كيف تستطيع قناديل البحر التعلم على الرغم من عدم امتلاكها دماغاً مركزياً؟

كيف تستطيع قناديل البحر التعلم على الرغم من عدم امتلاكها دماغاً مركزياً؟
يمتلك قنديل البحر الكاريبي الصندوقي 4 هياكل متوازية تشبه الدماغ يحتوي كل منها نحو 1,000 خلية عصبية. يان بيليكي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حققت قناديل البحر نجاحاً تطورياً لافتاً؛ إذ نجحت في البقاء على قيد الحياة مدةً تزيد على 500 مليون سنة في محيطات الأرض. بالإضافة إلى أن هذه الكائنات مستعدة للتعامل مع التغير المناخي بصورة جيدة للغاية في بعض مناطق العالم، وذلك على الرغم من عدم امتلاكها دماغاً مركزياً مثل معظم الحيوانات. على الرغم من ذلك، يمكن لقنديل البحر الكاريبي المدرّب أن يتذكر تجاربه السابقة بالطريقة نفسها التي يفعلها كل من الذباب والفئران والبشر، ويتعلم كيفية اكتشاف العوائق التي واجهها سابقاً، ويتعرف إلى طريقة تجنبها عندما يواجهها مرة أخرى. نُشرت نتائج الدراسة في 22 سبتمبر/أيلول في مجلة كارنت بيولوجي (Current Biology).

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: المهارات المكانية للفراشات قد تغيّر فهمنا لتأثر سلوك الحيوانات بالبيئة

قنديل البحر يتعلم من تجاربه السابقة

ينتشر هذا النوع من قناديل البحر في كل مكان في مياه البحر الكاريبي ووسط المحيطين الهادئ والهندي، ويبلغ قطره نحو 1 سنتيمتر فقط. تنتمي قناديل البحر الصندوقية إلى فئة قناديل البحر المعروفة بأنها من أكثر الحيوانات سمية في العالم؛ إذ يمكن أن تسبب لسعاتها الشلل وحتى الموت في الحالات الشديدة.

للحفاظ على قدرتها على اللسع والتنقل في عالمها المائي، لا تمتلك قناديل البحر دماغاً مركزياً مثل معظم أفراد المملكة الحيوانية. تمتلك قناديل البحر 4 هياكل متوازية تشبه الدماغ، يحتوي كل منها نحو 1,000 خلية عصبية؛ بينما يحتوي الدماغ البشري على نحو 100 مليار خلية عصبية. يتمتع قنديل البحر الكاريبي الصندوقي بنظام بصري معقد يتألف من 24 عيناً موزعة في جسمه على شكل جرس. تستخدم القناديل هذا النظام البصري الفريد للتنقل عبر المياه العكرة للمستنقعات الكثيفة بأشجار المانغروف (mangrove)، ويساعدها على البحث عن الفريسة والغوص تحت جذور الأشجار تحت سطح الماء.

ويقول المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الأعصاب بجامعة كوبنهاغن، أندرس غارم (Anders Garm)،في بيان صحفي: “كان يُعتقد سابقاً أن قناديل البحر يمكنها إجراء أبسط أشكال التعلم فقط، ويشمل ذلك الاعتياد على تحفيز معين مثل الصوت المستمر أو اللمس المستمر. أما الآن، نرى أن قناديل البحر تتمتع بقدرة أكثر تطوراً على التعلم، ويمكنها بالفعل التعلم من أخطائها. لذلك؛ يمكنها تعديل سلوكها بناءً على خبراتها السابقة”.

اقرأ أيضاً: بحث جديد يزيح الستار عن أدلة جديدة تثبت أن الصحراء الكبرى كانت غابة

في هذه الدراسة، استخدم الفريق حوضاً دائرياً مزوداً بشرائط رمادية وبيضاء لمحاكاة موطن قناديل البحر الطبيعي. كانت الشرائط الرمادية تحاكي جذور أشجار المانغروف التي ربما تبدو بعيدة عن قناديل البحر في بداية التجربة. راقب الفريق قنديل البحر في الحوض مدة 7 دقائق ونصف. في البداية، كان قنديل البحر يسبح بالقرب من هذه الشرائط التي تبدو بعيدة، واصطدم بها بصورة متكررة. في نهاية التجربة، زاد قنديل البحر متوسط المسافة بينه وبين جدار الحوض بنسبة 50% تقريباً، وانعطف 4 مرات بنجاح لتجنب الاصطدام بهذه الأشجار المزيفة، وتقلصت نسبة ملامسته واصطدامه بالجدار بمقدار النصف.

تشير النتائج إلى أن قناديل البحر يمكن أن تتعلم من تجاربها السابقة ويمكن أن تكتسب القدرة على تجنب العقبات من خلال عملية تسمى “التعلم الترابطي” (associative learning). في هذه العملية، تشكل الكائنات الحية روابط عقلية بين المحفزات الحسية والسلوكيات.

أجهزة عصبية متطورة لدى قناديل البحر

يقول المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الأعصاب في جامعة كيل (Kiel University) في ألمانيا، يان بيليكي (Jan Bielecki)، في بيان صحفي: “التعلم هو أعلى مستوى من أداء الجهاز العصبي.

لتعليم قنديل البحر خدعة جديدة، من الأفضل الاستفادة من سلوكياته الطبيعية، واستخدام أشياء منطقية بالنسبة إلى الحيوان، حتى نتمكن من الوصول إلى إمكاناته الكاملة”.

اقرأ أيضاً: ما أهمية فهم تأثير الكوارث الطبيعية على قاع البحار في حماية البنى التحتية؟

درس الفريق عملية التعلم الترابطي لقناديل البحر من خلال تحديد العملية الأساسية لهذا التعلم عن طريق عزل المراكز الحسية البصرية للحيوان، التي تسمى “روباليا” (rhopalia). يحتوي كل من هذه المراكز 6 عيون تؤدي دوراً في التحكم في حركة نبضات قناديل البحر. ويزداد تردد حركة النبضات عندما يواجه قنديل البحر عائقاً ما وينحرف بعيداً عنه.

عرض الباحثون شرائط رمادية متحركة أمام هذه الهياكل الحسية الثابتة لمحاكاة كيفية اقتراب قنديل البحر من الأجسام؛ لكن لم تستجب الروباليا للشرائط الرمادية الفاتحة إذ يبدو أنها تفسر الشرائط على أنها بعيدة وغير مهمة للتفاعل معها. ثم درّب الباحثون الروباليا باستخدام بعض المحفزات الكهربائية الضعيفة التي تحاكي المحفزات الميكانيكية، التي تحدث عند الاصطدام بجسم ما. بعد عملية التحفيز الكهربائي، بدأ الروباليا في توليد إشارات لتجنب العوائق عندما اقتربت من الشرائط الرمادية الفاتحة.

أهمية التعلم الترابطي

أظهرت نتائج هذه المرحلة من التجربة أن الجمع بين المحفزات البصرية والميكانيكية ضروري للتعلم الترابطي لدى قنديل البحر، وأن الروباليا ربما تعمل بوصفها مركز التعلم لدى الحيوان.

يقول غارم: “هذه النتائج مهمة جداً في مجال علم الأعصاب الأساسي، فهي توفر رؤية جديدة حول ما يمكن تحقيقه باستخدام جهاز عصبي بسيط، ويشير ذلك إلى أن التعلم المتقدم ربما كان من أهم الفوائد التطورية للجهاز العصبي منذ بداية تطور النظم العصبية في الكائنات الحية”.

اقرأ أيضاً: ماذا يخبرنا الفيروس المكتشف في أعماق المحيط عن الحياة في الظروف المتطرفة

يخطط الفريق لإجراء بحث أعمق في التفاعلات الخلوية (cellular interactions) للجهاز العصبي لقنديل البحر بهدف دراسة عملية تكوين الذاكرة، ويأمل الباحثون فهمَ كيفية عمل المستشعر الميكانيكي الموجود في جسم قنديل البحر لرسم صورة شاملة لعملية التعلم الترابطي.

يقول غارم: “من المدهش رؤية مدى سرعة تعلم هذه الحيوانات؛ إذ إنها تتعلم بسرعة كبيرة على غرار الحيوانات الأكثر ذكاءً. حتى الأنظمة العصبية البسيطة قادرة على أداء عمليات التعلم المتقدمة؛ ما يعني أن آلية التعلم على مستوى الخلايا العصبية نفسها تطورت منذ البدايات الأولى لظهور الجهاز العصبي لدى الكائنات الحية”.