قد يلاحظ الأشخاص الذين ينتقلون إلى بلد جديد أو مكان جديد ظهور مشكلات جلدية مختلفة، أو يعانون تلفاً في الشعر غير متوقع، فإلى أي حدٍّ تؤثّر المياه التي تغسل بها وجهك أو تستحم بها في صحة جلدك وشعرك؟
في الواقع، إلى حدٍّ كبير وربما أكثر مما تتوقع. إذ تؤثر جودة المياه مباشرة في صحة الجلد والشعر من خلال محتواها المعدني ودرجة حموضتها واحتوائها على الكلور، وقد تسهم في جفاف الجلد أو تهيّجه أو الإصابة بالإكزيما أو تلف الشعر أو الحكة أو غيرها من الأضرار. لذلك، سنوضّح في هذا المقال أهم ما يتعلق بتأثير المياه في صحة الشعر والجلد، وكيف يمكن حماية الشعر والجلد من تأثير المياه ذات الجودة المنخفضة. ولنبدأ من المياه العسرة.
اقرأ أيضاً: 6 زيوت طبيعية لعلاج مشكلات الشعر
الماء العسِر
الماء العسِر (قساوة الماء) هو الماء الذي يحتوي على تركيز عالٍ من أيونات الكالسيوم والمغنيزيوم، أو العديد من المعادن المذابة الأُخرى التي تشكّل كاتيونات ثنائية أو متعددة التكافؤ. تتشكل المياه العسرة نتيجة مرورها عبر طبقات التربة الغنية برواسب الحجر الجيري أو الجبس، المكوَّنة أساساً من كربونات الكالسيوم والمغنيزيوم والبيكربونات والكبريتات. لذلك، تكون المياه الجوفية ومياه الصنبور والأنهار والبحار أكثر قساوة من مياه الأمطار التي لم تنل فرصة المرور عبر طبقات التربة بعد.
تتفاعل المعادن الموجودة في هذه المياه مع الصابون لتكوّن مادة صلبة شبيهة بالزبَد غير قابلة للذوبان في الماء تُسمى "الصابون المعدني" (Metallic soap)، قد تلتصق هذه المادة على البشرة وتسدّ المسام، فتسهم، عند الاستخدام المتكرر، في جفاف الجلد، وقد تسبب ظهور قشرة الرأس والحكة في فروة الرأس. فضلاً عن أنها قد تفاقم احتمالية الإصابة بالتهاب الجلد التأتبي (الإكزيما) خصوصاً عند الأطفال.
أما بالنسبة للشعر، فان غسله بالماء العسر يسبب جفافه وتكسّره وترقّقه وتشابكه وتساقطه. وقد تتحول هذه المشكلات قصيرة الأمد إلى مشكلات طويلة الأمد عند الاستخدام المتكرر، وهو ما قد يؤثر في نمو الشعر الصحي أيضاً.
لا يمكن تحديد الماء العسِر بمجرد النظر إليه؛ لكن ثمة بعض العلامات التي قد تشير إليه؛ مثل عدم تكوين رغوة بسهولة عند الغسيل بالصابون، أو الشعور بطبقة رقيقة على اليدين بعد غسلهما، أو ظهور بقع على الأكواب والأواني الشفافة بعد غسلها ناتجة عن تكوين رواسب من كربونات الكالسيوم، وظهور بعض البقع على الملابس وتآكل الملابس بسرعة، بالإضافة إلى أن انخفاض ضغط الماء في المنزل قد يشير إلى تشكل رواسب معدنية في الأنابيب ناتجة عن ارتفاع محتوى الماء العسر من المعادن.
اقرأ أيضاً: ما فوائد الحناء للشعر المتساقط؟ وكيف تُستخدَم؟
حموضة الماء
يستخدم الرقم الهيدروجيني أو ما يُعرف بدرجة الـ pH للإشارة إلى مدى حموضة أو قلوية مادة ما، وهو مقياس لوغاريتمي لتركيز أيونات الهيدروجين (H+) في هذه المادة؛ حيث يكون الرقم الهيدروجيني 7 محايداً، في حين تكون المادة حمضية إذا تراوح الـ pH بين 0 إلى 7، وتكون قلوية في حال كان أعلى من 7 إلى 14.
عموماً، توصي وكالة حماية البيئة الأميركية موردي مياه الشرب بالحفاظ على رقم هيدروجيني في مياه الشرب يتراوح ما بين 6.5 إلى 8.5، وهو كذلك رقم الـ pH الذي تحدده وزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة العربية السعودية بالنسبة لمياه الشرب غير المعبأة. لكن، غالباً ما يصل الرقم الهيدروجيني في مياه الصنبور إلى نحو 7.5 أو أعلى وذلك من أجل حماية شبكة توزيع المياه من التآكل.
الآن، وعلى الرغم من أن هذه المياه قد تكون جيدة للشرب؛ لكنها قد تسبب مشكلة بالنسبة للجلد؛ إذ تتمتع البشرة في الحالة الطبيعية بدرجة حموضة أقل من 5، عادةً نحو 4.7؛ حيث تسهم هذه الحموضة في منع نمو البكتيريا على الجلد، لذا فإن غسلها بمياه قلوية قد يؤدي إلى إزالة الزيوت الطبيعية من الجلد وإضعاف الحاجز الطبيعي ضد البكتيريا المضرة والالتهابات، ما يسبب جفاف الجلد والتهيج وظهور البثور، ومفاقمة حالات مثل الإكزيما والتهاب الجلد والصدفية.
المياه المعالَجة بالكلور
الكلور مطهر شائع الاستخدام في حمامات السباحة ومنشآت معالجة المياه، إذ يتمتع بفعالية عالية في قتل البكتيريا الضارة والكائنات الحية الدقيقة الأخرى، بالإضافة إلى أنه يُضاف إلى مياه الشرب في العديد من البلدان؛ إذ يعد منخفض التكلفة مقارنة بالطرق الأخرى المستخدمة في معالجة المياه.
لكن وعلى الرغم من أهميته بالنسبة للسلامة، فإن التعرض الطويل الأمد أو المتكرر للمياه المكلورة قد يكون له بعض التأثيرات السلبية في الجلد والشعر؛ إذ يمكن للكلور أن يجرّد البشرة والشعر من زيوتهما الطبيعية الواقية ما يسبب الحكة والجفاف والالتهابات، كما قد يفاقم الإكزيما والتجاعيد والشيخوخة المبكرة، فضلاً عن أنه قد يزيد جفاف الشعر وهشاشته وتقصفه.
تأثير تغيير نوعية المياه
قد يعاني بعض المسافرين إلى بلدان أو أماكن جديدة تهيّج الجلد أو ظهور البثور أو الجفاف أو تقصف الشعر، وقد يكون سبب ذلك، بالإضافة إلى تغيّر المناخ والطعام، اختلاف خصائص المياه؛ إذ قد يؤثّر تغيير نوعية الماء المستخدم في الغسيل والاستحمام في كلٍّ من البشرة والشعر؛ نتيجة اختلاف قساوة الماء وحموضته ومحتواه من الكلور كما رأينا.
في الواقع، وجدت دراسة منشورة في دورية المجلة الدولية للأمراض الجلدية (International Journal of Dermatology) عام 2016، أن غسيل الشعر بالماء العسر يسبب تلفه وتجعده وانخفاض سمكه خلال 30 يوماً فقط، مقارنة بغسيل الشعر بالماء المقطر.
لذلك، وبما أن التحكم في نوعية المياه المستخدمة قد لا يكون متاحاً في كثير من الأحيان، ينبغي التركيز على اختيار المنتجات المناسبة للعناية بالبشرة والجلد، مع مراعاة استشارة أحد المتخصصين في صحة الجلد لمعرفة ما يناسب الاحتياجات الشخصية. تسهم منتجات العناية ذات النوعية الجيدة في الحفاظ على مستويات الحموضة المثالية، وتساعد على إزالة ترسبات المياه العسرة، ما يقلل في المحصلة من احتمالية حدوث المشكلات المرتبطة بجودة المياه.
من ناحية أُخرى، تبين أن تغيير مياه الغسيل واستخدام مياه نقية جداً ويسرة؛ أي خالية من شوارد المغنيزيوم والكالسيوم، يحمي جلد الأشخاص الأصحاء من ترسب الصابون المعدني، في حين أن الاستحمام بهذه المياه مدة 4 أسابيع يقلل الجفاف والحكة عند الأشخاص أصحاب البشرة الجافة، كما قد تكون ذات خصائص علاجية للمرضى الذين يعانون مشكلات جلدية.
اقرأ أيضاً: 10 نصائح منزلية لزيادة كثافة اللحية
كيف تحمي شعرك وبشرتك؟
إليك بعض النصائح لحماية بشرتك وشعرك من مخاطر المياه العسرة والقلوية:
- تركيب جهاز لتنقية الماء: قد يُسمى أيضاً جهاز تيسير الماء أو إزالة عسر الماء، في المحصلة هو جهاز يجعل الماء يسراً وليس عسراً عن طريق التخلص من المعادن الموجودة فيه. يمكن تركيب جهاز تنقية المياه للمنزل كاملاً، وهو ما قد يكون مكلفاً، أو تركيب رأس دش فقط.
- ترطيب الجلد مباشرة بعد الغسيل أو الاستحمام: مثلما ذكرنا، يؤدي الاستخدام المنتظم للمياه العسرة إلى جفاف البشرة وتهيجها. لذا، ولمقاومة هذا التأثير، ينبغي ترطيب البشرة على الفور بعد الاستحمام أو الغسيل. يمكن استخدام التونر الخالي من الكحول بعد الغسيل لإزالة آثار المعادن، وكذلك يمكن استخدام زيت جوز الهند الدافئ مرطباً للجسم.
- استخدام شامبو مخلبي أو مخلِّب (Chelating Shampoo): هو شامبو يحتوي على مكونات ترتبط مع المعادن الموجودة في الماء العسر وتزيلها. غالباً ما يحتوي على مادة ثنائي أمين الإيثيلين رباعي حمض الأسيتيك (Ethylene Diamine Tetra Acetate) واختصاراً (EDTA). ابحث عن هذه المادة في مكونات الشامبو.
- استخدام شامبو خالٍ من الكبريتات: تتفاعل الكبريتات الموجودة في العديد من أنواع الشامبو مع المعادن الموجودة في المياه العسرة، حالها حال الصابون؛ لذا يُنصح بالشامبو الخالي من الكبريتات عندما لا يكون التخلص من الماء العسر ممكناً، وذلك في الأيام التي لا يجري فيها استخدام الشامبو المخلّب؛ إذ يساعد على إزالة الزيوت الزائدة والرواسب دون تجريد الشعر من الزيوت الطبيعية.
- استخدام قناع مغذٍ للشعر: تستخدم هذه الأقنعة مرتين أسبوعياً على الأقل لاستعادة الرطوبة واللمعان، وينبغي ترك القناع على الشعر مدة 5 دقائق على الأقل.
- اختيار بلسم رقمه الهيدروجيني منخفض (عالي الحموضة): من الأفضل أن يكون البلسم من الأنواع التي تترك على الشعر دون شطفها بالماء؛ إذ يساعد على إغلاق بشرة الشعر وحبس الرطوبة داخله وإبقاء المعادن خارجه.
- تجربة الليمون الحامض أو الخل: أي مزج الماء مع قليل من خل التفاح أو عصير الليمون الحامض لموازنة درجة حموضة فروة الرأس والمساعدة على إزالة الرواسب المعدنية.
- إنهاء الاستحمام بشطف الشعر بالماء البارد: إن كان ذلك ممكناً، من أجل إغلاق بشرة الشعر وتعزيز اللمعان.
بالإضافة إلى النصائح السابقة، من الأفضل استخدام الصابون باعتدال على الجسم، وأن يكون استخدامه بكميات أكبر على المناطق كثيرة التعرق فقط. بالإضافة إلى ذلك، إذا كان غسل الوجه بمياه الصنبور يسبب آثاراً ملحوظة، فيمكن استخدام المياه المعبأة أو المياه المقطّرة.