألياف هو الأفضل.

إذا كنت من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فربما سمعت أن زيوت البذور ضارة بالصحة وسامة أيضاً. وفقاً لبعض المؤثرين على الإنترنت، تتسبب زيوت الطهي المستخرجة من البذور بمختلف المشكلات الصحية، من أمراض القلب والالتهابات والإعياء إلى تردّي الجلد. لكن على عكس المنشورات التي تشيطن هذه المكونات الرائجة للطعام، تتناقض مجموعة واسعة من الأبحاث العلمية مع هذا الرأي. سنشرح في هذا المقال عن الحقائق وراء "مصدر القلق" الصحي هذا.

اقرأ أيضاً: هل بذور الفاكهة آمنة للابتلاع؟

ما هي زيوت البذور؟

هناك العديد من الأنواع المختلفة من زيوت الطهي المستخرجة من النبات، لكن عندما يتحدث الناس عن زيوت البذور، فإنهم يشيرون غالباً إلى مجموعة تضم ثمانية أنواع، وهي: زيوت الكانولا والذرة وبذور القطن وفول الصويا وعباد الشمس والعُصفر وبذور العنب ونخالة الأرز. (خذ في الاعتبار أن الزيوت مثل زيت الزيتون وزيت الأفوكادو وزيت جوز الهند لا تنتمي إلى هذه المجموعة). تحتوي هذه الزيوت الثمانية على الدهون، ما يعني أنها تحتوي على الأحماض الدهنية (وهي مجموعة غذائية أساسية مهمة). بالإضافة إلى ذلك، يحتوي العديد من هذه الزيوت على نسبة عالية نسبياً من أحماض أوميغا-6 الدهنية.

الأحماض الدهنية هي المكونات الأساسية للدهون الثلاثية، أو جزيئات الدهون الكاملة. هذه الأحماض هي مركبات عضوية تتألف في الغالب من سلاسل الكربون والهيدروجين ومجموعة حمضية في أحد أطرافها. ترتبط كل ذرة كربون في الدهون المشبعة باستثناء الذرات الطرفية بذرتين من الهيدروجين. بينما تحتوي الدهون غير المشبعة على روابط مزدوجة بين ذرات الكربون المتجاورة بدلاً من ذرات الهيدروجين هذه. أحماض أوميغا-6 الدهنية غير مشبعة، وتقع أولى تلك الروابط المزدوجة عند ذرة الكربون السادسة بدءاً من الطرف، ولهذا هي تحمل هذا الاسم.

هناك العديد من الأنواع من مركبات أوميغا-6، لكن هناك نوعاً واحداً يحمل اسم "حمض اللينولييك" هو سبب أغلبية المخاوف الصحية حول زيوت البذور. مجدداً، حمض اللينولييك هو من المغذيات الأساسية التي يحتاج إليها جسم الإنسان. لا يستطيع الجسم تركيب هذا الحمض، وهو ضروري لوظائف الخلايا والجهاز المناعي، كما أنه يدعم عملية التأشير الخلوي الصحية.

لكن منتقدي زيوت البذور يزعمون أن البشر يتناولون كميات كبيرة للغاية من حمض اللينولييك، ما يؤدي إلى تراكم النواتج مثل حمض الأراكيدونيك، الذي يزعم هؤلاء أنه يتسبب بالالتهابات ويُبطل فوائد تناول أحماض أوميغا-3 الدهنية. يؤكد مناهضو استخدام زيوت البذور أن التأثير النهائي لذلك كله هو ارتفاع خطر الإصابة بأمراض مثل مرض السكري من النوع الثاني وأمراض القلب والسرطان.

حقائق علمية

هناك بعض النقاط الصحية المحقّة خلف كلام المؤثرين الذين يُثيرون المخاوف بشأن زيوت البذور. يضر الإفراط في تناول الأطعمة المقلية والمعالجة بالصحة عموماً. لذا، قد تشعر بتحسن في صحتك إذا تناولت كميات أقل من البطاطس المقلية والكعك بسبب تجنّب زيوت البذور.

بالإضافة إلى ذلك، إذا كنت تتبع نظاماً غذائياً غربياً نموذجياً، من المرجّح أنك لست عرضة لخطر الإصابة بنقص حمض اللينولييك، كما من المرجّح أن مدخولك من أحماض أوميغا-6 أكبر من نظيره لأحماض أوميغا-3. وفقاً لعالم التغذية والأستاذ في جامعة ساوثهامبتون في إنجلترا، فيليب كالدر، ازدادت كمية حمض اللينولييك في الأنظمة الغذائية في العقود الأخيرة لأن العديد من الأطعمة المصنّعة ووجبات المطاعم مصنوع من زيت الصويا أو زيت عباد الشمس أو زيت العصفر، كما تحتوي الأعلاف الحيوانية الآن على كمية كبيرة من فول الصويا، ما يعني أن كمية حمض اللينولييك في اللحوم ومنتجات الألبان أصبحت أكبر. قال كالدر لبوبيولار ساينس: "انتشر حمض اللينولييك في السلسلة الغذائية خلال السنوات الخمسين إلى الستين الماضية".

بالإضافة إلى ذلك، يوضّح كالدر أن هناك "أدلة نظرية" تُبيّن أن حمض اللينولييك يمكن أن يتحول جزئياً إلى حمض الأراكيدونيك، الذي يتحول جزئياً بدوره إلى مركبات مرتبطة بالالتهابات. علاوة على ذلك، قد تتنافس أحماض أوميغا-6 وأوميغا-3 على المسارات الاستقلابية نفسها. توجد هذه الآليات الحيوية جميعها في الجسم.

لكن هنا تكمن الفكرة المهمة، وهي أن الحجج النظرية لا ترقى إلى مستوى الرصد العلمي. يقول عالم التغذية والأستاذ غير المتفرّغ لعلوم الأغذية والتغذية البشرية في جامعة إلينوي في مدينة أوربانا-شامبين، غاي جونسون: "لا تنعكس الآليات النظرية تماماً في الحياة الواقعية. إذا احتوى الجسم على كمية كافية من أحماض أوميغا-3، فإن الوسط الالتهابي لا يتعزز بسبب أحماض أوميغا-6".

اقرأ أيضاً: جرعة يومية من زيت الزيتون تقي من الخَرَف وفقاً لبحث جديد

ما الذي تقوله الأبحاث؟

يوافق كالدار على كلام جونسون ويُضيف قائلاً: "بيّنت أغلبية الدراسات البشرية إما أنه لا توجد علاقة بين تناول حمض اللينولييك وعلامات الالتهابات وإما أن هذه العلاقة هي عكس المتوقّع. لاحظنا في الأبحاث أن ارتفاع نسب كلٍ من حمض اللينولييك وحمض الأراكيدونيك يرتبط بانخفاض المؤشرات الحيوية للالتهابات". شارك كالدار في تأليف دراسة مراجعة نشرها عام 2018 هدفت إلى تقييم الأدبيات العلمية المنشورة حول الالتهابات وأحماض أوميغا-6 وتوصل إلى الارتباط السابق الذكر.

يقول كالدار: "لم نكتشف أي دليل يثبت وجود ارتباط ضار بين أحماض أوميغا-6 والعلامات الالتهابية لدى البشر". توصلت دراسة مراجعة شارك جونسون في تأليفها عام 2012 إلى النتيجة نفسها.

توصل العديد من دراسات المراجعة والتحليلات التلوية الأخرى إلى استنتاجات مشابهة، بالإضافة إلى أن مؤلفيها لاحظوا وجود فوائد لتناول هذه المواد في الحالات التي قد يتوقع البعض فيها المضار. يقول الأستاذ في كلية سانفورد للطب في جامعة ساوث داكوتا ورئيس معهد أبحاث الأحماض الدهنية، ويليام هاريس: "لاحظ الباحثون عند النظر في مستويات أوميغا-6 في الدم والنتائج الصحية، علماً أنهم فعلوا ذلك عدداً كبيراً من المرات عند دراسة الآلاف من الأشخاص، أن الأشخاص الذين يتمتعون بأعلى المستويات من هذه الأحماض يتمتعون بأفضل النتائج".

شارك هاريس في تأليف العديد من دراسات التعرّض البشرية بالإضافة إلى دراسات المراجعة الواسعة لتقييم تأثيرات أحماض أوميغا-6 الدهنية في الصحة. اكتشف هاريس وزملاؤه في دراسة تحليلية نشروها عام 2017 أن استهلاك أحماض أوميغا-6 يقلل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. خلص هاريس وزملاؤه في دراسة مراجعة نشروها عام 2020 لثلاثين دراسة رصدية إلى أن ارتفاع مستويات حمض اللينولييك يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين.

وفقاً لتحليل تلوي آخر من عام 2020 قيّم فيه الباحثون 38 دراسة مختلفة، يرتبط تناول كميات أكبر من حمض اللينولييك بانخفاض خطر الوفاة الناجمة عن مختلف الأسباب، وتشمل هذه أمراض القلب والسرطان. يمكنني أن أواصل الاستشهاد بالدراسات؛ إذ هناك العشرات منها، ولكنك فهمت الفكرة على الأرجح.

آليات العمليات الاستقلابية في الجسم وطريقة تفاعله مع الأحماض الدهنية معقدة. يقول هاريس: "هناك تفاعلات دقيقة بين أحماض أوميغا-6 وأوميغا-3 ومجموعة متنوعة من المستقلَبات الأخرى"، ويُضيف قائلاً إن الاعتقاد الذي ينصُّ على أن أحماض أوميغا-3 مفيدة وأحماض أوميغا-6 ضارة "تبسيطي للغاية وليس صحيحاً".

يقول هاريس وكالدر إن هناك بعض الأبحاث الموثوقة التي تناقض رأيهما. تشمل هذه الأبحاث ورقتين بحثيتين يستشهد الكثيرون بهما نشرهما رئيس وحدة فوق أكسدة الدهون في المعهد الوطني للشيخوخة والمؤلف الرئيسي لهما، كريستوفر رامسدن. كشف رامسدن في الدراستين عن أبحاث تعود إلى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات لم تنشرها أي مجلة علمية، شهدت فيها مجموعتان من المشاركين الذين اتبعوا نظاماً غذائياً غنياً بزيوت البذور والسمن النباتي نتائج صحية أسوأ.

مع ذلك، هناك محاذير مهمة فيما يتعلق بنتائج هذه الأبحاث. على سبيل المثال، أشار هاريس إلى أن المشاركين تناولوا مستويات أعلى بكثير من الزيوت المحتوية على أحماض أوميغا-6 مقارنة بمستويات هذه الزيوت في الأنظمة الغذائية الرائجة اليوم. بالإضافة إلى ذلك، يقول كالدر إن العديد من أنواع السمن النباتي الصلب التي استخدمها مؤلفو هذه الأبحاث احتوى على كميات كبيرة من الدهون المتحولة على الأرجح، التي يعتقد العلماء أنها ضارة بصحة الإنسان.

أحد مصادر القلق التي يجادل بها المتشككون في زيوت البذور هو استخدام الهكسان في إنتاجها. يقول جونسون، الذي كتب العديد من العرائض الصحية المتعلقة بعلاقة مختلف أنواع الزيوت بالصحة: "لا شك في أن الشركات تستخدم الهكسان لاستخراج الزيوت النباتية باختلاف مصادرها، لكن المنتجات التي يشتريها المستهلكون من متاجر البقالة لا تحتوي على الهكسان على الإطلاق؛ إذ إن الخبراء يزيلونه تماماً"، وذلك خلال عملية المعالجة.

عموماً، تشير الغالبية العظمى من الأدلة العلمية إلى أن الطهي بالزيوت التي تحتوي على أحماض أوميغا-6 غير ضار وربما يكون مفيداً أيضاً.

ما الذي يجب تجنّب تناوله؟

بالنظر إلى ما ذكرناه أعلاه، قد يبدو أنه يجب عليك تناول كميات كبيرة من زيوت البذور، ولكن هذا ليس صحيحاً تماماً. بما أن النظام الغذائي الغربي غني بالفعل بأحماض أوميغا-6، من المرجح أنك تتناول كمية كافية من هذه الأحماض. يقول هاريس: "يتناول سكان الدول الغربية كمية كبيرة من أحماض أوميغا-6. أنا لا أدعو الناس إلى البدء بتناول هذه الأحماض على أنها مكملات غذائية. لكن ما أقوله هو إن الجهود المبذولة لتقليل مدخول أحماض أوميغا-6 ستؤثر سلباً في الصحة". يوضّح هاريس أن سبب ذلك هو أن انخفاض مستويات أوميغا-6 يؤدي إلى انخفاض عدد الفوائد الوقائية المرصودة التي يوفّرها حمض اللينولييك.

من المحتمل أيضاً أن ينتهي الأمر بالأشخاص الذين يستغنون عن زيوت البذور إلى استبدالها بزيوت أقل فائدة للصحة عن غير قصد. يجمع المؤثرون بين ازدرائهم لزيوت البذور والصيحات الصحية الأخرى في الكثير من الأحيان، مثل الترويج "للنظام الغذائي لآكلي اللحوم" أو للاستغناء عن استخدام الواقي الشمسي، كما أنهم يروّجون لها جميعها معاً أحياناً. تدفع هذه المعلومات المزيفة مَن يتعرض لها إلى تجنّب منتجات الوقاية من الشمس وتناول الخضروات، مع تشجيعهم على تناول شرائح لحم العجل الكاملة وأصابع الزبدة يومياً. لا يشير أي دليل في الكم الهائل من الأبحاث العلمية حول صحة الإنسان والتغذية إلى أن الأفكار المذكورة أعلاه جيدة.

اقرأ أيضاً: هل مكملات زيت السمك مفيدة حقاً؟

قد لا تكون الدهون المشبعة ضارة بصحة القلب كما اعتقد العلماء سابقاً، لكن اتباع نظام غذائي غني للغاية بالدهون المشبعة والمنتجات الحيوانية قد يزيد خطر ارتفاع نسب الكوليسترول والإصابة بأمراض القلب والشرايين. مجدداً، يتناول سكان الدول الغربية كميات كبيرة من الدهون المشبعة. يقول كالدر إن أحماض أوميغا-3 هي الخيار الأكثر صحية بين الأحماض الدهنية في النظام الغذائي الغربي الحديث، بينما تأتي أحماض أوميغا-6 في المرتبة الثانية والدهون المشبعة هي الخيار الأقل صحية بين الخيارات التي يجب أن تتناول المزيد منها.

يوصي هاريس أيضاً بتناول المزيد من أحماض أوميغا-3، خاصة النوع الموجود في المأكولات البحرية (وتمثّل الأعشاب البحرية والطحالب مصدراً نباتياً ملائماً للنباتيين والخُضريين).

عموماً، الطريقة الأفضل لاتباع نظام غذائي صحي هي التي تتوقعها على الأرجح. يقول كالدر وجونسون إن النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة وكميات كبيرة من الألياف هو الأفضل. يقول جونسون: "ما قالته لنا أمهاتنا صحيح". يشير هاريس إلى أن التحرّك أكثر وتناول كميات أقل من الطعام عموماً قد يلائم أغلبية الأميركيين؛ إذ يقول: "أسلوب الحياة هذا ليس مثيراً، ولكن هذا هو الواقع".

أخيراً، يجب أن تحذر من الادعاءات الصحية التي تتعرض لها عبر الإنترنت لتحافظ على سلامتك. تذكّر دائماً أن الارتباط لا يكافئ السببية، وأن تجربة شخص واحد لا تعادل دراسة علمية رصينة، كما أن الحلول السريعة والبسيطة لكل مشكلة صحية غير موجودة. يقول جونسون: "إذا كان الحل يبدو أنسب أو أبسط من أن يكون حقيقياً، فهو كذلك على الأرجح".

المحتوى محمي