تُعدُّ هندسة الأغذية مجالاً متعددَ التخصصات، من جمع الموارد إلى معالجتها في عمليات مثل الغسيل والتقطيع والبسترة والطبخ والإنضاج والتخمير، وتعبئتها وتغليفها وحفظها وتخزينها.
لكل مرحلة وخطوة من هذه الخطوات مجموعة محددة الاختصاص من المشرفين والعمال المسؤولين عن ضمان تنفيذ كل منها على أكمل وجه. ومع ذلك، تفرض طبيعة عملهم، التي تنطوي على تفاعل مستمر مع مختلف عناصر إنتاج الغذاء، تعرّضهم لمجموعة من الأمراض المهنية والمخاطر الصحية التي ينبغي التعرف إليها لاتخاذ التدابير الوقائية الممكنة.
إليك أهم الأمراض المهنية التي تُصيب المهندسين والعاملين في الصناعات الغذائية.
الربو المهني
وفقاً لموسوعة منظمة العمل الدولية للصحة والسلامة المهنية (Encyclopaedia of Occupational Health and Safety)، يُصاب العاملون في الصناعات الغذائية بالربو المهني بسبب ما يتعرضون إليه من غبار ودقيق، ولتعاملهم مع الحيوانات والحبوب. على سبيل المثال، يتعرّض عمال القرفة إلى مادة ألدهيد سيناميك في لحاء الأشجار، وإلى مادة ثاني أوكسيد الكبريت المستخدمة في التبييض، وهي من مسببات الربو.
بالإضافة إلى ذلك، تنتشر بعض أنواع الميكروبات المستخدمة في الصناعات الغذائية، مثل فطور الرشاشيات (Aspergillus) والبنسيليوم (Penicillium) في هواء المخابز، ومصانع معالجة الألبان واللحوم خلال إنضاج الجبن والنقانق، وتُعدّ من مسببات الربو والتهاب الأسناخ التحسسي.
كما يُصاب العاملون في الصناعات الغذائية باضطرابات الجهاز التنفسي نظراً لتعرضهم لغبار مختلف المواد الغذائية وأبخرة المواد الكيميائية مثل الكواشف والمبردات والمعقمات، وللتغيرات في درجات الحرارة. على سبيل المثال، يُصاب عمال المسالخ والمطاحن بالتهاب الأنف المزمن، بينما يعاني عمال التوابل ضيق التنفس ونزلات البرد والتهاب الجيوب الأنفية والبلغم المزمن والتهاب الشعب الهوائية.
أمّا عمال التعبئة والتغليف للمواد الغذائية فقد يعانون أعراض الصفير وآلام الصدر وصعوبات التنفس بتأثير منتجات التحلل الحراري.
اقرأ أيضاً: أمراض المهن: ما أكثر الأمراض التي تواجه الأطباء شيوعاً؟
المشكلات الجلدية
غالبًا ما يعاني المهندسون والعاملون في صناعات الأغذية والمشروبات مشكلات جلدية مختلفة لعدة أسباب منها:
- التعرض للمهيجات: يحدث نتيجة فقدان الجلد محتواه من الدهون (الطبقة العازلة) بتأثير الغسيل المستمر بالصابون ومحاليل الأمونيوم الرباعية (العمل الرطب الذي تُغسَل فيه اليدان أكثر من 20 مرة في اليوم)، ما يجعله عرضة للمواد الكيميائية والمضافات الغذائية ويقلل من الحماية التي توفّرها الطبقة العازلة؛ حيث إن 55% من مشكلات الجلد في الصناعة جميعها تنتج عن ملامسة الماء والصابون والمنظفات.
- التعرض لمسببات الحساسية: وتشمل أنواعاً عديدة في صناعة الأغذية، مثل البروتينات والببتيدات والإنزيمات الميكروبية، والمركبات المكلورة في الصابون.
- التغيرات الشديدة في درجة حرارة البيئة والسطح: مثل قضمة الصقيع أو الحروق الحرارية.
- الجلد الحساس الموجود مسبقاً أو التهاب الجلد التأتبي (الإكزيما).
ومن أكثر الأمراض الجلدية انتشاراً بين العاملين في صناعة الأغذية:
- التهاب الجلد التماسي المهيج: ويحدث بسبب العمل الرطب وإزالة طبقة الدهون الواقية.
- التهاب الجلد التماسي التحسسي: وهو استجابة مناعية لمسببات الحساسية لدى بعض الأفراد.
- الشرى التماسي: يترافق بأعراض طفح جلدي وتورم وحكة.
- التهاب الجلد التماسي البروتيني: يظهر خلال ساعة من التعرّض لبروتينات اللحوم أو الأسماك، في شكل التهاب جلد اليد أو أطراف الأصابع أو داحس مزمن، مع أو بدون حويصلات دقيقة.
- عدوى اليد نتيجة الإصابة بميكروبات، مثل:
- القوباء والدمامل والتهاب الجريبات: وتحدث نتيجة الإصابة بالمكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus) والمكورات العقدية المقيحة (Streptococcus pyogenes).
- الداحس المزمن: وهو ناتج عن الإصابة بخميرة المبيضات البيضاء (Candida albicans).
- الثآليل: تحدث نتيجة الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري (human papillomavirus).
اقرأ أيضاً: أمراض المهن: ما الأمراض التي قد يعانيها العاملون في المنشآت النفطية ومصانع التعدين؟
ضعف السمع الناتج عن الضوضاء
في صناعة الأغذية، تنتج الضوضاء عن العديد من الأجهزة خلال مراحل التصنيع، فإذا تعرض العاملون مدة 8 ساعات متواصلة لضجيج تزيد شدته على 85 ديسيبل، فقد يُصابون باضطراب فقدان السمع الدائم وطنين الأذن. يمكن أن يؤدي ضعف السمع وفقدانه إلى انخفاض التركيز وتراجع الأداء والصحة النفسية. بالإضافة إلى ذلك، يرتبط الضجيج بأمراض القلب والأوعية الدموية وتشنجات المعدة والاضطرابات العصبية.
اقرأ أيضاً: أمراض المهن: ما الأمراض التي تصيب عمال التمديدات الصحية وعمال محطات الوقود والنجارين والحدادين والكهرباء؟
الاضطرابات العضلية الهيكلية
يتعرّض العاملون في الصناعات الغذائية لضغوطات جسدية كبيرة؛ من تقطيع اللحوم والتعبئة والتغليف والتوضيب ورفع الأحمال ودفع العربات وغيرها من الحركات المتواصلة والمتكررة، والمهام التي تجمع بين ثني الرسغ بشكلٍ متكرر مع حركة الإمساك والضغط والالتواء، وعلى مدار ساعات العمل. قد تؤدي هذه الحركات المتكررة إلى الإصابة بالاضطرابات العضلية الهيكلية في الأطراف العلوية والسفلية والظهر، وتشمل إصابات الإجهاد المتكرر مثل متلازمة النفق الرسغي والتهاب الأوتار وغمد الوتر.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التعرّض الطويل الأمد للاهتزازات إلى اضطرابات العضلات والعظام في الرسغين والمرفقين والكتفين، وقد تؤدي إلى نمو نتوء على العظم أو تدمير تدريجي لعظم المفصل المترافق بألم شديد وتقييد للحركة.
اقرأ أيضاً: أمراض المهن: مخاطر قيادة السيارة فترات طويلة وأهم النصائح لتجنبها
الإجهاد الحراري
تستلزم الصناعات الغذائية في بعض مراحلها درجات حرارة عالية جداً، من الطبخ والبسترة إلى القلي والشواء، ما يعرّض العاملين في الصناعات الغذائية لخطر الإجهاد الحراري.
عندما يتعرض الجسم لدرجات الحرارة العالية، تدور كميات كبيرة من الدم إلى الجلد لتبديد الحرارة، فتقل كمية الدم التي تصل أعضاء الجسم الحيوية مثل الدماغ، ما يسبب الدوار والغثيان وعدم وضوح الرؤية.
فإذا لم يُعالج الإجهاد الحراري بسرعة فقد يتسبب في تلف الدماغ. والأكثر خطورة من ذلك هو ضربة الشمس، حيث يفقد الجسم قدرته على التعرّق كوسيلة للتبريد، ما يعوق عملية تبديد الحرارة، وقد ترتفع إلى مستويات خطيرة مهددة للحياة.
اقرأ أيضاً: أمراض المهن: ما الأمراض التي قد تُصيب المبرمجين؟
العدوى الميكروبية
لطالما اعتُبِرت الميكروبات جزءاً أساسياً في تصنيع الغذاء والشراب. على سبيل المثال، تدخل في عملية إنضاج الجبن وتخمير العجين وإنتاج الزبادي، وتحويل النشا إلى سكريات. بالنتيجة تنتشر أبواغها في الهواء، وقد تُصيب العمال بالعدوى أو التسمم، خاصة عندما توجد في المطابخ والتي تُعرف بمنطقة الخطر، حيث تتراوح درجات الحرارة بين 4-60 درجة مئوية، وهو النطاق الملائم لنمو الميكروبات.