هل تستطيع الكلاب تخيل الأشياء مثل البشر؟

6 دقيقة

معرفة ما يحدث بالفعل داخل أدمغة الكلاب عندما تتبع أمراً ما أو تلتقط كرة ليست بالأمر السهل. هل تفهم الكلاب نبرة الصوت ومقاطع الكلمات ولغة الجسد وحركات اليدين المصاحبة لها وتستجيب لها أمْ أنها تفهم السياق الظرفي فقط؟ قدّمت الدراسات السلوكية بعض الدلائل، لكن الأبحاث الجديدة تقدّم المزيد من الأدلة التي تُبيّن أن الكلاب تدرك حقاً المعنى الكامن وراء الكلمات.

وفقاً لدراسة جديدة نُشِرت بتاريخ 22 مارس/آذار 2024 في مجلة كارنت بايولوجي (Current Biology)، يتبع النشاط الدماغي لدى الكلاب نمطاً يبدو أنه يشير إلى قدرتها على التفريق بين الكلمات التي تدل على أشياء مختلفة، بل وتندهش عندما تُعرض عليها كلمات وأشياء غير متوافقة. استخدم فريق من علماء الأعصاب والباحثين في مجال سلوك الحيوان اختبار مخطط كهربية الدماغ غير الباضع لقياس النبضات الكهربائية داخل أدمغة 27 كلباً أليفاً ضمن تجربة شملت أصحاب الكلاب وبعض الألعاب التي تحبها الكلاب. لاحظ هؤلاء نمطاً للنبضات للكهربائية شبيهاً بإشارة عصبية معروفة لدى البشر. تُسلّط النتائج الجديدة الضوء على أدمغة الكلاب وتعمّق فهم العلماء لمنشأ اللغة المعقدة.

"كنا مهتمين بتحديد إن كانت الكلاب تفهم الكلمات كما يفهمها البشر".

تقول عالمة الأعصاب التي تدرس اللغويات في جامعة ميريلاند، إيلين لاو، التي لم تشارك في الدراسة الجديدة: "الدراسات مثل هذه رائعة".توضّح لاو أن تطبيق مخطط كهربية الدماغ على الكلاب بدلاً من التقنيات الباضعة الأخرى التي تُستخدم غالباً لدراسة أدمغة الحيوانات يُتيح للباحثين مقارنة البشر وغير البشر بطرق مباشرة أكثر. تُضيف لاو قائلة: "علينا جمع المزيد من البيانات من هذا النوع إذا أردنا تحديد السمات المشتركة بين البشر والحيوانات".

اقرأ أيضاً: لماذا لا تدرك الكلاب عادة ما يشير إليه أصحابها؟

تطبيق اختبار مفردات مخصص للرضّع على الكلاب

تتميز الكلاب المنزلية عن الحيوانات الأخرى بأنها تتعرض أكثر للغة البشر. تقول عالمة الأعصاب التي تبحث في مجال الإدراك لدى الكلاب في جامعة بنسلفانيا ولم تشارك في الدراسة الجديدة، أمريتا ماليكارجون: "يمكننا البحث في الكثير من الأسئلة المثيرة للاهتمام حول إدراك الكلاب للغة لأنها من الحيوانات القليلة التي تعيش في منازلنا وتنتبه إلينا".

هدف مؤلفو الدراسة لاختبار قدرة الكلاب على إدراك العلاقة بين الأشياء والكلمات التي تقابلها. تقول عالمة الأعصاب الإدراكية وعالمة النفس في جامعة ستافنغر في النرويج والمؤلفة الرئيسية المشاركة للدراسة، ليلا ماغياري: "كنا مهتمين بتحديد إن كانت الكلاب قادرة على فهم الكلمات كما يفهمها البشر". يتمكن بعض الكلاب البارزة من إبراز مخزونه من المفردات في الاختبارات السلوكية، ولكن ليست الكلاب كلها مطيعة أو قادرة أو حسنة التصرف. هدف العلماء إلى تحديد إن كانت الكلاب تتمتّع بدرجة من الحس اللغوي حتى إن لم تكن من تلك التي تظهر قدرات استثنائية.

تزيد شدّة الإشارة مع ازدياد حدة المفاجأة.

يتمتّع البشر بمعايير داخلية لمعاني الكلمات تمنحهم القدرة على "تصور" شيء ما في أذهانهم اعتماداً على الذاكرة. مع ذلك، لا يعرف العلماء إن كانت هناك حيوانات أخرى تتمتّع بالقدرة على تخيل شيء غير موجود بتحفيز من صوت مرتبط بها. عدّلت ماغياري وزملاؤها اختباراً إدراكياً استُخدم سابقاً في دراسة الرضّع لمحاولة الإجابة عن هذا السؤال. يستخدم الباحثون هذا الاختبار لتقييم قراءات مخطط كهربية الدماغ لشخص تُقال له كلمة أو عبارة ثم يُعرض عليه شيء مطابق للوصف أو آخر غير مطابق له.

شُغّلت على مدار عدة تجارب تسجيلات صوتية للكلاب تحتوي على أصوات أصحابها وهم يلفتون انتباهها إلى شيء واحد من أصل 5 أشياء مألوفة بالنسبة لها، مثل "فيدو" و"انظر" و"الكرة"، بينما عُرضت عليها وجود أصحابها خلال نافذة. جاكوش إيلياشيفيتش

يظهر في قراءات مخطط كهربية الدماغ لدى البشر، حتى أولئك الأصغر عمراً من أن يتكلموا، تأثير قابل للرصد يحمل اسم "إن 400" ( N400) عندما يتعرضون للغة وغيرها من المحفزات. يتجلّى هذا التأثير في إشارة مميزة تصل شدّتها إلى ذروتها بعد نحو 400 ميلي ثانية من التعرّض للمحفّز، وتصبح أشد عندما لا تتطابق الأجسام أو الصور مع الكلمات. تزيد شدّة الإشارة مع ازدياد حدة المفاجأة. يفسّر العديد من العلماء هذا التأثير على أنه دليل على الفهم وعلى وجود معيار داخلي لتعريف الكلمة، حتى لدى الأشخاص الذين لا يستطيعون الكلام.

أجرت ماغياري والمؤلفون بعض التعديلات الدقيقة لجعل الاختبار ملائماً للكلاب، وذلك من خلال ضبطه لتحديد تأثير العوامل مثل راحة الكلاب والتباين المحتمل في الصوت والحركات أو إشارات التواصل الأخرى بين الكلاب وأصحابها في النتائج.

تقول لاو مشيرة إلى التصميم المُتقَن والمدروس جيداً للاختبار: "أعتقد أن الدراسة الجديدة جميلة، وأن الباحثين اتخذوا الإجراءات جميعها التي يجب أن تُتخّذ لجعل الاختبار ملائماً لدراسة إدراك الحيوانات".

عثر الباحثون على الكلاب، التي كانت من الحيوانات المرافقة التي تتمتّع بصحة جيدة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي واختاروها بناءً على تقييم أصحابها بأنها تفهم 3 كلمات تدل على الأشياء على الأقل. بعد فترة من التأقلم في المختبر، فصل الباحثون أصحاب الكلاب عن كلابهم بنافذة إلكترونية شفافة يمكن تحويلها بسرعة إلى عاتمة. وصّل العلماء أقطاباً كهربائية برؤوس الكلاب في نقاط رئيسية، شُغّلت على مدار عدة تجارب تسجيلات صوتية للكلاب تحتوي على أصوات أصحابها وهم يلفتون انتباهها إلى شيء واحد من أصل 5 أشياء مألوفة بالنسبة لها، مثل "فيدو" و"انظر" و"الكرة"، بينما عُرضت عليها وجود أصحابها خلال نافذة. بعد فترة وجيزة من تعتيم النافذة، ظهر أصحاب الكلاب من خلالها وهم يحملون أحد هذه الأشياء، وكان هذا الشيء إما مطابقاً للعبارة التي سمعتها الكلاب في التسجيل وإما غير مطابق. في الوقت نفسه، سجّل العلماء النبضات الإلكترونية التي تولّدت داخل أدمغة الكلاب باستخدام مخطط كهربية الدماغ.

اقرأ أيضًا: لماذا تعتمد الكلاب على حاسة الشم؟ وكيف يمكن مساعدتها على تعزيزها؟

أُدرج 18 كلباً من الكلاب البالغ عددها 27 التي شاركت في الدراسة في عملية التحليل النهائية. استبعد الباحثون 9 كلاب، بصورة رئيسية لأنها لم تستقر في مكان واحد فترة كافية للحصول على بيانات دقيقة في مخطط كهربية الدماغ. لكن العلماء لاحظوا وجود أنماط واضحة في أدمغة الكلاب ضمن النتائج حتى بعد أخذ التأثير السلبي لحركة الكلاب الكثيرة الحركة في الحسبان.

أُدرج 18 كلباً من الكلاب البالغ عددها 27 التي شاركت في الدراسة في عملية التحليل النهائية. استبعد الباحثون 9 كلاب، بصورة رئيسية لأنها لم تستقر في مكان واحد فترة كافية للحصول على بيانات دقيقة في مخطط كهربية الدماغ. جاكوش إيلياشيفيتش

عندما كان المحفّز السمعي غير متطابق مع الشيء المعروض، بيّنت قراءات مخطط كهربية الدماغ للكلاب بصورة روتينية ارتفاع شدة الإشارة إلى قيمة عظمى بمقدار كبير بعد 200-600 ميلي ثانية من التعرض للمحفّز، ما يشير إلى أنه حتى الكلاب المنزلية العادية تستطيع التمييز بين معاني بعض الكلمات. كانت الاستجابة الدماغية للكلاب في أعلى قيمها عندما أُقرنت الكلمات المعروفة أكثر بالنسبة لها (بناءً على تقارير أصحابها) مع أشياء غير متطابقة، ما يعزز رصانة النتائج.

عندما كان المحفّز السمعي غير متطابق مع الشيء المعروض، بيّنت قراءات مخطط كهربية الدماغ للكلاب بصورة روتينية ارتفاع شدة الإشارة إلى قيمة عظمى بمقدار كبير بعد 200-600 ميلي ثانية من التعرض للمحفّز، ما يشير إلى أنه حتى الكلاب المنزلية العادية تستطيع التمييز بين معاني بعض الكلمات.

وفقاً لعالمة الأعصاب الإدراكية وعالمة النفس في جامعة أوتفوش لوراند في مدينة بودابست الهنغارية والمؤلفة الرئيسية المشاركة للدراسة، ماريانا بوروس، يشير توقيت النبضة إلى أنها قد تكون مشابهة لإشارة إن 400 لدى البشر، لكن هناك حاجة إلى إجراء أبحاث المتابعة للتحقق من هذه الفرضية. تشير ماليكارجون إلى أن "مخطط كهربية الدماغ دقيق للغاية"، ومن المحتمل أن تكون الموجة الدماغية الموثقة في الدراسة فريدة من نوعها لأن أدمغة البشر والكلاب مختلفة للغاية. مع ذلك، بوروس متحمسة لمواصلة دراسة الرابط المحتمل؛ إذ تقول: "دراستنا هي أول دراسة تنظر في تأثير عدم التطابق في الحيوانات غير البشرية. وعلينا إجراء المزيد. احتمالية وجود استمرارية تطورية لهذا التأثير مثيرة للحماس للغاية".

فهم أساسيات اللغة

يقول أستاذ اللغويات في جامعة أوكسفورد وجامعة ميريلاند، كولِن فيليبس، إن الدراسة لا تُبيّن أن الكلاب تستطيع تعميم كلمة ما لتقابل فئة كاملة من الأشياء، وهي من الجوانب المهمة في اللغات البشرية، وذلك لأن التجربة استخدمت أشياء مألوفة بالنسبة للكلاب المشاركة. بالإضافة إلى ذلك، فيليبس ليس مقتنعاً تماماً بأن التأخير الزمني الذي قاسه الباحثون يثبت أن الكلاب تعود إلى صورة ذهنية أو ذاكرة. يقول فيليبس إن "الكلاب ربطت الأصوات بكلمات معينة، وهذه الدراسة مثيرة للإعجاب ومضبوطة بعناية"، لكن نتائجها ليست مفاجئة؛ "إذ إننا نعرف بالفعل أن الكلاب قادرة على فعل ذلك".

تقول كل من بوروس وماغياري إن اللغة أعقد بكثير من مجرد التعرف على الأسماء، وإن الدراسة لا تشير إلى أن قدرة الكلاب على تعلم اللغة قريبة حتى من قدرة البشر. تقول الباحثتان إنه بدلاً من ذلك، تشير الدراسة إلى القدرات المحتملة التي ربما ظهرت في الثدييات قبل ظهور النظام اللغوي المعقد للغاية الذي يتمتّع به البشر.

توافق ماليكارجون على أن دراسة الحيوانات الأليفة يمكن أن توفّر لنا رؤى عن البشر. وهي تقول إن العلماء سيتمكنون من خلال هذه الأبحاث من تحديد السمات الفريدة وتلك غير الفريدة للإدراك البشري بدقة أكبر، والتوصل إلى فهم لتطور اللغة.

اقرأ أيضًا: مرض تنفسي جديد يُصيب الكلاب: ما الأعراض التي يجب الانتباه إليها؟

في الوقت نفسه، تخدم نتائج الدراسة في تذكيرنا بأن الكلاب والحيوانات الأخرى مميزة بطريقتها الخاصة. تقول لاو: "هناك العديد من المناحي للتواصل. "لا يمكننا افتراض أن الحيوانات الأخرى لا تمتلك قدرات تواصل معقدة للغاية لمجرد أن البشر يتمتعون بنوع معين من أنظمة التواصل الفريدة من نوعها غير الموجودة كما هي لدى الحيوانات الأخرى".

المحتوى محمي