الأستاذة منى هاشم تلقي الضوء على دراسة حديثة حول الأنظمة الغذائية المستدامة وموقف الشباب في الإمارات منها

6 دقيقة
الأستاذة منى هاشم تلقي الضوء على دراسة حديثة حول العلاقة بين الأنظمة الغذائية المستدامة وموقف الشباب في الإمارات
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من المهم في ضوء الالتزام العالمي بتعزيز الخيارات الغذائية المستدامة والدور المحوري للشباب في اعتماد هذه الخيارات أن تُفهَم وجهات نظر الشباب تجاه النُظم الغذائية الصحية والمستدامة. لذلك، هدفت دراسة حديثة منشورة في مجلة “التغذية البشرية وعلم التغذية” (Journal of Human Nutrition and Dietetics) في ديسمبر/كانون الأول عام 2023، نفّذها فريقٌ من الباحثين في جامعة الشارقة (University of Sharjah) بقيادة أستاذة العلوم الصحية منى شريف هاشم، إلى التحقق من صحة وموثوقية استبيان يفحص المعرفة والمواقف والممارسات والرغبة في التغيير فيما يتعلق بالأنظمة الغذائية المستدامة بين الشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وقد توصل الباحثون إلى أن الاستبيان الذي طوّروه يُعدُّ أداة صالحة وموثوقة، ويمكن استخدامه لتحديد مجالات التحسين والسُبل المحتملة للتدخلات القائمة على الأدلة التي تستهدف على وجه التحديد تعزيز النُظم الغذائية المستدامة بين الشباب.

ومن النتائج التي توصل إليها الباحثون عبر هذا الاستبيان أن الشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة الشابات، قد أظهروا شهية منخفضة تجاه النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط، وكانوا أكثر ميلاً نحو تناول الحبوب المكررة والحلويات السائلة بدلاً من الفاكهة والخضروات. كما وُجِد أن لدى الشباب معرفة ضعيفة ومواقف سلبية تجاه الأنظمة الغذائية المستدامة، ما يشير إلى انخفاض مستويات التحفيز اللازمة لتغيير السلوكيات الغذائية.

اقرأ أيضاً: بحث جديد يكشف تلوث مياه الشرب المعبأة بجزيئات البلاستيك النانوي

يؤكد الباحثون أن الالتزام بالنظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط يرتبط بانخفاض انبعاثات الغازات الدفيئة، ما يشير إلى أن الترويج لهذا النظام الغذائي قد تكون له آثار إيجابية على كلٍّ من صحة الأفراد والأثر البيئي، وتؤكد النتائج وجود الحاجة إلى تدخلات وبرامج قائمة على الأدلة لتعزيز استيعاب الأنظمة الغذائية المستدامة بين الشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة وربما في البلدان الأخرى الناطقة بالعربية.

وتُعدُّ هذه الدراسة أول أداة موثوقة لفحص المعرفة والمواقف والممارسات والرغبة في التغيير فيما يتعلق بالنُظم الغذائية المستدامة بين الشباب في دولة الإمارات، أمّا ما جعل الباحثين يستهدفون فئة الشباب، فهو أن جيل الشباب، وفقاً للأستاذة هاشم، هو الجيل الأكبر عدداً في التاريخ من أي جيل سابق، ومن المرجّح أن تستمر السلوكيات الغذائية التي يتبناها الآن حتى مرحلة البلوغ، ومن ثَمَّ فإن الهدف هو أن يؤثِّر هؤلاء الشباب في الخيارات الغذائيه للأجيال القادمة، ما يضمن توارث عادات الأكل المستدامة والصحية.

لذلك وفي ضوء هذه الدراسة ولفهم النتائج على نحو أفضل، وجّهنا مجموعة من الأسئلة إلى الباحثة الرئيسية في الدراسة الأستاذة منى شريف هاشم، التي أجابت عنها مشكورة على نحو كافٍ ووافٍ. وإليك التفاصيل.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تكشف أكثر أسباب الوفاة شيوعاً في عصرنا الحالي

ما المقصود بالأنظمة الغذائية المستدامة؟ وما التحديات التي تواجه الشباب في اتباع هذه الأنظمة؟ 

تشير الأنظمة الغذائية المستدامة إلى الأنظمة الغذائية التي لها تأثير بيئي منخفض وتسهم في تحقيق الأمن الغذائي وصحة الإنسان، وهي غنية بالبقوليات والأطعمة الكاملة والفاكهة والخضروات التي تتطلب كميات أقل من المياه والطاقة، وترتبط بانخفاض انبعاثات غازات الدفيئة، ما يجعلها تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

عموماً، تعتمد الخيارات الغذائية على معرفة الناس بالعادات الصحية وموقفهم منها، وهو ما ينطبق على الشباب أيضاً فيما يتعلق بالأنظمة الغذائية المستدامة، فالعوائق المتصوَّرة أمام اتباع المفهوم الجديد نسبياً هي مدى معرفتهم بهذه العادات الغذائية الصحية، بالإضافة إلى أنماط حيواتهم السريعة، وتبنيهم أساساً عادات سهلة وخيارات متوفرة.

في ضوء النتائج التي تشير إلى أن الشباب لديهم معرفة ضعيفة ومواقف سلبية تجاه النُظم الغذائية المستدامة.. ما الاستراتيجيات أو التدخلات التي تعتقدين أنها قد تشجّع الشباب على تغيير سلوكياتهم الغذائية إيجابياً نحو الاستدامة؟

نعم، تبين في هذه الدراسة أنه على الرغم من وجود بعض المعرفة، فثمة عوائق قد تعوق ترجمة المعرفة إلى الممارسة. لذلك، ينبغي بذل جهود متضافرة من قِبل كلٍّ من هيئات الصحة العامة ووزارة التربية والجامعات لتعزيز النُظم الغذائية المستدامة المخصصة لتحفيز الشباب على اعتماد أنظمة غذائية مستدامة؛ مثل إدخال مناهج مبتكرة في المعاهد التعليمية ضمن مساقات الجامعة التي تغرس جوانب الاستدامة جميعها، والترويج لهذه الأنظمة بوساطة مختصي التغذية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وربطه بنوعية الأطعمة التي يستحسنها عادة الشباب، كما يجب تسليط الضوء على دور الشباب ومسؤولياتهم تجاه الأمن الغذائي، وأن ما هو صحي للناس قد يكون صحياً أيضاً للنُظم البيئية، باعتبار العلاقة بين الماء والغذاء والطاقة.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: ساعات نوم أقل في الثلاثينيات تعني اضطراباً بعمل الذاكرة في الخمسينيات

لقد ذكرت أن “طريقة الدراسة والاستبيان يمكن أن تكون بمثابة أداة قيمة للتعرف إلى الفجوات والفرص في تعزيز الخيارات الغذائية المستدامة بين الشباب”.. فكيف يمكن استخدام المعلومات المتعلقة بالثغرات والفرص في خيارات الشباب الغذائية من أجل تطوير استراتيجيات أو إجراءات عملية تعزز عادات الأكل الصحية؟

قوة الأداة التي استُعمِلت في استبيان الدراسة المعتمد هي إدراج سؤال عن “الرغبة في التغيير”، بالإضافة إلى المعرفة والمواقف وممارسات الشباب. من الممكن عندما تتضح هذه المعلومات أن تتكيف التدخلات حسب حاجات هذه الفئة العمرية، ولتُؤخَذ أيضاً في الاعتبار عند تطوير البرامج الهادفة إلى تعزيز النُظم الغذائية المستدامة عند الشباب، ما سيسهم في المحصلة في ثبات هذه العادات الغذائية وضمان استمرارها وتوريثها إلى الأجيال القادمة.

توضِّح الدراسة إمكانات النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط بوصفها استراتيجية واعدة.. فما مدى قابلية هذا النظام الغذائي للتكيُّف مع تقاليد الطهي المتنوعة داخل البلدان العربية؟ وما التعديلات الثقافية التي قد تعزز قبوله؟

تشمل مكونات النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط على نحو أساسي كلاً من البقوليات والخضروات والفواكه، واستخدام زيت الزيتون في طهي الطعام، مع قلة الاعتماد على اللحوم الحمراء. في الواقع، للمطبخ الشرق أوسطي شعبية عند المجتمعات العربية بغض النظر إن كانوا من بلاد الشرق أوسطية، وهو سهل التحضير ومتنوع؛ ما يعني أنه من الممكن تعديل وصفات المطبخ العربي أو الخليجي التقليدي.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: زيادة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ترتبط بالإصابة بالالتهابات

بالنظر إلى الأثر البيئي المحتمل للخيارات الغذائية في المنطقة.. هل تعتقدين أن ثمة حواجز ثقافية أو اقتصادية تعوق اعتماد أنظمة غذائية أكثر استدامة في البلدان العربية مقارنة بأجزاء أخرى من العالم؟

 أعتقد أن المعوقات ثقافية أكثر من كونها اقتصادية، لأن النُظم الغذائية المستدامة أقل تكلفة للمستهلك والبيئة، وعلينا من أجل اعتماد ما يُسمَّى “بتغييرات الأنماط الغذائية” تعزيز الثقافة “المجتمعية والبيئية”، والتخلي عن “الخيارات الفردية”. يمكن القول إن اتباع نظام غذائي مستدام سيصبُّ في النهاية في تحسين صحة الفرد و نوعية حياته. 

الجدير بالذكر أن دولة قطر انتهجت نهج حكومات دول غربية مثل ألمانيا، وهولندا، وقامت بمراجعة اعتمادهما وقدّمت توصيات غذائية تشمل النُظم الغذائية المستدامة.

اقرأ أيضاً: هل الإنجاب يطيل العمر حقاً كما تقترح هذه الدراسة الحديثة؟

في ضوء التحديات الغذائية المحددة في الدراسة.. ما الدور الذي يمكن أن يؤديه التعاون بين المتخصصين في الرعاية الصحية وأخصائيي التغذية وصناعة الأغذية في تطوير أساليب مبتكرة ومناسبة ثقافياً لتعزيز عادات الأكل الصحية بين الشباب في منطقة الخليج العربي؟

لا بُدّ أولاً من إجراء أبحاث مستقبلية لفحص المحدّدات الاجتماعية والديموغرافية والمعرفة والمواقف والممارسات، لتحديد المجموعات السكانية الذين سيستفيدون في الغالب من تدخلات الصحة العامة وتشجيع اعتماد النُظم الغذائية المستدامة، ولا بُدّ أيضاً من التعاون بين المتخصصين في الرعاية الصحية وأخصائي التغذية في نشر المبادئ التوجيهية وإصدار توصيات على المستوى الوطني.

بالنسبة لدور مختصي التغذية، تشمل التدخلات نشر التعليمات عن كيفية التخطيط لنظام غذائي صحي مستدام مرتكز على الأطعمة المنتجة محلياً، وإعادة إحياء الوجبات التقليدية بروح “شبابية”. ومن الممكن الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي التي تجذب هذه الفئة العمرية من أجل تشجيع اعتماد النُظم الغذائية المستدامة.

أمّا بالنسبة لقطاع صناعة الأغذية، فله دور مهم في اعتماد وسائل إنتاج تقلِّل استهلاك مصادر الطاقة في المصانع، وابتكار منتجات غذائية تعتمد على مصادر نباتية أكثر من المصادر الحيوانية؛ فثمة أدلة دامغة أن الأطعمة الكاملة والفاكهة والخضروات والبقوليات تتطلب كميات أقل من المياه والطاقة وترتبط بانخفاض انبعاثات غازات الدفيئة.

اقرأ أيضاً:  دراسة جديدة: الصحة الإنجابية للذكور تتأثر بالمبيدات الحشرية

إلى جانب الخيارات الغذائية.. هل تعتقدين أن بحثك يمكن أن يساعد على فهم تأثير نمط الحياة والعادات اليومية في انتشار السمنة في البلدان العربية؟

لم تشمل أسئلة استبيان البحث شيئاً عن “النشاط الحركي” للمشاركين، لكن من الممكن أن نستخلص من مواقف الشباب الإيجابية تجاه استهلاك الأطعمة الحيوانية والمواقف السلبية لاستهلاك الأطعمة النباتية أنهم يتّبعون عادات غير صحية تؤدي إلى السمنة.

منذ زمنٍ طويل، صاغت الهيئات الصحية العالمية إرشادات غذائية في ضوء تأثيرها في الصحة، وتحديداً السمنة والأمراض المرتبطة بها. وفي هذا السياق، كان استهلاك الأطعمة الكاملة والفاكهة والخضروات والبقوليات دائماً من الأولويات في الأنظمة التي تقلل الوزن الزائد.

ما النصيحة التي تقدمينها لمسؤولي الرعاية الصحية الذين يرغبون في وضع قواعد أو خطط لمساعدة الأشخاص على تناول طعام أفضل ومنع السمنة بناءً على ما توصل إليه بحثك؟

  • التعاون مع أكاديميين وباحثين في مجال الغذاء والتغذية لصياغة أنظمة غذائية نابعة من المجتمع المحلي والأطعمة التقليدية التي تتناغم مع المبادئ التوجيهية والأبعاد الصحية للمتناول الغذائي المستدام.
  • تطوير تدخلات قائمة على الأدلة لمعالجة الفجوات في المعرفة والمواقف والممارسات لكلٍّ من الشباب والمجتمع تجاه النظم الغذائية المستدامة في ضوء تأثيرها في الصحة، وتحديداً السمنة والأمراض المرتبطة بها.
  • توحيد الجهود مع مختصي التغذية ومصانع الغذاء في ابتكار منتجات غذائية تعتمد على مصادر نباتية أكثر من المصادر الحيوانية.